ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب المجلد 3

اشارة

سرشناسه : تبریزی، جواد، 1305 - 1385.

عنوان قراردادی : المکاسب.شرح

عنوان و نام پديدآور : ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب / تالیف جواد التبریزی.

مشخصات نشر : قم : دارالصدیقه الشهیده ، 14ق. - = 13 -

مشخصات ظاهری : ج.

شابک : دوره، چاپ چهارم 964-8438-20-X : ؛ 20000 ریال : ج. 1، چاپ چهارم 964-8438-19-6 :

يادداشت : عربی.

يادداشت : فهرستنویسی بر اساس جلد دوم.

يادداشت : کتاب حاضر شرحی برکتاب "المکاسب" تالیف انصاری است.

يادداشت : ج. 1 (چاپ چهارم: 1425 ق.= 1383).

يادداشت : ج. 2 و 3 (چاپ چهارم: 1384).

یادداشت : کتابنامه.

موضوع : انصاری، مرتضی بن محمدامین، 1214-1281ق . المکاسب -- نقدو تفسیر

موضوع : معاملات (فقه)

شناسه افزوده : انصاری، مرتضی بن محمدامین، 1214-1281ق . المکاسب . شرح

رده بندی کنگره : BP190/1 ی/الف8م702128 1300

رده بندی دیویی : 297/372

شماره کتابشناسی ملی :

[تتمة كتاب البيع]

[تتمة شروط المتعاقدين]

[تتمة بيع الفضولي]

[أولياء التصرف]
[يجوز للأب و الجد ان يتصرفا في مال الطفل]

يجوز للأب و الجد ان يتصرفا (1)

______________________________

(1) يجوز للأب و الجد يعنى أب الأب التصرف في مال الطفل بالبيع و الشراء و غيرهما من التصرفات و ولايتهما على الطفل بالإضافة إلى ماله و نكاحه في الجملة مما لا اشكال فيه و يشهد لذلك الروايات الواردة في موارد متفرقة مثل ما ورد في وصية الأب بالمضاربة بمال الطفل كحسنة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه (ع) انه سئل عن رجل اوصى الى رجل بولده و بمال لهم و اذن له عند الوصية ان يعمل بالمال و يكون الربح بينه و بينهم فقال لا بأس به من أجل ان أباه قد اذن له في ذلك و هو حي «1».

فإن ظاهر التعليل ثبوت الولاية للأب بالإضافة الى مال الطفل و قريب منها غيرها و ما ورد من ان الوالد يجوز له الرجوع فيما وهبه لولده إلا إذا كان الولد صغيرا

كصحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال سألته عن الصدقة إذا لم تقبض هل تجوز لصاحبها قال إذا كان الأب تصدق بها على ولد صغير فإنها

______________________________

(1) الوسائل الجزء (13) الباب (92) من الوصايا الحديث (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 4

..........

______________________________

جائزة لأنه يقبض لولده إذا كان صغيرا و إذا كان الولد كبيرا فلا يجوز له حتى يقبض «1» حيث ان ظاهرها ولاية الأب على مال الطفل الصغير و ما ورد في ولاية الأب و الجد على نكاح الصغير و الصغيرة حيث ان ثبوت الولاية لهما في النكاح و لكونه من الفروج اولى بالاحتياط يقتضي ثبوتها لهما في التصرفات المالية التي أمرها أهون من النكاح اللهم الا ان يقال مجرد ثبوت الولاية لهما في النكاح لا يقتضي ثبوتها لهما في التصرفات المالية لاحتمال الخصوصية في النكاح و لذا تثبت في النكاح الولاية لهما على نكاح الباكرة الرشيدة و لا يمكن الالتزام بولايتهما في التصرفات في أموالها.

و يظهر من المصنف ره الاستدلال على ولاية الأب و الجد بمال الطفل بما ورد في جواز أخذ الوالد من مال ولده «2» و لكن لا يخفى ان جواز أخذه مال ابنه للإنفاق على نفسه و دفع اضطراره لا يقتضي ثبوت الولاية له بالإضافة الى مال ولده كيف و مورد كثير من الروايات المشار إليها الأخذ من مال الولد الكبير مع انه ليس للوالد ولاية على ولده الكبير كما يظهر من صحيحة على بن جعفر المتقدمة و غيرها مع ان عدم الولاية مقتضى الأصل.

و بهذا يظهر الحال فيما ورد في جواز تقويم الأب جارية الابن و البنت على نفسه و وطيها بالملك

كصحيحة الحسن بن محبوب قال كتبت الى ابى الحسن الرضا (ع) انى كنت وهبت لابنة لي جارية حيث زوجتها فلم تزل عندها في بيت زوجها حتى

______________________________

(1) الوسائل الجزء (13) الباب (5) أحكام الهبات الحديث (5)

(2) الوسائل الجزء (12) الباب (78) أبواب ما يكتسب به

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 5

..........

______________________________

مات زوجها فرجعت الى هي و الجارية أ فيحل لي ان أطأ الجارية قال قومها قيمة عادلة و اشهد على ذلك ثم ان شئت فطأها «1» فان ظاهرها جواز تملك جارية البنت البالغة و هذا غير الولاية بالتصرفات في مال الصغير.

و كيف كان فلا ينبغي الريب و الكلام في أصل ثبوت الولاية للأب و الجد على الطفل في ماله.

و انما الكلام يقع في جهات الاولى- في اعتبار العدالة في ولايتهما الثانية- اشتراط تصرفهما بالصلاح للطفل أو باشتراط عدم المفسدة عليه أو عدم اعتبار شي ء الثالثة- ان الأب مع الجد في مرتبة واحدة في الولاية و ان مع فقد الأب يكون الجد القريب مع أبيه في مرتبة واحدة أيضا أو انه لا ولاية للجد البعيد مع القريب.

أما الأولى- فالمنسوب الى المشهور عدم اعتبار العدالة و المحكي عن الوسيلة و الإيضاح اعتبارها و ذكر المصنف ره في وجه عدم الاعتبار، الأصل و الإطلاقات و فحوى الإجماع المذكور في التذكرة على ولاية الأب الفاسق في- النكاح، حيث ان مع ثبوت الولاية فيه للفاسق يكون ثبوتها له في التصرفات المالية أولى.

أقول اما الأصل فإن وصلت النوبة إليه فمقتضاه الاعتبار لما ذكرنا سابقا من انه إذا كان الحكم المجعول انحلاليا يكون ثبوت الحكم لو أجد القيد متيقنا و ثبوت فرد آخر من الحكم لفاقده مشكوكا و مقتضى

الأصل عدم جعل ذلك الحكم الآخر و عدم ثبوته سواء كان الحكم من قبيل التكليف كما إذا علم بتحريم اللعب بآلات القمار

______________________________

(1) الوسائل الجزء (12) الباب (79) من أبواب ما يكتسب به الحديث (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 6

..........

______________________________

و دار الأمر بين ان يكون متعلق التحريم خصوص اللعب بها مع الرهن أو اللعب بها سواء كان في البين رهن أم لا فان مقتضى الاستصحاب عدم جعل الحرمة للمشكوك و لا مجال في مثل المقام لاستصحاب عدم أخذ خصوصية العوض في متعلق الحرمة فإن استصحاب عدم أخذها فيه لا يثبت ان المتعلق هو اللعب بها مطلقا أو كان من قبيل الوضع كما في المقام فإنه قد علم ان الشارع قد جعل الولاية للأب و الجد بنحو الانحلال و استصحاب عدم أخذ خصوصية العدالة في الموضوع لا يثبت ان الموضوع مطلق و يكون جعل الولاية للعادل متيقنا و بالإضافة الفاسق مشكوكا فالأصل عدم جعل الولاية للثاني.

اما الأخذ بالإطلاق فهو صحيح فإنه لم يقيد ما دل على ولاية الأب و الجد في النكاح بصورة عدالتهما كما انه لم يقيد الحكم في صحيحة محمد بن مسلم و صحيحة على بن جعفر المتقدمين بما إذا كان الأب عادلا.

و اما دعوى الإجماع في التذكرة أو غيرها على عدم اعتبار عدالة الأب و الجد في النكاح فلا يعتبر عدالتهما في غيره بالفحوى فقد ذكرنا ثبوت الإطلاق في الروايات الدالة على ولايتهما في النكاح و معه يكون الإجماع مدركيا حيث ان مدرك اتفاقهم هو الإطلاق المزبور و لو لم يكن هذا قطعيا فلا أقل من احتماله و مع الاحتمال لا يحرز الإجماع التعبدي فضلا عن التعدي الى غير

النكاح بالفحوى مع انا ذكرنا ما في الفحوى المزبور فلا نعيد.

و قيل في وجه اعتبار العدالة ان الولاية في مورد الكلام هي على القاصر من الطفل أو المجنون المتصل جنونه بحال صغره و القاصر لا يتمكن على دفع الضرر عن نفسه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 7

..........

______________________________

و صرف التلف و الفساد عن ماله و يستحيل في حكمة الصانع و لطفه ان يجعل الولاية بنفسه و ماله للفاسق فان جعل الولاية له عبارة عن اتخاذه أمينا على أمواله بحيث يكون إقراراته و إخباراته نافذة على المولى عليه مع ان الشارع لم يجعل الامانة للفاسق كما يدل عليه قوله سبحانه وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ.

أقول لو تم هذا الوجه لكان مقيدا للإطلاق المتقدم و لكن أورد المصنف ره عليه تبعا لجامع المقاصد ان في دلالة الآية على حكم المقام تأملا و انه لا محذور في ان يجعل الشارع الولاية للأب الفاسق أو الجد الفاسق فإنه متى ظهر عند الحاكم بقرائن الأحوال نظير ضعف جسم الطفل و نحافته أو يرى جده مثلا يصرف على نفسه سرفا مع عدم تملكه المال خيانة أب الطفل أو جده عزله عن الولاية و منعه عن التصرف في أموال الطفل و وضع يده عليها و ما لم يظهر الخيانة فولايته ثابتة.

و ان لم يعلم انه كيف يعامل مع الطفل و أمواله اجتهد بتتبع القرائن و شواهد الأحوال و لعل وجه التأمل عنده (قده) في دلالة الآية على حكم المقام هو ان المراد بالركون الى الظالم الدخول في أعوانه و جعل الظالم وليا على نفسه حيث ان هذا في نفسه أمر محرم كما يفصح عن قوله سبحانه

في ذيل الآية فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ و القرينة على كون المراد من الركون ذلك ما ذكر بعد ذلك و ما لكم من دون اللّه أولياء ثم لا تنصرون و لذلك لم يلتزم أحد فيما نعلم باعتبار العدالة في الوكيل أو العامل في المضاربة أو المستعير أو الودعي و نحو ذلك مع ان في جميع ذلك ركون من الموكل و المضارب و المالك الى الوكيل و العامل و المستعير و الودعي.

و قد يورد على الاستدلال بالآية بوجه آخر و هو ان الكلام في المقام في الولاية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 8

..........

______________________________

الشرعية للأب و الجد الفاسقين بالإضافة الى مال الطفل و هذه الولاية على تقدير ثبوتها لهما ركون من الشارع إليهما لا من العباد ليدخل في المنهي عنه في الآية.

لا يقال إذا كان الركون الى الفاسق من العباد قبيحا و ذا مفسدة يكون من الشارع ايضا كذلك خصوصا بملاحظة قوله سبحانه لِمَ تَقُولُونَ مٰا لٰا تَفْعَلُونَ فإنه يقال لا منافاة بين قبح فعل من العباد و عدم قبحه من اللّه سبحانه الا ترى ان قتل العباد و إتلاف أموالهم أمر قبيح و محرم مع ان اللّه سبحانه يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهٰا و ينزل البلاء من الزلازل و الطوفان على قوم و يدمرهم من بكرة أبيهم الى غير ذلك.

و قوله سبحانه لِمَ تَقُولُونَ مٰا لٰا تَفْعَلُونَ خطاب متوجه الى العباد و لا يعم اللّه سبحانه و بتعبير آخر انه قد يستقل العقل بقبح فعل مطلقا أو بخصوص الحكيم كالظلم و إغراء الناس بالجهل و مثله لا يصدر عن اللّه سبحانه و قد لا يستقل كما في بعض الأفعال التي منع الشرع العباد عنها و

في مثله لا طريق لنا إلى إحراز المفسدة فيما إذا صدر عن الشارع.

و قد يقال ان نظر صاحب الإيضاح بنص القرآن إلى آية النبأ الرادعة عن الاعتماد على خبر الفاسق فإن الولاية للأب و الجد لازمها قبول اقراراتهما و أخبارهما بالتصرفات في مال الطفل فيكون ما دل على ثبوت الولاية لهما بإطلاقه مقتضيا لقبول اخبار الأب و الجد الفاسقين و آية النبأ بإطلاقها يمنع عن قبول أخبارهما فيقدم إطلاق الآية لعدم اعتبار الخبر مع معارضته للكتاب العزيز و لا أقل من تساقط الإطلاقين فلا تثبت الولاية لهما مع كونهما فاسقين.

و قد يجاب عن ذلك بعدم الإطلاق في آية النبأ بالإضافة إلى مثل المقام حيث

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 9

عزله و منعه عن التصرف في ماله (1)

______________________________

ان ظاهرها و لو بملاحظة التعليل الوارد فيها عدم جواز الاعتماد على خبر الفاسق في الوقائع المهمة التي بكون العمل فيها بالخبر مع عدم مطابقته للواقع موجبا لفساد مهم و ندامة عامة كالاخبار بارتداد قوم بنى المصطلق.

و لكن لا يخفى ان مورد نزولها كانت واقعة مهمة و الا فالآية حكم انحلالي كسائر الإطلاقات و تعليل لزوم التبين بإصابة القوم لرعاية مورد النزول و الا فالمعيار الندامة على مخالفة الواقع و فوته. و الصحيح في الجواب ان قبول إخبار ذي اليد و الولي بالتصرفات فيما بيده أو بولايته مما جرت السيرة العقلائية من دون نظر الى كونهما عادلين و الردع عما جرت عليه سيرتهم يحتاج إلى النهي عنه بخصوصه و لا يصح بالعموم فضلا عن الإطلاق و قد ذكرنا تفصيل ذلك في بحث عدم كون الآيات الناهية عن اتباع غير العلم رادعة عن العمل باخبار الثقات.

بقي

في المقام أمر و هو ما عن النائيني و الإيرواني (قدس سرهما) من ان اعتبار العدالة في الولي بناء على القول به ليس من قبيل اعتبارها في الشاهد و القاضي و امام الجماعة و مرجع التقليد بل اعتبارها طريقي لإحراز وقوع التصرف الصحيح في مال الطفل و لو تصرف الأب الفاسق أو الجد كذلك في مال الطفل مع المصلحة فيحكم بصحته.

أقول لا مجال للالتزام باعتبارها طريقا مع الاستناد في اعتبارها إلى النهي عن الركون الى الظالم أو ان الفاسق كالكافر لا يصلح لإعطاء الولاية نعم لو استند في اعتبارها إلى آية النبأ لكان الالتزام باعتبارها طريقيا وجيها.

(1) لا يخفى ان الولاية الثابتة للأب و الجد ولاية من الشارع و لا دليل على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 10

و هل يشترط في تصرفه المصلحة (1)

______________________________

نفوذ إلغاء الحاكم و عزله نعم بما ان التحفظ على مال الطفل و الدفع عن نفسه مع عدم الولي أو خيانته داخل في الأمور الحسبية فعلى الحاكم منع ولى الطفل عن التصرف في ماله فيما أحرز خيانته حفظا عن فساده و تلفه.

و بتعبير آخر لا ولاية للأب أو الجد في مال الطفل بالإضافة إلى التصرف الفسادي.

ثم انه لا ملزم لاستعلامه الحال مع عدم علمه بالإفساد بعد كون تصرفات الولي محمولة شرعا على الصحة تكليفا و وضعا.

(1) هذه هي الجهة الثانية و قد يستظهر من الروايات الواردة في جواز أخذ الأب من مال ولده و جواز تقويم جاريته عدم اعتبار الصلاح للطفل بل و عدم اعتبار عدم الفساد ايضا و في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه (ع) قال سألته عن الرجل يحتاج الى مال ابنه قال

يأكل منه ما شاء من غير سرف و قال في كتاب على (ع) ان الولد لا يأخذ من مال والده شيئا و الوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء و له ان يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الابن قد وقع عليها و ذكر ان رسول اللّه (ص) قال لرجل أنت و مالك لأبيك و موثقة سعيد بن يسار قال قلت لأبي عبد اللّه (ع) أ يحج الرجل من مال ابنه و هو صغير قال نعم قلت يحج حجة الإسلام و ينفق منه قال نعم بالمعروف ثم قال يحج منه و ينفق منه ان مال الولد للوالد و ليس للولد ان يأخذ من مال والده إلا باذنه و في رواية محمد بن سنان ان علة تحليل مال الولد لوالده ان الولد موهوب للوالد في قوله تعالى يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ إِنٰاثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ الذُّكُورَ و كان التعليل مقتضاه ان يكون مال الطفل موهوبا لوالده بحيث يحسب ماله مالا لوالده و حيث ان المالك مسلط على ماله و يجوز له التصرف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 11

..........

______________________________

فيه ما لم يكن فيه سرف و تبذير يكون الوالد بالإضافة الى مال ولده كذلك.

و ربما يقال ان آية لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا لا يقتضي اعتبار العدالة في الأب و الجد باعتبار ان ولايتهما لا يكون من قبيل ركون الشارع أو غيره الى الظالم بل ولايتهما باعتبار كون المال لهما كما يقال باستظهار ولايتهما كذلك من قوله (ص) أنت و مالك لأبيك و لو بمعونة رواية عبيدة بن زرارة عن أبي عبد اللّه (ع) قال انى لذات يوم عند زياد بن عبد اللّه

إذ جاء رجل يستعدي على أبيه فقال أصلح اللّه الأمير ان ابى زوج ابنتي بغير اذنى فقال زياد لجلسائه الذين عنده ما تقولون فيما يقول هذا الرجل فقالوا نكاحه باطل قال ثم اقبل على فقال ما تقول يا أبا عبد اللّه فلما سألني أقبلت على الذين أجابوه فقلت لهم أ ليس فيما تروون أنتم عن رسول اللّه (ص) ان رجلا جاء يستعديه على أبيه في مثل هذا فقال له رسول اللّه (ص) أنت و مالك لأبيك قالوا بلى فقلت لهم فكيف يكون هذا و هو و ماله لأبيه و لا يجوز نكاحه قال فأخذه بقولهم و ترك قولي.

أقول ظاهر الروايات المتقدمة و غيرها مما يوافقها كون مال الولد لوالده و لازم ذلك ان يكون المال الواحد لمالكين مستقلين و حمل كون مال الولد لوالده على ولاية الوالد مع كونه بلا قرينة لازمه ولاية الوالد على ولده الكبير ايضا كما هو مورد بعض تلك الروايات و لا أظن الالتزام كذلك من أحد خصوصا بملاحظة التفصيل الوارد في رواية صدقة الوالد لولده و هذه قرينة جلية على ان المراد بالمال في مثل قوله (ص) أنت و مالك لأبيك ليس الملك الاعتباري فإن الولد لا يكون مملوكا لوالده بهذا المعنى بلا خلاف و ريب بل المراد الملكية التكوينية بمعنى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 12

..........

______________________________

كون الأب منشأ لوجود الولد و ماله بحسب نظام الخلقة و هذا ليس من الحكم الشرعي بل يناسب ان يكون ملاكا للحكم الشرعي و هو جواز أخذ الوالد من مال ولده بلا استيذان منه و لو كان الولد كبيرا.

و جواز الأخذ مقيد بصورة حاجة الأب و عدم إنفاق الولد بشهادة

صحيحة عبد اللّه بن سنان قال سألته يعني أبا عبد اللّه (ع) ما ذا يحل للوالد من مال ولده قال اما إذا أنفق عليه ولده بأحسن النفقة فليس له ان يأخذ من مال ولده شيئا و ان كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له ان بطأها الا ان يقومها قيمة تصير لولده قيمتها عليه الحديث و في حسنة الحسين بن العلاء قال قلت لأبي عبد اللّه (ع) ما يحل للرجل من مال ولده قال قوته بغير سرف إذا اضطر اليه فقلت له فقول رسول اللّه (ص) للرجل الذي أتاه فقدم أباه فقال له أنت و مالك لأبيك فقال انما جاء بأبيه إلى النبي (ص) فقال يا رسول اللّه هذا أبى و قد ظلمني ميراثي من أمي فأخبره الأب انه قد أنفقه عليه و على نفسه و قال أنت و مالك لأبيك و لم يكن عند الرجل شي ء أو كان رسول اللّه يحبس الأب للابن فان المستفاد منهما تقييد جواز الأخذ بصورة حاجة الأب و عدم إنفاق الولد فيرفع بهما اليد عن بعض الإطلاقات المتقدمة بحمل ما شاء في صحيحة محمد بن مسلم على عدم كونه زائدا على نفقته المعروفة.

و في صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (ع) ان رسول اللّه قال لرجل أنت و مالك لأبيك ثم قال أبو جعفر (ع) ما أحب أن يأخذ من مال ابنه الا ما احتاج اليه مما لا بد منه وَ اللّٰهُ لٰا يُحِبُّ الْفَسٰادَ و يحمل ما في صحيحة سعيد بن يسار من حج الوالد و الإنفاق فيه من مال ولده على صورة تساوى نفقة حجه مع نفقة حضره كما يتفق ذلك كثيرا ممن

إرشاد الطالب

إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 13

ان المتقدمين عمموا الحكم باعتبار المصلحة (1) و قد حكى عن الشهيد في حواشي القواعد (2).

______________________________

يكون منزله قريبا من مكة.

نعم يجوز للأب تقويم جارية الابن و البنت للروايات المتقدمة. و المتحصل انه لا يستفاد بملاحظة مجموع روايات الباب غير الحكم للأب بجواز أخذ مقدار نفقته من مال الولد من غير حاجة الى المراجعة إلى الحاكم أو والي المسلمين و جواز تقويمه جارية الولد و نفوذ نكاح الجد حتى مع عدم رضاء ابنه. و في صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال سألته عن رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته فهوي أن يزوج أحدهما و هوى أبوه الآخر أيهما أحق ان ينكح قال الذي هوى الجد أحق بالجارية لأنها و أباها للجد.

و اما رواية عبيد بن زرارة فلا دلالة لها على ان قول رسول اللّه (ص) أنت و مالك لأبيك ناظر إلى ولاية الجد و ذلك فإن ولاية الجد على نكاح البنت ثابتة في الشرع و إنما استدل الامام (ع) على ولايته بالقول المزبور إلزاما على الحاضرين و لذا لم يذكر قوله (ص) في سائر روايات الولاية نعم ذكر في صحيحة على بن جعفر المتقدمة لأنها و أباها للجد و قد ذكرنا ان ذلك ملاك الحكم بتقديم ولاية الجد على ولاية الأب أضف الى ذلك ضعف الرواية سندا و عدم صلاحها للاعتماد عليها.

(1) يعنى ان المتقدمين ذكروا ان الولي يجوز له كل تصرف يكون صلاحا للطفل من غير استثناء تصرفات الأب و الجد.

(2) يعنى حكى عن الشهيد ره انه قال في حواشيه على القواعد عن قطب الدين عن العلامة انه لو باع الولي بدون ثمن

المثل يكون باطلا و اما إذ اقترض الولي ماله،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 14

..........

______________________________

صح، مع ان الاقتراض إتلاف لعين مال الطفل و ربما لا يتمكن على أداء بدله.

و بتعبير آخر قد يكون اقتراض مال الطفل فساده فما وجه الفرق بين البيع بدون ثمن المثل و الاقتراض و توقف (ره) في نفى البأس بالبيع المزبور لانه لا يتمكن على مخالفة الأصحاب حيث ان ظاهرهم عدم جوازه.

أقول لا يجوز الاقتراض ايضا فيما إذا لم يكن الولي مليا بحيث يحتمل عدم تمكنه على رده فان مثل صحيحة منصور بن حازم و ان تقتضي بإطلاقها جواز اقتراض الولي و لو مع احتماله عدم التمكن على أداء بدله الا انه لا يمكن الأخذ بالإطلاق المزبور في مقابل الآية الناهية عن القرب بمال اليتيم و المانعة عن الاقتراض المزبور و لو بإطلاقها.

نعم يرفع اليد عن منع الاقتراض بالإضافة إلى جارية الولد فان اقتراضها جائز و لو مع عدم كون الأب مليا و آية النهي لا يعم الأب و على تقدير شمولها كما إذا فرض يتم الطفل من ناحية امه فيرفع اليد عن عمومها أو إطلاقها لما تقرر في محله من ان إطلاق الخاص أو المقيد يقدم على عموم العام أو إطلاق المطلق.

لا يقال كيف لا يجوز للولي اقتراض مال الطفل مع عدم كونه مليا و في رواية أحمد بن محمد بن ابى نصر قال سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل يكون في يده مال لأيتام فيحتاج اليه فيمد يده و يأخذه و ينوي أن يرده فقال لا ينبغي ان يأكل إلا القصد و لا يسرف فان كان من نيته ان لا يرد عليهم فهو بالمنزل الذي

قال اللّه عز و جل إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ الْيَتٰامىٰ ظُلْماً.

فإنه يقال جواز الاقتراض حتى مع احتمال عدم تمكنه على الرد مقتضى إطلاقها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 15

و لكن الأقوى كفاية عدم المفسدة (1)

______________________________

فيمنعه إطلاق الآية الناهية المتوجهة إلى الأولياء هذا مع ضعف الرواية سندا بسهل ابن زياد.

(1) استدل على كفاية عدم المفسدة مضافا الى الإطلاق في الروايات الواردة في موارد متفرقة بما ورد في نكاح الجد و نفوذه فيما أراد الجد نكاح البنت من أحد و هوى أبوها نكاحها من آخر معللا بان البنت و أباها للجد فان مقتضى ذلك نفوذ تصرفات الجد ما لم تكن منافية للولاية كما إذا كانت مفسدة للطفل و يرفع بذلك اليد عن إطلاق الآية أو عمومها لو فرض شمولها للجد، و كذا يدل على اعتبار عدم الفساد قول رسول اللّٰه (ص) أنت و مالك لأبيك على ما تقدم من استشهاد الامام عليه السلام به لنفوذ نكاح الجد و تقديم نكاحه على نكاح الأب فان في الاستشهاد المزبور دلالة على ولاية الجد بمال الطفل.

أقول قد تقدم عدم دلالة شي ء مما ذكر على المدعى فلا نعيد نعم لا ينبغي الريب في عدم جواز التصرف فيما إذا كان التصرف المزبور فسادا لمال الطفل لمنافاته لمقتضى الولاية المجعولة للولي و يمكن ان يقال عدم اعتبار كونه صلاحا لمثل موثقة عبيد بن زرارة قال قلت لأبي عبد اللّٰه (ع) الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل و يريد جدها ان يزوجها من رجل آخر فقال الجد اولى بذلك ما لم يكن مضارا ان لم يكن الأب زوجها قبله و يجوز عليها تزويج الأب و الجد.

و لكن في التعدي

عنها الى التصرف المالي تأمل مع ملاحظة الآية الناهية عن القرب بمال اليتيم إلا بالتي هي أحسن.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 16

و لو فقد الأب و بقي الجد فهل أبوه و الجد (1)

______________________________

(1) يعني إذا فقد الأب فهل أب الأب يقوم مقام الأب و يشارك مع الجد البعيد في الولاية على الطفل أو تختص الولاية بالجد القريب أى أب الأب مقتضى ما ورد من ان الشخص و ماله الذي منه مال ابنه لأبيه و من ان البنت و والدها للجد هي المشاركة فإن الولاية لو لم تختص بالجد الأعلى فلا أقل من تساويه الجد الأدنى نظير ما تقدم في ولاية الأب مع الجد و مقتضى آية أولوا الأرحام بعضهم اولى ببعض هو الاختصاص لكون الجد الأدنى أولى بالميت من الأعلى و الأولوية في الآية ليست بمعنى التفضيل ليكون القريب و البعيد مشتركين في الولاية بل بمعنى المجرد كما في قول القائل فلان أحق بهذا الأمر من غيره.

و الحاصل المستفاد من الآية المباركة اختصاص الولاية بالجد الأدنى و يرفع اليد عن ذلك في مورد اجتماع الأب و الجد فان اشتراكهما بل و اشتراك الجد البعيد أيضا في فرض حياة الأب مقتضى الروايات التي تقدمت بعضها.

أقول لو تم ما ذكر من دلالة قول رسول اللّٰه (ص) أنت و مالك لأبيك و ان الولد و والده للجد على الولاية لكان شموله للجد الأعلى و الأدنى معا موجبا لرفع اليد عن إطلاق الآية و بتعبير آخر لا مجال للأخذ بإطلاق الآية مع تمام الوجه الأول المقتضي لاشتراك الجد الأعلى و الأدنى في الولاية على الطفل بل الصحيح ان الآية لا دلالة لها على الولاية و

إرثها بل هي ناظرة إلى إرث المال و لذا لم يلتزم أحد بثبوت الولاية على الطفل بحسب طبقات الإرث و العمدة في ولاية الجد مع الأب ما ورد في نفوذ نكاحهما كما ان الإطلاق في بعض ما ورد في نكاحهما يعم الجد الأعلى و لكن في صورة حياة الأب و لا يبعد ان يقال انه لا يحتمل ثبوت الولاية للجد الأعلى مع حياة الأب و عدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 17

[ولاية الفقيه]

و مورده المسائل الفرعية و الموضوعات المستنبطة (1)

______________________________

ثبوتها مع وفاته خصوصا بملاحظة تعليل الحكم بان الجد أولى بالجارية لكونها و أباها للجد.

بقي في المقام أمر و هو ان في استفادة الولاية بمال الطفل للجد مما ورد في ولاية الجد و الأب في نكاح البنت اشكالا فان هذه الولاية ثابتة لهما في النكاح حتى بالإضافة إلى البنت البالغة الباكرة على الأصح مع أنه لا يمكن التعدي الى مال الباكرة البالغة و عليه فيحتمل اختصاص هذا الحكم بالنكاح و لا يكون للجد مع الأب ولاية في مال الطفل و يمكن دفعه بالتشبث بإطلاق الأب و الوالد و شمولهما للجد ايضا و في صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر (ع) انه قال في الرجل يتصدق على ولده و قد أدركوا إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث فان تصدق على من لم يدرك من ولده فهو جائز لأن والده هو الذي يلي أمره فتدبر.

(1) المسائل الفرعية و هي القضايا المتكلفة للأحكام التكليفية التي تتعلق بأفعال المكلفين أو الوضعية المجعولة لموضوعاتها يرجع في معرفتها الى الفقيه و كذا في الموضوعات المستنبطة الشرعية كالعبادات بل العرفية حيث يرجع فيها ايضا الى الفقيه في

جهة سعتها و ضيقها بالإضافة إلى الحكم المترتب عليها فيرجع مثلا في ان حرمة الغناء فيها سعة تعم الكلام الحق أو تختص بما إذا كان في كلام باطل.

و الحاصل ان للفقيه مناصب ثلاثة: الأول- جواز الإفتاء في المسائل الفرعية.

الثاني- جواز القضاء بين الناس و مورد القضاء المرافعات بل و غيرها- في الجملة- و في معتبرة سالم بن مكرم قال قال أبو عبد اللّٰه (ع) إياكم ان يحاكم بعضكم بعضا الى أهل الجور و لكن انظروا الى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 18

و الولاية تتصور على وجهين (1)

______________________________

فإنه قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه فإنها و ان تكون ناظرة إلى المرافعات الا ان التعليل مقتضاه الرجوع إليه في جميع شئون القاضي كالحكم بثبوت رؤية الهلال و اما إثبات نفوذ الحكم الابتدائي عن الفقيه مطلقا فلا يستفاد منها نعم ربما يستفاد ذلك من مقبولة عمر بن حنظلة حيث ورد فيها الراد عليهم كالراد عليه (ع) الا انها للمناقشة في سندها لا تصلح للاعتماد و قد تكلمنا فيها في بحث القضاء مفصلا.

الثالث- ولاية التصرف في أموال و الأنفس على ما يأتي.

و ينبغي ان يعلم أن البحث في ولاية الفقيه بمعنى نفوذ تصرفه في مال الغير أو في وجوب اتباع حكمه بحث فقهي حيث ان الأول كالبحث في ولاية الأب و الجد أو عدول المؤمنين- الثاني كالبحث في وجوب طاعة الوالدين و كل من النفوذ و وجوب الطاعة في المقام بمعنى كون أمر الفقيه بفعل أو نهيه عنه يكون من العناوين الثانوية للأفعال كأمر الوالد و نهيه أم لا حكم شرعي فرعى.

و ولاية النبي (ص) بالتصرف في أموال

الناس و وجوب طاعته فيما إذا كان أمره أو نهيه بعنوان الولاية على الرعية أيضا حكم شرعي عملي و لكن بما ان معرفة النبي (ص) و الامام (ع) و الاعتقاد بهما بما لهما من الشئون مطلوب نفسي أيضا فيكون البحث في وجوب معرفتهما و الاعتقاد بهما بما لهما من الشئون من مسائل الكلام كيف و معرفة الأول و الاعتقاد به مقوم للإسلام و معرفة الثاني و الاعتقاد به مقوم للايمان أى المذهب و مع ذلك شرط لصحة الأعمال و لا أقل من كونه شرطا لقبولها.

و هذا الوجوب النفسي للمعرفة و الاعتقاد لا يجري في غير النبي (ص) و الامام المعصوم كما لا يخفى.

(1) الوجه الأول من الولاية ان يجوز للحاكم الشرعي التصدي له سواء جاز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 19

مقتضى الأصل عدم ثبوت الولاية لأحد (1)

______________________________

لغيره ايضا ذلك التصرف بإذنه أم لا و الثاني ما لا يكون للحاكم التصدي لذلك التصرف مستقلا الا أنه يجوز للغير القيام به باذن الحاكم فيكون اذنه شرطا في جواز ذلك التصرف للغير أو وجوبه عليه أو شرطا للواجب و بين الوجهين من حيث المورد عموم من وجه فإنه ربما يجوز للحاكم التصدي كما يجوز لغيره القيام به باذنه كما في التصرف في أموال القصر و القيام بتجهيز ميت من تركته و لا ولى له و هذا مورد الاجتماع.

و ربما يجوز للحاكم التصدي و لا يجوز للغير القيام به كنصب القيم و المتولي و نحوهما بناء على اعتبار المباشرة في جعل هذه المناصب.

و ربما يجوز للغير العمل باذن الحاكم و لكن لا يجوز للحاكم المباشرة استقلالا كما في إيصال السهم المبارك بل سهم السادة الى

مصارفهما فإنه لا يجوز للحاكم على قول الاستقلال في الإيصال بقهره على المالك و أخذ المال من يده و يجوز للمالك الإيصال مع الاستيذان و هذا بالإضافة الى غير المالك الممتنع و اما الممتنع فيجوز للحاكم القهر عليه و التفصيل في بحث الخمس إنشاء اللّٰه تعالى.

(1) الأصل عدم ثبوت الولاية بالإضافة إلى أموال الناس و أنفسهم لأحد حيث ان هذه الولاية أمر جعلي اعتباري مسبوق بالعدم و القائل بثبوتها للفقيه يمكن ان يتشبث بان هذه الولاية كانت للنبي و الأئمة عليهم السلام و قد أعطيت للفقيه ايضا من قبلهم.

فينبغي لنا التكلم في مقامات ثلاثة: الأول الولاية التي كانت للنبي (ص) و الامام (ع) ما هي من حيث سعتها و ضيقها بحسب ما بأيدينا من الأدلة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 20

..........

______________________________

الثاني هل أعطيت تلك الولاية بتمامها للفقيه من قبل النبي (ص) أو الإمام عليه السلام أم لا.

الثالث إذا لم تثبت تلك الولاية للفقيه فهل له ولاية بعض التصرفات في الأموال و الأنفس و ما هي حدود ذلك البعض من حيث السعة و الضيق.

اما الكلام في المقام الأول فقد أشرنا ان الولاية المفروض فيها الكلام أمر اعتباري في مقابل الولاية التكوينية التي عبارة عن تأثير مشية النبي (ص) أو الإمام (ع) في أمر كوني بمجردها أو مع فعل ما يكون ذلك التأثير من قبيل خرق العادة كإحياء عيسى على نبينا و آله و عليه الصلاة و السلام و تفجير موسى (ع) العيون بضرب عصاه الى غير ذلك.

و دعوى ان هذه الأمور تحصل بمشية اللّٰه و لم يكن صدورها عنهم كصدور سائر أفعالهم يكذبها ظاهر الكتاب المجيد قال اللّٰه سبحانه حكاية عن قول عيسى

أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ الآية- و ذكر كون هذه الأفعال باذن ربه لا ينافي صدورها عنه (ع) حيث ان الاذن المزبور تكويني و عبارة عن إعطاء اللّٰه جلا و علا القدرة عليها نظير قوله سبحانه مٰا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهٰا قٰائِمَةً عَلىٰ أُصُولِهٰا فَبِإِذْنِ اللّٰهِ.

و ثبوت هذه الولاية التكوينية للأئمة عليهم السلام يظهر من الروايات المختلفة الواردة في الحوادث المتفرقة و الشواهد التاريخية بحيث يحصل للمتتبع الجزم به.

و ربما يستدل في ثبوتها لهم عليهم السلام بكونهم أفضل من أنبياء السلف و ان عليا (ع) كنفس النبي (ص) فكيف لا يثبت لهم عليهم السلام ما كان ثابتا للأنبياء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 21

..........

______________________________

و لكن الاستدلال مخدوش فان كونهم سلام اللّٰه عليهم أفضل ثبوت اكملية أنفسهم و شدة تقربهم اليه سبحانه و سعة علمهم لا ثبوت المعجزة بأيديهم حيث ان وجه الحاجة الى المعجزة يختص بالنبي (ص) و لا يجري في الخليفة و الوصي حيث يكون ذلك بتعيين النبي (ص) و نصبه كما لا يخفى.

و اما الاستدلال على ولايتهم التشريعي فبآيات منها قوله سبحانه النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ حيث يقال ان المستفاد من الآية المباركة ان كل تصرف اعتباري يكون للمؤمن فيه ولاية بحيث يكون التصرف المزبور منه نافذا كبيع ماله و طلاق زوجته يكون للنبي (ص) ولاية عليه فيصح ما إذا باع على المالك أو أوقع طلاق زوجته أو وهب ماله الى غير ذلك.

كما يقال ان النبي (ص) بمنزلة نفس المؤمن بل اولى منه فيجوز للنبي (ص) ما يجوز للمؤمن من التصرفات سواء كان تلك التصرفات اعتبارية أو غيرها كانت

متعلقة بمال المؤمن أو نفسه.

و قد يقال ان مفاد الآية المباركة لزوم طاعة النبي و ان على المؤمن أن يترك مشية نفسه في مقابل مشية النبي و أمره. و بعبارة أخرى الأفعال التي ثبت في الشرع كون زمامها بيد المؤمن و انه لا إلزام عليه فيها من الشرع بحيث يكون فيها داعي المؤمن إلى الفعل أو الترك نفسه يلزم عليه الأخذ بإرادة النبي و أمره و يترك دعوة نفسه.

و الحاصل أن أمر النبي و نهيه بما هو شارع و مخبر عن اللّٰه سبحانه غير أمره بما هو ولى الأمر على المؤمنين و مقتضى الآية وجوب طاعته بالإضافة إلى القسم الثاني أيضا من أمره.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 22

..........

______________________________

أقول اما دعوى كون النبي (ص) بمنزلة نفس المؤمن بل هو اولى منه فيجوز له ما يجوز للمؤمن من الأفعال فهذا مما لا يمكن الالتزام به فان من الأفعال ما يجوز للمؤمن باعتبار كون داخلا في العنوان الذي حكم الشرع بجوازه لمن ينطبق عليه ذلك العنوان كجواز الاستمتاع من الزوجة فيجوز الفعل للنبي أيضا فيما إذا دخل في ذلك العنوان و هذا من حكم الشرع يشترك فيه النبي و أمته و اما إذا لم يدخل في ذلك العنوان فلا يجوز له كما لا يجوز لغيره و الأحكام المختصة بالنبي (ص) في الشرع معدود و معروف.

و ما قيل من أنه يجوز كل تصرف للنبي (ص) في نفس الغير و ماله و لكن من جهة الأسباب الشرعية المقررة لجواز تلك الأفعال مثلا يجوز له الاستمتاع بزوجة الغير بعد طلاقها و نكاحها بعد انقضاء عدتها فمرجعه الى ولايته على التصرفات الاعتبارية فقط كما لا يخفى. و كذا

دعوى كونه (ص) اولى بالتصرفات الاعتبارية التي يجوز للمؤمن أو الحقوق الثابتة له من حق القصاص و حق أخذ الدية و المطالبة بالدين فإنه لا أظن لأحد الالتزام بأن للنبي القصاص إذا تركه ولى الميت و لم يطالب به أو أبر المديون عن دينه مع مطالبة الدائن.

و قد ورد في معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال أمير المؤمنين (ع) إذا حضر سلطان من سلطان اللّٰه جنازة فهو أحق بالصلاة عليها ان قدمه ولى الميت و الا فهو غاصب «1» نعم التصرفات العامة أو الخاصة المعبر عنهما بالأمور الحسبية و التي يرجع فيها كل قوم إلى رؤسائهم على ما يأتي يكون بيد النبي (ص)

______________________________

(1) الوسائل الجزء (2) الباب (23) من أبواب صلاة الجنازة الحديث (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 23

و اما العقل القطعي (1)

______________________________

و الامام (ع) لكون النبي (ص) و الامام (ع) من بعده ولى الأمر و هذه الأمور من شئون ولى الأمر كما يستفاد ذلك ما ورد في خصوص الحدود و التعزيرات و غيرهما و يقتضيه أيضا ما يأتي في بيان الأمور الحسبية.

و اما الاستدلال على ولايته (ص) على التصرف على أموال الناس بقوله (ص) في قضية سمرة بن جندب للأنصاري اذهب فاقلعها و ارم بها وجهه فلا يمكن المساعدة عليه حيث لا دلالة في الحديث على عدم ضمان الأنصاري النخلة التي قلعها و انما يدل على جواز قلعها و يمكن ان يكون الوجه في جوازه ان حرمة إتلاف مال الغير مع وجوب التحفظ على العرض في الفرض كانا متزاحمين و بما ان وجوب التحفظ على العرض لو لم يكن أهم من حرمة الإتلاف بالقلع فلا

ريب في عدم كون حرمة الإتلاف أهم فيجوز في مقام التزاحم رعاية التحفظ على العرض.

و الحاصل ان ما ذكر (ص) لسمرة لا يخرج عن بيان الحكم الشرعي و لذا عنون في الوسائل الباب بان من كانت له نخلة في حائط الغير و فيه عياله فأبى أن يستأذن و ان يبيعها جاز قلعها و دفعها اليه و لو كان الحكم الولاية في المال لكان الأنسب تمليك النخلة من الأنصاري تحفظا على ضياع المال و التعليل بنفي الضرر راجع الى المنع عن الدخول بلا استيذان كما لا يخفى.

(1) و المستقبل ما يستقل به العقل مع قطع النظر عن حكم الشرع بخلاف العقل غير المستقل فإنه يكون بتبع حكم الشرع.

و تقرير الأول في المقام ان الامام (ع) منعم أى ولي النعمة فإنه ببركة وجوده تنزل السماء مطرها و تسكن الأرض لسكانها و تجري الشمس و القمر بحسبانهما و ان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 24

..........

______________________________

كان كل ذلك بمشيته العلى القدير إجلالهم صلوات اللّٰه عليهم و إذا كان الامام منعما فيجب معرفته و طاعته لأن في مخالفته و ترك معرفته احتمال الضرر كما ذكر ذلك في معرفة اللّٰه و رسوله و وجوب طاعتهما.

و اما غير المستقل فإنه وجب في الشرع اطاعة الوالدين و إذا اقتضت الأبوة وجوب طاعة الأب على ابنه في الجملة أي في غير الموارد التي يكون طاعته فيها معصية للّٰه سبحانه كانت الإمامة مقتضية لوجوب طاعة الامام على الرعية باعتبار ان حقها أعظم من حق الأبوة.

و لكن لا يخفى ان الوجهين من حكم العقل على تقدير عدم المناقشة في الثاني بأنه من القياس الظني و في الأول بأن احتمال الضرر في ترك

معرفة الامام و طاعته كاف لا حاجة الى إثبات كونه ولى النعم كما ذكر مقتضاهما وجوب طاعة الامام على الرعية لا نفوذ تصرفاته في أموال الناس كما لم يكن هذه الولاية للوالد على مال ابنه على ما تقدم.

و لا يخفى أيضا ان وجوب طاعة الوالد على الولد غير ثابت بل الثابت حرمة عقوق الوالدين فقط فلا بأس بتركها فيما إذا لم يكن ترك طاعة الوالد إيذاءه و تألمه كما إذا ترك طاعتة في مورد لا يعلم الوالد بذلك.

و المتحصل إلى هنا ان الواجب على الرعية اطاعة الرسول و الأئمة عليهم السلام في أوامرهم و نواهيهم سواء كان الأمر و النهى من قبيل الحكم الشخصي أو الحكم العام بالإضافة إلى عامة المسلمين أو طائفة منهم و حتى الأمر و النهى من المنصوب من قبلهم عليهم السلام كالوالى و الحاكم فيما إذا لم يكن الأمر و النهى من الوالي أو الحاكم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 25

بالنسبة إلى المصالح المطلوبة للشارع الغير المأخوذة (1)

______________________________

مخالفا على موازين الأحكام الثابتة في الشرع حيث لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق و المنصوبين من قبلهم عليهم السلام داخل في عنوان أولوا الأمر في الآية المباركة. و ما ورد في تفسيرها من ان المراد منهم هم الأئمة عليهم السلام لا ينافي ذلك فإن طاعة المنصوب من الرسول (ص) و الامام (ع) طاعة للنبي و الامام.

ثم ان ترك طاعة النبي أو الإمام (ع) ان كان بعنوان الخروج عليهم فذلك موجب لسقوط احترام نفس الخارج سواء كان الخروج للعناد و النصب للإمام (ع) أو لغير ذلك من الدواعي كما يظهر ذلك بملاحظة الحوادث الواقعة في زمان النبي (ص) و خلافة

على (ع) غاية الأمر إذا كان الخروج للنصب و العداوة فهو موجب للكفر أيضا و إذا كان بداع آخر غير النصب فكونه موجبا للكفر غير ثابت.

نعم إذا قتل في الحرب مع الإمام أو المنصوب من قبله لا يجب تجهيزه كما يشهد لذلك ملاحظة الغزوات الحوادث الواقعة في زمان خلافة على (ع).

و التمسك في إثبات كفر هم بعموم ما دل على تجهيز كل ميت مسلم بدعوى ان أصالة عمومه بضميمة العلم بعدم وجوبه في قتلي الخوارج و غيرهم يكشف عن كفرهم لا يمكن المساعدة عليه لما تقرر في محله من انه لا اعتبار بالعموم فيما إذا أحرز خروج الشي ء عن حكم العام و دار الأمر بين ان يكون الخروج بنحو التخصص أو التخصيص.

و اما إذا كان ترك الطاعة كترك طاعة اللّٰه و لمجرد الاحتراز عن كلفة التكليف يكون ذلك من مجرد المعصية نظير المعصية في تكاليف الشرع.

(1) المصالح المطلوبة للشارع الغير المأخوذة على شخص معين المعبر عنها بالأمور الحسبية هي التي علم من الشرع العمل بها و عدم جواز تركها و ان التكليف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 26

أما الولاية على الوجه الأول (1)

______________________________

بها لم يتوجه الى الشخص معين و لا تكون من الواجب الكفائي لتكون مطلوبة على كل أحد كالتصرف في أموال القصر من الذين ليس لهم أولياء و الموقوفات العامة التي لم يعين المتولي لها من قبل الواقفين أو قام الدليل على كونها بيد ولى أمر المسلمين و الحاكمين كإقامة الحدود و التعزيرات و التصديق لجميع الحقوق الشرعية و صرفها لمواردها و التصدي لتنظيم أمر جوامع المسلمين و بلادهم.

و لو فرض الشك في اعتبار الرجوع فلا بد من الاحتياط و

الرجوع الى اذن الامام (ع) و لا يمكن التمسك بإطلاق دليل ذلك التصرف سواء كان على الجواز أو المنع كما لا يمكن الرجوع الى أصالة البراءة عن الاعتبار لأن المفروض تمكن المكلف على الرجوع اليه (ع) و مع إمكان الفحص عن المخصص أو المقيد لا يمكن التمسك بالإطلاق أو العموم فضلا عن الأصل العملي. و ما ربما يظهر من عبارة المصنف (ره) من اختصاص عدم الجواز بالأصول العملية فيه ما لا يخفى.

(1) يقع الكلام في المقام في ان الولاية الثابتة للنبي و الأئمة عليهم السلام تثبت للفقيه العادل في زمان الغيبة أم لا فقد يقال نعم و يستدل عليه بروايات واردة؟؟؟

العلماء منها عن الصدوق (ره) في عيون الاخبار عن الرضا من آبائه عليهم السلام قال قال رسول اللّٰه (ص) اللهم ارحم خلفائي ثلاث مرات فقيل له يا رسول اللّٰه و من خلفائك قال الذين يأتون من بعدي و يروون عني أحاديثي و سنتي فيعلمونها الناس من بعدي و رواه في معاني الاخبار عن أبيه عن على بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن اليعقوبي عن عيسى بن عبد اللّٰه العلوي عن أبيه عن جده عن على مثله.

و في المستدرك عن صحيفة الرضا بإسناده عن آبائه عليهم السلام قال قال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 27

..........

______________________________

رسول اللّٰه (ص) اللهم ارحم خلفائي ثلاث مرات قيل له يا رسول اللّٰه و من خلفائك قال الذين يأتون من بعدي و يروون أحاديثي و سنتي و يعلمونها للناس من بعدي.

و عن القطب الراوندي في كتاب لب اللباب عن النبي (ص) قال رحمة اللّٰه على خلفائي قالوا و من خلفائك قال الذين يحيون سنتي و يعلمونها عباد

اللّٰه و من يحضره الموت و هو يطلب العلم ليحيى به الإسلام فبينه و بين الأنبياء درجة.

و عن السيد هبة اللّٰه نقلا عن الأربعين لقطب الراوندي عن أمير المؤمنين عن النبي (ص) قال أدلكم على الخلفاء من أمتي و أصحابي و من الأنبياء قبلي هم حملة القرآن و الأحاديث عنى و عنهم في اللّٰه و اللّٰه عز و جل و من خرج يوما في طلب العلم فله أجر سبعين نبيا.

أقول هذه الرواية و ان كانت على نقل العيون و معاني الأخبار مسندة الا انه في سندها ضعف لان سند العيون هو اسناد إسباغ الوضوء و سند معاني الأخبار فيه عيسى بن عبد اللّٰه العلوي عن أبيه مع انه لم يعلم ان اليعقوبي هو داود بن على الهاشمي و المنقولات في المستند مرسلات.

و دعوى ان هذه الرواية لكثرة طرقها لا يخرج عن بعض المراسيل التي يعمل بها الأصحاب كمراسيل ابن ابى عمير لا يمكن المساعدة عليها أو لا فان المراسيل لا يعمل بها حتى مراسيل ابن ابى عمير و ثانيا على تقدير العمل بمراسيل ابن ابى عمير فهو لشهادة الشيخ و غيره بأنه لا يرسل الا عن ثقة و مع الغمض عن أمر السند فدلالتها على الولاية للعلماء بالمعنى المتقدم ممنوعة فإن النبي (ص) و ان كان له منصب زعامة الدينية بمعنى بيان أحكام الشرع و منصب الزعامة الدنيوية بمعنى كونه زعيما للمسلمين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 28

..........

______________________________

بالمعنى المتقدم الا ان هذه الرواية و أمثالها ناظرة إلى الخلافة أى مرتبة من الزعامة الدينية بمعنى نشر الأحكام و إبلاغها للناس و يشهد لذلك ما في ذيلها من قوله يروون أحاديثي و يعلمونها

للناس و أجر التعليم.

و دعوى كون ذلك من باب المعرف للولي حيث ان المعروف و المتيقن من معنى الخلافة هي الزعامة الدنيوية لا يمكن المساعدة عليها فإنه قد عطف في بعض النقل على الأمة أصحابه و من الظاهر انه لم يكن لأصحابه ولاية على المؤمنين بالمعنى المزبور ليكون العلماء من غيرهم أيضا خلفاء بالمعنى المزبور.

و منها رواية على بن أبي حمزة قال أبا الحسن (ع) موسى بن جعفر يقول إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة و بقاع الأرض التي يعبد اللّٰه عليها و أبواب السماء التي كان يصعد فيها بأعماله و ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شي ء لأن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها «1» و هذه الرواية ضعيفة في سندها و دلالتها.

اما سندها فان على بن أبي حمزة كذاب متهم كما عن ابن فضال و معه لا عبرة بوقوعه في سند كامل الزيارات أو تفسير على بن إبراهيم حيث ان وقوعه في سندهما لا يزيد عن التصريح بتوثيقه الذي يسقط عن الاعتبار بالمعارضة و كذا الحال في توثيق الشيخ (ره) في كتاب العدة و قال لأجل ذلك عمل الطائفة باخباره فإنه مع معارضته ما عن ابن فضال و غيره لا يمكن الاعتماد عليه مع ان المتبع في كلمات الأصحاب لا يجد موارد العمل بروايته فيما إذا انفرد.

و ما عن ابن الغضائري في ترجمة ابنه الحسن من أن أباه أوثق منه لا يوجب توثيقه

______________________________

(1) أصول الكافي ج 1 باب فقد العلماء ص 38 الحديث (3).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 29

..........

______________________________

لان الكتاب المزبور لم يثبت انه لحسين بن عبيد اللّٰه الغضائري أو ابنه لأن النجاشي لم لم يذكر

أن لشيخه كتاب الرجال مع انه اعرف بحاله و كتابه موضوع لذكر كتب مشايخه و غيرهم كما انه لم يذكر ذلك الشيخ أو غيره من أصحاب الرجال و من المحتمل ان يكون الكتاب المزبور وضعه بعض المخالفين و نسبه الى ابن الغضائري.

هذا أولا:

و ثانيا انه ذكر في الكتاب المزبور في ابنه الحسن أنه ضعيف و أبوه أوثق منه فيكون ظاهر الكلام المزبور ان ابنه الحسن أضعف من أبيه.

و اما ضعف الدلالة فإن كون الفقهاء حصونا للإسلام فمقتضاه كونهم رادعين عن التحريف و التأويل في أحكام الشرع فإن الإسلام في نفسه عبارة عن الأحكام و القوانين المجعولة من الشرع و الرئاسة العامة و ثبوت الولاية له كولاية الرسول (ص) و الامام (ع) لا يستفاد منها بوجه كما لا يخفى.

و منها معتبرة السكوني عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال قال رسول اللّٰه (ص) الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخل في الدنيا قيل يا رسول اللّٰه و ما دخولهم في الدنيا قال اتباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم «1» فإنه قد يقال انه يستفاد منها ان العلماء أمناء الرسل في جميع الشئون المتعلقة بهم صلى اللّٰه عليهم أجمعين و أوضحها الزعامة على الأمة و ليس شأن رسول اللّٰه ذكر الأحكام فقط ليكون الفقيه أمينا فيه فقط.

و فيه ان الأمين يطلق على حافظ الشي ء ليرده على صاحبه أو من يأمر صاحبه برده اليه

______________________________

(1) أصول الكافي ج 1 باب المستأكل بعلمه و المباهي به الحديث (5).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 30

..........

______________________________

و هذا بالإضافة إلى الأحكام الشرعية ظاهر فان حافظ الأحكام العالمين بها كلا أو بعضا و إبلاغها و تعليم الجاهلين بها و المستفسرين

من وظيفة العلماء.

و اما الزعامة العامة فعلى تقدير ثبوتها لجميع الرسل فليس حفظها من وظيفة العلماء فقط بل كل المسلمين مكلفة بالتحفظ لها و عدم وصولها إلى أيدي الخونة و الجائرين و إقرارها لمن قرر الشارع لخلفائه من بعده و كذا الحال بالإضافة إلى بسط العدالة الاجتماعية.

و بعبارة أخرى الحديث ناظر الى كون العلماء حافظا للشرع من التلف و عدم وصولها إلى عامة الناس و المستفسرين عنها كما يشهد بذلك ما في ذيله فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم و منها التوقيع المروي عن محمد بن محمد بن عصام عن محمد ابن يعقوب عن إسحاق بن يعقوب قال سألت محمد بن عثمان العمرى ان يوصل لي كتابا قد سألت عن مسائل أشكلت على فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (ع) أما ما سألت عنه أرشدك الهّٰر و ثبتك الى ان قال و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم و أنا حجة اللّٰه و أما محمد بن عثمان العمري فرضي اللّٰه عنه و عن أبيه من قبل فإنه ثقتي و كتابه كتابي «1».

و هذا التوقيع ضعيف من جهة سنده بإسحاق بن يعقوب حيث انه مجهول و في جهة دلالته حيث ان المراد بالحوادث غير ظاهر فإنها وردت في الكلام المنقول عن الامام (ع) مسبوقا بالسؤال الذي لم يصل إلينا فلعل كان في السؤال قرينة على إرادة

______________________________

(1) الوسائل الجزء (18) الباب (11) من أبواب وجوب الرجوع الى رواة الحديث الحديث (9)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 31

..........

______________________________

الاستفسار عن الوقائع التي يحتاج فيها الى الحاكم لرفع الخصومة و فصل النزاع فيكون التوقيع مساوقا لما دل على وجوب إرجاع المنازعات

الى رواة الأصحاب و لا ينافي ذلك ما ذكره المصنف (ره) من القرائن على عدم ارادة وجوب تعلم الأحكام و هي ان الأمر بالرجوع في نفس الحوادث لا في أحكامها و ان تعليله (ع) وجوب الرجوع إليهم بأنه حجته عليهم و انه (ع) حجة اللّٰه مقتضاه التولية و إعطاء الولاية للرواة و لو كان المراد تعلم الأحكام الشرعية لكان التعليل بأنهم حجج اللّٰه عليكم أنسب و ان تعلم الأحكام الشرعية من الرواة من ضروريات الإسلام من السلف الى الخلف فلا مورد لسؤال مثل إسحاق بن يعقوب عنه و جعله من المسائل المشكلة عليه هذا.

مع انه كما ذكرنا لم يظهر حال إسحاق بن يعقوب ليقال انه يبعد سؤاله عن طريق تعلم الأحكام الشرعية و جعله من المسائل المشكلة عليه كيف و قد وقع السؤال عن طريق تعلمها و ممن يؤخذ معالمها في غير واحد من الروايات.

أضف الى ذلك ان تعليل الإرجاع إلى رواة الحديث بأن الرواة حجته (ع) عليهم و الامام (ع) حجة اللّٰه لا يقتضي ان يكون الحديث ناظرا إلى الولاية العامة بل يمكن ان يكون ناظرا الى القضاء و تعلم الأحكام فان الحجة ما يحتج به فالإمام (ع) يحتج بما ذكر للرواة و الرواة بما ذكر و العامة الناس و التفرقة الواردة في الرواية يمكن ان يكون بهذا الاعتبار و الا فكل من الولاية و الاعتبار على تقديرهما ثابت بأصل الشرع.

و مما ذكرنا يظهر الحال في الاستدلال على ولاية الفقيه بما ذكر في مقبولة عمر بن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 32

..........

______________________________

حنظلة من قوله (ع) فإنه قد جعلته حاكما فإنه لا يستفاد منه الا ثبوت منصب القضاء و الحكم للفقيه

و قد يستدل على ثبوت الولاية العامة للفقيه برواية إسحاق بن عمار عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال قال أمير المؤمنين (ع) لشريح يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي «1».

و وجه الاستدلال ان منصب القضاء ثابت للفقيه و إذا لم يكن الفقيه شقيا و نبيا يكون وصيا لا محالة و مقتضى كونه وصيا ثبوت الولاية له و لكن لا يمكن المساعدة على الاستدلال المزبور لما تقرر في الأصول انه إذا علم عدم ثبوت حكم العام لفرد و شك في كونه بنحو التخصيص أو التخصص فلا اعتبار بأصالة العموم أو الإطلاق و الحصر المزبور في الرواية مقتضاه عدم جواز القضاء لغير النبي و الوصي و قد علم بجواز القضاء للفقيه العادل و يدور الأمر بين كونه بنحو تخصيص المفهوم أو التخصص فلا يمكن إثبات كونه بنحو و دخول الفقيه في عنوان الوصي.

أضف الى ذلك انه لا طريق لنا إلى إثبات ان كل الأنبياء كان لهم الولاية العامة فضلا عن وصيهم و الرواية المزبورة و ان كانت ضعيفة سندا الا انه بمضمونها صحيحة سليمان بن خالد عن أبى عبد اللّٰه (ع) قال اتقوا الحكومة فإن الحكومة انما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبي أو وصى «2» نبي و لكن في نسخة كنبي و على تلك النسخة فلا دلالة فيها على الحصر.

و المتحصل لو كانت للرواية المزبورة أو الصحيحة دلالة فهي عدم جواز القضاء و الحكم لغير النبي أو الوصي و الفقيه العادل كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل الجزء (18) الباب (3) من أبواب صفات القاضي الحديث (2)

(2) الوسائل الجزء (18) الباب (3) من أبواب صفات القاضي الحديث (3)

إرشاد

الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 33

..........

______________________________

و منها ما عن تحف العقول مجاري الأمور و الأحكام بيد العلماء «1» حيث ظاهره التشريع أى فليكن مجاري الأمور و الأحكام بيد العلماء.

و بتعبير آخر الأحكام غير الأمور و كون الثاني عطفا تفسيريا للأول خلاف الظاهر فيكون مقتضى الحديث ان الولاية و حق التصدي للأمور و الأحكام بيد العلماء.

أقول لو كان المراد من الحديث ما ذكر لكان الحديث الأمور و الأحكام بيد العلماء إذ لا حاجة الى إضافة المجاري ليحتاج في معناها الى التكلف بل ظاهر الحديث بملاحظة ما قبله و بعده بأن أمور اللّٰه و مناصبه التي وقعت بأيدي غير أهلها مجاريها بيد العلماء بمعنى انهم لو أظهروا الحق و لم يتفرقوا عنه و لم يختلفوا في السنة بعد البينة لكانت جارية في مجراها و كان المتصدي لها أهلها المقرر لها في السنة.

هذا مع ضعف الرواية سندا و منها مرسلة التحرير عن رسول اللّٰه (ص) علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل «2» و فيه ان الكلام المزبور بيان فضيلة العلماء و مقامهم عند اللّٰه لا تشريع الولاية الثابتة للأنبياء للعلماء مع ان ثبوت الولاية كما تقدم لكل واحد من أنبياء بني إسرائيل غير ظاهر و ان إرساله و لو مع تمام ظهوره يمنع عن الاعتماد عليه.

و منها قوله (ع) في نهج البلاغة أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤا به ان اولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه الآية.

______________________________

(1) المستدرك الجزء الثالث الباب (11) الحديث (17)

(2) المستدرك الجزء الثالث ص 189 الحديث (30)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 34

..........

______________________________

أقول الظاهر ان المراد بأولى الناس أقربهم منزلة إلى الأنبياء كما هو المراد من قوله سبحانه أَوْلَى النّٰاسِ

بِإِبْرٰاهِيمَ الاية و لو كان المراد التصدي بمناصب الأنبياء لكان مقتضاه ثبوت الولاية للأئمة عليهم السلام حيث انهم سلام اللّٰه عليهم اعلم الناس بحسب العصور و بما جاء به الأنبياء و في ذيل الكلام المزبور ان ولى محمد (ص) من أطاع اللّٰه و ان بعدت لحمته و ان عدو محمد بن عصى اللّٰه و ان قربت قرابته.

و منها صحيحة القداح عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال قال رسول اللّٰه (ص) من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك اللّٰه به طريقا إلى الجنة و أن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا به و انه يستغفر لطالب العلم من في السماء و من في الأرض حتى الحوت في البحر و فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر و ان العلماء ورثة الأنبياء ان الأنبياء لم يورثوا دينارا و لا درهما و لكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر «1» و وجه الاستدلال ان كون العلماء ورثة الأنبياء مقتضاه وقوع ما ترك الأنبياء بيدهم سواء كان علما و أحاديث أو الولاية على الأمة.

لا يقال ظاهر الرواية انحصار تركة الأنبياء بالعلم و الحديث بمعنى ان شأن النبي ان يكون تركته علما لا مالا.

فإنه يقال لا دلالة للرواية على الانحصار و التصريح بالعلم في الرواية باعتبار كونها واردة في مقام الترغيب اليه لا يقال لم يعلم ان الولاية على الأمة مما تركها الأنبياء حتى يرثها العلماء فإنه يقال يشهد لكون الولاية مما تركها قوله (ع) و أرى تراثي نهبا.

______________________________

(1) أصول الكافي ج 1 باب ثواب العالم و المتعلم الحديث 1.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 35

..........

______________________________

أقول لو سلم ان الولاية داخلة

فيما تركه الأنبياء فلا يستفاد من الرواية كيفية إرثها و أنها تنتقل الى كل من العلماء أو أنها تختص بأعلمهم كاختصاص إرث الحبوة بالولد الأكبر و بتعبير آخر ظاهر الرواية ان كلا من العلماء يرث النبي (ص) و اما مقدار إرثه و كيفية إرثه فلا يستفاد منها فمن المحتمل اختصاص الولاية بأعلمهم كما ذكرنا ذلك في بيان قوله (ع) اولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤا به فتكون الولاية منتقلة إلى أئمة الاطهار حيث انهم سلام اللّٰه عليهم اعلم الرعية في كل عصر.

و مما ذكرنا يظهر الحال في رواية أبي البختري عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال ان العلماء ورثة الأنبياء و ذلك ان الأنبياء لم يورثوا درهما و لا دينارا و انما أورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشي ء منها فقد أخذ حظا وافرا «1» و التقريب ما تقدم من ان انحصار تركتهم بالأحاديث إضافي و الجواب أيضا ما ذكر.

أضف اليه ضعف هذه الرواية سندا فتحصل انه لا دلالة في هذه الاخبار على ثبوت الولاية الثابتة للنبي و الأئمة عليهم السلام للفقيه لا في زمان حضورهم و لا في زمن الغيبة.

ان قلت كيف يصح القول بأن النبي (ص) و الأئمة عليهم السلام لم يتعرضوا للزعامة في زمان الغيبة و ان يتركوا المؤمنين حيارى مع ان الدين الإسلامي متكفل لاحكام غير العبادات و المعاملات من السياسات التي يكون الغرض منها تنظيم الأمور الاجتماعية للمسلمين و بسط العدالة الإسلامية في بقاع الأرض.

فإنه يقال عدم استفادة الولاية العامة للفقهاء من الروايات المتقدمة لا يوجب

______________________________

(1) الوسائل الجزء (18) الباب (8) من أبواب صفات القاضي الحديث (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 36

..........

______________________________

ذلك حيث يمكن ان

يكون عدم التعرض للوظيفة في ذلك الزمان لعدم حاجة الناس في عصرهم الى بيانه عليهم السلام و انه كان أنسب لرعاية التقية التي كانوا يعيشون حالها و إيكال الأمر و تشخيص الوظيفة إلى فقهاء زمان الغيبة حيث يتمكنون ببركة القواعد الشرعية و الخطابات العامة على كيفية تنظيم الأمور الاجتماعية و تعيين الوظيفة فيها.

و على ذلك فينبغي الكلام في موضعين- الأول ما إذا تصدى أمر المسلمين من ليس أهلا له كما في غالب بلاد المسلمين في عصرنا الحاضر الثاني- ما إذا أراد التصدي لأمور المسلمين من يكون صالحا للتصدى لتنظيم أمور هم و رعاية مصالحهم اما المقام الأول فما لا ينبغي الريب فيه ان الشارع لا يرضى بتصدي الظالم الفاسق لأمور المسلمين لا سيما إذا كان ذلك الظالم آلة بيد الكفار في تضعيف الإسلام و أهل الايمان و ترويج الفسق و الفجور ليلحق المسلمين و لو تدريجا بركب الكفار في رسومهم و عاداتهم و هدم ما أتعب النبي (ص) و الأئمة عليهم السلام و الصالحين و الشهداء من المسلمين في تشييد أركان الدين و تطبيق أحكامه على نظم بلادهم.

و الحاصل نهى الشارع عن الركون الى الظالم و الأمر بالاعتصام بحبل اللّٰه و الأمر بالكفر على الطاغوت و أولياء الشيطان و الأخذ بولاية اللّٰه سبحانه و رسوله و تمكين الناس من الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و غير ذلك شاهد صدق بان على المسلمين قطع أيدي الظلمة عن المؤمنين و بلادهم مع التمكن عليه حيث انه لو أمكن ذلك بالمقدمات التي غير محرمة في نفسها فهو و اما إذا توقف ذلك على ارتكاب محرم في نفسه فلا بد من ملاحظة الأهمية بين المتزاحمين و لا ريب

في ان الظالم المزبور

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 37

..........

______________________________

إذا كان بصدد هدم الحوزة الإسلامية و إذلال المؤمنين و ترويج الكفر و تسلط الكفار على المسلمين و بلادهم يكون على المسلمين أخذ القدرة من يده و إيكالها الى الصالح فإنه أهم و لو مع توقفه على بعض المحرمات بعنوانه الاولى حتى القتال مع العلم بالظفر و الاطمئنان بأخذ القدرة من يده كل ذلك تحفظا على الحوزة الإسلامية و دفاعا عن المسلمين و اعراضهم و بلادهم من دنس الكفر و الضلال و الفساد هذا كله بحسب الكبرى، و اما بحسب الصغرى فإن أحرز فقيه حال الظالم و انه بصدد إذلال المسلمين و تسليط الكفار عليهم و على بلادهم و الصدمة على أعراضهم و أموالهم و حكم بحكم على طبق إحرازه فنفوذ حكمه و ان كان مبنيا على نفوذ الحكم الابتدائي للفقيه العادل الا انه إذا اعتقد الناس به و حصل لهم الجزم بصحة إحرازه و لو مع القرائن يثبت الحكم المتقدم.

و لا يخفى ان ما ورد في بعض الاخبار من الأمر بإلزام البيت و الصبر الى خروج السفياني و غيره من العلامات الخروج القائم (ع) لا ينافي ما ذكرنا فان المراد من تلك الروايات أمر الناس بعدم الاستجابة لمن يدعو من أهل بيت النبي (ص) الخلافة لنفسه و ان الأئمة عليهم السلام لا يتصدون لأمر الخلافة و الوصاية للنبي (ص) الى ذلك الزمان و من يدعو الناس الى الخروج انما يريد الخروج لنفسه لا للإمام (ع) و ان لخروجه وقتا محدودا لا بد من انتظاره و اما قضية الدفاع عن الحوزة الإسلامية في زمان الغيبة و التصدي للأمور العامة للمسلمين تحفظا على

أعراضهم و أموالهم و تمكين الناس من الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و إسقاط الفسقة و الفجرة عن القدرة و إيكالها على من هو صالح للتصدى لها حسبة من غير ان يدعى المتصدي الوصاية و الخلافة لنفسه فليس فيها نظر الى ذلك فلاحظها.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 38

..........

______________________________

و يزيد وضوحا كون تلك الروايات غير ناظرة إلى صورة الهجوم على الحوزة الإسلامية معتبرة يونس عن ابى الحسن الرضا (ع) قال قلت له جعلت فداك ان رجلا من مواليك بلغه ان رجلا يعطى السيف و الفرس في سبيل اللّٰه فأتاه فأخذهما منه و هو جاهل بوجه السبيل ثم لقيه أصحابه فأخبروه ان السبيل مع هؤلاء لا يجوز و أمروه بردهما فقال فليفعل قال قد طلب الرجل فلم يجده و قيل له قد شخص الرجل قال فليرابط و لا يقاتل قال ففي مثل قزوين و الديلم و عسقلان و ما أشبه هذه الثغور فقال نعم فقال له يجاهد قال لا الا ان يخاف على ذراري المسلمين فقال أ رأيتك ان الروم دخلوا على المسلمين لم ينبغي لهم ان يمنعوهم قال فليرابط و لا يقاتل و ان خاف على بيضة الإسلام و المسلمين قاتل فيكون قتاله لنفسه و ليس للسلطان قال قلت فان جاء العدو الى الموضع الذي هو فيه مرابط كيف يصنع قال يقاتل عن بيضة الإسلام لا عن هؤلاء لأن في دروس إسلام دروس دين محمد (ص) «1» و ظاهرها كما ترى عدم البأس بالقتال مع من يكون استيلائه على المسلمين و بلاده موجبا لضعف الإسلام و انهدام معالمه.

بلا فرق بين زمان الحضور و الغيبة كما لا يخفى.

الموضع الثاني- فنقول لا ينبغي

الريب في ان تهيئة الأمن للمؤمنين بحيث يكون بلادهم على أمن من كيد الأشرار و الكفار من أهم مصالحهم و المعلوم وجوب المحافظة عليها و ان ذلك مطلوب للشارع فان تصدى شخص صالح لذلك بحيث يعلم برضاء الشارع بتصديه كما إذا كان فقيها عادلا بصيرا أو شخصا صالحا كذلك مأذونا من الفقيه العادل فلا يجوز للغير تضعيفه و التصدي لإسقاطه عن القدرة حيث ان

______________________________

(1) فروع الكافي الجزء (3) ص 21

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 39

..........

______________________________

تضعيفه إضرار للمؤمنين و نقض للغرض المطلوب للشارع بل يجب على الآخرين مساعدته و تمكينه في تحصيل مهمته و من المساعدة عليه التبرع في الجيش الذي يمهده لحفظه الثغور و الدخول في القوى التي أو كل إليهم حفظ الأمن الداخل المأخوذ على عاتق الناس حسبة و يشبه المقام ما إذا وضع فقيه عادل يده على مال اليتيم أو على المال الوقف الذي لا متولي له فإنه لا يجوز للغير ممانعته و تهيئة المقدمة لوضع يد نفسه عليها غاية الأمر ان وجه عدم الجواز في الثاني حرمة التصرف في تلك الأموال و في الأول لكونه تضعيفا لحوزة المسلمين و إخلالا لأمر انتظام بلادهم و أمنهم كما لا يخفى.

ثم انه إذا وقف تأمين نظام البلاد على تحصيل المال كالزكاة حيث يجوز صرفها على تحصيل الأمن و نظام البلاد وجب إيصالها اليه مع احتياجه و مطالبته بها بل لو طالب المال تبرعا في صورة احتياجه وجب على الناس الاستجابة كل ذلك تمكينا للمتصدي من المال اللازم لتهيئة أمن البلاد و تأمين الحوائج العامة التي تصدى لتأمينها كما ان للمتصدي تحصيل المال بإخراج المعادن من الأراضي المباحة و وضع اليد

على الغابات و نحوها و يكون كل هذه الأموال ملكا للحكومة الإسلامية نظير ملك المال للعناوين و لا يدخل في ملك شخص المتصدي غاية الأمر يكون للمتصدي الولاية في التصرف في تلك الأموال ليصرفها في الموارد التي يتوقف عليه نظام البلاد و تأمين حوائج أهلها.

و لا يبعد أيضا أن يقال بوجوب اطاعة المتصدي المزبور في الأمور الراجعة إلى الجهات التي أشرنا إليها أخذا بقوله سبحانه أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 40

..........

______________________________

و ما ورد في تفسيره من ان المراد بأولى الأمر الأئمة عليهم السلام لا ينافي ذلك حيث ان ذلك لنفى ولاية ولاة الجور و أنهم عليهم السلام هم أولوا الأمر لا المشار إليهم.

و لا يخفى ان كل تصرف لا يخرج عن حدود التحفظ على حوزة الإسلام و المسلمين نافذ من المتصدي لأمور المسلمين فيما إذا كان مقتضى الأدلة الأولية جوازه كتهيئة مراكز الثقافة لنشر العلوم و بسط الرفاه الاجتماعى و ان كل تصرف يكون مقتضى الأدلة عدم جوازه كالتصرف في بعض أموال آحاد الناس و أخذه قهرا عليهم و أمثال ذلك فلا يدخل في ولاية المتصدي حتى فيما إذا اعتقد المتصدي أو وكلائه جوازه لبعض الوجوه الا فيما أشرنا إليه سابقا كما يجوز لسائر الفقهاء التصدي لبعض الأمور الحسبية فيما إذا لم يكن التصدي لها مزاحمة و تضعيفا لمركز المتصدي للزعامة كنصب القيم لليتيم و التصدي لتجهيز ميت لاولى له و نحو ذلك و اللّٰه سبحانه هو العالم.

ثم ان من الأمور التي يقوم بها الفقيه كما أشرنا سابقا اجراء الحدود و التعزيرات فإنه كما ذكرنا سابقا انه لا يجوز لكل أحد إقامتها على

ما يستفاد من بعض الروايات بل يظهر منها ان ذلك للإمام كحسنة الحسين بن أبى العلاء «1» و المراد من الامام من اليه الحكم سواء كان المعصوم (ع) أو نائبه الخاص أو الفقيه الذي يصح له الحكم كما يدل عليه معتبرة حفص بن غياث قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) من يقيم الحدود السلطان أو

______________________________

(1) الوسائل الجزء (18) الباب (17) الحديث (2).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 41

..........

______________________________

القاضي فقال اقامة الحدود الى من اليه الحكم «1».

و يؤيده مثل رواية على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال سألته عن يهودي أو نصراني أو مجوسي أخذ زانيا أو شارب خمر ما عليه فقال يقال يقام عليه حدود المسلمين إذا فعلوا ذلك في مصر من أمصار المسلمين أو في غير أمصار المسلمين إذا رفعوا الى حكام المسلمين «2».

و اما الالتزام بعدم تصدى لإجراء الحدود و التعزيرات لغير الامام (ع) بما في دعائم الإسلام و الأشعثيات عن الصادق (ع) عن آبائه عن على (ع) لا يصلح الحكم و لا الحدود و لا الجمعة إلا بإمام فلا يمكن المساعدة عليه فإنه أولا لم يظهر المراد من الامام انه المعصوم (ع) فقط بل المراد منه يعم الفقيه العادل بقرينة نفوذ حكمه و ثانيا ان رواية دعائم الإسلام لإرساله لا يمكن الاعتماد عليه.

و اما الأشعثيات التي بأيدينا و أخذ الرواية منها لم يعلم أنه كتاب محمد بن محمد بن الأشعث الذي وثقه الشيخ النجاشي و قال له كتاب الحج المذكور فيه ما روته العامة عن جعفر بن محمد عليهما السلام في الحج إذ ما بأيدينا مشتمل على أكثر أبواب الفقه.

و كذلك لم يعلم ان ما

بأيدينا ما ذكر الشيخ النجاشي و الشيخ الطوسي في ترجمة إسماعيل بن موسى بن جعفر عليهم السلام ان له كتبا يرويها عن أبيه عن آبائه منها كتاب الطهارة إلى آخر ما ذكراه حيث لم يظهر أن ما بأيدينا هي تلك الكتب مع ان الموجود بأيدينا يختلف عن تلك الكتب و من المحتمل ان تلك الكتب لم تصل حتى الى

______________________________

(1) الوسائل الجزء (18) الباب (28) الحديث (1).

(2) الوسائل الجزء (18) الباب (29) الحديث (1).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 42

نعم لو ثبت شرعا اشتراط صحة أدائهما (1) ثم ان النسبة بين مثل هذا التوقيع و بين العمومات (2)

______________________________

الشيخ الطوسي ره و لذا لم يذكر في كتابيه عنه رواية.

(1) بأن يستنبط الفقيه المطالب بالزكاة أو الخمس من الأدلة الشرعية اعتبار دفعهما الى الفقيه و انه لا يصح دفعهما بدون ذلك مطلقا أو بعد مطالبة الفقيه فإن العامي إذا أحرز تعين تقليده ابتداء كما إذا كان اعلم من الآخرين أو تخييرا كما إذا كان في رتبة الآخرين يجب إيصالهما اليه مطلقا أو بعد اختياره و هذا في غير مورد الكلام فان مورده ولاية الفقيه و ان أمر الفقيه و حكمه نافذ كحكم الامام (ع) مع قطع النظر عن إفتائه.

(2) يعني مقتضى التوقيع وجوب الرجوع في الوقائع الحادثة و العمل فيها إلى الرواة سواء كانت الواقعة من الأمور الحسبية أو غيرها من موارد القضاء و نحوها كما ان ما ورد من ان كل معروف صدقة «1» مقتضاه مشروعية العمل بالمعروف و جواز استقلال كل أحد به سواء كان من الأمور الحسبية أو من المستحبات و الواجبات الكفائية و بعد سقوط إطلاقهما في مورد اجتماعهما و

هي الأمور الحسبية و نحوها يرجع الى أصالة عدم مشروعية ذلك المعروف بل لا يبعد حكومة مثل التوقيع على مثل العموم المزبور فإنه لا يكون الاستقلال مع إيجاب الرجوع فيها إلى الرواة من المعروف ليعمه كل معروف صدقة و كذا لا يكون الاستقلال عونا للضعيف بل عونه هو الرجوع في أمره الى الحاكم.

______________________________

(1) الوسائل الجزء (11) الباب (1) من أبواب فعل المعروف الحديث (2).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 43

ثم انه قد اشتهر في الألسن و تداول في بعض الكتب (1)

______________________________

أقول العامي الذي يحتمل في الواقعة اعتبار الرجوع فيها الى الفقيه لا يجوز له الاستقلال بمباشرته بها حيث يجب عليه في الشبهة الحكمية الاحتياط أو التقليد ممن يتعين عليه الرجوع إليه في الوقائع و إذا رجع الى الفقيه احتياطا أو تقليدا فعلى الفقيه ملاحظة الأدلة في تلك الواقعة فإن كان مقتضاها عدم جواز العمل أو عدم ثبوت الولاية لا له و لا لغيره يعمل على مقتضى تلك الأدلة كما إذا رأى انه ليس له و لا لغيره الولاية على تزويج الصغير و الصغيرة. و ان كان مقتضى الأدلة جواز المباشرة أو جواز التوكيل كالتصرف في مال اليتيم يعمل على ما ظهر له حتى لو ظهر منها جواز تصدي العامي للواقعة فله الإفتاء بذلك.

ثم الأمور الحسبية التي يكون مقتضى الأدلة فيها عدم الجواز كالتصرف في مال الغائب أو القاصرين يكون مباشرة الفقيه أو توكيله هو المقدار المتيقن من الجواز فيؤخذ في غير ذلك بإطلاق النهي أو عمومه و مقتضاه عدم كون التصرف المزبور معروفا أو عونا للضعيف بل يكون ظلما و تعديا عليه كما لا يخفى.

و اما الأمور التي يكون مقتضى الأدلة جواز

التصدي لكل أحد فللفقيه الإفتاء بذلك فيجوز للعامي التصدي به استقلالا كما في تغسيل ميت لاولى له.

و دعوى اعتبار الرجوع في مثل ذلك ايضا الى الفقيه أخذا بإطلاق التوقيع، فيها ما لا يخفى لضعف التوقيع سندا و دلالة كما تقدم سابقا.

(1) و حاصله ان المراد بالسلطان هو السلطان بحق كما هو فرض الشارع السلطنة لشخص فينحصر مدلول الرواية بولاية الإمام (ع) و استفادة ولاية الفقيه يحتاج الى عموم أدلة النيابة و قد تقدم انه لا عموم فيها و انه لم يثبت ولايته في غير الإفتاء و القضاء و غير الأمور

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 44

..........

______________________________

المعبر عنها بالأمور الحسبية التي منها بل و أهمها أمر تنظيم أمر بلاد المسلمين و تحصيل الأمن لها كما اعترف بعدم العموم جمال المحققين في باب الخمس بعد الاعتراف بان المعروف عند الأصحاب كون الفقهاء نواب الامام (ع) و يظهر التأمل في نيابته كذلك من المحقق الثاني أيضا في رسالته الموسومة بقاطع اللجاج.

ثم ان المراد بمن لاولى له ليس مطلق انسان لم يكن له ولى بل الذي ينبغي ان يكون له ولى كالصغير و المجنون و المغمى عليه و الغائب عن أمواله و الموقوف عليهم و الميت الذي لاولى له و قاطبة المسلمين بالإضافة إلى ملكهم كالأراضي المفتوحة عنوة و نحو ذلك فينحصر مدلول الرواية بالأمور الحسبية لا الولاية على الرعية قاطبة على حد ولاية النبي (ص).

نعم يستفاد مما يذكر نفوذ التصرف من السلطان فيما يكون ذلك التصرف صلاحا للمولى عليه حتى ما إذا شك في مشروعيته بحسب سائر الأدلة كما إذا أراد تزويج الصغير مع كونه صلاحا له فإنه لم يكن إثبات ذلك بالتوقيع لما

تقدم من ان مدلوله ولاية الرواة في كل واقعة يجب العمل فيها و انه يرجع في تلك الواقعة إلى الرواة و هذا بخلاف هذه الرواية فإن مدلولها ثبوت الولاية للسلطان في كل تصرف يكون صلاحا للمولى عليه و لو لم يكن من الأمور الحسبية نعم يعتبر كون التصرف صلاحا للمولى عليه فلا ينفذ التصرف المزبور مع عدم صلاحه له كما هو مقتضى كونه وليا فإنه فرق بين ان يكون للشخص ولاية لأحد كما هو ظاهر الرواية و ان يكون له ولاية عليه فإنه لا يبعد ان يكون مقتضى الثاني النفوذ و لو لم يكن التصرف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 45

[ولاية عدول المؤمنين]

بل المراد عدم الملكة يعنى أنه ولى من (1) اعلم أن ما كان من قبيل ما ذكرنا (2)

______________________________

صلاحا.

(1) كل ما ذكر ممن يحتاج إلى الولي بحسب صنفه و اما الاحتياج اليه بحسب الشخص أو النوع أو الجنس فلم يظهر المراد منه و نتيجة البحث الى هذا المقام ان ما يستدل بها من الروايات على ولاية الفقيه بمعنى ثبوت الولاية له على حد ثبوتها للنبي (ص) و سائر الأئمة عليهم السلام لا تكون ناظرة الى ذلك لان جلها تعم الرواة و العلماء الذين كانوا في عصرهم عليهم السلام بل المتيقن من بعضها ذلك و الالتزام بثبوت الولاية لهم مع ولاية النبي و الامام (ع) غير ممكن أضف الى ذلك المناقشة في اسناد جلها و دلالة كلها على ما تقدم و لكن بما ان التحفظ على بلاد المسلمين و الدفاع عنهم و عن الحوزة الإسلامية و الممانعة عن استيلاء الخونة و الفساق و الأشرار فضلا عن المنافقين و الكفار مما يعلم وجوبه

على حد وجوب سائر الأمور التي يعبر عنها بالحسبة بل ما ذكر أهمها و الأصل و الأساس لها فالواجب على الفقيه العادل البصير مع تمكنه هو التصدي لذلك مباشرة أو بالتوكيل و لا يبعد دخوله بالتصدي في عنوان ولى الأمر اللازم طاعته و طاعة وكلائه فيما إذا لم يكن أمرهم و نهيهم و سائر تصرفاتهم خارجة عن الحدود التي رسمهما الشرع حيث لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق و يأتي ان مع تصديه لا يعلم مشروعية التصدي من غيره كما يعلم عدم جواز معارضته أو تضعيفه بل يجب تقويته و المساعدة و المجاهدة على مهامه التي لم تدخل في العنوان المشار اليه بحسب ما بأيدينا من الأدلة.

(2) و حاصل ما ذكر (ره) في المقام ان التصرفات المعبر عنها بالأمور

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 46

..........

______________________________

الحسبية كالتصرف في أموال القاصرين مع فقد الولي و الحاكم و لو بعدم التمكن من الوصول اليه أو وكيله و في الأوقاف العامة مع عدم متولي خاص لها و فقد الحاكم كما ذكر يتصرف فيها آحاد الناس من العدول للعلم بان هذه التصرفات مطلوب وجودها و غير مأخوذة على شخص خاص و اعتبار الاستيذان من الحاكم الشرعي ساقط للتعذر و اعتبار هذا الاستيذان اختياري لا يسقط مطلوبية التصرف مع تعذره.

نعم فيما إذا احتمل كون الاستيذان شرطا مطلقا بحيث يسقط مطلوبية ذلك التصرف مع عدم التمكن منه فيرجع الى أصالة عدم مشروعيته كبعض مراتب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر كما إذا توقف أحدهما على الجرح حيث ان إطلاقات الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر المقتضية لكون كل منهما واجبا كفائيا لا تعم ما إذا توقف أحدهما على

الجرح و الأصل عدم وجوب ذلك الجرح بل عدم جوازه أخذا بما دل على حرمة الإضرار و الإيذاء و الاعتداء.

أقول المشهور عندهم بل كما قيل لا خلاف في ان للأمر بالمعروف و النهى عن المنكر مراتب ثلاث الإنكار بالقلب ثم الإنكار باللسان ثم الإنكار باليد و ان كل واحدة منها في طول الأخرى.

و لكن لا يخفى انه ان كان المراد بالإنكار بالقلب الكراهة الباطنية المتعلقة بالفعل الصادر عن الغير أو الترك كذلك فمن الظاهر ان هذا الإنكار و ان كان من مقتضى الايمان و التسليم لاحكام الشرع الا انه لا يدخل في عنوان الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر حيث ان الأمر و النهى عبارة عن بعث الآخر و تحريكه نحو الفعل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 47

..........

______________________________

أو الترك.

و ان كان المراد كما قيل إظهار الشخص ان الفعل الصادر عن الغير مكروه له فهذا داخل في عنوان الإنكار باللسان فيجري عليه ما يجرى على الإنكار باللسان و لا يكون وجوبه مطلقا بل على تقدير احتمال التأثير و عدم الخوف من ترتب الضرر.

و كذلك لا يدخل الإنكار باليد ضربا كان أو جرحا أو حبسا في عنوان الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و ما يستدل على ذلك من بعض الروايات لضعف السند بل الدلالة لا تصلح للاعتماد عليها و على تقديره فلا يكون أحدهما في طول الآخر و في خبر يحيى بن الطويل عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال ما جعل اللّٰه عز و جل بسط اللسان و كف اليد و لكن جعلهما يبسطان معا و يكفان معا «1».

و الحاصل ان ما دل على حرمة الإيذاء و الإضرار و اعتداء خروج الضرب

فضلا عن الجرح عن كونه معروفا فلا يمكن الأخذ بقوله (ع) كل معروف صدقة و بعبارة أخرى ضرب الغير أو جرحه مع كونهما موجبين لحمل الغير على المعروف و انتهائه عن المنكر من المتزاحمين و على تقدير عدم إحراز الأهمية يكون وجوب الحمل ساقطا باعتبار عدم اباحة مقدمته مع ان وجوب الحمل في نفسه المعبر عنه بالمنع عن المنكر لا يخلو عن تأمل و ان كان ربما يستظهر جواز ذلك و مطلوبيته بالإضافة الى الأهل و العيال من صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال جاء رجل الى رسول اللّٰه (ص) فقال ان أمي لا تدفع يد لامس قال فاحبسها قال قد فعلت قال فامنع من يدخل عليها قال قد فعلت قال قيدها فإنك لا تبرها بشي ء أفضل من ان تمنعها من محارم اللّٰه

______________________________

(1) الوسائل الجزء (11) الباب (3) من أبواب الأمر بالمعروف الحديث (2).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 48

و الظاهر ان قوله فان توقع (1) و لعل وجهه (2)

______________________________

عز و جل «1» حيث لا يستفاد منها الا المطلوبية لا الوجوب.

نعم قوله سبحانه يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نٰاراً يمكن استفادة الوجوب منها بالإضافة الى الأهل و لو كان المنع عن المنكر بالإيذاء و نحوه بشهادة الصحيحة بأن المنع المزبور إحسان بل يمكن ان يقال لا يحتمل عادة ان يكون المنع عن محارم اللّٰه إحسانا و برا بالإضافة إلى الأم و الأهل و لا يكون إحسانا بالإضافة إلى السائرين و لذا لا يبعد جواز المنع مطلقا كما لا يبعد الالتزام بان على الحاكم و والي المسلمين المنع في موارد كون المنكر بشيوعه موجبا

لفساد المجامع الإسلامية و طمس معالم الدين عن بلاد المسلمين كما لا يخفى.

(1) يعنى ان هذا ليس من تتمة كلام العامة بل من تتمة ما ذكره (ره) بقوله (و هل يجوز أخذ الزكوات و الأخماس).

(2) و بتعبير آخر ان قوله (ع) كل معروف صدقة في مقام الترغيب الى فعل المعروف و اما تعيين المعروف و مصاديقه فهو خارج عن مدلوله كما هو الشأن في كل خطاب يتضمن الحكم بعنوان القضية الحقيقية و على ذلك فلا يمكن التمسك بالرواية فيما إذا كان مقتضى الأدلة عدم جواز ذلك التصرف و اشتراط كونه بنظر الفقيه كإقامة الحدود حيث ورد أنها وظيفة الامام و الحاكم و كذلك التصدي لجمع الزكوات و الأخماس أخذا بأصالة عدم الولاية التي لا يكون التصدي بدونها معروفا و لذا لا يمكن التمسك بالرواية المزبورة في نفوذ البيع فضولا فيما إذا كان ذلك البيع

______________________________

(1) الوسائل الجزء (18) الباب (48) الحديث (1) من أبواب حد الزنا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 49

بناء على ان المراد من المماثلة (1)

______________________________

صلاحا للمالك.

و مما ذكرنا يظهر الحال في التمسك بقوله سبحانه وَ تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ حيث ان تعيين البر و التقوى خارج عن مدلولها و كذلك لا يقتضي قوله (ع) و اللّٰه في عون مؤمن ما دام في عون أخيه.

و على الجملة إذا كان في البين ما يدل على عدم جواز الفعل أو عدم نفوذه حتى مع عدم التمكن على الوصول من الفقيه فلا يمكن إثبات الولاية فيه لعدول المؤمنين بما ذكر من الآية و الرواية بل يحتاج جواز التصدي حسبة الى العلم بجواز التصدي كالتصرف في الأوقاف العامة التي لا متولي لها و

تجهيز ميت لاولى له أو قيام دليل خاص عليه كالتصرف في أموال اليتامى مع عدم الولي لهم كما لا يخفى.

(1) و حاصله ان نصب القيم من القاضي المفروض في الرواية غير نافذ و يكون تصرف عبد الحميد و مثله من جهة ولايته على الأيتام بحكم الشارع لا من جهة كونه منصوبا من قبل القاضي و المحتمل في المماثلة الواردة في الرواية أمور: الأول- المماثلة في التشيع الثاني- المماثلة في الوثاقة أي فعل ما هو صلاح للأيتام فيكون ملاحظة مصلحة اليتيم في عبارة المصنف (ره) عطفا تفسيريا للوثاقة الثالث- المماثلة في الفقاهة الرابع- المماثلة في العدالة و احتمال ارادة الثالث أي المماثلة في الفقاهة ضعيف لان مفهوم الشرطية على ذلك الاحتمال انه إذا لم يكن القيم للأيتام فقيها ففي تصرفاته بأس و منع و المنع إطلاقه يجري حتى في صورة تعذر الفقيه مع انه لا يمكن ان تكون الفقاهة بالإضافة الى مال اليتيم شرطا على الإطلاق بحيث لا يجوز لغير الفقيه التصرف حتى مع تعذر الفقيه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 50

ففي صحيحة على بن رئاب (1)

______________________________

و هذا بخلاف سائر الاحتمالات فإنه لا بأس عليها بالأخذ بإطلاق البأس و المنع و الالتزام بان تصرف غير الشيعة أو الخائن أو الفاسق في مال اليتيم غير نافذ.

و الحاصل يدور المراد في الاحتمالات الثلاثة الباقية فيؤخذ بالأخص منها و هو اعتبار العدل لكونه متيقنا بالإرادة لأن العادل يكون شيعيا و يكون تصرفه بمقتضى التكليف المستفاد من مثل قوله سبحانه وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* صلاحا لليتيم.

أقول لا مجال في المقام للتمسك بإطلاق المفهوم و إثبات ان المراد بالمماثلة المماثلة في غير الفقاهة

و ذلك للجزم بان البأس في المفهوم لا يعم تصرف غير الفقيه مع تعذر الفقيه و عدم شمول المفهوم لذلك اما بالتقييد كما إذا كان المراد بالمماثلة الفقاهة فإنه لا بد من تقييد المفهوم و اما تقيدا كما إذا كان المراد بها غير الفقاهة نظير ما يقال انه مع العلم بعدم ثبوت حكم العام لشي ء و دوران كونه بالتخصيص أو بالتخصص لا يمكن التمسك بأصالة العموم و إثبات كونه بالتخصص فالصحيح ان الصحيحة مجملة من حيث المراد من المماثلة فيؤخذ بالأخص من الاحتمالات و هي المماثلة في الفقاهة و العدل.

(1) و وجه دلالتها ان قوله (ع) الناظر فيما يصلحهم وصف توضيحي فيكون مفاد الصحيحة نفوذ تصرفات من يكون تصرفاته من جهة صلاح الصغير المفروض عدم القيم الخاص له و لكنها لا تنافي اعتبار العدالة في القيم فإنه يرفع عن إطلاقها بما دل على اعتبار العدالة كما ان ما دل على اعتبارها يكون مفسرا لإجمال الصحيحة الأولى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 51

و الذي ينبغي ان يقال (1)

______________________________

فتكون النتيجة ان القائم بمصالح الصغير من غير وصاية و من غير توكيل من الحاكم الشرعي يجب ان يكون عدلا.

و اما موثقة سماعة قال سألته عن رجل مات و له بنون و بنات صغار و كبار من غير وصية و له خدم و مماليك و عقد كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك الميراث قال إذا قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كله فلا بأس «1» فلا ظهور للثقة فيها فيمن يطمئن بفعله عرفا و لو كان فاسقا بل لا يبعد ظهورها في العدل و لا أقل من الحمل عليه جمعا بينها و بين صحيحة إسماعيل بن سعد

برفع اليد عن إطلاق الثانية بالأولى كما لا يخفى.

(1) يعني في الموارد التي يكون فيها لجواز تصرف غير الفقيه و نفوذه دليل خاص اتبع ذلك الدليل في جهة كونه دالا على اعتبار العدالة في المتصرف أم لا.

و اما الموارد التي يكون تصرف غير الفقيه فيها من جهة دخول ذلك التصرف في عموم قوله (ع) كل معروف صدقة و قوله عون الضعيف من أفضل الصدقة أو عموم قوله سبحانه وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* ففيها تفصيل من جهة ان الفاسق ايضا يجوز له التصدي لتلك التصرفات و يكون تصرفه نافذا كتصرف العادل الا انه لا يسقط التكليف بإصلاح مال اليتيم و حفظه عن الهلاك عن السائرين بمجرد قيام الفاسق بالتصرف مع عدم إحراز كون تصرف الفاسق صلاحا و إحسانا للطفل و لا يكفي في الإحراز حمل التصرف المزبور على الصحة مثلا إذا باع الفاسق مال الصغير لا يجوز مع جهله يكون ذلك صلاحا للطفل شراء ذلك المال من البائع المزبور و لا يجري

______________________________

(1) الوسائل الجزء (13) الباب (88) من أبواب الوصايا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 52

..........

______________________________

أصالة الصحة في فعل البائع فإن الشك في المقام في أصل وجود المأمور به و هو إصلاح مال الطفل و إيجاد الصلاح فيكون نظير ما إذا شك في ان الغير صلى على الميت أم لا نعم إذا أحرز أصل الصلاة و شك في وقوعها صحيحة أم لا فتحمل على الصحة.

و بتعبير آخر شك المشترى في كون بيع البائع صلاحا للطفل أم لا نظير شكه في بلوغ البائع و ولايته على البيع لا مجرى فيه لأصالة الصحة نعم إذا باع الفاسق مال الطفل

لآخر و احتمل ثالث ان المشترى قد أحرز كون شرائه و بيع البائع صلاحا للطفل فيجوز لذلك الثالث حمل شرائه على الصحة و لا يجوز له أخذ الثمن من يد البائع و استرداد المبيع من يد مشتريه بدفع الثمن إليه لأنه لا يعلم ان مال الصغير هو الثمن بل مقتضى أصالة الصحة الجارية في شراء المشترى هو كون ماله هو الثمن لا المثمن أقول قد تقدم سابقا انه لا دلالة لقوله (ع) كل معروف صدقة و لا لقوله عون الضعيف من أفضل الصدقة على حكم المقام فان كون تصرف الأجنبي في مال الطفل انما يكون معروفا و عونا مع ولايته على التصرف و نفوذ معاملته و إذا منع عنه مثل قوله (ع) لا يحل مال امرء مسلم الا بطيب نفسه أو أصالة عدم ولايته على التصرف المزبور فيخرج عن كونه معروفا و عونا كما يخرج زيد باستصحاب عدم كونه فاسقا عن عموم النهى عن إكرام الفاسق.

و اما قوله سبحانه وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* فهو خطاب متوجه الى من يكون في أيديهم أموال اليتامى من الأولياء و لا يعم غير الولي و لا يعين الولاية لأحد.

و الحاصل ان التصرف في مال الأيتام مستفاد من الروايات المتقدمة و مفادها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 53

..........

______________________________

كما تقدم اعتبار العدالة في المتصرف و أيضا لو فرض ثبوت الولاية على كل واحد في التصرف في مال الطفل أو غيره فلا مانع من حمل فعل المتصدي على الصحة و ليس المقام من قبيل الشك في بلوغ البائع و نحوه ما يكون الشك معه في ولاية المتصرف حيث لا مجرى لأصالة الصحة بدون

إحرازها و ذلك فإنه بعد فرض الولاية حتى للفاسق يكون ولاية التصرف محرزا غاية الأمر ان بيعه مشروط يكون ذلك البيع صلاحا للطفل بنظره كما مقتضى جعل الولاية نظير اشتراط علم البائع و إحرازه أوصاف المبيع في صحة بيعه و كما ان المشترى إذا شك في ان بايعه عالم بأوصاف مبيعه أم لا يجوز له الاشتراء حملا لبيعه على الصحة كذلك في المقام فيما إذا احتمل المشترى ان بايع مال الطفل قد أحرز كون بيعه صلاحا و لو كان إصلاح مال الطفل واقعا هو المأمور به لوجب على الآخرين أخذ المال من يد المشترى بدفع الثمن اليه تمسكا باستصحاب بقاء المبيع في ملك الطفل فإنه كما لا مجال لأصالة الصحة في فعل البائع كذلك لا مجال له في فعل المشتري لأن إصلاح مال الطفل واقعا لا يحصل بمجرد فعل البائع بل به و بفعل المشترى و يكون الشك في صحة شراء المشترى مساويا للشك في أصل وجود المأمور به كما لا يخفى.

ثم بناء على ما ذكرنا من عدم إحراز الولاية لغير العادل من الأمور الحسبية المشار إليها تكون العدالة فيها للمتصدي معتبرة بنحو الموضوعية و اما بناء على ما ذكر المصنف (ره) من ثبوت الولاية فيها للفاسق يكون اعتبار العدالة فيها للمتصدي بنحو حيث تكون عدالة المتصدي طريقا الى وقوع التصرف الصلاح و لو علم وقوع هذا النحو من التصرف من جهة أخرى يكون نافذا كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 54

فالظاهر ان حكم عدول المؤمنين لا يزيد على حكم الأب و الجد (1)

______________________________

(1) أقول الظاهر ان مع وضع عادل يده على مال الصغير يجوز للعادل الآخر مزاحمة الأول لأن

بعض الروايات المتقدمة تعم تصرف المزاحم فيما إذا وقع قبل وقوع التصرف من العادل الأول و اما فيما كان القيام من العادل لمجرد كون الواقعة من الأمور الحسبية التي علم بعدم رضاء الشارع بترك التعرض لها فلا يجوز المزاحمة في الأمور الحسبية التي يكون مقتضى الأدلة الأولية المنع عن التصرف فيها كالتصرف في مال الغائب و الأوقاف العامة لأنه يرفع اليد فيها عن تلك الأدلة للعلم بان الشارع لا يرضى بإهمال الواقعة و لا يحصل هذا العلم مع وضع العادل يده على تلك الواقعة حيث يحتمل عدم رضاء الشارع بالتصدي من الآخرين و مزاحمة العادل الذي وضع يده على الواقعة أولا.

نعم الأمور التي يكون مقتضى الأدلة الأولية جواز التصدي لها كالصلاة على ميت لاولى له فإن الولاية لها ثابتة لآحاد المؤمنين فيجوز لكل واحد منهم إيقاعها مع عدم وقوعها من الآخر قبله.

و مما ذكرنا يظهر الحال في ولاية الفقيه و انه يجوز للفقيه الآخر التصرف و لو مع وضع فقيه يده على الواقعة قبله فيما إذا كان مقتضى الخطاب اللفظي جواز التصدي لكل فقيه كالقضاء في المرافعات و اما في الأمور الحسبية التي يكون تصديه للعلم برضاء الشارع فلا يجوز للآخر المزاحمة باعتبار انه لا علم برضاء الشارع بتصدي الآخر مع فرض وضع الأول يده على الواقعة التي تكون مقتضى الأدلة الأولية عدم جواز التصرف فيها فلا حظ و تدبر.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 55

فهل يجوز للآخر مزاحمة (1)

______________________________

(1) يعني هل يجوز للفقيه الآخر مزاحمة الفقيه الذي تصدى للواقعة بوضع يده عليها أولا بأن يرخص الآخر أحدا في الصلاة على الميت أو هو يباشر بنفسه بالصلاة عليه ذكره (ره) انه لو

كان المستند لولاية الفقيه في مثل هذه الأمور ما في التوقيع المتقدم من إيجاب إرجاع الحوادث إلى الرواة فيجوز للفقيه الآخر مزاحمة الأول لأن مفاده ان العوام لا يجوز لهم مزاحمة الفقهاء بل يجب عليهم إيكال الحوادث إليهم و اما ان الفقيه لا يجوز له مزاحمة الفقيه فلا دلالة للتوقيع عليه.

و الحاصل ان مفاد التوقيع المزبور ان الفقهاء كل واحد منهم حجة على السائرين و يكون لهم ولاية بحيث يجب على العوام الرجوع إليهم فيكون حال كل فقيه بالإضافة إلى الفقيه الآخر حال كل من الأب و الجد بالإضافة إلى الأخر و من هذا القبيل تصدى أحد الحاكمين للحكم في الواقعة قبل حكم الأخر فيها و لو مع دفع تلك الواقعة الى ذلك الأخر و نظره و استماع الشهادة و البناء على الحكم فيها.

و اما إذا استفيد ولاية الفقيه من أدلة نيابتها عن الامام (ع) فلا يجوز للفقيه الأخر مزاحمة من وضع يده على الواقعة أولا و ليس المراد الأدلة التي يكون مدلولها كون الفقيه كالإمام أولى بالناس أى بأنفسهم و أموالهم ليقال انه ليس في البين ما يقتضي ولايته كذلك بل المراد ان تصرف الفقيه في مورد له ولاية التصرف فيه كتصرف الامام (ع) فيه كما يظهر ذلك من التعليل الوارد في التوقيع المتقدم فان مقتضاه كون الفقيه حجة من قبله (ع) فتصديه للواقعة كتصديه (ع) لها فإنه لو كان جواز تصدى الفقيه كجواز تصدى الأب و الجد حكما شرعيا لكان الأنسب أن يقول فإنهم حجة اللّٰه عليكم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 56

..........

______________________________

و الحاصل إذا كان تصدى الفقيه لواقعة كتصدى الامام (ع) لها فلا يجوز للفقيه الأخر التصرف فيها بعد

وضع اليد عليها من فقيه أولا حيث لا يجوز مزاحمة الإمام (ع).

لا يقال كيف جاز لفقيه الحكم في واقعة قبل تمام الحكم من الفقيه الأخر حتى لو نظر ذلك الأخر في تلك الواقعة و سمع الشهادة و بنى على الحكم فيها مع انه يجرى على تصديه فيها للقضاء أنه كتصدى الامام (ع).

فإنه يقال وجوب القضاء على الفقيه في الواقعة مشروط بسؤال الحكم منه و مع عدم سؤال المتخاصمين كما هو مقتضى رجوعهما الى غيره و لو بعد مراجعتهما اليه يكون التكليف بالقضاء متوجها الى ذلك الغير أقول قد تقدم ان التوقيع المزبور لا يمكن الاعتماد عليه لضعفه سندا و ان الحوادث الواقعة الواردة فيها مجملة لأن السؤال لم يصل إلينا و لعل كان فيه قرينة على كون المراد بها بعض المخاصمات التي يحتاج فيها إلى الحكومة.

و على تقدير الإغماض و عموم الحوادث فمفاده ان مع وجود الفقيه لا يعذر العامي في ترك الواقعة و عدم العمل بالوظيفة فيها فإن الحجة ما يحتج به كما ان مع وجود الامام (ع) لا يعذر الناس في ترك رجوعهم اليه (ع) و اما مباشرة الفقيه بحادثة بالإضافة إلى فقيه آخر كمباشرة الامام (ع) بالإضافة إلى الفقيه فليس فيه دلالة على ذلك.

و بتغيير آخر جعل الولاية لفقيه بالتصرف في الواقعة لا يلازم جعل تصديه منزلة تصدي الإمام (ع) و ما ذكر (ره) من عدم جواز مزاحمة فقيه لفقيه آخر لاستلزامها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 57

قوله مطلق التقليب و التحريك حتى من مكان الى آخر (1)

______________________________

اختلال النظام فلا يخفى ما فيه فإنه على تقدير الدليل على ولاية كل فقيه يكون المقام نظير ما إذا تعذر المراجعة

إلى الفقيه و وصلت النوبة لعدول المؤمنين حيث ذكر (ره) جواز مزاحمة عادل لعادل و مزاحمة فقيه لفقيه آخر لا يزيد عليه.

(1) يعنى يحتمل كون المراد بالقرب تحريك مال اليتيم و إخراجه عن السكون سواء كان تحريكا مكانيا بان ينقل المال من مكان الى آخر أو تحريكا اعتباريا و إدخالا في ملك الغير بيعا أو غيره و التقليب و التحريك بمعنى واحد.

و يحتمل ان يكون المراد بالقرب وضع اليد على مال اليتيم و انه لا يجوز وضع اليد عليه الا فيما كان وضعها عليه أحسن من تركه بحاله.

و يحتمل كون المراد به ما يعد تصرفا سواء كان اعتباريا كالبيع و الإجارة و نحوهما أو غيره من التصرف الخارجي و يترتب على ذلك انه لو كان التصرف في مال اليتيم أحسن من تركه بحاله فلا يجب التصرف حيث ان مدلول الآية عدم جواز القرب اليه بوجه غير أحسن لا وجوب القرب اليه بوجه أحسن.

و يحتمل ان يكون المراد بالقرب مطلق الأمر الاختياري المتعلق بمال اليتيم و لو كان الأمر المزبور تركه بحاله و يترتب على ذلك وجوب التصرف في الفرض المتقدم فان تركه بحاله على هذا الاحتمال قرب اليه بوجه غير أحسن فلا يجوز.

ثم ان المراد بالأحسن اما الأحسن من تركه أو الأحسن من تركه و من سائر التصرفات المعبر عنه بالأحسن المطلق أو القرب الحسن بان يكون فيه صلاح للطفل أو القرب الذي لا يكون فيه حرج أى مفسدة.

و الظاهر من معاني القرب هو المعنى الثالث حيث ان القرب الى المال بمناسبة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 58

..........

______________________________

الحكم و الموضوع هو التصرف فيه سواء كان اعتباريا أو خارجيا فلا يشمل تركه

بحاله كما ان ظاهر الأحسن هو المعنى الثاني أي التفضيل المطلق كما هو مقتضى حذف المفضل عليه في إفادته العموم و على هذا فلو كان بيع مال اليتيم أصلح من تركه و من سائر التصرفات و لم يكن فرق بين بيعه بالدينار أو بالدراهم يكون بيعه بكل منهما جائزا باعتبار كون بيعه بكل منهما أصلح من تركه و من سائر التصرفات و إذا باعه بالدراهم فلا يجوز مبادلة الدراهم بالدينار باعتبار ان هذه المبادلة لا تكون أحسن من تركها.

بخلاف ما إذا قيل بان المراد بالأحسن مطلق ما لا يكون فيه حرج و مفسدة فإنه بناء عليه تجوز تلك المبادلة و كذا ما إذا قيل بان المراد بالأحسن هو الأحسن المطلق و المراد بالقرب مطلق ما يتعلق بمال اليتيم و لو كان ذلك الأمر تركه بحاله حيث ان في الفرض لا يكون القرب أى ترك مال اليتيم بحاله أحسن من تركه و من سائر الأمور المتعلقة بالدراهم المفروضة بل تركها بحالها و تبديلها بالدنانير على حد سواء فيجوز كل منهما.

ثم ان الأظهر من معاني القرب هو الثالث حيث ان قرب المال بمناسبة الحكم و الموضوع هو التصرف فيه كما ان الأظهر في معنى الأحسن هو التفضيل المطلق أى التصرف الأحسن من تركه و من سائر التصرفات نعم مقتضى التدبر في ملاحظة غرض الشارع أن لا ينحصر القرب بالتصرف بل يعم ترك المال بحاله كما هو المعنى الرابع للقرب فان غرضه ان لا يختار الأولياء في مال اليتيم الا ما كان أحسن كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 59

..........

______________________________

أقول لا ينبغي الريب في ان النهى عن قرب مال اليتيم لا يراد منه

معناه الحقيقي من القرب المكاني أو الزماني أو نحوهما بل كناية عن الفعل المناسب للمال فلاحظ النهى عن قرب الشجرة في قوله سبحانه وَ لٰا تَقْرَبٰا هٰذِهِ الشَّجَرَةَ* و النهى عن قرب النساء في قوله وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ و نحوهما و من الظاهر ان الفعل المناسب للمال قسمان التصرف الخارجي بان يلبس الثوب المملوك لليتيم و يسكن بيته و يأكل طعامه الى غير ذلك مما هو استيفاء لمنافع مال اليتيم أو إتلاف أعيان ماله و التصرف الاعتباري كالاتجار بمال اليتيم و المتيقن من المراد هو القسم الأول و ان كان لا يبعد عموم المراد و شموله للقسم الثاني.

و كيف كان فليس الأحسن وصفا للقرب ليقال ان القرب لا يعم التصرفات الاعتبارية و ان مدلول الآية هو تحريم التصرف الخارجي غير الأحسن فلا يستفاد منه الحكم الوضعي للمعاملات الجارية على مال اليتيم بل الأحسن صلة الموصول المراد به الطريقة و الوسيلة كما هو مقتضى تأنيث الموصول و دخول الباء الظاهرة في الآلية أو السببية عليه و توصيف الطريقة بالأحسن يمكن ان يراد ما يقابل طريق الظلم و العدوان كما في قوله سبحانه الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ الْيَتٰامىٰ ظُلْماً و عليه فيما كان وسيلة القرب معاملة معنونة بعنوان الظلم و العدوان يحكم بفسادها كما إذا باع الولي مال اليتيم بثمن نجس جدا حيث لا يمكن مع صحتها ان يكون ترتب الأثر عليها المعبر عنه بالقرب محرما.

و يمكن ان يكون المراد الطريقة التي هي أصلح لليتيم بالإضافة إلى سائر المعاملات و الوسائل فلا يجوز القرب بمال اليتيم بالإجارة إذا كان البيع أصلح و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 60

نعم ربما يظهر من بعض

الروايات ان حرمة التصرف هو الضرر (1) و هل يجب مراعاة الأصلح (2) لأن النقل و الانتقال (3) نعم لمثل ما قلنا (4)

______________________________

ظاهر الأحسن و ان كان هو الثاني الا انه قد يقال بكون المراد به هو الأول بقرينة النهي عن أكله ظلما و بعض الروايات الواردة في التصرف بمال اليتيم.

(1) أقول مورد الروايتين و مدلولهما المراودة و المعاشرة مع اليتامى بالدخول الى بيتهم و الأكل من طعامهم و نحو ذلك مما هو صلاح لهم فان انقطاع الناس عنهم و ترك الدخول عليهم أمر غير مرغوب في العادة و تجويزه مع وصول العوض الى اليتامى حتى فيما إذا لم يكن العوض زائدا على المقدار المصروف منهم لا يقتضي جواز مثل بيع مال اليتيم بثمن المثل فيما إذا كان في البين من يشتريه بالأزيد منه أو جواز بيع مال اليتيم فيما إذا كان تركه مع فعله سيان.

بل لا يبعد القول بجواز الدخول على اليتامى كما ذكر من غير حاجة الى الاستجازة من أوليائهم أو من الحاكم الشرعي أخذا بظاهر الروايتين.

(2) يعنى بناء على لزوم رعاية المصلحة في التصرف فهل يجب رعاية الأصلح و الأكثر نفعا أم لا استشهد (ره) على لزوم رعايته بما في القواعد.

(3) يعنى تجويز الشارع النقل و الانتقال في مال الطفل باعتبار الغرض و الملاك، و عدم المفسدة كسائر العدميات لا يصلح كونه غرضا.

(4) يعنى يحتمل وجوب تحرى الأصلح و دليله مثل ما قلنا في لزوم رعاية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 61

لا لان ذلك لا يتناهى (1) فلا يشمل ما إذا كان فعل أحسن من الترك (2) نعم ثبت بدليل خارج حرمة الترك (3) فظاهر الآية عدم جواز

العدول عنه (4)

______________________________

المصلحة و هو كون الولي منصوبا لرعاية المصلحة و أصالة بقاء الملك.

(1) يعنى يحتمل ان لا يجب تحرى الأصلح لأن الأصلح لا آخر له و كل ما يفرض كون صلاحه أكثر يمكن ان يكون تصرف آخر أصلح منه.

(2) يعنى لا يستفاد من الآية وجوب الفعل فيما إذا كان أحسن من تركه لما تقدم من ان ظاهرها عدم جواز غير الأحسن لا وجوب فعل الأحسن.

(3) فإن التصرف في ماله في مورد يكون تركه إتلافا لماله مما يعلم ان الشارع لا يرضى بذلك الترك.

(4) و ذلك لما تقدم في صور الأحسن من ظهور الأحسن في معنى التفضيل.

بقي في المقام أمر و هو انه قد يقال بظهور الاستثناء في آية (لا تقربوا). في أنه يجوز لكل مكلف التصرف في مال اليتيم إذا كان ذلك التصرف أحسن و أنه لا تختص ولاية التصرف فيه بشخص أو أشخاص خاصة حيث ان الاستثناء بمنزلة اقربوا مال اليتيم بالأحسن.

و يجاب عن ذلك تارة بما ذكر في مفهوم الشرط بأنه إذا كان الجزاء في القضية الشرطية سالبة كلية كقوله (ع) إذا بلع الماء قدر كر لا ينجسه شي ء يكون مفهومه موجبة جزئية لا كلية فإنه ليس المستفاد من المفهوم انه إذا لم يبلغ قدر كر ينجسه كل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 62

..........

______________________________

شي ء بل مفهومه مهمل و مساوق لقوله ينجسه بعض الأشياء.

و هذا يجري في الاستثناء من السابقة الكلية أيضا حيث ان مفاد الاستثناء قطع الحكم المستثنى منه أى ارتفاع السالبة الكلية بثبوت الموجبة.

و اما كون الموجبة كلية فلا يستفاد منها و لو قيل لا تقتل أحدا إلا في غير الأشهر الحرم فلا يكون مفاده اقتل كل

أحد في غير الأشهر الحرم و على ذلك فمفاد الاستثناء ان النهى العام أى نهى كل أحد عن قرب مال اليتيم ينتفي إذا كان القرب أحسن و اما التجويز لكل أحد في القرب مع كونه أحسن فلا يستفاد منه.

و اخرى بأنه لو سلم ان مفاد الاستثناء الإيجاب الكلي الا ان عدم ورود الآية في بيان حكم المستثنى يمنع عن التمسك فيه بمقتضى الإطلاق و يشهد لعدم وروده في بيان حكم المستثنى ملاحظة ما قبل الآية من الآيات الواردة في بيان المحرمات و على تقدير الإغماض و عدم إحراز ان الاستثناء مهمل فلا أقل من عدم إحراز وروده في مقام البيان.

أقول قد تقدم في بحث العام و الخاص ان من أدوات العموم وقوع اسم الجنس في سياق النفي أو النهي كقوله لا يحل شي ء من السباع و قوله لا تكرم فاسقا و عليه فان كان العموم في الجزاء مستفادا من أحد الأمرين فينتفى ذلك العموم في ناحية المفهوم في القضية الشرطية و لا يكون في ناحية المفهوم عموم حيث ان ذلك الاسم الجنس لا يقع في ناحية المفهوم في سياق النفي لأن مفهوم القضية الشرطية التي الجزاء فيها سالبة موجبة كما في قوله إذا بلع الماء قدر كر لا ينجسه شي ء.

و اما إذا كان العموم في الجزاء مستفادا من أمر يكون ذلك الأمر موجودا في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 63

..........

______________________________

ناحية المفهوم ايضا فلا ينتفي العموم كما في قوله كل درهم أو دينار لا يكون فيهما زكاة إذا لم يحل عليه حول فان مفهومه ان كل درهم أو دينار فيه زكاة إذا حال عليه الحول و كذلك الحال في ناحية الاستثناء فإنه

لو كان عموم المستثنى منه بأحد الأمرين المتقدمين فلا يكون في ناحية المستثنى عموم كما في قوله لا تقتل أحدا إلا في غير أشهر الحرم.

و اما إذا كان مستفادا من أمر آخر لا ينتفي بقطع حكم المستثنى منه يكون العموم في ناحية المستثنى ايضا كقوله كل دم من المسلم محترم لا يحل الا قصاصا فان مقتضى الاستثناء جواز القصاص من كل مسلم و على ذلك فالعموم بالإضافة إلى عامة المكلفين في خطاب لا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن مستفاد من توجيه الخطاب الى عامتهم لا من وقوع النكرة في سياق النهى فيكون المستثنى عدم الحرمة على كل مكلف بالإضافة إلى القرب بالأحسن.

أضف الى ذلك أن ورود ما قبل الآية في ذكر المحرمات فقط على تقدير تسليمه لا يمنع الأخذ بمقتضى الاستثناء الوارد لكل من الأحكام الانحلالية باعتبار كل مكلف و ان الأصل في كل خطاب متضمن للحكم و موضوعه وروده في مقام البيان من حيث قيود ذلك الموضوع و الحكم.

و الصحيح في الجواب عن دعوى استفادة الولاية لكل أحد ما ذكرنا من ان الأحسن في الآية صلة للتي المراد بها الوسيلة و المعاملة و ما دل على اعتبار قيام العدول في المعاملة على مال اليتيم يكون حاكما على مدلول الآية حيث ان مقتضاه أن الوسيلة تكون أحسن فيما إذا قام عدل في المعاملة على مال اليتيم فلا يجوز شراء مال لأحد إلا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 64

[شرائط العوضين]

[اعتبار المالية في العوضين]

و الاولى أن يقال (1)

______________________________

إذا قام عدل في بيعه.

أضف الى ذلك احتمال اختصاص خطاب النهى بالأولياء بمناسبة كون مال اليتيم بأيديهم و انهم ذوو اليد عليه فتدبر جيدا.

(1) و لعل نظره

(ره) الى ان مجرد كون الشي ء ذات منفعة محللة لا يوجب كونه مالا عرفا كالماء على قرب الشاطى فكل مورد تحقق انه ليس بمال عرفا و ان كان له منفعة محللة كالماء المزبور فلا يجوز بيعه لان البيع مبادلة مال بمال و لا بيع إلا في ملك أى المال و ما لم يتحقق فيه أنه ليس بمال فان كان أخذ المال في مقابله أكلا بالباطل عرفا فيحكم بفساد بيعه أيضا و ان لم يتحقق انه ليس بمال و لم يحرز أن أخذ العوض في مقابلة أكل للعوض بالباطل فان تم إجماع أو قام نص على عدم جواز بيعه كالخمر و الخنزير فهو و الا يتمسك في الحكم بصحته بإطلاق حل البيع و عموم الوفاء بالعقود.

و بما في حديث تحف العقول من قوله و كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فكل ذلك حلال بيعه.

أقول إذا لم يحرز كون شي ء ما لا كيف يتمسك فيه بإطلاق حل البيع فإنه يكون من قبيل التمسك بالمطلق في شبهته المصداقية بل لا يحتاج في الحكم بفساده الى النص أو الإجماع بل يكفى فيه أصالة الفساد فان حديث تحف العقول لا يصلح للاعتماد عليه لضعفه سندا بل دلالة لأن وجود جهة صلاح في الشي ء بنفسه لا يوجب جواز بيعه على ما ذكرنا تفصيله عند التعرض للحديث.

و اما التمسك بعموم الأمر بالوفاء بالعقود فهو أيضا غير صحيح لان المفروض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 65

..........

______________________________

في المقام قصد البيع فحصول هذا العقد غير محرز و عقد آخر غير مقصود.

و قد يقال بعدم اعتبار المالية في العوضين في صدق البيع و عليه فالشك في كون شي ء

مالا لا يلازم الشك في صدق عنوان البيع حتى لا يمكن التمسك بخطاب حل البيع في الحكم بصحته بل يكفي في صدق عنوان البيع ان يكون المبذول بإزائه المال مورد غرض عقلائي كما إذا راى شخص أثر أبيه المتوفى بيد آخر ككتابه الى صديقه و نفرض الكتاب بنحو لا يبذل بإزائه المال و لو التمس الابن اثر أبيه ممن بيده فطالب العوض و أنه يبيعه بدرهم و لا يعطيه مجانا يكون أخذ الابن الكتاب المزبور بدرهم بعنوان الشراء معتبرا مع أنه لا يبذل الدرهم غير الابن بإزائه.

و يشهد لعدم اعتبار المالية في صدق عنوان البيع مثل قوله سبحانه إِنَّ اللّٰهَ اشْتَرىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ. وَ لَبِئْسَ مٰا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ الى غير ذلك.

و ذكر بعض الأجلة في توضيح عدم الاعتبار ان المبادلة بين الشيئين قد يكون لأجل ماليتهما كما هو الغالب قد تكون لغرض آخر مثلا لو فرض وجود حيوانات مضرة بالزرع كالفأرة و أراد صاحب الزرع جمعها فاشترى كل فارة بكذا يصدق عليه عنوان البيع و لو أتلف الغير تلك الفارة بعد شرائها لم يكن المتلف ضامنا لعدم المالية.

أقول قد ذكرنا في المكاسب المحرمة انه لا شهادة في مثل قوله سبحانه إِنَّ اللّٰهَ اشْتَرىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ على عدم اعتبار المالية في المبيع حيث ان استعمال الشراء فيه انما هو بالعناية و المجاز فإنه من الظاهر أنه ليس في الآية نظر الى تمليك و تملك اعتباريين.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 66

[اعتبار الملكية في العوضين]

اشارة

______________________________

كما لا شهادة على ما ذكر في الأمثلة المتقدمة فإنه ربما لا تكون للشي ء مالية الا انه يكون للعمل المتعلق به مالية كما في جمع الكلاب الهراش و قتلها

و جمع الفارة و نحوها من أرض الزراعة أو السكنى و قتلها بالسم أو غيره فيجوز أخذ العوض في مقابله فان قوله كل فارة بكذا العوض فيه للأخذ أو القتل كما لا يخفى و على ما ذكرنا يكون أخذ العوض للكتاب المزبور أكلا للمال بالباطل نعم إذا كان ذلك بنحو الهبة المشروطة بأن يعطى الابن المال للآخر ليملكه كتاب أبيه فلا بأس.

و الحاصل ان المالية كما تكون في الأعيان سواء كانت من المنقولات أو غيرها كالأراضي و الأشجار على ما يشهد لذلك الروايات الواردة في بيع الأراضي و شرائها كذلك تكون في منافع الأعيان و الأعمال و الحقوق و تقدم ان البيع عبارة عن تمليك غير العمل و المنافع بإزاء مال في مقابل الإجارة التي عبارة عن تمليك المنفعة أو العمل بإزاء المال.

ثم انه لم يذكر (ره) في العنوان اعتبار الملكية في العوضين و انما ذكر اعتبار كون كل منهما مالا و النسبة بين كون شي ء مالا و كونه ملكا عموم من وجه و تعرض لمقتضى اعتبار الملكية في العوضين و هو عدم صحة بيع الماء و الكلاء و السموك و الوحوش من الحيوانات قبل اصطيادها و نحوها من المباحات التي تكون خارجة عن ملك الناس و يكون جميعهم إليها على حد سواء و وضع اليد عليها بعنوان التملك موجبا لدخوله في الملك كما في السموك و الوحوش أو يكون الملك بالاحياء كما في حفر الآبار و اجراء القنوات و نحوها كما ان مقتضى اعتبارها في العوضين عدم جواز بيع الأراضي المفتوحة عنوة فإنها و ان تكون مملوكة للمسلمين الا ان ملكيتها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 67

..........

______________________________

لهم سنخ آخر لا

الملك بان يكون لكل سهم معلوم من تلك الأراضي ليدخل ذلك الجزء بالإرث و غيره في ملك الآخرين.

و كذا ليس ملكها للمسلمين كالملك في الوقف الخاص لتكون منفعة العين الموقوفة ملكا للموقوف عليهم بنحو الإشاعة.

كما ان ملك تلك الأراضي ليس من قبيل ملك الزكاة للفقراء أو الملك في الوقف العام كالوقف على العلماء لتكون المسلمون كالموقوف عليهم في الوقف العام و كالفقراء في الزكاة و تكون منفعة تلك الأراضي أو عينها ملكا للقابض نظير منفعة الوقف العام و عين الزكاة بل كون تلك الأراضي ملكا للمسلمين ان منفعتها تصرف على مصالحهم.

أقول اعتبار قيد الملك في العوضين لا يوجب خروج الأرض المفتوحة عنوة عن موارد البيع لأن المذكور في العوضين هو اعتبار الملك لا الملك بنحو الإشاعة أو كونه بنحو آخر مع أنه لا يعتبر في البيع الملكية في العوضين بمعنى ان يكون كل منهما ملكا قبل البيع بل ما يصح تمليكه بعوض كما في بيع الكلى على الذمة كاف في تحقق عنوان البيع.

و اما اعتبار كون المبيع ملكا للبائع فيما كان عينا خارجية أو من قبيل الكلي في المعين فهو من قبيل الشرط الخارجي للبيع كما لا يخفى.

و المتحصل أن عدم جواز بيع الأراضي الخراجية حتى فيما إذا كان بائعها و الى المسلمين باعتبار النهى عنها لا أنها غير مملوكة نعم يصح التعبير عنها بعد ملاحظة النهي المزبور بعدم كونها ملكا طلقا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 68

..........

______________________________

ثم ان موجب الملك بحسب الاستقراء قسمان الأول- النواقل القهرية سواء كان في البين فعل اختياري كإلقاء البذر في أرض صالحة للزرع أم لم يكن كما في الملك بالإرث.

و الثاني- النوافل الاختيارية و هذه النواقل

اما من الأفعال الخارجية كالأحياء بالمباشرة و وضع اليد على المنقول من المباحات و اما من قبيل المعاملات كالاشتراء و الإجارة و غيرهما من المعاملات و اما من قبيل المجموع من الفعل الخارجي و المعاملة كالأحياء أو وضع اليد بالتسبيب.

و ما يعتبر ملكا و ما لا يكون من قبيل الأعيان أو المنافع أو الحقوق و كما ان اعتبار المالية في الأعيان يكون غالبا بملاحظة منافعها الا ان مالية الأعيان و ملكها غير مالية و ملكية منافعها كذلك الحال في المنافع و الأعمال فإن مالية العمل و ان يلاحظ فيها الأثر المترتب عليه غالبا الا ان ماليتها غير مالية الأثر لها فإنه إذا فرض أن الأرض و ادواة البناء يساوى عشرة آلاف و الأجرة المعينة للبناء أيضا عشرة آلاف و فرض ان البيت الحاصل بعد تمام البناء يساوى ثلاثين آلاف فلا يحسب مالية البيت مالية للعمل العمال.

و لعمري ان هذا كله من الواضحات و التعرض لها في المقام باعتبار وسوسة بعض لتشويش أذهان المؤمنين و سوقهم إلى أطراف بعض القواعد الموضوعة من بعض الأقوام من الملحدين زعما منهم ان تلك القواعد أصلح لحال الجامعة و ربما وصلت الجرية إلى حد يتمسك لإثبات بعض تلك القواعد الضالة ببعض الآيات مثل قوله سبحانه لَيْسَ لِلْإِنْسٰانِ إِلّٰا مٰا سَعىٰ و لكن ملاحظة صدرها و ذيلها شاهد لعدم ارتباطها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 69

[أقسام الأراضي]
اشارة

الأرض اما موات و اما عامرة (1)

[الأول: ما كان مواتا بالأصل]

______________________________

بالملكية و لا المالية فضلا عن دلالتها على انحصار موجبهما و تحديد المالية في الأشياء بالعمل بل أنها ناظرة إلى أن الإنسان سيري ما تحمله في دار الدنيا من الجزاء لتعبه و انه لا ينفعه الا ذلك التعب و السعى و ان غيره زائل.

(1) الأول- ما كان مواتا بالأصل أي لم يسبق بالعمارة من أحد و يمكن إحراز ذلك في مورد الشك باستصحاب عدم حدوث عمارتها.

و ذكر (ره) انه لا خلاف بيننا في ان الأرض المزبورة ملك الامام (ع) لكونها من الأنفال على ما وردت في غير واحد من الروايات.

نعم قد رخص النبي (ص) و من بعده الأئمة عليهم السلام في التصرف فيها فيها بالاحياء و العمارة بلا عوض و في النبوي المروي في بعض كتب الأخبار للعامة موتان الأرض للّٰه و رسوله ثم هي لكم مني أيها المسلمون و في النبوي الأخر عادي الأرض للّٰه و لرسوله ثم هي لكم منى.

ورود في بعض الروايات وجوب أداء خراجها الى الامام (ع) كما في رواية أبي الكابلي المعبر عنها في عبارته بالصحيحة قال وجدنا في كتاب على ان الأرض للّٰه يورث من يشاء و العاقبة للمتقين قال انا و أهل بيتي الذين أورثنا اللّٰه الأرض و نحن المتقون و الأرض كلها لنا فمن أحيى من الأرض من المسلمين فليعمرها و ليؤد خراجها الى الامام من أهل بيتي و له ما أكل منها.

و رواية عمر بن يزيد المعبر عنها بالمصححة في عبارته و لم يظهر وجه توصيفها بالمصححة لاشتراك عمر بن يزيد بين الثقة و غيره.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 70

..........

______________________________

و دعوى انصرافه إلى الثقة لا

يمكن المساعدة عليها لان كل منهما صاحب الكتاب فتدبر انه سئل أبو عبد اللّٰه (ع) عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها و عمرها و أجرى أنها رها و بنى فيها بيوتا و غرس فيها نخلا و شجرا فقال أبو عبد اللّٰه (ع) كان أمير المؤمنين (ع) يقول من أحيى أرضا من المؤمنين فهي له و عليه طسقها يؤديه الى الامام في حال الهدنة فإذا ظهر القائم فليوطن نفسه على أن يؤخذ منه.

و وجه (ره) الجمع بين الطائفتين بحمل الثانية على استحقاق الامام (ع) المطالبة بالخراج فيجب على الناس معها إيصاله اليه و لكن الأئمة عليهم السلام قد حللوا لشيعتهم الخراج و لم يطالبوهم به كما هو مقتضى قوله (ع) ما كان لنا فهو لشيعتنا و قوله (ع) في رواية مسمع بن عبد الملك كلما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون.

و نقل عن التذكرة في وجه الجمع ان مع التصرف في أراضي الموات بغير اذن الامام (ع) يكون على المتصرف الخراج و ذكر وجها ثالثا في وجه الجمع و هو ثبوت الخراج على المتصرف حال الحضور و اما في زمان الغيبة فلا ينبغي الريب في عدم الخراج بل الأخبار متفقة على انها ملك لمن أحياها و سيأتي حكاية الإجماع على كونها ملكا بالاحياء.

و ذكر النائيني (ره) ان ما دل على الإباحة للشيعة يحمل على ان الغرض الأصلي هو الاذن لهم و حيث لم يكن اختصاص الحكم بالملك لهم بالاحياء خاليا عن المحذور عمم الشرع الحكم بان كل من أحيى من الأرض الميتة التي من الأنفال يكون ملكا له و لعل المحذور ان مع الاختصاص لا يمكن حلية المساكن المشتراة من الكفار للشيعة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 71

..........

______________________________

و يكون ذلك نظير حكمة تشريع العدة فإنها مختصة بمورد اختلاط المياه و لكن الحكم عام.

و يشهد لعموم الاذن في المقام ما ورد في شراء الأرضين من اليهود و النصارى و في صحيحة محمد بن مسلم قال سألته عن شراء الأرض من اليهود و النصراني قال ليس به بأس و في صحيحة أبي بصير قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن شراء الأرضين من أهل الذمة فقال لا بأس بأن يشتريها منهم إذا عملوها و أحيوها فهي لهم ثم قال (ره) و الظاهر عدم تعلق الخراج بالأرض و دخولها في الملك بالاحياء و مقتضى ذلك اغماضه (ره) عن الروايات الدالة على ثبوت الخراج و طرحها أو تأويلها كما لا يخفى.

أقول و ما ذكره المصنف (ره) من حمل أخبار أداء الخراج على بيان الاستحقاق خلاف ظاهر مثل رواية أبي خالد الكابلي فإن مقتضاها لزوم أداء الخراج و عدم دخول الأرض في ملك المحيي إلى ظهور القائم كما ان حمل الأخبار الدالة على كون الأحياء مملكا لا يمكن حملها على خصوص زمان الغيبة.

و ما ذكره الشهيد (ره) من ثبوت الخراج على المستعمل في فرض الأحياء بلا اذن غير صحيح فإنه قد ذكر الاذن العام لكل من المسلمين مع ثبوت الخراج عليه.

و ما ذكره النائيني (ره) من ان الغرض الأصلي الاذن و التحليل للشيعة و وقع الاذن للعموم حتى لا يكون في البين محذور للشيعة غير صحيح فإنه مع ان اختصاص التحليل لا يوجب محذورا كما ذكرنا ذلك في تحليل الخمس للشيعة من ان التحليل راجع الى غير من تعلق الخمس بالمال بيده جمعا بين روايات التحليل و ما

دل على وجوب إخراج الخمس على من استفاد المال مع فرضه من الشيعة مقتضى بعض الاخبار عدم عموم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 72

..........

______________________________

الاذن و قد ورد في رواية مسمع ان كسب غير الشيعة من الأرض حرام مع ان الجمع بين ثبوت الخراج على المحيي كما مدلول بعض الاخبار مع دلالة غير واحد من الاخبار على دخول الأرض في ملك المحيي بظاهره غير ممكن.

و ذكر الإيرواني (ره) ان ظاهر غير واحد من الروايات كون الأحياء مملكا حتى المخالف و الكافر كصحيحة محمد بن مسلم قال سألته عن الشراء من أرض اليهود و النصارى قال ليس به بأس الى ان قال و أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عملوه فهم أحق بها و هي لهم.

و في صحيحة الأخرى عن ابى جعفر (ع) أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحق بها.

و رواية محمد بن مسلم و لا يبعد كونها معتبرة لأن محمد بن حمران الراوي عن محمد بن مسلم هو الهندي الثقة قال سمعت أبا جعفر (ع) يقول أيما قوم أحيوا من الأرض شيئا و عمروها فهم أحق بها و هي لهم و في صحيحة الفضلاء عن ابى جعفر و ابى عبد اللّٰه عليهما السلام قالا قال رسول اللّٰه (ص) من أحيى أرضا مواتا فهي له الى غير ذلك مما ظاهرها كون الأحياء مملكا لا ان النبي (ص) أو الإمام (ع) قد اذن في الأحياء و التملك بإباحة مالكية و اختصاص تلك الإباحة بالمسلمين كما هو ظاهر النبويين.

و الروايات الواردة في ثبوت الخراج لا دلالة لها على كون الخراج أجرة الأرض لتنافى ثبوته على مستعمل الأرض تملك الأرض بالإحياء

بل هو نظير الصداق قرار مالي يثبت على المتملك.

و الحاصل ان الأرض ما دامت ميتة فهي من الأنفال ملك الامام (ع) و بعد الأحياء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 73

..........

______________________________

يخرج عن ملكه و يثبت على المتملك القرار المالي الموسوم بالخراج و يمكن القول بأن الأرض للإمام عليه السلام حتى بعد تملكها بالاحياء و لكن الملك الثابت للإمام غير سنخ الملكية الاعتبارية بل هي نظير ملك اللّٰه سبحانه السموات و الأرض انتهى.

أقول و يشهد لكون الخراج ليس بمعنى أجرة الأرض مثل صحيحة محمد بن مسلم قال سألته من أهل الذمة ما ذا عليهم مما يحقنون به دمائهم و أموالهم قال الخراج و ان أخذ من رؤوسهم الجزية فلا سبيل إلى أرضهم و ان أخذ من أرضهم فلا سبيل الى رؤوسهم حيث ان مقتضاها جواز أخذ الخراج من أهل الذمة مع فرض كون الأرض ملكهم و على ذلك فلا يكون ثبوت الخراج على الأرض بإحيائها منافيا لدخولها في ملك محييها و لو كان الدال على ثبوته تاما لما وقع التعارض بينه و بين ما يدل على دخول الأرض بالإحياء في ملك محييها بل يلتزم مع الملك بثبوته الا ان ما ورد فيه الخراج غير تام سندا بل دلالة و ما يظهر منه- عدم دخول الأرض في ملك المحيي كذيل رواية عمر بن يزيد المتقدمة من قوله فإذا ظهر القائم فليوطن نفسه على ان تؤخذ منه و وجه الظهور انه لو كانت الأرض ملكا للمحيي فلا وجه لأخذها منه و كذلك ما ورد في رواية مسمع من قوله يا أبا سيار الأرض كلها لنا مضافا الى ضعف السند- لا يمكن الأخذ بظاهر الذيل فإنه

لو لم يكن الأحياء مملكا فلا أقل من كونه موجبا لثبوت الحق للمحيي و مع ثبوت حقه فكيف يؤخذ الأرض منه و الأرض في رواية مسمع يمكن ان يراد به أرض البحرين التي ورد الرواية على أنها من الأنفال و لذلك ذكر ان كلها للإمام (ع) و ما ذكر في ذيلها فان كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم و يخرجهم منها صغرة لا يمكن الأخذ بظاهره لما ذكرنا في ذيل رواية عمر بن يزيد كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 74

..........

______________________________

و المتحصل الى هنا ان مقتضى الروايات المعتبرة أن إحياء الأرض موجب لدخولها في ملك المحيي سواء كان محييها شيعيا أو مخالفا أو كافرا.

و يبقى الكلام في ان الأحياء مملك بحكم الشرع أو أنه لإذن مالكي حيث ان رسول اللّٰه (ص) و من بعده الأئمة عليهم السلام أذنوا في ذلك مقتضى كون الأرض الميتة من الأنفال و كونها لرسول اللّٰه (ص) و من بعده للإمام يضعه حيث شاء كون الأحياء كذلك بالاذن و ان الاذن العام قد صدر عنهم عليهم السلام كما هو مقتضى ما ورد في جواز شراء الأرض من الكافر و ان أيما قوم أحيوا أرضا فهي لهم و لكن ظاهر بعض الروايات ان كون الأحياء مملكا بحكم الشرع و في معتبرة السكوني عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال قال رسول اللّٰه (ص) من غرس شجرا أو حفر واديا لم يسبقه إليه أحد أو أحيى أرضا ميتة فهي له قضاء من اللّٰه و رسوله و لكن لا يظهر للنزاع ثمرة عملية بعد فرض ثبوت الاذن العام بل يحتمل ان يكون المراد من

الثانية عدم تقطيع النبي (ص) و الأئمة عليهم السلام الأراضي الميتة أو بعضها لأشخاص خاصة فيوافق الاذن.

و ما ذكر في بعض الروايات كصحيحة أحمد بن محمد بن ابى نصر من قوله (ع) من أسلم طوعا تركت أرضه في يده و أخذ منه العشر و نصف العشر فيما عمر منها أخذه الوالي فقبله ممن يعمره و كان للمسلمين لا دلالة فيه على اختصاص الإذن بالاحياء بالمسلم حيث ان المفروض في موردها إسلام أهل الأرض كما لا يخفى.

فقد تحصل أنه لا خراج على الأرض الميتة التي من الأنفال بعد إحيائها ليدعى حليته للشيعة أو يجمع بين الروايات باختصاص الحلية ببعض الأزمنة و لا يعم بعضها الأخر فلاحظ الكلمات و تدبر و اللّٰه سبحانه هو العالم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 75

[الثاني ما كانت عامرة بالأصالة]

الثاني ما كانت عامرة بالأصالة (1)

______________________________

(1) الثاني- و هي ما تكون عامرة بالأصالة لا من محي كالاجام أى الأشجار الملفوفة كما في الغابات و سواحل الأنهار و مقتضى ظاهر الأصحاب كونها أيضا للإمام (ع) حيث أطلقوا أن كل أرض لم يجر عليه ملك مسلم فهو للإمام (ع) و لم يقيدوا الأرض بالميتة كما أن كونها له (ع) مقتضى بعض الروايات الواردة في الأنفال كموثقة إسحاق بن عمار قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الأنفال فقال هي القرى التي خرجت و انجلى عنها أهلها الى ان قال و كل ارض لا رب لها حيث ان العموم يشمل المعمورة بالأصالة و مثلها رواية العياشي عن ابى بصير عن ابى جعفر (ع) قال لنا الأنفال قلت و ما الأنفال قال منها المعادن و الآجام و كل ارض لا رب لها و كل ارض باد أهلها

فهو لنا.

و عن صاحب الجواهر (ره) ان المعمورة بالأصالة ليست من الأنفال بل هي كسائر المباحات الأصلية كالسمك في البحر و سائر الحيوان في البر و ذلك لتقييد الأرض بالميتة في مرسلة حماد حيث عد فيها من الأنفال كل أرض ميتة لا رب لها، و أجاب بأن الوصف ليس له مفهوم ليوجب تقييد الإطلاق في المثبتين مع عدم وحدة الحكم فيهما هذا أولا.

و ثانيا على تقدير المفهوم ليس للوصف في المقام مفهوم باعتبار كون القيد في المقام واردا مورد الغالب لان الغالب فيما لا رب له كونها مواتا.

و دعوى أنه لا يمكن التمسك بالإطلاق أيضا لكونه محمولا على الغالب أي الأرض الميتة لا يمكن المساعدة عليها لأن كون القيد غالبيا معناه أن أخذه باعتبار كثرة وجوده و من الظاهر أن مجرد كثرة الوجود لا يوجب الانصراف، حيث

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 76

..........

______________________________

ان الموجب للانصراف أنس الأذهان، مع أن العموم في المقام بالوضع لا بالإطلاق.

أقول أضف الى ذلك ان التقييد المزبور قد ورد في مرسلة حماد و لإرسالها لا يمكن الاعتماد عليها، و مع الفض عن السند ان تقييد الأرض بالميتة فيها باعتبار ذكر حكم المعمورة بالأصل قبل ذلك حيث ورد فيها ان الأنفال كل أرض خربة باد أهلها و كل ارض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و لكن صالحوا صلحا و أعطوا بأيديهم على غير قتال و له رؤوس الجبال و بطون الأودية و الآجام و كل أرض ميتة لا رب لها الحديث فان المراد بالآجام بمناسبة الحكم و الموضوع و بقرينة المذكور قبله و بعده ليس نفس الأشجار الملتفة، بل هي مع الأرض التي فيها الأشجار.

و قد

يجاب عن شبهة التقييد المزبور ان الناظر في الروايات الواردة في الأنفال يجد منها ما عليه سيرة العقلاء من ان كل ما لا يكون له مالك خاص أرضا كانت أو غيرها للحكومة من غير فرق بين كونها ميتة بالأصل أو بالعارض أو كانت معمورة و ان الامام (ع) في كل عصر مالك لتلك الأرض أو غير هافله و ضعهما حيث يشاء بالاذن للسائرين في التصرف فيهما و تملكهما بالاحياء و الحيازة.

و على ذلك فلا يكون تقييد الأرض بالميتة للاحتراز عن المعمورة لأن الميتة كالمعمورة بالأصل لا خصوصية لها كما ان الأرض لا خصوصية لها حيث الدخيل و الموضوع لملك الامام (ع) عدم كون الشي ء مملوكا لمالك.

أقول لم يعلم جريان السيرة من العقلاء على اعتبار شي ء ملكا للدولة مع خروجه عن استيلائهم كالبحار و السمك فيها كما هو الحال في الأنفال حيث تكون الآجام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 77

..........

______________________________

و المعادن في أقصى نقاط الأرض ملكا للإمام و لو مع عدم استيلاء المسلمين عليها فضلا عن الامام (ع) بل لو كان الأمر كما ذكر طال بقاه لم يكن السمك أو المرجان في البحر من المباحات بل كانا من الأنفال أيضا مع انه قد التزم بكونهما من المباحات.

و المتحصل أنه بعد الالتزام بأنه لا يكون كل ما ليس له مالك ملكا للإمام (ع) و داخلا في عنوان الأنفال فلا بد في تحديدها من ملاحظة الروايات الواردة فيها، و قد تقدم ان مقتضى العموم في بعض الروايات المعتبرة أن منها الأراضي المعمورة بالأصل.

ثم انه هل يدخل هذا القسم من الأرض في الملك بمجرد وضع اليد و الحيازة فظاهر المصنف (ره) دخولها في الملك و

يقتضيه قوله (ص) من سبق الى ما لا يسبقه إليه أحد فهو أحق به.

و لكن لا يخفى ان النبوي لضعفه سندا لا يمكن الاعتماد عليه، فإنه مروي في المستدرك مرسلا، و مع الإغماض لا دلالة له على جواز التملك و صيرورته ملكا بالسبق، و انما يدل على ثبوت الحق بمعنى عدم جواز مزاحمة الغير.

بل لا يبعد ان يقال بعدم الإطلاق له في ناحية جواز السبق أيضا بأن يدل على جواز السبق الى كل شي ء و لو كان مملوكا للغير ليعم جواز السبق إلى الأرض المعمورة التي ملك الامام (ع)، و انما يدل على أحقية السابق في موارد ثبت فيها جواز السبق من الخارج كالسبق الى الخانات و المباحات الأصلية.

و التزم النائيني (ره) بدخول الأرض المحياة بالأصالة في الملك بعد المناقشة في النبوي- لما ورد عنهم عليهم السلام أنهم أباحوا لشيعتهم ما كان لهم، و ما ورد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 78

[الثالث ما عرض له الحياة بعد الموت]

الثالث ما عرض له الحياة بعد الموت (1)

______________________________

في التحليل و ان كان مختصا بخصوص الشيعة الا انه قد تقدم ان مقتضى تعليل الإباحة بأن تطيب ولادة الشيعة كون التملك بالتصرف عاما لكل أحد.

و فيه ما لا يخفى لعدم وفاء تلك الاخبار عن كون السبق إلى الأرض مملكا بل غايتها جواز الانتفاع بالأراضي المعمورة و انما التزمنا في الأراضي الميتة بجواز تملكها بالاحياء للروايات الدالة على كون الأحياء و عمارة الأرض مملكا و من الظاهر أنه لا يصدق الأحياء و العمارة بمجرد السبق و وضع اليد على الأرض نعم في مضمرة سماعة و أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عملوه فهم أحق بها و هي لهم.

و ربما يستظهر منها

كما عن المحقق الإيرواني كون الحيازة أيضا مملكا كالأحياء حيث يصدق على الحيازة العمل في الأرض كما إذا كانت التحجير و نحوه و فيه انه لا يحرز صدق عمل الأرض الأعلى استعمالها بالزرع و نحوه الذي قسم من الأحياء و يكون عطفه على الأحياء من عطف الخاص على العام.

و اما دعوى سيرة العقلاء على كون الحيازة و وضع اليد مملكا ففيها ان الثابت من سيرة العقلاء كون وضع اليد على المنقولات كما ذكر و اما في غير المنقولات كالأراضي فلم يثبت سيرتهم على كون مجرد وضعها موجبا لدخول الأرض أو نحوها في الملك الشخصي لو أضع اليد فلا حظ، نعم سيرتهم جارية على ثبوت الحق للسابق بمعنى عدم جواز مزاحمة الغير في الانتفاع، و جواز الانتفاع كذلك مستفاد من الاخبار الواردة في تحليل حقهم عليهم السلام للشيعة أيضا و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) المراد طريان الأحياء على الموات بالأصالة و اما إحياء الموات بالعرض فسيأتي التعرض له و كون الأحياء في الموات بالأصل مملكا مقتضى ظاهر الروايات المتقدمة و اما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 79

[الرابع ما عرض له الموت بعد العمارة]
اشارة

الرابع ما عرض له الموت بعد العمارة (1)

______________________________

الالتزام بعدم ملك الرقبة بل ملك الانتفاع كما يشعر به كلام المبسوط فلا يساعده تلك الروايات.

و اما الشروط المذكورة في كتاب الأحياء فأربعة الأول- ان لا يكون الأرض الموات حدا لعامر و الا فلا يكون ملكا بالاحياء الثاني- ان لا يكون مقطعا من النبي (ص) أو الوصي (ع) لأحد الثالث- ان لا يكون الأرض مقررا للعبادة كأرض المعنى و موقفي العرفة و المشعر الحرام الرابع ان لا يسبق اليه حق التحجير و مع تعلقه لا يدخل الأرض في

ملك المحيي.

(1) القسم الرابع ما لو خربت الأرض المحياة فإن كانت الأرض معمورة بالأصل تكون باقية على ملك الامام (ع) لأن الخربة كالمعمورة بالأصل من الأنفال و ان كانت معمورة معمر ففي بقائها على ملك معمرها أو خروجها عن ملكه و صيرورتها ملكا لمن عمرها ثانيا خلاف مذكور في كتاب احياء الموات و منشأ الخلاف اختلاف الاخبار حيث قيل ان مقتضى ما دل على ان من أحيى أرضا فهي له و أيما قوم أحيوا أرضا فهم أحق بها و هي لهم دخولها في ملك من عمرها ثانيا.

و يقتضيه أيضا صحيحة معاوية وهب قال سمعت أبا عبد اللّٰه (ع) يقول أيما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها و كرى أنهارها و عمرها فان عليه فيها الصدقة فإن كانت ارض لرجل قبله فغاب عنها و تركها فأخربها ثم جاء بعد يطلبها، فإن الأرض للّٰه و لمن عمرها، و مقتضى صحيحة سليمان بن خالد بقائها على ملك مالكها السابق، و عدم صيرورتها ملكا لمن عمرها ثانيا قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها و يجري أنهارها و يعمرها و يزرعها ما ذا عليه قال الصدقة قلت فان كان يعرف صاحبها قال فليؤد إليه حقه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 80

..........

______________________________

أقول لو لم تكن صحيحة معاوية بن وهب منصرفة إلى صورة أعراض مالكها السابق بقرينة قوله (ع) فيها فتركها فأخربها فلا أقل من كونها مطلقة تعم صورة إعراضه، كما أن مقتضاه عدم الفرق بين كون الملك للمالك السابق بالإحياء أو بغيره و لكن صحيحة سليمان خالد خاصة بصورة عدم الاعتراض حيث ان قوله فيها فان كان يعرف صاحبها معرفة المالك الفعلي و

هذه الصحيحة أيضا مطلقة من جهة كون الملك للمالك المعروف بالإحياء أو بغيره فيرفع اليد عن إطلاق صحيحة معاوية بن وهب بقرينة الصحيحة الثانية بحمل الاولى على صورة إعراض المالك الأول.

و الحاصل بين الصحيحتين جمع عرفي و معه لا تصل النوبة إلى التخيير بين المتعارضين أو الالتزام بالتساقط و الرجوع الى استصحاب بقاء الملك للمالك السابق.

ثم ان ظاهر أخذ العلم و العرفان في خطاب الحكم هو أخذه طريقا كما في نظائره فظاهر قوله فان كان يعرف صاحبها فرض مالك فعلى للأرض و لذا لا يفرق في بقاء الأرض على ملك المالك السابق بعدم الاعراض و نحوه بين كونه معلوما أو مجهولا فيعامل مع الأرض في كلتا الصورتين معاملة ملك الغير فان كان مالكها معروفا يعتبر الاستيذان منه في الأحياء و التصرف فيها و ان كان مجهولا فيرجع الى الحاكم الشرعي في التصرف فيها كما هو في سائر الأموال المجهول.

و عن التذكرة و تبعه جماعة ان ما طرء عليه الخراب من الأرض ان كانت مملوكة للغير بالاحياء فيزول ملكه بالخراب و اما إذا كانت مملوكة له بانتقالها اليه بالشراء أو الإرث و نحو هما فلا يزول ملكه عنها بمجرد صيرورتها ميتة و قال انه على عدم زوال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 81

..........

______________________________

الملك في الصورة الثانية إجماع و لكن لم يعلم وجه لهذا التفصيل غير ما ربما يستظهر من رواية أبي خالد الكابلي حيث ورد فيها فمن أحيى أرضا من المسلمين فليعمرها و ليؤد خراجها الى الامام (ع) و له ما أكل منها فان تركها و أخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و أحياها فهو أحق بها من الذي تركها.

و

فيه مع ما تقدم من ضعف الرواية سندا و عدم إمكان الاعتماد عليها و اشتمالها على حكم لا بد من إرجاعه إلى اهله و هو ثبوت الخراج على معمرها و ان الأرض تؤخذ منه عند ظهور القائم (ع) أنها منصرفة إلى صورة إعراض المعمر الأول و لو بملاحظة ان الأرض في تلك الأزمنة لم تكن نوعا ذات قيمة بعد خرابها ليرغب في التحفظ بها.

نعم على تقدير ثبوت الإطلاق و عدم الانصراف تقع المعارضة بينها و بين صحيحة سليمان بن خالد بالعموم من وجه حيث ان صحيحة سليمان بن خالد الدالة على ثبوت حق المالك الأول عامة من جهة ملك الأرض بالاحياء و غيره و خاصة من جهة عدم الاعراض و رواية الكابلي الدالة على سقوط حق المالك الأول خاصة من ملك الأرض بالاحياء و عامة من جهة إعراض المالك الأول و عدمه و بعد سقوطهما في مورد اجتماعهما و هو ما إذا كانت الأرض مملوكة للسابق بالاحياء مع عدم إعراضه عنها يرجع الى عموم قوله (ع) أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض و عمروها فهم أحق بها و نتيجة ذلك كون اللاحق أحق بالأرض.

اللهم الا ان يقال ان العموم المزبور تعم المعمر الأول أيضا و مقتضى كون الأرض ملكا له عدم جواز الأحياء من الثاني الا باذنه و لو وصلت النوبة الى الأصل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 82

..........

______________________________

العملي أيضا فمقتضى الاستصحاب بقاء ملك الأول و عدم خروج الأرض عن ملكه بمجرد الخراب.

نعم إذا ترك الأرض خرابا بمدة طويلة من جهة عدم اعتنائه بالأرض المزبورة ففيه كلام و هو انه قد ورد في بعض الروايات ان تعطيل الأرض و تركها مخروبة

يوجب خروجها عن ملك مالكها و هي رواية يونس عن العبد الصالح (ع) قال قال ان الأرض لهّٰم تعالى جعلها وقفا على عباده فمن عطل أرضا ثلاث سنين متوالية لغير علة أخذت من يده و دفعت الى غيره و من ترك مطالبة حق عشر سنين فلا حق له و مرسلته عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال من أخذت منه ارض ثم مكث ثلاث سنين لا يطالبها لم يحل له بعد ثلاث سنين ان يطلبها و ظاهر هاتين الروايتين انتهاء الملك و الحق و سقوط الدين بتعطيل الأرض و ترك المطالبة في المدة المزبورة و لا اعرف من التزام بهذا الظهور مع ضعفهما سندا و معارضتهما بما في نهج البلاغة قال (ع) الحق جديد و ان طالت عليه الأيام و الباطل خذول و ان نصره أقوام.

نعم ربما يستظهر انه مع تعطيل المالك الأرض بعدم الاعتناء بها يجوز للآخرين التصرف فيها بالاحياء من صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة حيث لم يتعرض فيها الامام (ع) للمنع عن الأحياء مع فرض ان المحيي يعرف المالك.

و لكن لا يخفى انه لو كان المراد من رد حق المالك اليه ما يعم رد نفس الأرض فلا موضوع للتعرض لإباحة الإحياء لوقوع السؤال بعد حصول الأحياء خارجا و عليه فلو لم يكن الاستيذان من المالك أظهر أخذا بما دل على ان حرمة مال المسلم كدمه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 83

[بيع الأراضي المفتوحة عنوة]

اما ان تكون العمارة فيه من المسلمين (1) و قلنا بعدم اعتبار الإسلام 2

______________________________

فلا أقل من كونه أحوط من غير فرق بين كون ملك المالك الأول بالإحياء أو غيره.

نعم إذا كانت المماطلة بحيث يوجب الخلل في تهيئة القوت

للناس فيمكن ان يقال بأنه مع امتناع المالك من استعمال الأرض بلا عذر انه يجوز للحاكم الشرعي إجبار المالك على دفع الأرض المزبورة للسائرين للاحياء بالزرع و نحوه و لو مع الأجرة لأن تحصيل القوت و الغذاء للناس واجب كفائي فيكون إجبارا على الواجب الكفائي و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) هذا تمهيد لبيان عدم جواز بيع الأرض المفتوحة عنوة ثم انه قد تقدم ان الموات تدخل بالإحياء في ملك المحيي سواء كان المحيي مسلما أو كافرا و بعد دخولها في الملك لا يزول الملك الا بناقل أو بطريان الخراب بناء على خروج الأرض عن الملك بطروه كما هو أحد القولين المذكورين في القسم الرابع.

و إذا كان الأحياء في غير دار الإسلام فملكه يزول بما يزول به ملك المسلم و باغتنام الأرض منه كاغتنام سائر أمواله فإنه ان أسلم الكافر طوعا فيبقى الأرض كغيرها من سائر أمواله على ملكه و ان لا يسلم طوعا و رفعت يده عنها قهرا يكون الأرض كسائر ما لا ينقل من الغنيمة للمسلمين كافة على المعروف بل بلا خلاف و يشهد لذلك جملة من الروايات.

(2) قد تقدم كون الأحياء مملكا حتى ما إذا كان المحيي كافرا كما هو مقتضى مثل قوله (ع) أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحق بها و هي لهم حيث

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 84

ففي رواية أبي بردة الرجا (1) لا بأس ان يشترى حقه منها (2) فيكون ذلك (3) الا ان يستحيي من عيب ذلك (4) الا من كانت له ذمة (5)

______________________________

يدخل في العموم احياء الكافر و لو كان في أرض الإسلام.

(1) الرواية ضعيفة سندا لجهالة أبي برده

نعم دلالتها كدلالة غيرها على كون ارض الخراج ملكا للمسلمين واضحة.

(2) يعني لا بأس ان يشترى حق البائع من الأرض و لا بأس ان يحول البائع حق المسلمين من اجرة الأرض على المشترى و بتعبير آخر يكون الخراج على المشترى و قوله لعله. في مقام تعليل جواز الشراء و ان الجواز باعتبار انه ربما يكون المشترى أقوى على استعمال الأرض و أكثر تمكنا على أداء خراجها من البائع الذي يبيع حقه المتعلق بالأرض.

(3) أي فيكون الباقي أرزاق أعوان الوالي و يصرف في مصلحة ما يقصده الوالي من تقوية الإسلام بالجهاد و غيره.

(4) شراء ارض الخراج و كون خراجها على المشترى فيه نوع خفة للشباهة لأهل الجزية و ربما لا يقدم بعض الناس على شرائها لذلك فذكر (ع) انه لو ترك الشراء للعيب المزبور فهو و ان يشترى بالنحو المزبور أي بأن يكون الخراج عليه فلا بأس.

(5) أي إلا عن بائع كان عليه عهدة خراج الأرض.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 85

المراد انه لا يصح (1) و دليله قرينة (2)

______________________________

(1) و يبقى على المسالك ان القول بدخول الأرض المفتوحة في ملك المتصرف فيها تبعا للآثار و زوال هذا الملك بزوال تلك الآثار خلاف ظاهر الروايات حيث ان مدلولها عدم كونها ملكا لشخص خاص لا حال التصرف فيها و لا قبلها بل غايته ان من بيده الأرض المزبورة له رفع يده عنها بالعوض كما هو الحال في جميع موارد تعلق الحق بالعين بالسبق إليها أو غيره أو نقل ذلك الحق إلى باذل المال.

(2) يعنى استدلاله على جواز بيع الأرض برواية أبي برده الظاهرة في جواز أخذ من بيده الأرض العوض لرفع يده عنها أو

نقل ذلك الحق إلى باذل المال قرينة على كون مراد المستدل من جواز بيع الأرض و شرائها جواز أخذ العوض على حقه منها.

و المتحصل من كلام المصنف ان الأقوال في المعاملة و التصرف في الأراضي الخراجية أربعة: الأول- عدم دخول رقبة الأرض في الملك أصلا و لو تبعا للآثار و لكن يثبت الحق بها بالتصرف و الأحياء و المعاملة و هذا مختاره (قده) الثاني- عدم جواز التصرف و المعاملة عليها أصلا و لا يملك المتصرف فيها لا الأرض و لا الحق كما هو ظاهر عبارة المبسوط و قد حمل (قده) العبارة على أحد وجهين أحدهما ما إذا كان التصرف فيها بالإحياء أو غيره بلا استيذان من الامام حال حضوره و ثانيهما التصرف فيها بقصد تملك الأرض و ينسب التفصيل بين زمان الحضور و الغيبة كما هو الوجه الأول في الحمل الى الدروس.

الثالث- ما عن الشهيد و المحقق الثانيين من دخول رقبة في الملك تبعا للآثار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 86

..........

______________________________

و يزول الملك بزوال تلك الآثار.

الرابع: ما يوهم ظاهر عبارة التهذيب من دخول نفس رقبة الأرض في الملك فيجوز المعاملة على الرقبة مستقلا و لكن الاستدلال على الحكم برواية أبي برده قرينة على كون مراده هو القول الأول.

و عن بعض الأجلة طال عزه أن الأراضي المفتوحة عنوة ليست ملكا لأحد بل هي أراضي محررة موقوفة على مصالح المسلمين و المسلمون ليسوا ملاكا للأرض بنحو الإشاعة أو بأي وجه كان و لا ملاكا لمنافعها كما انهم ليسوا مصرفا لتلك الأرض و ذكر في وجه ذلك ان اعتبار الملكية للمسلمين من الموجودين بالفعل و من يوجد منهم الى آخر الدنيا أمر غير معقول

أو بعيد و ليس للام ظهور في الملكية كما في قوله له الحمد و الملك و له الأسماء الحسنى و له ما في السموات و الأرض الى غير ذلك.

بل ورد في بعض الروايات ان الأرض المفتوحة عنوة في ء المسلمين و العدول عن ذكر الملك الى التعبير بالفي ء فيه تأييد بل دلالة على عدم الملك.

أقول ظاهر اللام هي الإضافة الملكية لكن لا مطلقا بل فيما إذا كان المضاف فيه عنوان المال أو مصداقه مع كون المضاف اليه قابلا للمالكية كقوله لزيد هذا المال أو هذا البيت و اما في غير ذلك كما إذا كان المضاف غير عنوان المال أو مصداقه كقوله له الأسماء الحسنى و له الحمد و الملك أو كان المضاف اليه غير قابل للمالكية كما في قوله الجل للفرس فهذا غير مورد الظهور المزبور و قد تقدم مرارا ان الكلى الطبيعي قابل لاعتبار المالكية كما في ملك الزكاة للفقراء و مال الوقف للموقوف عليهم كما في الوقف العام و بعد كون الملكية بنفسها امرا اعتباريا تكون الملكية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 87

..........

______________________________

غير إنشائها و إمكان التفكيك بين المنشأ و الإنشاء ظاهر فيصح جعل الملكية لعامة المسلمين بنحو الإشاعة بمفاد القضية الحقيقة من غير لزوم قيام الموجود بالمعدوم و بعد دلالة الاخبار على عدم جواز بيع تلك الأراضي حتى في مقدار الحصة التي بيد العامل عليها و نفى الإشاعة و الملك الشخصي يؤخذ بظاهر اللام في الملك غاية الأمر يكون المالك العنوان العام كما في ملك الزكاة.

و ما في مرسلة حماد من كون الأرض المفتوحة عنوة موقوفة مع الإغماض عن سندها فلا دلالة لها على كونها وقفا حقيقة فإن الوقف

كسائر المعاملات يحتاج إلى الإنشاء بل معنى كونها وقفا و لو بقرينة ما دل على انها للمسلمين كونها في حكمه من عدم جواز بيع تلك الأرض أو نقلها الى الغير بالمصالحة و غيرها.

و التعبير عن كون تلك الأراضي بفي ء المسلمين لا يقتضي عدم كونها ملكا فإنه مضافا الى ضعف السند قد ورد في بعض روايات ان الأنفال في ء للإمام (ع) مع ان الأنفال ملكه (ع) حتى عند هذا القائل الجليل و في صحيحة محمد بن مسلم عن ابى عبد اللّٰه (ع) انه سمعه يقول ان الأنفال ما كان من ارض لم يكن فيها هراقة دم أو قوم صولحوا و أعطوا بأيديهم و ما كان من أرض خربة أو بطون أو دية فهذا كله من الفي ء و الأنفال للّٰه و للرسول فما كان للّٰه فهو للرسول يضعه حيث يجب و نحوها غيرها.

و يمكن ان يقال في الثمرة بين كونها ملكا للمسلمين و بين كونها أراضي محررة فيما إذا وضع الغاصب يده على تلك الأراضي بأنه لا يكون عليه ضمان بالإضافة الى ما أتلفه من المنافع المستوفاة بناء على كونها محررة كما يأتي ذلك في غصب المسجد و المشهد حيث لا يكون الاستيفاء المزبور إتلافا لمال الغير أو تلفه بيده و يكون عليه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 88

..........

______________________________

الضمان بالاستيفاء المزبور بناء على الأول حيث انه إتلاف لمال الغير أو تلفه بيده و لو كان ذلك الغير العنوان العام المتقدم.

و قد يقال كما عن النائيني (ره) بان البحث في الأراضي المفتوحة عنوة قليل الجدوى فان الحكم بأن الأراضي المزبورة ملك للمسلمين أى لعنوانه و ان الأرض لا تدخل في ملك مستعملها و لذا

لا يجوز له بيعها و شرائها و انما يكون وضع اليد عليها بوجه مشروع موجبا لتعلق الحق بها و تصح المعاملة على ذلك الحق مختص بالأراضي التي كانت حال فتحها معمورة و حيث ان تشخيص العمارة حال الفتح في الأراضي المفتوحة غالبا غير ميسور و مقتضى الاستصحاب عدم عمارتها حاله فيترتب على ذلك دخول الأراضي في ملك المحيي و من يده عليها و هي محياة يحكم بكونها ملكا له بقاعدة اليد و لا يضر العلم الإجمالي بكون بعض الأراضي كانت حال فتحها معمورة و ذلك لخروج الأطراف الأخرى عن محل الابتلاء.

و بتعبير آخر قوله (ص) من أحيى أرضا فهي له لم يخرج عنه الا الأرض المفتوحة عنوة التي كانت معمورة حال فتحها و استصحاب عدم كون الأرض معمورة حال فتحها يدخل الأرض في العموم المزبور و مع عدم إحراز إحيائها فمن يده عليها يكون مقتضى قاعدة اليد كونها ملكا له و العلم الإجمالي بكون بعض الأرض كانت معمورة حال فتحها غير ضائر لاعتبارها كما تقدم.

و يجرى ذلك في الأرض التي لا يعلم بكونها مفتوحة عنوة فإنه لو كان إحيائها ممن يده عليها يحكم بكونها له أخذا بعموم من أحيى أرضا ميتا فهي له بضميمة استصحاب عدم كونها مفتوحة عنوة أو استصحاب عدم كونها أرضا للمسلمين صلحا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 89

..........

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 3، ص: 89

______________________________

نظير الحكم بحلية نكاح المرأة أخذا بعموم قوله سبحانه أحل لكم ذلك بضميمة استصحاب عدم كونها أختا رضاعيا أو اما رضاعيا

و نحو ذلك و فيما إذا كان وضع يده عليها و هي معمورة يحكم بكونها ملكا له بقاعدة اليد على قرار ما تقدم.

و قد يقال كما عن بعض الأجلة (دامت شوكته) ان استصحاب عدم الموضوع لا يثمر في نفى حكمه الا إذا دل الخطاب الشرعي على عدم الحكم بعدم الموضوع بان كان الموضوع قد ذكر له الحكم في القضية الشرطية و نحوها كما في قوله إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شي ء فان مفهوم الشرطية ارتفاع الاعتصام عن الماء بارتفاع الكرية أو كان الموضوع قد نفى عنه الحكم المذكور له بانتفاء ذلك الموضوع في خطاب آخر و يكون في غير ذلك نفى الحكم بنفي موضوعه مثبتا حيث ان انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه عقلي لا شرعي و على ذلك فلا يثمر استصحاب عدم كون الأرض مفتوحة عنوة في نفى كونها للمسلمين و كذلك استصحاب عدم كونها معمورة حال فتحها الى غير ذلك من موارد نفى الحكم باستصحاب نفى الموضوع.

أقول: يرد عليه أولا ان نفى كون الأرض معمورة حال فتحها أو نفى كونها مفتوحة عنوة أو أرض صلح على أنها للمسلمين ليس لنفى الحكم بل لإثبات قيد الموضوع للحكم حيث ان الشارع قد حكم بأن من أحيى أرضا لم تكن مفتوحة عنوة أو لم تكن حال فتحها معمورة أنها ملك لمحييها و احياء الأرض محرز بالوجدان و عدم كونها معمورة حال فتحها أو عدم كونها مفتوحة عنوة أو وقوع الصلح عليها على أنها للمسلمين محرز بالأصل فيتم موضوع ملك المحيي.

و ثانيا ان نفى الحكم الفعلي بنفي موضوعه لو كان مثبتا باعتبار ان نفى الحكم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 90

..........

______________________________

بانتفاء موضوعه عقلي

لكان إثبات الحكم الفعلي بإثبات موضوعه ايضا مثبتا لان جعل الحكم لموضوع بنحو القضية الحقيقية يقتضي عقلا فعلية ذلك الحكم بفعلية موضوعه كما انه يلازم نفى فعليته بعدم فعلية موضوعه.

و الحل هو ان العلقة بين تحقق الموضوع و فعلية الحكم كما حصل بجعل الشارع و إنشائه الحكم له بنحو القضية الحقيقية كذلك العلقة بين انتفاء الموضوع و عدم حصوله و بين عدم فعليه الحكم قد حصلت بتلك العلقة فلا حظ موارد جريان قاعدة الفراغ أو الاستصحاب الجاري في مقام الامتثال حيث يفيد كل منهما سقوط التكليف مع ان سقوطه بحصول متعلقة خارجا عقلي و السر في عدم كون ذلك مثبتا ما ذكرنا من ان العلقة بين التكليف و ذلك المتعلق قد حصلت بجعل الشارع فيكون حدوثه و سقوطه قابلا للتعبد.

و الحاصل كما ان الأصل يجري في ناحية إثبات الموضوع و يفيد ثبوت حكمه كذلك يجري في ناحية عدم حصوله و يفيد عدم فعلية التكليف أو سائر الحكم.

بقي في المقام أمر و هو ان اعتبار عمارة الأرض حال فتحها في كونها خراجية و ان الميتة حال الفتح من الأنفال معروف بين الأصحاب و ذكروا في وجه ذلك ان ما يكون للمسلمين هي الأرض المأخوذة من الكفار بعنوان الغنيمة و اما المأخوذة منهم فيما إذا كانت ملكا لغيرهم كالمغصوبة من مسلم فلا تدخل في الغنيمة فاللازم ردها على مالكها و الميتة من أراضيهم لم تكن ملكا لهم بل كانت من الأنفال التي كانت يد هم عليها يد عدوان.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 91

فالذي ينبغي ان يصرف الكلام هو بيان الوجه (1).

______________________________

و فيه ان عنوان الغنيمة لم تؤخذ في كون الأرض المأخوذة للمسلمين بل

المعتبر أخذ الأرض من الكفار بالقتال أو بالصلح و هذا يشمل المعمورة و الميتة بل يشمل المأخوذ منهم ما كانت ملكا لمسلم في أيديهم غاية الأمر إذا كانت لمسلم يحكم ببقائها في ملكه لان ما دل على حرمة مال المسلم و عدم تملكه بغير رضاه يعارض ما دل على دخول الأرض المفتوحة في ملك المسلمين بالعموم من وجه و بعد تساقط الاطلافين يرجع الى استصحاب بقائها في ملكه.

و المعارضة بالعموم من وجه و ان تكون ملحوظة بين ما دل على ان الأرض الميتة من الأنفال و بين ما دل على كون الأرض المفتوحة للمسلمين و مقتضى كون العموم في ناحية ما دل على ان الميتة من الأنفال وضعيا تقديمه و على تقدير تساقطهما في مورد الاجتماع يكون الرجوع الى استصحاب بقاء الميتة على كونها من الأنفال الا ان التقييد الوارد في موثقة إسحاق بن عمار يدفع المعارضة حيث عد فيها من الأنفال الأرض الخربة التي لم يوجف بخيل و لا ركاب لان مقتضاه ان لا تكون الميتة المأخوذة بخيل و ركاب من الأنفال و مع ذلك كان الحكم في المسألة متسالم عليه عندهم و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) يقع الكلام في الموجب لجواز التصرف في الأراضي الخراجية ليثبت به حقّ الاختصاص المحكوم في الروايات بجواز المعاملة عليه و ذكرا المصنف (ره) ان مع التمكن على الاستيذان من الامام (ع) كما في حال حضورة يجب الرجوع اليه أو الى الوالي من قبله أو وكيله باعتبار ان الأرض ملك المسلمين و الامام (ع) وليهم فله (ع) نقل منفعة الأرض أو عينها.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 92

..........

______________________________

أقول المراد بنقل منفعة الأرض قبالتها أو إجارتها

و اما نقل عينها فلم يظهر وجهه بعد كون تلك الأرض موقوفة متروكة غير قابلة للنقل و الانتقال و ولايته (ع) مع النهى عن بيعها معللا بأنها للمسلمين الظاهر في عدم قبولها لنقل العين لا تقتضي إلا نقل منافعها أو الاذن في الانتفاع بها.

و اما في زمان الغيبة فقد ذكر (ره) ان المحتمل أحد وجوه خمسة.

الأول- الرجوع في التصرف فيها الى السلطان أو عماله ممن جوز الشرع أخذ الخراج منه مجانا أو معاوضة بل في صحيحة الحلبي لا بأس ان يتقبل الأرض و أهلها من السلطان و لكن لا دلالة لها على تعين ذلك و عدم موجب آخر للتصرف في تلك الأراضي.

الثاني- جواز التصرف مطلقا اى بلا حاجة الى الاستيذان أو المعاملة لا مع السلطان و لا مع غيره فإنه مقتضى تحليل الأرض للشيعة و يكون التحليل بالإضافة إلى الأراضي القابلة للتملك إذنا فيه و في غير القابلة له إذنا في التصرف و في وضع اليد عليها الموجب لثبوت حق الاختصاص و في رواية عبد الملك عن ابى عبد اللّٰه (ع) يا أبا سيار كل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون الحديث و بالجملة تخصيص التحليل بالموات التي ملكه (ع) بلا موجب و يؤيد هذا التحليل ما ورد في جواز أخذ الخراج جائزة أو معاوضة فإنه إذا جاز أخذ الخراج الذي كاجرة الأرض جاز أخذ نفس منفعة الأرض و التعبير بالتأييد لإمكان دعوى ان جواز أخذ بدل منفعتها لا يلازم جواز تصرف الشخص في الأرض استقلالا لان جواز الأول باعتبار إمضاء الشارع معاملة السلطان على ما تقدم في المكاسب المحرمة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 93

..........

______________________________

الثالث الرجوع الى

الحاكم الشرعي فإنه نائب الامام و لا أقل من كون جواز التصرف في تلك الأرض مع الرجوع إليه قطعي و اما غير هذا الفرض فيبقى فيما دل على عدم الجواز وضعا أو تكليفا.

و الرابع التفصيل بين من يستحق أجرة الأرض لكون صرفها عليه من مصالح المسلمين و بين غيرهم فإنه يستفاد جواز التصرف للأول من جواز تصرفه في بدل منفعة الأرض و في رواية أبي بكر الحضرمي قال (ع) على ما في الرواية المزبورة ما منع ابن ابى السماك ان يبعث إليك بعطائك أما علم ان لك في بيت المال نصيبا و لكن لا وجه لتصرف سائر الناس في تلك الأراضي مجانا و لذا افتى غير واحد على ما حكى عنهم بعدم جواز حبس الخراج عن السلطان الجائر نعم استثنى بعضهم ما إذا دفعه الى نائب الإمام (ع).

الخامس التفصيل بين ما عرض له الموت من ارض الخراج فيجوز التصرف فيها بإحيائها كما هو مقتضى الترخيص في الأحياء و كون المحيي مالكا للأرض أو أحق بها كما في عمومات جواز الأحياء و خصوص صحيحة سليمان بن خالد و خصوصيتها باعتبار ورودها في جواز إحياء الخربة الظاهرة في الميتة بعد عمارتها و بين الباقية على عمارتها فلا يجوز التصرف فيها إلا بأحد الوجوه المتقدمة و الأوفق بالقواعد هو الوجه الثالث ثم الرابع ثم الخامس.

لا يخفى انه لو تم الوجه الأول أو الوجه الثاني فلا يختص شي ء منهما بزمان الغيبة بل يعم زمان الحضور فان بعض ما ورد مما يستظهر منه أحد الوجهين موردهما زمان الحضور و في موثقة إسماعيل بن فضل الهاشمي قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص:

94

فان مقتضى القاعدة كون ما يحدث بعد الفتح (1)

______________________________

رجل اكترى أرضا من أهل الذمة من الخراج و أهلها كارهون و انما يقبلها السلطان لعجز أهلها أو غير عجز فقال إذا عجز أربابها عنها فلك أن تأخذها الا ان يضاروا الحديث و في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن ابى عبد اللّٰه (ع) ان لي أرض خراج و قد ضقت أ فأدعها فسكت على هنيئة ثم قال ان قائمنا لو قام كان نصيبك من الأرض أكثر منها الحديث.

و على ذلك فلا ينبغي الريب في جواز أخذ أرض الخراج من السلطان و استعمالها و عمارتها بل يمكن ان يقال بجواز وضع اليد عليها و لو باشتراء حقوق العاملين عليها بلا حاجة الى الاستيذان من أحد و بلا لزوم دفع خراجها الى السلطان أو غيره كما ربما يظهر من صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر (ع) و عن الساباطي و زرارة عن ابى عبد اللّٰه (ع) انهم سألوهما عن شراء ارض الدهاقين من أرض الجزية فقال انه إذا كان ذلك انتزعت منك أو تؤدى عنها ما عليها من الخراج قال عمار ثم اقبل على فقال اشترها فان لك من الحق ما هو أكثر من ذلك نعم لو استولى على الأرض من له ولاية شرعية في زمان الغيبة فلا يبعد ان يقال بلزوم دفع الخراج إليه إذا طلبه حيث ان الأرض ملك للمسلمين و له صرفها في مصالحهم و جواز الامتناع عن دفعه الظاهر من بعض الروايات المشار إليها يختص بما إذا كان الحاكم على الأرض الجائر و عماله فلاحظ.

(1) إذا كان تلك الأمور تابعه للأرض زمان فتحها و باعتبار ذلك كانت محكومة كرقبة الأرض بكونها ملكا

للمسلمين فلا يزول ملكهم بانفصالها و خروجها عن تبعية الأرض كما هو الحال في سائر الموارد التي يدخل الشي ء في ملك أحد تبعا للعين الأخرى نعم لا يبعد ان يقال ان النهى عن بيع ارض المسلمين لا يعم لما بعد انفصالها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 95

[اعتبار كون الملك طلقا]

اشارة

و اعلم انه ذكر الفاضلان و جمع ممن تأخر (1)

______________________________

بل يلتزم بدخولها في ملك من يضع يده عليها بوجه مشروع حيث ان وضع اليد عليها كذلك كسائر ما يكون ملكا لعنوان عام و يصير ملكا بالأخذ و السيرة مستمرة على بيع ما يعمل من الأراضي الخراجية من الكوز و سائر الظروف و نحوها و لم يرد في شي ء من الروايات الردع عن بيعها أو تملكها و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) ذكر الفاضلان و جمع آخر ان العوضين في البيع يعتبر كون كل منهما مملوكا و كون ملكهما طلقا و فرعوا على اشتراط الطلق عدم جواز بيع الوقف الا فيما استثنى و بيع الرهن إلا بإذن المرتهن أو إجازته و لا بيع أم الولد إلا في بعض الموارد و المراد بالطلق ان يكون سلطنة المالك بالإضافة إلى المال تامة بحيث يجوز له نقله مجانا أو بالمعاوضة و جواز النقل باعتبار عدم تعلق حق للغير به مانع عن نقله بلا اذن ذلك الغير.

و الوجه في رجوع المراد بالطلق الى ذلك هو ان تمام السلطنة و كون المالك مطلق العنان في التصرف في معنى جواز نقله مجانا أو مع العوض.

و قوله (ره) (لمرجعه الى ان من شرط البيع) تعليل لقوله و لكن هذا المعنى في الحقيقة راجع الى كون الملك مما يستقل المالك بنقله فيكون حاصل عبارة

الفاضلين ان من شرط العوضين كونهما مملوكا بحيث يصح بيعهما و هذا لا معنى له فإن صحة البيع لا يكون شرطا في صحته كما لا يمكن تفريع عدم صحة بيع الوقف أو الرهن أو أم الولد على الاشتراط المزبور بل عدم كون الملك وقفا أو رهنا أو أم الولد شرط و يتفرع على عدم تعلق تلك الحقوق بالعوضين صحة البيع و على تعلقها بطلانه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 96

ثم عنونوا حق الجاني (1) النذر المتعلق بالعين (2)

______________________________

و على ذلك فليكن المراد بالطلق عدم تعلق الحقوق بالعوضين مما نهى الشارع عن البيع معها و هذه عبارة مختصرة منتزعة عن عدم تعلق تلك الحقوق و قولهم فلا يصح بيع الوقف و الرهن و أم الولد من قبيل تعداد تلك الحقوق و تفصيل لتلك العبارة لا من قبيل التفريع على الشرط فان الشرط في الحقيقة عدم كون العوضين وقفا أو رهنا أو أم ولد و يتفرع على عدم تلك الحقوق كون الملك طلقا.

و الحاصل ان الشارع قد منع عن نقل المال في بعض الموارد باعتبار تعلق حق الغير بالمال المزبور و ينتزع عن عدم تعلق الحق المزبور كون ملك المال طلقا فيكون العمدة التعرض للموارد التي قد منع الشارع عن بيع المال فيها باعتبار تعلق حق الغير به.

(1) يعني الحق المتعلق بالعبد الجاني ان لولي المجني عليه الحق في القصاص أو استرقاقه و في كون هذا الحق مانعا عن تصرف مولاه ببيعه كلام يتعرض (ره) له فيما بعد.

(2) لم يثبت كون تعلق النذر بالعين مانعا عن صحة بيعها فان وجوب الوفاء بالنذر تكليف فيكون بيع العين المنذورة مخالفة للتكليف المزبور و النهى عن معاملة

لا يوجب فسادها خصوصا فيما إذا كان بعنوان خارجي و بهذا يظهر الحال في صورة الحلف على عدم بيع العين.

و دعوى عدم جواز بيع العين المنذورة لتعلق حق اللّٰه أو تعلق حق الفقراء بها لا يمكن المساعدة عليها فان الالتزام بالفعل اللّٰه كما هو مفاد النذر نظير الالتزام بالفعل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 97

و الخيار المتعلق به (1) و الارتداد (2)

______________________________

للمشروط له في الشرط في العقود لا يكون تمليكا لذلك الفعل فضلا عن تعلق حق المشروط له بالعين التي يتعلق بها ذلك الفعل بل تمليك الفعل كما هو مفاد عقد الإجارة لا يقتضي تعلق حق للمستأجر بالعين بل المستأجر يتملك الفعل المتعلق بها خاصة كما لا يخفى.

و الحاصل ان اللام في قول الناذر للّٰه على ان أتصدق بالمال نظير قول المشروط عليه في ضمن عقد على ان أخيط لك هذا الثوب ليست للملكية بل لمجرد التعدي و كون مدخولة طرف الالتزام بل على تقدير كونها للملك فلا تقتضي تملك الفعل تعلق حق للمتملك بالعين التي يتعلق به الفعل.

(1) اى الخيار المتعلق بالعين. أقول الخيار كما يأتي في بحث الخيارات حق متعلق بالعقد لا بالعين فيكون الذي الخيار حق فسخ العقد و إزالته و ثبوت هذا الحق بل و استيفائه لا يتوقف على بقاء العوضين بل يصح لذي الخيار فسخه حتى بعد تلف العين في يد الآخر غاية الأمر يرجع مع فسخ المعاملة إلى بدل العين من المثل أو القيمة.

نعم فيما إذا كان المشروط على الآخر إبقاء العين و عدم نقلها عن ملكه زمان الخيار كما لا يبعد ذلك في بيع الخيار حيث يكون فيه اشتراط من البائع على المشترى بإبقاء

العين في المدة المضروبة للخيار فلا يجوز للمشتري بيعها تكليفا لوجوب الوفاء بالشرط و الوفاء بالعقد و لا يوجب ثبوت حق للبائع في العين ليوجب ذلك فساد التصرف فيها.

(2) يعنى ارتداد العبد المسلم فإنه يكون بالارتداد في معرض التلف بالقتل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 98

و تعيين الهدى للذبح (1) و اشتراط عتق العبد في عقد لازم (2) و التدبير المعلق على موت غير الولي (3)

______________________________

حدا حتى فيما إذا كان ارتداده مليا حيث انه ايضا في معرض التلف بالقتل بعدم توبته بعد استتابته هذا و لكن كون الشي ء في معرض التلف لا يمنع عن بيعه غاية الأمر يثبت للمشتري الجاهل بالحال خيار الفسخ بالعيب المزبور كما لا يخفى.

(1) و في صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل ان يشعرها و يقلدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر و يجد هديه قال ان لم يكن قد أشعرها فهي ماله ان شاء نحرها و ان شاء باعها و ان كان قد أشعرها نحرها.

و يمكن ان يقال انه لا يستفاد منها أزيد من وجوب ذبح الحيوان أو نحره نظير الحيوان المنذور ذبحه و التصدق بلحمه لا النهى عن بيعه ليقال بظهور النهي في فساده فتدبر.

(2) لا يخفى ان اشتراط عتقه من شرط الفعل فيجب على المشروط عليه الوفاء به و مع عدم وفائه يجوز للمشروط له فسخ العقد الذي اشترط فيه عتق العبد و إذا فرض خروج العبد عن ملك المشروط عليه بالبيع أو غيره قبل الفسخ المزبور فيرجع المشروط له اليه ببدل ذلك العبد.

و كيف كان فلا يوجب اشتراط العتق نقصا في ملك العبد و

خروجه عن الطلق كما تقدم في شرط الخيار.

(3) و عليه رواية و مقتضاها انعتاقه بموت من علق انعتاقه على موته و عدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 99

و تعلق حق الموصى له (1) و تعلق حق الشفعة (2) و تغذيه الولد المملوك (3) و كونه مملوكا (4)

______________________________

نفوذ التصرفات المنافية لذلك من الورثة.

(1) لا يبعد ان يكون المال في الوصية التمليكية ملكا للموصى له بموت الموصى بلا حاجة الى قبوله نعم يكون للموصى له رد المال و إخراجه عن ملكه و على تقدير القول بالحاجة إلى القبول يبقى الموصى به في ملك الموصى فإن المنتقل إلى الورثة من التركة هو غير الموصى به فيما إذا لم يكن زائدا على الثلث و تمام الكلام في محله.

(2) لا يخفى ان تعلق حق الشفعة في الفرض و كون الشفيع متمكنا على إبطال التصرفات الجارية على المبيع بأخذه بحق شفعته أجنبي عن مورد الكلام فان مع تعلقها لا يلزم تلك التصرفات فتكون في معرض البطلان بالأخذ بالشفعة و كلامنا في اشتراط البيع و توقف صحته على كون الملك طلقا بان لا ينعقد البيع مع عدمه.

(3) لو اشترى امة حلبي مع حملها فعليه ترك وطئها إلى أربعة أشهر و عشرة أيام من مبدء حملها على كلام في اعتبار الزائد على أربعة أشهر و ان وطئها في المدة المزبورة أو بعدها الى ان تضع حملها و أفرغ مائه في فرجها فلا يجوز له بيع ذلك الولد و عليه عتقه على قول يساعد عليه ظاهر الرواية.

(4) (و كونه مملوكا) عطف على تغذيه الولد و كان المراد انه إذا كانت الأمة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 100

كما لو قهر حربي (1) و الغنيمة قبل القسمة (2)

[لا يجوز بيع الوقف]
اشارة

لا يجوز بيع الوقف (3)

______________________________

ملكا لاثنين فوطئها أحدهما و أتت بالولد يكون الولد حصة منه ملكا للشريك و لكن ليس له بيعه بل له تقويم حصته و أخذ تلك القيمة من الواطى.

(1) ظاهره التعرض لما ذكره بعضهم من ان الحربي أي الكافر الحربي لو باع أباه أو غيره من قرابته التي تنعتق عليه بان يكون الكافر المزبور استولى على من ينعتق عليه بالقهر و باعه ففي صحة هذا البيع اشكال و وجه الاشكال ان قهره و استيلائه و ان يوجب تملكه الا ان المفروض تحقق القرابة المانعة عن استقرار الملك فلا يحصل البيع حال الملك و لكن في رواية قد سأل عبد اللّٰه اللحام أبا عبد اللّٰه (ع) عن رجل يشترى من أهل الشرك ابنته فيتخذها قال لا بأس و ظاهرها صحة البيع و يمكن حملها على حصول الملك للمشتري بالاستيلاء لا ببيع الوالد.

(2) لا يخفى أن الغنيمة تدخل في ملك المقاتلين باستيلائهم عليها و كونها ملكا لهم بنحو الإشاعة و عدم جواز بيع أحدهم حصته قبل أخذها باعتبار كون حصته مجهولة بحسب المقدار و لا يبعد القول بجواز بيعها بعد تعيينها حتى فيما إذا كان البيع قبل القبض كما هو مقتضى إطلاق دليل حل البيع.

(3) ذكر (ره) في الاستدلال على عدم جواز بيع الوقف بعد الإجماع محصلا و منقولا قوله (ع) في مكاتبة محمد بن الحسن الصفار التي رواها الصدوق بسنده الصحيح انه كتب الى ابى محمد الحسن بن على عليهما السلام في الوقف و ما روى فيه آبائه فوقع (ع) الوقف تكون على حسب ما يوقفها أهلها ان شاء اللّٰه و مقتضاها أن

العين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 101

..........

______________________________

على حسب وقفها فتكون ملكا للبطون بطنا بعد بطن أو للجهة و أنها تبقى كذلك فلا يصح إبدالها.

لا يخفى ان الاستدلال بها موقوف على ان يكون عدم جواز البيع داخلا في عنوان الوقف أو ملازما لتحقق ذلك العنوان و اما بناء على انه حكم شرعي غير داخل في عنوانه و غير ملازم لتحققه فلا حيث ان ظاهر الرواية إمضاء الشارع الوقف كما أنشأه صاحبه و سيأتي التعرض لكون عدم جواز البيع حكما شرعيا أو داخلا في عنوانه أو ملازما له فانتظر.

و رواية على بن الراشد قال سألت أبا الحسن (ع) جعلت فداك اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي بألفي درهم فلما و فرت المال خبرت ان الأرض وقف فقال لا يجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة في ملكك ادفعها الى من أوقفت عليه قلت لا اعرف لها ربا قال تصدق بغلتها فان مقتضى إطلاق قوله (ع) لا يجوز شراء الوقف هو عدم الفرق بين كون المباشر لبيعه الغاصب أو متولي الوقف أو الموقوف عليهم و الرواية بحسب سندها لا بأس بها فإن الكليني (ره) رواها عن محمد بن جعفر عن محمد بن عيسى عن على بن راشد و محمد بن جعفر سواء كان أبو العباس أو أبو الحسين الأسدي موثق بتوثيق عام أو خاص و على بن راشد ممدوح كما عن الشيخ (ره).

و بما في غير واحد من الروايات من صوره وقفهم عليهم السلام كرواية ربعي عن ابى عبد اللّٰه (ع) تصدق أمير المؤمنين (ع) بداره في المدينة في بني رزيق فكتب بسم اللّٰه الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به على بن أبي طالب و

هو حي سوى تصدق بداره التي في بني رزيق صدقة لاتباع و لا توهب حتى يرثها اللّٰه الذي يرث السموات و الأرض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 102

..........

______________________________

و اسكن هذه الصدقة خالاته ما عشن و عاش عقبهن فإذا انقرضوا فهي لذي الحاجة من المسلمين.

و وجه الاستدلال ان توصيف الصدقة بما لا يباع و لا يوهب ظاهر في توصيف النوع أى طبيعي المفعول المطلق لا انه شرط خارجي في شخص الصدقة و ان على الموقوف عليهم في الصدقة المزبورة إبقاء العين و عدم إبدالها فإن الحمل على هذا النحو من الاشتراط خلاف الظاهر حيث انه لو كان الأمر كذلك لكان الأنسب تأخير الشرط عن ذكر هم لا ذكر الشرط قبل تعيينهم و ايضا لو كان ما ذكر شرطا على الموقوف عليهم لكان محكوما بالفساد فإنه يجوز بيع الوقف في حالات فاشتراط عدم جوازه عليهم مطلقا خلاف السنة.

و لكن يمكن الجواب عن الأخير بأن اشتراط عدم البيع إطلاقه محمول على صورة عدم المجوزات و هذا لحمل لازم سواء كان قوله لا يباع و لا يوهب من الاشتراط على الموقوف عليهم أو وصفا لنوع الصدقة مع انه يمكن دعوى لزوم التقييد في صورة توصيف النوع فقط و اما على فرض الاشتراط فيبقى الاشتراط على الإطلاق حيث ان المحتمل علمه (ع) بعدم عروض المجوزات على وقفه و هذا بخلاف صورة إرادة وصف النوع فقط فان العلم بعدم عروض المجوز على شخص من الوقف لا يوجب الحكم على النوع بأنه لا يباع و لا يوهب.

و بالجملة مقتضى أصالة عدم التقييد هو أن ما ذكر اشتراط لا توصيف للنوع أقول لا حاجة الى التقييد على تقدير كون

المراد توصيف النوع و تقييد طبيعي الصدقة و ذلك فان قوله (ع) لا يباع و لا يوهب وارد في مقام إنشاء الوقف و ذكره للقرينة على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 103

..........

______________________________

ارادة الوقف من الصدقة التي بمنزلة الجنس الجامع بين الوقف و بين تمليك المال للآخر مجانا بقصد القربة و ليس في مقام بيان حكم الوقف من حيث عدم جواز البيع ليقال انه لا بد من رفع اليد عن إطلاقه و حمله على صورة عدم عروض المجوزات.

و ذكر بعض الأجلة دام عزه ان احتمال الاشتراط على الموقوف عليهم مبنى على الالتزام بان الوقت من قبيل العقود و يحتاج الى القبول من الموقوف عليهم و اما بناء على ما هو الصحيح من كونه من الإيقاعات فلا معنى للاشتراط ثم انه على الوصف للنوع فلا يمكن استظهار عدم جواز البيع الوقف فيما لم يكن الوقف بعنوان الصدقة كما إذا لم يقصد فيه التقرب فإن النسبة بين الوقف و الصدقة عموم من وجه لاعتبار قصد التقرب في الصدقة سواء كان من قبيل الوقف أو سائر الصدقات المندوبة أو الواجبة و الوقف يعم ما إذا لم يكن فيه قصد التقرب و دعوى الحكم بعدم جواز بيع الوقف مطلقا باعتبار إلغاء الخصوصية لا يخفى ما فيها.

أقول الاشتراط على الموقوف عليهم لا يبتنى على كون الوقف من العقود فان نفوذ هذا الشرط على الموقوف عليهم أو المتولي ليس لدليل وجوب الوفاء بالشرط ليقال ان الشرط لا يعم الا ما إذا كان الإلزام في ضمن عقد بل لقوله (ع) الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

و بتعبير آخر ما نحن فيه نظير الاشتراط على الوصي كما إذا اوصى بستانا

من ثلثه للصرف في الحج و الصلاة و سائر الخيرات و اشتراط على الوصي عدم بيعه الى خمس سنوات فإنه لا ينبغي الريب في نفوذ هذا الاشتراط و عدم جواز بيعه قبل تلك المدة بدليل نفوذ الإيصاء مع ان الإيصاء من الإيقاعات فلا يحتاج الى القبول و انما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 104

..........

______________________________

يجوز للوصي رده زمان حياة الموصي مع وصول الرد.

و الحاصل لا ينبغي الريب في ان قوله (ع) لا يباع و لا يوهب وصف و لكن الكلام في انه وصف للطبيعى و تفريع له ليكون المراد عدم جواز البيع و الهبة في الوقف في الجملة حيث لا يمكن الأخذ بالإطلاق في ناحية المنع لذكره في مقام إنشاء الوقف أو وصف للصدقة الشخصية و ان ذلك الشخص لا يباع و لو كان وصفا للشخص مع عدم كونه وصفا للطبيعى فلا بد من حمله على الاشتراط من الواقف و لكن الصحيح ظهور التوصيف في وصف الطبيعي لا لما ذكره المصنف من انه لو كان شرطا لكان الأنسب تأخيره عن ذكر الموقوف عليهم فان مجرد إلا نسبية لا يصحح الظهور مع صحة خلافها بل باعتبار ان إنشاء الوقف لا يتم بمجرد قول القائل تصدقت العين إذ لا دلالة للصدقة على خصوصية الوقف و لذا يوتى بمثل قوله لا يباع و لا يوهب للقرينة على ارادة الوقف و لا يتم القرينة إلا إذا كان عدم جواز البيع و الهبة من قبيل توصيف الطبيعي بوصف نوعه كما لا يخفى.

و قد تحصل مما تقدم انه مع هذا التوصيف لا يكون له إطلاق بحيث يمكن التمسك به في موارد الشك في جواز بيع الوقف بخلاف حسنة

على بن راشد المتقدمة.

و لكن قد نوقش في الاستدلال بها ايضا مع عروض بعض حالات على الوقف و الشك في جواز بيعه معها بأنها غير واردة في مقام الجواب عن جواز بيع الوقف و عدمه بحسب الحالات لأن السائل فيها قد كان يعلم بعدم جواز شراء الوقف خصوصا مع ملاحظة قوله و لما و فرت المال خبرت ان الأرض وقف فان ظاهره انه لو كان يعلم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 105

و مما ذكرنا ظهر ان المانع عن بيع الوقف أمور ثلاثة (1)

______________________________

بالوقف لما أقدم على شراء الوقف بل انما كان بصدد السؤال عن علاج الواقعة مع جهله بالموقوف عليه غاية الأمر قبل تمام ذكره الواقعة أجاب الإمام (ع) بوجوب رد الغلة إلى الموقوف عليهم.

أقول: من المحتمل جدا ان يحتمل السائل صحة شراء الوقف في فرض جهله بالوقف و دفع الثمن و جهالة الموقوف عليهم و حيث ان الامام (ع) ذكر انه لا يجوز شراء الوقف و فهم منه بطلان الشراء في جميع الحالات التي منها الحالة في مورد السؤال سأل ثانيا بأنه كيف يصنع بالغلة مع جهالة الموقوف عليهم.

و الحاصل ان مقتضى الأصل في كل خطاب عام أو خاص يتضمن الموضوع و الحكم ان ذلك الحكم يعم الموضوع في جميع حالاته ما لم تقم قرينة عرفية على خلاف ذلك و ما ذكر لا تعد قرينة لما ذكرنا من الاحتمال و لذا لا بأس بالتمسك بالإطلاق الوارد في الحسنة في كل مورد يفرض فيه احتمال جواز بيع الوقف بطريان بعض الحالات.

(1) لم يظهر كون المانع عن بيع الوقف متعددا فضلا عن كونه ثلاثة فإن الثابت منع الشارع عن بيع الوقف كمنعه

عن بيع أم الولد و نحوها و كون الوقف تمليكا للبطون على نحو الترتب في الوقف الخاص و تمليكا للجهة في الوقف العام لا ينافي مبادلة العين الموقوفة بما يكون العوض ملكا للبطون أو للجهة و تمليك الواقف تلك العين للموقوف عليهم بقصد التقرب لا يكون موجبا الا لعدم جواز رجوع الواقف في الوقف لا عدم جواز بيع الموقوف عليهم أو متولي الوقف فإن الصدقة الواجبة بل المستحبة تكون تمليكا للغير بقصد التقرب مع انه يجوز للفقير التصرف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 106

ثم ان جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف (1)

______________________________

فيها كسائر أمواله و ارادة الواقف كون العين صدقة جارية يكفي فيها قيام بدلها مقامها.

و اما حق البطون فليس الا تملكهم العين حال وجودهم مع بقاء العين على الوقف و إذا انتقل الوقف الى البدل كما إذا قيل بجواز بيع الوقف ينتقل الحق إلى البدل.

و الحاصل ان عدم جواز بيع الوقف المستفاد من الروايات كعدم جواز بيع أم الولد حكم شرعي و لا يكون من الحق القابل للإسقاط غاية الأمر في مورد قيام الدليل على جواز بيع الوقف يكون للبائع الولاية على إبطال الوقف بالإضافة إلى شخص العين الموقوفة بالبيع و يكون العوض ملكا للبطون كالمعوض أو جواز إبطال أصل الوقف كما إذا كان العوض ملكا خاصا للبطن الموجود.

(1) مراده ان جواز بيع الوقف في مورد لا ينافي كون العين موقوفة ما دام لم يقع البيع و ما تقدم من عدم جواز بيع الوقف باعتبار تعلق الحقوق الثلاثة به ليس المراد منه الا ان الوقف يقتضي عدم جواز بيعه لا انه يستلزمه بنحو اللزوم و العلية التامة لينحل الوقف بجواز

بيعه و مجرد الاقتضاء بمعنى ان إبقاء العين على الوصف الذي جعله الواقف قرار مالكي و مع إمضاء الشارع لا يجوز بيعها و نقلها.

نعم إذا طرء أمر فيمكن معه الحكم بجواز بيعه و ان شئت فلا حظ الهبة فإنها تمليك العين مجانا و مقتضاه ان لا يجوز للغير التصرف في العين الموهوبة و لو كان ذلك الغير واهبها و لكن مع ذلك يجوز للواهب التصرف فيها بردها الى ملكه بحسب حكم الشرع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 107

الا انه ذكر بعض في هذا المقام (1)

______________________________

(1) قد يقال ان عدم جواز بيع الوقف باعتبار ان جوازه ينافي الوقف بحيث لا يجتمع جوازه معه فان الوقف كما هو المروي عن النبي (ص) بل الظاهر منه بحسب ما هو المعروف من عنوانه في الأذهان حبس العين و تسبيل المنفعة و المراد بحبس العين جعلها بحيث لا يقبل النقل و الانتقال و إذا صار الوقف محكوما بجواز بيعه فلا يمكن اجتماع هذا الجواز مع بقاء الوقف بل يكون الدليل على جواز بيعه كاشفا عن بطلان الوقف في ذلك المورد.

و أجاب عن ذلك المصنف (ره) بأنه أراد هذا القائل ان جواز بيع الوقف فلا يجتمع مع الحقوق الثلاثة التي تقدم ثبوتها في الوقف بل لا بد في مورد جواز بيعه من سقوط بعضها كما إذا جاز بيع الوقف و مبادلته بما يكون للبطون فان في الفرض يسقط حق البطون عن شخص العين لا عن بدلها أو سقوط حقهم حتى عن بدلها كما إذا كان العوض ملكا طلقا للبطن الموجود فهذا صحيح و ان أراد ان جواز البيع لا يجتمع مع أصل الوقف لمنافاة ذلك الجواز و مضادته

مع الوقف كما هو ظاهر عبارته فهو غير تام.

و الوجه في عدم التمام ان الوقف قسم منه في حقيقته إخراج للعين عن الملكية و جعلها بحيث لا يقبل الملك نظير عتق العبد و كما ان العتق إخراج للإنسان عن الرقية و جعله بحيث لا يمكن صيرورته ملكا للآخر كذلك في وقف المساجد و المشاهد يخرج الأرض و البناء عن قابلية كونها ملكا و لكن مع ذلك لا يكون من المباحات ليتصرف فيه كل أحد بما شاء بل لا يجوز التصرف المنافي للوقف كما هو مقتضى قوله (ع) الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 108

فقد جعل الشارع لهم حق إبطال الوقف

______________________________

و هذا القسم لا يقبل النقل باعتبار ان العين لا تصير ملكا لأحد.

و اما سائر الوقوف سواء كان الوقف خاصا أو عاما يكون الوقف فيها تمليكا و لذا يعبر عن هذا القسم بالصدقة التي تكون تمليكا للبطون أو الجهة نعم الوقف ليس مطلق جعل الشي ء ملكا بل بنحو يقتضي الدوام و الاستمرار أى استمرارهم على ملكه و لا يكون هذا الدوام و الاستمرار من قبيل اللازم بل بنحو الاقتضاء بحيث لا ينافي الوقف تخلفه في بعض الموارد و لو كان جواز بيع الوقف منافيا لأصل الوقف بحيث يخرج الشي ء عن كونه وقفا لكان لازم ذلك بطلان الوقف حتى ما لو لم يتفق بيع الوقف كما إذا فرض حاجة الموقوف عليهم و اضطرارهم الى ثمن الوقف و لكن لم يتفق بيعه الى ان ارتفع حاجتهم فيلزم ان يحكم بجواز بيعه بعد ذلك ايضا لبطلان الوقف قبل ذلك.

لا يقال إذا فرض الاعتراف كما هو ظاهر المصنف (ره) بان مع جواز

بيع الوقف ينتقى حق البطون اللاحقة عن شخص العين كما في مورد جواز تبديلها بما يكون ملكا للبطون و عن بدلها ايضا كما في مورد جواز تملك البطن الموجود ثمن الوقف و صرفه في ضرورتهم فلازم ذلك جواز بيع الوقف فيما إذا لم يتفق البيع الى ان ارتفعت ضرورة البطن الموجود و الوجوه في اللزوم ان مع سقوط حق البطون اللاحقة عن العين و عن بدلها ايضا لا موجب لرجوعه ثانيا.

فإنه يقال ليس معنى سقوط حقهم الا قيام الدليل على ثبوت الولاية للبطن الموجود على البطون اللاحقة بمبادلة ملكهم كما إذا كان مدلول دليل جواز البيع مبادلة الوقف بما يكون ملكا للبطون أو مع ثبوت الولاية لهم على تملك الثمن في مورد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 109

فقد جعل الشارع لهم حق إبطال الوقف (1) و في غير المساجد و شبهها قسم من التمليك (2)

______________________________

جواز صرف ثمن الوقف على ضروراتهم و كذا فيما ثبت جواز بيع الوقف العام يكون مقتضى ذلك الدليل ثبوت الولاية لمتولي الوقف أو الحاكم على العين الموقوفة بمبادلتها بما يكون للجهة الموقوف عليها.

و الحاصل لا يكون جواز بيع الوقف كاشفا عن بطلان ملكية البطون كما عليه ظاهر الجواهر (ره) و انما يكون موجبا لثبوت الولاية و كون تلك الولاية مطلقا أو مقيدا تابع لظاهر الدليل و مع عدم الدلالة يؤخذ بمقتضى الأصل و قد ظهر من جميع ما ذكرنا ان الدليل على جواز بيع الوقف في مورد تخصيص أو تقييد في خطاب الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها و في مثل قوله (ع) لا يجوز شراء الوقوف.

(1) لا يخفى انه لا دلالة فيما ورد في جواز بيع

الوقف و صرف ثمنه على ضرورة البطن الموجود على ولايتهم على جعل العين الموقوفة ملكا طلقا عند البيع ليقع البيع لهم بحيث لو فرض فسخ العقد يصير الوقف ملكا طلقا لذلك البطن و لو مع اتفاق ارتفاع ضرورتهم عند حصول الفسخ بل المقدار الثابت ولاية البطن الموجود على صرف ثمن الوقف في حوائجهم اضافة على ولايتهم على بيعه فيكون صرفهم نظير صرف أهل العلم مال الامام (ع) على حوائجهم.

(2) يظهر مما ذكر (ره) ان الوقف على نحوين وقف تحريرى كوقف الأرض أو البناء مسجدا و مشهدا و وقف تمليكى تكون العين الموقوفة ملكا للموقوف عليهم سواء كان الموقوف عليهم أشخاصا أو عنوانا و يعبر عن ذلك بالوقف الخاص أو العام.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 110

..........

______________________________

و لكن الأمر ليس كذلك بل للوقف أقسام و ذلك فان الواقف قد لا يلحظ في وقفه الا حبس العين على عنوان من غير نظر الى رجوع منافعها إلى أشخاص أو على عنوان و جهة و هذا القسم من الوقف لا يكون فيه الموقوف عليه.

لا يقال هذا القسم لا يدخل في الوقف بل جعل الأرض أو البناء مسجدا أو مشهدا عنوان آخر غير عنوان الوقف و ان يجرى عليه أحكامه من عدم جواز بيعه.

فإنه يقال لو كان الأمر كذلك يصح قول مالك الأرض أو البناء جعلتها مسجدا و لكن ما وقفتها و لا أظن أن يلتزم بذلك أحد.

و الموجب للدعوى المزبورة ان الوقف عنده إيقاف العين على الموقوف عليه و كان العين في الاعتبار على رأسهم تدر منافعها إليهم و قد رأى ان في مورد وقف المكان مسجدا أو مشهدا ليس من يكون إيقاف العين على رأسه

و لكن سنبين ان الوقف بمعنى الحبس و كلمة على للتعدي لا الاستعلاء و لذا لا يفرق بين قوله وقفتها على أولاد زيد أو على طلاب العلم أو وقفتها لأولاد زيد أو لطلاب العلم و بتعبير آخر يحتاج الى تعيين الموقوف عليه أو الموقوف له فيما لوحظ عود منافع العين الى شخص على ما سيأتي و ليس يلازم الوقف فيما إذا لم يكن فيه لحاظ عود المنافع الى أحد.

و الحاصل ان عنوان المسجد ينطبق على الأرض أو البناء المعد للعبادة كالصلاة و غيرها و لا يترتب عليه بمجرد الإعداد أحكام الوقف من خروج العين عن الملك و عدم جواز نقله و غير ذلك من الأحكام و في صحيحة عبيد اللّٰه بن الحلبي انه سأل أبا عبد اللّٰه (ع) عن مسجد يكون في الدار فيبدوا لأهله أن يتوسعوا بطائفة منه أو يحولوه عن مكانه فقال لا بأس بذلك.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 111

..........

______________________________

و على الجملة أن المرتكز في وقف الأرض أو البناء مسجدا و حبسها له هو فك الأرض أو البناء عن علقة الملكية و جعلها بحيث لا تصلح للدخول في ملك أحد و هذا معنى الوقف التحريرى و لا يبعد ان يقال ما يذكر للمساجد من الأحكام كحرمة مكث الجنب و الحائض و وجوب تطهيره لا يعم الا المساجد الموقوفة لعناوينها لانصراف الخطابات إليها و لا فرق في وقفها كسائر الوقوف بين كونه بالإنشاء اللفظي أو بنحو المعاطاة كما هو مقتضى إطلاق قوله (ع) الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها كما لا يحتاج في تحققه فيها كسائر الأوقاف إلى القبول من الحاكم أو غيره للإطلاق المزبور.

بل لا يبعد عدم حاجة الوقف

العام الى القبض و انما يحتاج الى القبض في الوقف الخاص بشهادة مثل صحيحة صفوان بن يحيى عن ابى الحسن عليه السلام قال سألته عن الرجل يقف الضيعة ثم يبدوا ان يحدث في ذلك شيئا فقال ان كان وقفها لولده و لغيرهم ثم جعل لها قيما لم يكن له ان يرجع فيها و ان كانوا صغارا و قد شرط ولايتها لهم حتى بلغوا فيجوزها لهم لم يكن له ان يرجع فيها و ان كانوا كبارا و لم يسلمها إليهم و لم يخاصموا حتى يجوزوها لهم فله ان يرجع فيها.

و وقف تمليكى و هو ما إذا لم يكن الوقف تحريريا فإنه لا ينبغي الريب في حصول الملك للموقوف عليه فيما إذا أنشأ الواقف ملكية العين له كما إذا قال جعلت الضيعة أو غيرها ملكا لأولاد زيد طبقة بعد طبقة الى ان يرث اللّٰه السموات و الأرض و ان انقرضوا فهي للفقراء.

و انما الكلام فيما إذا كان أنشأ الوقف بعنوان الوقف واردة ما هو مدلوله

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 112

..........

______________________________

المرتكز و كان من قصده عود منفعة العين الى الموقوف عليهم كما إذا قال وقفت هذه الضيعة لأولاد زيد أو على أولاده ليكون غلتها لهم ففي ذلك يقع الكلام في خروج نفس الصيغة عن ملك الواقف و دخولها في ملك الموقوف عليهم.

و استدل المصنف (ره) على خروجها عن ملك الواقف و دخولها في ملك الموقوف عليهم بما ورد في غير واحد من الروايات من التعبير عن الوقف بالصدقة التي لاتباع و لا توهب حيث ان من الظاهر كون المعروف من معنى الصدقة تمليك الغير بقصد القربة و يعبر عن التمليك كذلك بالوقف باعتبار

استمرارها و دوامها و عدم صيرورتها ملكا طلقا للموجودين من الموقوف عليهم.

و استدل في الجواهر على دخول العين في ملك الموقوف عليهم فيما كان من قصد الواقف عود منافع العين و صيرورتها لهم ان العين تتبع المنافع في الانتقال و من ان العين الموقوفة كالمنافع تضمن بالإتلاف و التلف في اليد و إذا كانت العين خارجة عن ملك الواقف فلا بد من دخولها في ملك الموقوف عليهم لان المال الذي ليس له مالك لا يضمن و قد يستدل على دخول العين الموقوفة في ملك الموقوف عليهم بما ورد في جواز بيعهم العين الموقوفة في بعض الموارد حيث انه لا بيع إلا في ملك و ان العين إذا لم تكن مكلفا فكيف جاز بيعها.

و عن السيد اليزدي (ره) الاستدلال على خروج العين عن ملك الواقف بان اعتبار الملكية لأحد لا بد فيه من اثر يصحح الاعتبار و مع كون الواقف أجنبيا عن منافع العين إلى الأبد فلا معنى لاعتبار ملكية العين له و لكن احتمل عدم دخولها في ملك الموقوف عليهم بل تكون الداخل في ملكهم هي المنافع فقط كما في مورد اجارة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 113

..........

______________________________

العين و نتيجة ذلك ان يكون الوقف بالإضافة إلى العين الموقوفة فكا عن الملكية.

و لكن قد نوقش في ذلك كله اما التعبير بالصدقة فلان أصالة الحقيقة تجري فيما إذا شك في المراد بعد إحراز المعنى الموضوع له و اما إذا علم المراد و شك في ان الاستعمال على نحو الحقيقة فلا مجرى لأصالتها و فيما نحن فيه يعلم ان المراد بالصدقة هو الوقف بقصد التقرب و يشك في ان إطلاق الصدقة عليه بنحو الحقيقة

حيث انه من إفرادها أو ان إطلاقها عليه بنحو المجاز حيث لا يكون في الوقف تمليك و تملك.

و فيه ان هذه المناقشة قد صدرت عمن جعل فيما تقدم النسبة بين الوقف و الصدقة العموم من وجه و مقتضاه كون الوقف في مورد قصد التقرب معنونا بعنوان الصدقة الجارية حقيقة.

مع انه ان أريد ان إنشاء الوقف بإرادة المعنى الحقيقي للصدقة الجارية غير صحيح فلا يتحقق الوقف فلا أظن الالتزام به و ان أريد انه لم يحرز انطباق عنوان الصدقة بمعناه الحقيقي على ما أراد الموجب بقوله وقفت هذه العين لأولاد زيد طبقة بعد طبقة المعنى المرتكز عند الأذهان للوقف ففيه انه لا يعرف للوقف عند الأذهان في مثل المورد مما كان الملحوظ عود المنفعة إلى الأشخاص و دخولها في ملكهم الا عنوان التمليك و جعل ذلك الملك بنحو إقرار العين و حبسها.

و يقرب من هذا الوقف الوقف الصرفى و هو ما إذا كانت العين محبوسة لصرف منافعها على الموقوف عليهم سواء كان المراد صرف نفس منافعها كما إذا قال وقفت هذه الضيعة على أولاد زيد الأول فالأول ليأكلوا ثمرتها أو كان المراد الأعم من صرف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 114

..........

______________________________

عين منافعها أو بدلها كما إذا قال وقفت هذه الضيعة للعلماء أو الحجاج و في مثل ذلك يجوز لمتولي الوقف بيع ثمرة الضيعة و صرف ثمنها عليهم و وجه قرب الوقف الصرفى الى الوقف التمليكي هو ان العين في الوقف الصرفى ايضا ملك و لكن للعنوان الموقوف عليه لا الأشخاص و انما يملك الأشخاص المنفعة بعد الصرف و القبض و لذا لا يرث الوارث من الموقوف عليه قبل صرف المنفعة و لا

يجب في السهم المقبوض الزكاة لأن الشخص لا يملك المنفعة إلا بعد قبضها لا حين بلوغ الزرع و صيرورته حنطة أو شعيرا أو صيرورة الثمرة عنبا أو ثمرا فإن الثمرة في ذلك الحين كانت ملكا للعنوان و لا يتوجه التكليف بإعطاء الزكاة الا للأشخاص.

و هذا بخلاف الوقف التمليكي فإنه ان مات أحد من الموقوف عليهم يرث سهمه وارثه و يحب على كل من بلغ سهمه مقدار النصاب الزكاة و يشترك القسمان في ضمان العين و منافعها فيما لو أتلف العين أو منافعها متلف أو تلف بيده بخلاف القسم الأول من الأقسام و هو الوقوف التحريرى لانه لا دليل على ضمان المال فيما لم يكن ملكا لأحد أو عنوان بل الموجب له إتلاف مال الغير أو تلفه بيده في غير مورد الاستيمان.

و القسم الأخير من الوقف الوقف الانتفاعى و هو ما إذا كان حبس العين لمجرد انتفاع الموقوف عليهم من غير ان يدخل العين أو منافعها في ملكهم حتى بعد القبض كما في وقف بعض الأشجار لأكل المارة و وقف الخانات للمسافرين و الزوار و المدارس و الكتب العلمية لطلاب علم الدين و في هذا القسم لا يدخل العين و لا منفعتها في ملك الموقوف عليهم و لذا لا يكون توارث و لا تصح المعاوضة على منافع العين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 115

و الثاني عدم الخلاف في عدم جواز بيعه (1)

______________________________

لا من الموقوف عليهم و لا من المتولي و لا يبعد ان يقال ببقاء العين و منافعها على ملك واقفها و لذا يضمن العين أو منافعها بالإتلاف و يكفي في اعتبار الملكية للواقف ترتب هذه الثمرة.

و مما ذكرنا يظهر الحال في

الوجوه المتقدمة للاستدلال على خروج العين من ملك واقفها أو دخولها في ملك الموقوف عليهم و ايضا ظهر ان الوقف في حقيقته عبارة عن حبس العين اما حبسا عنوانيا أو حبسا تمليكيا أو حبسا صرفيا أو حبسا انتفاعيا و المراد بالحبس جعل العين على حالة لا تخرج عنها بحسب قرار مالكها اى لا تصلح الخروج عنها بحسبه كما لا يخفى.

(1) لا ينبغي الريب في ان الوقف إذا كان تحريريا فلا يجوز بيعه و لا سائر المعاوضة عليه بلا استثناء و الوجه في عدم الجواز ليس عدم كون العين ملكا طلقا بل لعدم كونه قابلا للتملك و البيع تمليك العين بعوض و على ذلك فلو خربت القرية التي فيها المسجد أو انقطعت المارة عن الطريق الذي فيه المسجد لم يجز بيعه و الظاهر ان هذا مما لا خلاف فيه.

نعم ذكر كاشف الغطاء (ره) بعد قوله بعدم جواز البيع في هذا القسم من الوقف لعدم كونه قابلا للتملك لرجوع العين الى اللّٰه و دخولها في مشاعره التي يجب تعظيمها ان الأرض مع اليأس عن الانتفاع بها في جهة المسجدية توجر للزراعة و يراعى فيها الآداب اللازمة للمسجد من حرمة تنجيسه و وجوب تطهيره و حرمة مكث الجنب و الحائض فيه و نحو ذلك كما يجب المحافظة على كونه مسجدا بأحكام قبالة الإجارة و سندها لئلا تكون يد المستأجر امارة على كونها ملكا له و تصرف عائد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 116

..........

______________________________

الأرض من الأجرة على مماثله.

مثلا إذا كان المسجد في قرية تصرف الأجرة على مسجد قرية أخرى احتياطا في كون ذلك المسجد أقرب الى الموقوف و أحوج و أفضل و مع تعارض الأقرب

مع الأفضل مثلا يلاحظ الراجح منهما و ان تعذر صرف الأجرة على المماثل تصرف في غيره على مسجد البلد أو الحسينية و نحو ذلك و ان لم يمكن ذلك ايضا تصرف على مصالح المسلمين و لو بإحداث القنطرة و الضوء و نحوها هذا بالإضافة إلى الأرض.

و اما غيرها من الآلات و الأثاث و الفرش و الحيوانات و ثياب الضرائح و نحوها فإن أمكن الانتفاع بأعيانها في خصوص المحل الذي عين لها فيجب إبقائها و الانتفاع بأعيانها في ذلك المحل و ان لم يكن الانتفاع بأعيانها في خصوص ذلك المحل ينتفع بأعيانها في مثل ذلك المحل و ان لم يمكن الانتفاع على ذلك انتفع بأعيانها في مطلق مصالح المسلمين كما إذا لم يمكن الانتفاع بخشبة سقف المسجد في ذلك المسجد و لا في مسجد آخر ينتفع بها و لو في مثل القنطرة من مصالح المسلمين.

و إذا لم يمكن الانتفاع بأعيانها أصلا لا في المحل و لا في مماثله و لا في غيره من مصالح المسلمين يكون في البين احتمالات كونها من قبيل الملك بعد أعراض مالكه من دخولها في المباحات فيصح لكل أحد تملكها و التصرف فيها و دخولها في ملك المسلمين كسائر أموال المسلمين فيصرف على مصالحهم كيف اتفق و عودها الى ملك واقفها أو ملك ورثتهم و مع عدم عرفانهم تكون من قبيل الأموال المجهول مالكها.

و الرابع و هو الأقوى المصرح به في كلام بعضهم عدم بطلان وقفها بخروجها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 117

و فيه ان إجارة الأرض و بيع الآلات (1)

______________________________

عن الانتفاع بأعيانها كما ذكر بل تباع احترازا عن تلفها و تصرف في المكان المعدلة بحسب تعيين الواقف

أو على مماثله أو على مطلق مصالح المسلمين على ما مر في صورة إمكان الانتفاع بأعيانها.

(1) لا يخفى ان ما ذكره كاشف الغطاء من إجارة أرض المسجد للزراعة يصح لو قيل بان الوقف بالإضافة إلى الأرض تمليك للمسلمين أو انتفاعى و لو كان وقف الأرض كذلك تصح بيعها ايضا كما يأتي في الوقف التمليكي و الانتفاعى و لكن الظاهر ان الوقف في المسجد و المشهد بالإضافة إلى أرضها تحريرى و معه لا تصح إجارتها كما لا تصح بيعها لا باعتبار عدم كون الأرض ملكا لمن ينتقل اليه العوض ليقال انه لا يعتبر في صحة البيع كون المبيع ملكا له كما في بيع الكلى كما لا يعتبر في الإجارة كون المنفعة ملكا لمن ينتقل إليه الأجرة كما في إجارة الحر نفسه بل لا يصح بيعها و لا إجارتها لعدم إمكان صيرورة الأرض أو منافعها ملكا لأحد كما مقتضى قوله (ع) الوقوف بحسب ما يوقفها أهلها و البيع تمليك العين للمشتري بعوض و الإجارة تمليك المنفعة.

و بهذا يظهر عدم صحة سائر المعاوضات ايضا فلا يختص عدم الجواز بالبيع أو الإجارة.

و دعوى عدم صحة بيع الآلات ايضا مع عدم إمكان صرفها على المماثل أو غيرها من وجوه الخير مبنية على كون وقفها ايضا من قبيل وقف الأرض و لكن يمكن ان يقال ان الوقف بالإضافة إلى نفس العرصة كذلك و اما بالإضافة إلى آلات البناء حيث انها لا تبقى على حالها الى الآخر يكون في نظر الواقف وقفا تمليكيا أو انتفاعيا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 118

..........

______________________________

كما هو الحال بالإضافة إلى فرش المسجد و حصيرة و سائر ما يوضع فيه و لا منافاة في

الاختلاف في كيفية الوقف حتى فيما كان في البين إنشاء واحد فقول الواقف وقفت هذا البناء مسجدا لا ينافي كونه بالإضافة إلى العرصة تحريرا و بالإضافة إلى الآلات تمليكيا أو انتفاعيا نظير ما إذا فرش بساطا في البناء و جعل فيه حب الماء و غيره و قال وقفت البناء و ما فيه بعنوان المسجد.

و اما الاستشهاد على حكم حصير المسجد و نحوه بما ورد في ثوب الكعبة فغير ظاهر لان الثوب المزبور لم يحرز كونه وقفا بل الظاهر انه كسائر المال الذي يهدى للكعبة يصرف في الحجاج و زواره و لذا أجيز أخذه و الانتفاع به و بيعه الى غير ذلك كما لا يخفى.

و العمدة في المقام بيان الوجه فيما ذكر من استعمال الآلات و سائر الأثاث في المماثل ثم في سائر وجوه الخير مع ملاحظة الأقرب فالأقرب إلى الوقف و مع عدم إمكان صرفه بشخصه يباع و يصرف بدله على ما ذكر على الترتيب مع ان الصرف في المماثل أو في الأقرب فالأقرب بشخصه و مع عدم الإمكان ببدله خارج عن مدلول الوقف و ليس في البين الا دعوى استفادة تعدد المطلوب من الوقف في مثل هذه الموارد مما يكون قصد الواقف جعل العين مهما أمكن في الخير المرسوم بنفسها و في غيره على تقدير عدم إمكان ذلك الخير و ببدلها مع عدم إمكان استعمال العين كما يدل عليه و يؤيده ما ورد في قصور مال الوصية و عدم إمكان صرفه في الجهة الموصى بها و في رواية على بن زيد صاحب السابري قال اوصى الى رجل بتركته و أمرني أن أحج بها عنه فنظرت في ذلك فإذا هو شي ء يسير لا يكون للحج

الى ان قال فسألت

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 119

يبقى الكلام في مورد الشك مثل ما إذا فرش حصيرا (1)

______________________________

أبا عبد اللّٰه (ع) ما صنعت بها قال ضمنت أولا يكون لا يبلغ ان تحج به من مكة فإن كان لا يبلغ ان تحج به من مكة فليس عليك ضمان.

و في رواية على بن أبي حمزة قال سألت أبا الحسن (ع) عن رجل اوصى بثلاثين دينارا يعتق بها رجل من أصحابنا فلم يوجد بذلك قال يشترى من الناس فيعتق و في رواية محمد بن الريان قال كتبت الى ابى الحسن (ع) اسأله عن إنسان أوصى بوصية فلم يحفظ الوصي إلا بابا واحدا كيف يصنع بالباقي فوقع الأبواب الباقية اجعلها في البر.

و الحاصل ان الوقف على الجهات التي يكون نظر الواقف فيها صرف المال على جهة من الخيرات فيه قرينة عامة على ان الوقف على جهة خاصة من قبيل تعدد المطلوب بخلاف الوقف الخاص حيث ينتهي أمد الوقف فيه بانتهاء الموقوف عليهم كما لا يخفى.

(1) إذا أحرز ان وقف الحصير على المسجد الفلاني و وضعه فيه لانتفاع المصلين من غير لحاظ خصوصية في ذلك المكان فلا كلام و يجوز في الفرض لمتولي الوقف نقله الى مسجد آخر حتى مع إمكان الانتفاع به في ذلك المسجد و ذكر المصنف (ره) ان هذا النحو من الوقف ظاهر في الماء الموضوع في المسجد فإنه يوضع في مسجد باعتبار انه أحد المواضع التي ينتفع به المصلين فيجوز معه الوضوء به من غير صلاة في ذلك المسجد و ربما يظهر الاختصاص كما في فرش حصير في المسجد و هذا الاختصاص في الترب الموضوعة أوضح و في مثل ذلك

لا يجوز النقل مع إمكان الانتفاع به في المكان الموضوع فيه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 120

أو بدونه (1)

______________________________

أقول لم يظهر وجه كون الاختصاص في وقف الترب أظهر من وقف الحصير و مع ذلك لا يمكن الاعتماد على ما ذكر من دعوى الظهور بل لا بد في الموارد من ملاحظة السيرة على عموم الانتفاع أو خصوصه و مع الشك في كون الموقوف عليهم هو العام أو الخاص كما إذا شك في وقف الماء على مطلق المصلين أو المصلين في المسجد المزبور فالأصل عدم العموم و لا يعارض بأصالة عدم الوقف على الخاص فان جواز تصرف المصلين في المسجد المزبور محرز فلا مورد للأصل فيه.

(1) اى بدون ما ذكره بعض الأساطين بان يزرع المسجد المزبور بدون اجارة و العمدة في وجه ما ذكر كله من نقل الحصير و نحوه إلى سائر الأمكنة مع ملاحظة الأقرب فالأقرب هي استفادة تعدد المطلوب من وقف الواقف بقرينة عامة تجري غالبا في موارد الوقف الانتفاعى بل الصرفى و تلك القرينة هي إحراز ارادة الواقفين من جعل العين في مكان و وقفها عليه جعلها صدقة جارية و تبديلها بعين أخرى في بعض الموارد فهو ايضا لتلك القرينة المقتضية للاشتراط الضمني على المتولين أو الموقوف عليهم إبقاء تلك الصدقة مهما أمكن و بأي نحو تيسر الممضى بقولهم عليهم السلام الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

و لو توقف إبقاء العين على حالها ببيع بعضها و صرف صدقة ثمن ذلك البعض على الباقي يقدم حيث ان إبقاء نفس العين صدقة بحسب تلك القرينة مقدم على إبقاء الصدقة بالعلاج في تمام العين بحسب ماليتها.

و لو أحرز في مورد عدم ارادة الواقف تعدد

المطلوب و إبقاء الوقف بعد انتهاء الموقوف عليهم أو انتهاء عائد الوقف أو زوال العنوان من العين الموقوفة يكون الوقف من المنقطع الأخر و سيأتي إنشاء اللّٰه تعالى حكمه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 121

ففي الضمان وجهان (1) الاولى ان يخرب الوقف (2)

______________________________

(1) لا يخفى ان مفاد حديث على اليد ضمان من تكون يده على العين بغير الايتمان سواء كان هو المتلف أم لا و قاعدة الإتلاف مفادها ضمان المتلف سواء كان المال بيده أو بيده مالكه فتعليله (ره) ضمان الإتلاف بقاعدة اليد من سهو القلم.

و كيف كان فالعمدة في دليل الضمان في موارد اليد و الإتلاف السيرة العقلائية مع ورود روايات في مواردهما في الأبواب المتفرقة و مقتضاهما عدم الفرق بين كون المال ملكا للشخص أو الطبيعي و العنوان كما يشهد بذلك ما ورد في تلك الزكاة و مال الوصية قبل إقباضهما كصحيحة محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد اللّٰه (ع) رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم قال إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها اليه فهو لها ضامن حتى تقسم و ان لم يجد لها من يدفعها اليه فبعث بها الى أهلها فليس عليه ضمان حيث ان بعث الزكاة من العزل الموجب لتعين الزكاة التي تكون ملكا للعنوان قبل التقسيم و الإقباض و هذه الصحيحة قرينة على الجمع بين الروايات الواردة في بعث الزكاة و ايضا لا فرق بين ضمان العين و منافعها.

و ما ذكر (قده) من عدم ضمان المنافع لا يزيد على مجرد الدعوى نعم لم يحرز وجه للضمان في موارد الوقف التحريرى من السيرة أو غيره فلا حظ و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(2)

الصورة الاولى من صور جواز بيع الوقف ما إذا خرب بحيث يسقط العين عن قابلية الانتفاع بها كالحصير الخلق و الجزع البالي أو الحيوان المذبوح و المراد عدم إمكان انتفاع البطون اللاحقة من عين الوقف كما في المذكورات لا سقوطها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 122

..........

______________________________

عن قابلية الانتفاع حتى بالإضافة إلى البطن الموجود و الا سقطت ماليتها فلم يجز بيعها باعتبار عدم ماليتها.

و الحاصل ان المراد صيرورة العين بحيث لو انتفع البطن الموجود بها يكون الانتفاع بها من قبيل إتلافها كصرف الجذوع البالية في الإحراق فلا تبقى عين حتى تنتفع بها البطن اللاحق و القرينة على كون المراد ذلك ما يذكره (ره) من دوران الأمر في هذه الصورة بين أمور ثلاثة الأول ان لا يتصرف البطن الذي تكون العين ملكهم فعلا بل تبقى العين بحالها حتى تتلف الثاني انتفاع البطن الموجود بها بإتلافها كما في الحيوان المذبوح بأكله و في الجذوع البالية و الحصير الخلق بالإحراق و الثالث بيعها و شراء ما يكون قابلا للانتفاع حتى بالإضافة إلى البطون اللاحقة.

ثم ذكر أولا ان جواز البيع في هذه الصورة ليس باعتبار قيام دليل خاص عليه بل باعتبار قصور المقتضى و عدم الدليل على عدم جواز بيع الوقف في مثل هذه الحالة فإن عدم جواز بيع الوقف لم يعم الفرض و رواية عدم جواز شراء الوقف منصرفة الى ما يكون قابلا لانتفاع البطن اللاحق من العين مع انتفاع البطن الموجود منها و رواية الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها ناظرة إلى إمضاء الوقف بما رسمه الواقف و عدم جواز بيعه ليس مما رسمه بل هو حكم شرعي كما مر بل لو كان إبقاء

العين مما رسمه الواقف كان رسم الواقف و اشتراطه في صورة قابلية العين للانتفاع.

و حيث كان لقائل أن يقول إذا لم يكن دليل على جواز البيع و منعه تصل النوبة الى الأصل العملي و هو استصحاب عدم جواز بيع الوقف ذكر ثانيا ترديد الأمر في هذه الصورة بين أمور ثلاثة ثالثها جواز البيع و شراء ما يصلح للبقاء و جزم ببطلان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 123

نعم يمكن ان يقال إذا كان الوقف مما لا يبقى (1).

______________________________

الأولين ليتعين الثالث فلا تصل النوبة الى الأصل العملي و أضاف إليه عدم جريان الاستصحاب المزبور في نفسه بدعوى انه لو فرض عدم الجواز فعلا لكان هذا منعا جديدا غير المنع السابق فان المنع السابق كان في ضمن وجوب رعاية الحقوق للبطون اللاحقة فلم تبق تلك الحقوق بعد سقوط العين عن قابلية الانتفاع بها كما تقدم.

(1) أقول ظاهر كلامه فرض الخراب في الوقف الخاص و من الظاهر العين الموقوفة فيه باعتبار عدم القرينة العامة على اشتراط إبقاء الوقف ببدلها لو وصلت الى حد يكون انتفاع البطن الموجود منها بإتلافها و الوقف يقتضي جواز الانتفاع بها فعلا و إذا لم يمكن الانتفاع بها بوجه تبقى العين للبطون الآتية يجوز للبطن الموجود ذلك الانتفاع كأكل الحيوان المذبوح و جعل الجذوع البالية وقودا كما يجوز لهم بيعها و بالبيع أو الإتلاف ينتهى أمد الوقف و لا يحتاج البيع إلى إذن المتولي للبطون الآتية لأن مع عدم قابلية العين للبقاء مع انتفاع البطن الموجود لا يثبت للبطن اللاحق حق في الثمن ليشتري بها ما يكون وقفا للبطون كما لا يمنع الوقف عن بيع البطن الموجود لكون العين ملكهم على

الفرض.

إذا كانت العين ملكا طلقا للبطن الموجود بحيث يترتب عليه جواز إتلافها أو بيعها و اختصاص الثمن للبطن المزبور يكون ذلك بعينه ما تقدم من صاحب الجواهر من انتهاء الوقف و انحلاله بجواز البيع فيرد الاشكال المتقدم من أنه لو فرض بقاء العين الى زمان البطن اللاحق كما إذا لم يبعها البطن الموجود و لم ينتفعوا بها و لو بإتلافها لزم ان لا تكون العين ملكا للبطن اللاحق بل ملكا لورثة البطن الموجود و لعله

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 124

و مما ذكرنا يظهر ان الثمن على تقدير البيع (1)

______________________________

الى ذلك أشار بقوله فتأمل.

و لكن الظاهر عدم انحلال الوقف بالحكم بجواز البيع حيث انه لو انحل الوقف بجوازه لرجعت العين الى ملك الواقف و لا تكون ملكا للبطن الموجود أيضا فإن ملكيتهم قد حصلت بالوقف و بانتهائه و انحلاله تنتهي الملكية.

و الحاصل ان الملكية المجعولة للبطن اللاحق بمقتضى الوقف التمليكي على تقدير بقاء العين الى زمانهم و إذا فرض عدم حصول المجوز للبيع تبقى العين الى زمانهم بفساد البيع على تقديره و اما إذا فرض جواز بيعها أو إتلافها فباعها البطن الموجود لا تبقى عين و يكون الثمن ملكا للبطن الحاضر و اما إذا لم يبعها البطن الموجود و لم تتلف و بقيت الى زمان البطن اللاحق تكون ملكا لهم و على الجملة يكون انحلال الوقف بالبيع أو الإتلاف فيما إذا لم يكن في البين اشتراط إبقاء الوقف مهما أمكن و لو بماليته فتدبر.

(1) تعرض (ره) في المقام لأمور: الأول انه مع بيع العين الموقوفة لا يختص البطن الموجود بالثمن بل الثمن يكون ملكا للبطون على حد ملك المعوض لهم و

لذا لا يحتاج البدل فيما كان قابلا للانتفاع مع بقاء عينه الى إنشاء الوقف بل يكون ملكا للبطون على حد المعوض بمقتضى المبادلة و مع عدم كون البدل قابلا للانتفاع مع بقاء عينه يشترى به ما يكون قابلا للانتفاع كما ذكر.

و ذكر (ره) في وجه ذلك كله ما توضيحه ان العين الموقوفة ملك فعلى للبطن الموجود لكن لا بملكية مطلقة بل الملكية للبطن الموجود موقتة من حيث المنتهى بحال حياتهم و لذا لا يجوز في الوقف الخاص نقل العين الى الغير بإعطاء ملكيتها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 125

..........

______________________________

الأبدية كما لا يجوز لهم اجارة العين بأزيد من مدة حياتهم الا فضولا بخلاف مالك العين بالملكية المطلقة فإنه يجوز له ان يتصرف في ماله بإعطاء ملكيته الأبدية للغير و إجارته بمدة تزيد على مدة حياته فان ذلك مقتضى الملكية المطلقة الثابتة له.

و الحاصل ان العين في الوقف الخاص ملك للبطن الموجود فعلا و ملك شأنى للبطن للاحق بمعنى ان العين تصير ملكا فعليا للبطن اللاحق بعد انقضاء البطن الموجود بملكية يتلفوها من الواقف الى بمقتضى جعله لا من البطن الموجود كما في موارد الإرث و على ذلك فان كانت العين الموقوفة ملكا فعليا للبطن الموجود يكون بدل العين بمقتضى المعاوضة كذلك حيث لو أمكن عدم قيام البدل مقام العين كما ذكر بان لا يكون البدل ملكا شأنيا للبطن اللاحق لأمكن ان لا يكون ملكا فعليا للبطن الموجود.

ثم ان الحكم بكون البدل ملكا فعليا للبطن الموجود و شأنيا للبطن اللاحق اولى مما ذكروه في دية العبد الموقوف المقتول حيث قالوا ان الدية تكون ملكا للبطن الموجود و البطن اللاحق على قرار الوقف و

وجه الأولوية ان الدية بدل شرعي حكم بها بعد تلف العين فيمكن ان يختص بالبطن الموجود.

و كذلك بدل العين الموقوفة أولى بعدم الاختصاص للبطن الموجود مما ذكروه في تلف العين المرهونة حيث قالوا ان بدل تلك العين يكون رهنا.

و وجه الأولوية انه يمكن ان يقال ان العين المرهونة كانت رهنا بما انها ملك للمالك المديون و قد فرض زوال ملك المديون عن العين فيمكن ان يزول الرهن عنها من غير ان يتعلق بالبدل بخلاف الملك الشأني للبطن اللاحق حيث انه تعلق بالعين لا بما أنها ملك للبطن الموجود بل بما أن الملكية المزبورة كالملكية الفعلية للبطن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 126

..........

______________________________

الموجود مجعولة بجعل الواقف و إنشائه و كل من الملكيتين موقتة كما تقدم.

أقول كل ذلك حسن و لكنه (ره) غفل عن نكتة واحدة و هي انه لا معنى للملك الشأني في المقام الا ان العين على تقدير بقائها إلى زمان انقضاء البطن الموجود تصير ملكا فعليا لذلك البطن و ان الملكية الموقتة للبطن الموجود في هذا الفرض فقط و اما على تقدير تلف العين أو إتلافه حقيقة أو حكما بحيث لا تبقى الى زمان انقضاء البطن الموجود فلم يجعل للبطن اللاحق ملكية و لا تكون ملكية البطن الموجود في فرض تلف العين محدودة موقتة و لذا لا يكون البطن الموجود ضامنا للبطن اللاحق فيما إذا انتفعوا بالعين المخروبة بإتلافها كجعل الجذوع البالية وقودا.

و على ذلك فإن أتلفوا العين ببيعها مع جواز البيع فلا يكون للبطن اللاحق ملكية ليدخل البدل في ملكهم نعم إذا بقيت العين و لم يتصرف فيها البطن الموجود أصلا حتى وصلت العين الى البطن اللاحق تكون ملكا

لهم فلا حظ و تدبر.

الثاني- انه لا يجرى على البدل حتى فيما إذا كان قابلا لانتفاع البطون مع بقاء عينه حكم الوقف الابتدائي من عدم جواز بيعه بل يجوز معاوضته بعين اخرى مع صلاح البطون فان عدم جواز البيع حكم شرعي بالإضافة إلى الوقف الابتدائي أي ما يكون وقفا بإنشاء الواقف و لا يعم ما كان وقفا بالمبادلة و لو كان عدم جواز البيع باعتبار الاشتراط من الواقف فلا ينبغي الريب في ان الاشتراط بالإضافة الى ما إنشاء الوقف له و لا يجري في بدله.

الثالث- انه لا يجب شراء مماثل الوقف بحسب العنوان بل يجوز شراء كل ما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 127

..........

______________________________

يكون صالحا لانتفاع البطون مع رعاية صلاحهم و الوجه في ذلك ما تقدم من عدم كون العين الموقوفة ملكا طلقا للبطن الموجود بل يتعين بيعها و شراء ما يكون قابلا لانتفاع البطون مع بقاء عينه و لو لم يكن البدل داخلا في عنوان المبدل و مماثلا له.

و لكن ذكر في محكي التذكرة ان الوقف مع وصوله الى حد الخراب يباع و يصرف ثمنه في جهة الوقف و يكون صرفه فيها بشراء المماثل مع إمكانه و مع عدمه يشترى ما يجوز الانتفاع به مع بقاء عينه و ان لم يمكن ذلك ايضا يدفع الثمن الى الموقوف عليهم الموجودين يتصرفون فيه بما شاء و علل شراء المماثل مع إمكانه و شراء مطلق ما يصح وقفه مع عدم إمكانه بالجمع بين غرض الواقف و هو انتفاع البطون و العمل باشتراط إبقاء العين حيث ان شراء المماثل إبقاء للعين بحسب نوعها و احتمال لزوم إبقائها بشخصها غير صحيح لاستلزامه في الفرض فوت

غرضه بتمامه كما ان احتمال عدم لزوم الشراء أصلا بأن يدفع الثمن الى البطن الموجود فيتصرفون فيه بما شاءوا ايضا غير صحيح لأنه إخراج للعين أو بدلها عن ملك البطون اللاحقة مع استحقاقهم تلك العين مع عدم وجودهم فعلا كاستحقاق الموجودين.

و ذكر المصنف (ره) في عدم اعتبار شراء المماثل أمرين أحدهما انه لم يظهر ان شراء المماثل أقرب الى غرض الواقف فان غرضه يختلف و لا يقف على حد مثلا ربما يكون غرضه الانتفاع بثمرة البستان و إذا لم يمكن الانتفاع لغور مائه و دار الأمر بين شراء بستان لا ينتفع الموقوف عليهم بثمرته بل يصل إليهم قيمته و بين شراء ملك أخر يصل إليهم اجرة منفعته فلا وجه للقول بان شراء البستان أقرب الى غرض الواقف خصوصا إذا كان الملك الآخر أكثر نفعا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 128

..........

______________________________

و ثانيهما انه لا دليل على وجوب رعاية غرض الواقف بل اللازم اتباع الوقف على النحو الذي رسمه الواقف و إذا كان غرض الواقف خارجا عن مدلول إنشائه و وقفه فلا يعمه قوله (ع) الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

و الحاصل ان غاية ما يمكن ان يقال في المقام ان العين المخروبة لا تخرج عن ملك البطون و مقتضى ذلك ان لا يجوز للبطن الموجود الانتفاع من الوقف بإتلافها كجعل الجذوع البالية وقودا بل يتعين على تقدير إرادتهم الانتفاع تبديلها بشراء ما يصلح لانتفاع البطون سواء كان مماثلا للعين الموقوفة أم لا كما هو مقتضى إطلاق دليل حل البيع و نفوذه بعد إحراز جواز بيع تلك العين فيكون المقام نظير ما إذا أحرز جواز بيع المصحف و شك في اعتبار إسلام مشتريه كما

لا يخفى.

أقول لو كان المتبع مدلول الوقف فقد ذكرنا ان مدلوله ثبوت الملكية للبطن اللاحق على تقدير بقاء العين الى زمانهم مع إمكانه و إذا فرض وصول العين من الخراب الى حد لم يمكن إبقاء العين للبطن اللاحق مع انتفاع البطن الموجود لم يكن على البطن الموجود إلزام بإبقاء العين من ناحية رسم الواقف و لا من ناحية الشارع فيجوز للبطن الموجود إتلاف عينه أو نقله الى الغير مجانا أو مع العوض و بكل منهما ينتفي التقدير الذي جعل الملكية للبطن اللاحق على ذلك التقدير فيختص الثمن بالبطن الموجود فلا يجب عليهم شراء البدل فضلا عن صيرورته وقفا بمجرد الشراء.

نعم إذا أمكن إبقاء بعض الوقف ببيع بعضه و صرف ثمنه على الباقي تعين ذلك لان إلزام الواقف بالإضافة إلى البعض و نهى الشارع عن بيع كله بحاله هذا كله فيما لم يكن في البين قرينة عامة على إبقاء الوقف مهما أمكن كما في الوقف العام و الا تعين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 129

ثم ان المتولي للبيع هو البطن الموجود (1)

______________________________

شراء البدل.

(1) ذكر (ره) ان المتولي للبيع هو البطن الموجود مع الحاكم الشرعي حيث انه ولى على البطون اللاحقة و ليست للناظر الى الوقف ولاية بالإضافة إلى بيع العين الموقوفة حيث ان النظارة المجعولة له منحصرة بالأمور الراجعة إلى صورة بقاء العين و إبقائها.

و يمكن ان يقال ان البيع راجع الى الناظر و لا يكون للبطن للموجود و لا الحاكم الشرعي مع الناظر الى الوقف أمر حيث انه منصوب من قبل الواقف للأمور الراجعة إلى الوقف و بيعه و شراء البدل من تلك الأمور.

و دعوى عدم شمول حق النظارة للتصرف في

العين بإخراجها عن ملك البطون في صورة جوازه شرعا لم يعلم وجهها بعد كون ذلك من تلك الأمور نعم لا يبعد سقوط نظارته بالإضافة إلى البدل مع إمكان القول ببقاء نظارته حتى بالإضافة إلى البدل.

أقول بعد ما ذكرنا ان العين الموقوفة ملك البطن الموجود فعلا و لهم نفى التقدير الذي تصير معه العين في المستقبل ملكا للبطن اللاحق فلا معنى لدخالة الناظر في نفى ذلك التقدير من البطن الموجود سواء كان ذلك النفي بإتلاف العين حقيقة أو حكما بالبيع و نحوه.

نعم فيما إذا كانت في الوقف قرينه و لو كانت عامة على إبقاء الوقف بأي وجه أمكن و لو ببيع العين الموقوفة و إبدالها كما في الوقف الصرفى أو الانتفاعى يكون ذلك للمتولي من قبل الواقف و مع عدمه يرجع الى الحاكم الشرعي حيث ان ابدال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 130

فلا يجوز دفعه الى البطن الموجود (1) و الربح تابع للأصل (2)

______________________________

العين الموقوفة في الوقف الصرفى أو الانتفاعى من الأمور الحسبية الراجعة إليه كما لا يخفى.

(1) قد تقدم مما ذكرنا ان الثمن في الوقف الخاص يكون للبطن الموجود و لا يجب عليهم شراء عين أخرى قابلة للوقف الا مع الاشتراط عليهم في الوقف و بدون ذلك يكون الشراء احتياطا استحبابيا و يؤيد بل يدل على بعض ما ورد في بيع الوقف المزبور على ما تسمع.

نعم لو لم يمكن في الوقف الصرفى و الانتفاعى شراء البدل ينتظر زمان التمكن على شراء البدل و مع الصلاح يجوز للمتولي الاتجار بثمن الوقف و يكون ربحه تابعا للأصل و لا يصرف ذلك الربح الى الموقوف عليهم إلا إذا فهم من الوقف الصرف عليهم في

كل زمان بأي نحو أمكن.

(2) يعني إذا كان ثمن الوقف مأة درهم مثلا فشروا به فرسا و باعوه بعد ذلك بمأتين فيكون تمام المأتين ملك البطون و لا يختص الربح بالبطن الموجود و وجهه ان الفرس كان ملكا للبطون على ما تقدم و تمام المأتين بدل عن الفرس فلا بد من دخول المأتين في ملك من يخرج عن ملكهم الفرس و هم تمام البطون على قرار ما زعمه المصنف (ره) و الامتياز في ذلك بين مأة الربح و مأة الأصل و هذا بخلاف ما إذا وقف حيوانا على أولاد زيد فانجب الحيوان الولد فإنه يكون ذلك الولد ملكا للبطن الموجود كما هو مقتضى تمليك المنفعة للبطن الموجود و حبس العين على البطون.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 131

وجهان آتيان (1) ان يخرب الوقف بحيث يسقط عن الانتفاع (2) انه ذكر بعض جواز بيع الوقف (3)

______________________________

(1) إذا احتاج العين الموقوفة إلى التعمير و الترميم لأجل بقائها و حصول النماء منها فان عين الواقف ما يصرف في تعميرها فهو و الا صرف نمائها في تعميرها مقدما على حق الموقوف عليهم بلا فرق بين الوقف الخاص و العام حتى فيما إذا استلزم صرف نمائها على تعميره حرمان البطن الموجود و ذلك فان المتفاهم العرفي من الوقف إبقائها و ان وصول منافعها الى الموقوف عليهم ملكا أو صرفا أو انتفاعا بعد لحاظ إبقائها و كأن هذه بقرينة عامة في كل وقف كما لا يخفى.

و لكن لا يجرى هذا فيما إذا كان بعض الوقف خرابا بحيث يجوز بيعه فإنه بالبيع يختص الثمن بالبطن الموجود على قرار ما تقدم فلا يجب عليهم صرفه في عمارة الباقي أو في

عمارة وقف آخر و ان كان ذلك أحوط.

(2) المراد بالخراب في هذه الصورة ان تصل العين الموقوفة من الخراب الى الحد الذي لا يصل الى الموقوف عليهم من المنفعة أو النفع الا مقدار يسير يلحق بالمعدوم مع إمكان تعميره من عائدة أو ببيع بعضه على ما تقدم و الموجب لجواز البيع في هذه الصورة أيضا قصور المقتضى على قرار ما تقدم في الصورة الاولى و يجرى على بيعه من اختصاص الثمن بالبطن الموجود أو تحصيل ما يقبل الوقف بذلك الثمن ما جرى على البيع في الصورة الاولى فلا نعيد.

(3) البعض هو صاحب الجواهر (ره) فإنه ذكر في وجه بطلان الوقف في صورة خراب الوقف ان من شرط الوقف كون العين مع بقائها صالحة لانتفاع الموقوف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 132

..........

______________________________

عليهم و هذا الشرط يكون مرعى في حدوث الوقف و بقائه و فيه انه لا دليل على اعتبار ما ذكر إلا في حدوث الوقف حيث ان الوقف في حقيقته تحريرى و تمليكى و صرفي و انتفاعى و لا يقتضي شي ء من ذلك تمام الوقف بالخراب على ما تقدم مثلا لا تخرج العين الموقوفة عن ملك البطن الموجود أو الطبيعي بمجرد سقوطها عن قابلية الانتفاع بها و كذلك في الوقف الانتفاعى فيما إذا لوحظ في الوقف الانتفاع و لو ببدلها.

و الحاصل ليس اشتراط الوقف بكون العين قابلة للانتفاع بها الا كاشتراط المالية في العوضين في البيع و إذا اشترى مالا و خرج بعد ذلك عن المالية لا يكون خروجه عنها موجبا لبطلان البيع و انحلاله و في المقام يكون سقوط العين الموقوفة عن الانتفاع المعتد به مع عدم إمكان علاجها لا يوجب

الا جواز بيعها و إبطال وقفيتها مطلقا كما في الوقف الخاص أو الى بدل كما في الوقف العام من الصرفى و الانتفاعى على ما مر.

و ألحق (ره) انعدام عنوان العين الموقوفة بصورة خرابها في انحلال الوقف كما إذا وقف بستانا فغار مائه و يبست أشجاره فإنه يبطل الوقف و بطلانه لانتفائه العنوان عن العين المنشأ لها الوقف بذلك العنوان.

و ربما يؤيد ذلك بما ذكروا من انه لو اوصى لزيد دارا و انهدمت الدار قبل موت الموصى بطلت الوصية و أورد المصنف (ره) على ما ذكر من ان انعدام العنوان بعد تمام الوقف ليس كانعدام عنوان المبيع بعدم تمام البيع كما لو اشترى بستانا و غار مائه و يبست أشجاره بعد ذلك فان ذلك لا يوجب انحلال البيع و خروج الأرض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 133

..........

______________________________

و الأشجار اليابسة عن ملك المشترى.

و كذلك الأمر في الوقف و حتى في الوصية بعد تمامها و اما بطلانها بانعدام العنوان قبل موت الموصى فهو باعتبار أن متعلق التملك في الوصية هو البستان حال موت الموصى و لذا لا يعتبر وجود الموصى به حال الوصية و مع انعدام العنوان قبل موته لا يكون الموصى به و الى ذلك أشار (ره) من ان بطلان الوصية بانتفاء العنوان قبل موت الموصى من جهة أخرى لا من جهة اعتبار بقاء العنوان في بقاء الوصية أو الوقف.

أقول ما ذكره (ره) حسن فيما إذا كان العنوان المأخوذ مشيرا الى العين الخارجي فقط كما في قوله بعت هذه بكذا و اما إذا لو حظ مشيرا إليها و تحديد الوقف بما دام ذلك العنوان نظير العنوان المأخوذ في موضوعات الأحكام كما في قوله

أكرم كل عالم حيث ان عنوان العالم و ان يؤخذ عنوانا للخارج الا انه مع ذلك لو حظ تحديد الحكم به فلا محالة يرتفع الوقف بارتفاع العنوان و إذا قال وقفت هذا البستان على كذا ما دام كونه بستانا فبارتفاع العنوان عنه بالمرة يرتفع الوقف و يعود العين بعده الى ملك واقفها أى يكشف عن عدم جعل الملكية بعد ذلك للموقوف عليهم من الأول و لذا تدخل العين في ملك ورثة الواقف زمان موته لا ورثته في زمان زوال العنوان.

و إذا مات الواقف عن ولدين ثم مات أحد الولدين عن بنت فترث العين المزبورة البنت مع عمها بالمناصفة نظير ما سيأتي في غير هذا الفرض من الوقف المنقطع آخره أى العين الموقوفة التي تبقى بعد انتهاء الموقوف عليهم نعم فيما إذا تقم قرينة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 134

الصورة الرابعة ان يكون بيع الوقف أنفع (1)

______________________________

على تحديد الوقف بالعنوان نظير ما في المثال فمقتضى كون الوقف من قسم المعاملات كون العنوان مأخوذا لمجرد الإشارة إلى العين كما لا يخفى.

(1) المنسوب الى المفيد (ره) جواز بيع الوقف إذا كان أعود و أنفع للموقوف عليهم و زيادة النفع قد تلاحظ بالإضافة الى جميع الموقوف عليهم كما إذا يشتري بثمن الوقف عينا تكون وقفا على قرار العين الموقوفة و قد تلاحظ بالإضافة إلى البطن الموجود كما إذا قيل باختصاص الثمن للبطن الموجود.

و لكن لا يخفى انه إذا كان الدليل على جواز البيع في هذه الصورة رواية على بن جعفر بن حيان أو رواية الاحتجاج فمقتضاهما كون البيع أنفع بالإضافة إلى البطن الموجود بل مقتضى ما تقدم ان مع بيع البطن الموجود ينتهى التقدير الذي

جعل معه الملكية للبطن اللاحق على ذلك التقدير و لذا يختص الثمن بالبطن الموجود.

و مع الإغماض عن ذلك ما ذكر المصنف (ره) من ولاية البطن الموجود أو بائع الوقف على إسقاط حقوق البطون الآتية قبل بيعهم ليكون المبيع ملكا طلقا لهم فيباع لا يمكن المساعدة عليه فإنه من المحتمل ولايتهم على التصرف في الثمن الذي لا يكون ملكا طلقا لهم.

و تظهر الثمرة بين هذا و ما ذكره (ره) من صيرورة الوقف ملكا طلقا للبطن الموجود قبل بيعهم فيما لو انفسخ البيع المزبور لجهة فإنه يرجع الوقف الى حاله بناء على ما ذكرنا و الى البطن الموجود طلقا بناء على ما ذكره (ره) و ايضا لو كان للبطن الموجود الولاية على إبطال الوقف قبل بيعهم لبطل ملكيتهم للعين أيضا لأن ملكيتهم كانت بالوقف فترجع العين الى ملك الواقف كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 135

كما انه يمكن حمل اعتبار رضا الكل (1)

______________________________

و كيف ما كان فالصحيح عدم صحة بيع الوقف و عدم جوازه حتى في هذه الصورة باعتبار ضعف الروايتين سندا و دلالة على ما ستسمع.

(1) حاصله ان المستفاد من رواية جعفر بن حيان اعتبار اجتماع أمور ثلاثة في جواز بيع الوقف الأول حاجة الموقوف عليهم اى البطن الموجود و الثاني كون البيع أنفع لهم من بقاء الوقف بحاله الثالث اجتماعهم على البيع فلا يجوز لبعضهم بيع الوقف و لكن الأمر الثالث لا يعتبر في بيع الحصة و يحمل اعتبار الاجتماع على صورة بيع تمام الوقف فان هذا الحمل مقتضى الجمع بين هذه الرواية و رواية الاحتجاج المجوزة، لبعضهم بيع ما قدر عليه من حصته و انه لا يعتبر في نفوذ

هذا البيع اجتماع الموقوف عليهم على الرضا.

و بتعبير آخر رواية الجعفري دالة بالإطلاق على عدم نفوذ بيع البعض حتى في حصته و رواية الاحتجاج دالة على نفوذ خصوص بيع البعض حصته من الوقف فيرفع اليد عن الإطلاق بالثاني و يؤيد ذلك صدر رواية على بن مهزيار الآتية الدالة على اذنه (ع) في بيع حصته من الوقف مع كونها بعضا منه و يبقى اعتبار الأمرين الأولين.

و لا يمكن الاستدلال بالرواية على جواز بيع الوقف لمجرد كون بيعه أنفع للموقوف عليهم كما هو المفروض في الصورة الرابعة بل يمكن ان يقال بان مدلول الرواية جواز بيع الوقف لمجرد حاجة الموقوف عليهم و ليس كون البيع خيرا لهم شرطا في جوازه فان قوله (ع) و كان البيع خيرا لهم تمهيد لذكر الجواب و هو جواز البيع مع حاجتهم الى ثمنه و ليس من الشرط التعبدي و وجه ذكره تمهيدا أن الموقوف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 136

و مما ذكرنا يظهر الجواب من رواية الحميري (1)

______________________________

عليهم حيث لا يقدمون عادة على البيع فيما إذا لم يكن البيع أصلح بحالهم و لا يحصل لهم الداعي إلى البيع المزبور إلا في هذا الحال ذكر انه إذا كان البيع أصلح بحيث حصل لهم الداعي إلى البيع فلا بأس.

و الحاصل الشرط المزبور لا يكون قيدا لجواز البيع بل من قبيل فرض الداعي إلى البيع مع احتمال ان يراد بكون البيع خيرا لهم دفع حاجتهم التي فرضها السائل فتكون ظاهر الرواية أو محتملها جواز البيع مع حاجة الموقوف عليهم الى ثمنه و هذا غير الصورة الرابعة بل أمر لم يلتزم به أحد كما يأتي في الصورة الخامسة.

لا يقال رواية الجعفري

واردة في الوقف المنقطع للاقتصار فيها بذكر الأعقاب و لم يذكر فيها ان المال كان وقفا على فقراء المسلمين مثلا مع انقضاء الأعقاب ليكون وقفا مؤبدا فإنه يقال عدم ذكر ذلك لا يدل على الانقطاع بل كان على الامام عليه السلام الاستفصال في جوابه بين كون الوقف مؤبدا كما ذكر أم لا على تقدير الفرق بينهما في الحكم مع انه لا يمكن الالتزام بجواز بيع وقف المنقطع ايضا بمجرد حاجه البطن الموجود و لعله الى ذلك أشار (ره) بقوله فافهم.

(1) لا يخفى ان رواية الحميري ظاهرها جواز بيع الوقف فيما إذا لم يكن المال موقوفا على امام المسلمين و لم يؤخذ فيها قيد الحاجة بل لم يؤخذ فيه كون البيع أصلح بناء على إطلاق الذيل و عدم كونه في صدرها شرطا تعبديا فكيف يظهر الجواب عنها مما ذكره في رواية الجعفري و أيضا إذا فرض انه ليس كون البيع خيرا شرطا تعبديا لقضاء العادة بأن الإنسان لا يقدم على البيع إلا إذا كان أصلح لجرى ذلك في الحاجة أيضا فإن الإنسان لا يقدم عادة على بيع سكناه أو ضيعته إلا إذا كان محتاجا الى ثمنه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 137

..........

______________________________

فلا يكون الحاجة الى الثمن ككون البيع خيرا شرطا تعبديا مع ان الحاجة قد فرضت في السؤال و لم تؤخذ في الجواب ليوجب رفع اليد عن إطلاق الجواز الوارد في رواية الحميري.

و الحاصل ان مقتضى الروايتين جواز بيع الوقف فيما إذا لم تكن العين موقوفة على امام المسلمين مطلقا أو فيما كان البيع أصلح بحال البطن الموجود و لا يعتبر فيه حاجة الموقوف عليهم.

و مما ذكرنا يظهر الحال فيما ذكر النائيني

(ره) من ان النسبة بين رواية الحميري و مثل رواية على بن راشد الدالة على عدم جواز بيع الوقف و شرائه هي التباين و لكن صورة الخراب خارجه عن مدلول رواية على بن راشد حيث تقدم جواز شراء الوقف في تلك الصورة و بعد إخراج تلك الصورة عن مدلولها تكون أخص مطلق بالإضافة إلى رواية الحميري فيرفع اليد بها عن إطلاق رواية الحميري و كذا رواية الجعفري بحملهما على صورة الخراب الوقف فتكون النتيجة عدم جواز بيع الوقف في غير صورة الخراب و جوازه فيها.

و وجه الظهور ان رواية على بن راشد في نفسها لا تعم صورة الخراب فكيف تكون النسبة بينها و بين رواية الحميري التباين ليعالج بما ذكر هذا أولا.

و ثانيا- انه لا يمكن حمل رواية الحميري على صورة خراب الوقف فان هذا الحمل لو لم يكن من حمل الإطلاق على الفرض النادر فلا أقل من كونه منافيا للتفصيل بين ما إذا كان الوقف على امام المسلمين و غيره كقوم من المسلمين فان جواز البيع في صورة خراب الوقف يعم كلا القسمين و رواية ابن حنان قد فرض فيها ثبوت الغلة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 138

..........

______________________________

للأرض الموقوفة.

و ثالثا- ان النسبة بين الروايتين العموم من وجه لأخذ خصوصية عدم الخراب في رواية على بن راشد المانعة عن بيع الوقف و أخذ خصوصية الوقف على غير الإمام في الرواية المجوزة فتتعارضان فيما إذا لم يخرب الوقف على غير الامام و بعد تساقطهما يرجع الى عموم حل البيع كما لا يخفى و اما صدر صحيحة على بن مهزيار الدالة على جواز بيع حصة الإمام (ع) من الوقف فلم يظهر منها ان

البيع المزبور بيع بعد تمام الوقف كما يأتي.

و عن بعض الأجلة انه يحتمل ان يكون البيع الأرض المفروضة في رواية جعفر ابن حيان على القاعدة بان لا يكون المراد من وقف الغلة الوقف المصطلح فإنه لم يفرض في الرواية وقف الأرض ذات الغلة بل ذكر فيها وقف الغلة و كما يحتمل ان يكون المراد بالغلة الأرض ذات الغلة يحتمل ان يراد بالوقف معناه اللغوي أي الإسكان و الإيقاف عليهم بأن يعين المالك الغلة على قرابته من امه و أبيه و بعد إخراج مقدار منها يقدر بثلاثمائة درهم على الآخر الذي لا قرابة بينه و بين الواقف.

و الحاصل ان الوقف بمعناه اللغوي يصح نسبته إلى الغلة و المنفعة و ما ذكر في الرواية رجل وقف غلة له على قرابته اما ان يراد به الوقف المصطلح بان يحمل الغلة على الأرض ذات الغلة حيث ان المنفعة بنفسها غير قابلة للوقف و اما ان يراد من وقف الغلة معناه اللغوي و يؤيد ذلك ما في نسخة التهذيب أوقف غلة له و الإيقاف كما قيل بان استعماله في الوقف المصطلح قليل و ما في قوله من غلة الأرض التي وقفها يحتمل ان يكون (التي.) وصفا للغلة لا الأرض و من في قوله (يرد ما يخرج من الوقف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 139

..........

______________________________

بيانا لما يخرج و على ذلك يكون بيع الأرض مع هذا الإيقاف اللغوي على القاعدة و يرجع الموصى له إلى المشتري بمقدار حقه أو يشترط البائع على المشترى دفع حقه إليه.

أقول ان كان المراد من وقف الغلة أو إيقافها الإيقاف الخارجي بان هيأ حال حياته أرضا ذات غلة و تركها لتكون غلتها في

تناول يدي قرابته من أبيه و امه مع الوصية ببعض الغلة للآخر يكون المراد بالغلة ايضا الأرض ذات الغلة و انه لا وجه للسؤال بذلك التعبير بل المناسب ان يقول رجل ترك أرضا ذات غلة و اوصى من غلتها للآخر هذا مع ان التعبير عن الوقف المعروف بالإيقاف غير عزيز فلا حظ حسنة على بن راشد المتقدمة حيث ذكر سلام اللّٰه عليه ادفعها الى من أوقفت عليه و ان كان المراد الإيقاف المعاملي فلا نتصور تلك المعاملة إلا الحبس المعروف بالعمرى و الوصية و الوقف بمعناه المعروف.

و الحبس المعروف بالعمرى لا يلائم ما في ذيلها من تجويز البيع بعد انقضاء الموصى له و عقبه لورثة قرابة الميت ان لم يكفهم الغلة حيث ان ذكر عدم كفاية الغلة قرينة على ان المراد من الورثة الورثة للقرابة من أبيه و امه لا ورثة نفس الميت و لو كان الأرض ذات الغلة حبسا كما ذكر لكان البائع ورثة نفس الميت اى و لو كانوا ورثة ورثته.

و ارادة الوصية من الوقف بقرينة التفصيل بين قرابة الميت من أبيه و امه و الآخر الأجنبي في التعبير غير مناسب أضف الى ذلك ما في الرواية من موارد الظهور في الوقف المعروف كقوله يرد الى ما يخرج من الوقف و كون التي وقفها وصفا لنفس الأرض.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 140

و هذا أقل مراتب الفقر الشرعي (1) السادس ان يشترط الواقف بيعه عند الحاجة (2)

______________________________

(1) ذكر في السؤال حاجة الموقوف عليهم و عدم كفاية الغلة لهم و الظاهر ان الثاني بيان لحاجتهم و ان المراد عدم كفايتها لمؤنة سنتهم فتكون ظاهر الجواب جواز بيع العين الموقوفة مع فقر

الموقوف عليهم و إمكان علاجه بالبيع المزبور و اما الحاجة الشديدة المعبر عنها بالاضطرار العرفي فمعى أمر آخر غير الفقر الشرعي و النسبة بينهما عموم من وجه و من الظاهر ان الدليل على ثبوت الحكم لعنوان يكون النسبة بينه و بين الآخر العموم من وجه لا يقتضي ثبوت ذلك الحكم لذلك العنوان الآخر و المتحصل انه لا يمكن إثبات جواز بيع العين الموقوفة في الصورة الخامسة كالرابعة و الثالثة.

(2) الظاهر ان المراد اشتراط الواقف ان يبيع الموقوف عليهم العين الموقوفة عند حاجتهم الى ثمنه و اما إذا كان الشرط بيع الواقف العين لنفسه عند حاجته الى ثمنه فان كان وقفه بعنوان الصدقة كما إذا كان بقصد القربة فلا ينبغي الريب في بطلان شرطه فان كل ما كان بقصد القربة فلا يجوز الرجوع فيه سواء كان بالإنشاء أو بالفعل و من الفعل البيع المشترط.

بل يمكن ان يقال بطلان الوقف مع الاشتراط المزبور كما ربما يستظهر من صحيحة ابن الفضل الهاشمي قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الرجل يتصدق ببعض ماله في حال حياته في كل وجه من وجوه الخير قال ان احتجت إلى شي ء من المال فأنا أحق به ترى ذلك له و قد جعله للّٰه يكون له حياته فإذا هلك الرجل يرجع ميراثا أو يمضي صدقة قال يرجع ميراثا على أهله أضف الى ذلك عدم إحراز صدق عنوان الوقف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 141

..........

______________________________

مع الاشتراط المزبور ليعمه قوله (ع) الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها و بهذا يظهر الحال فيما إذا لم يكن مع الاشتراط المزبور قصد القربة.

و الحاصل مع عدم إحراز صدق عنوان الوقف يؤخذ باستصحاب بقاء المال

في الملك و هذا بخلاف صورة اشتراط البيع للموقوف عليهم في بعض الموارد فان الاشتراط لا ينافي الوقف كما يظهر ذلك من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الاتية الواردة في الوقف بينبع.

و اما إذا كان اشتراط البيع للموقوف عليهم مطلقا بان يبيعوا العين في أي زمان شاؤا فلا يبعد منافاته لأصل الوقف ايضا خصوصا فيما إذا لم يكن فيه قيد كون البدل وقفا أو شراء البدل فإن حقيقة الوقف في حدوثه يتقوم باشتراط إبقاء العين بحيث لا ينافيه الاستثناء في بعض الموارد.

و على تقدير الإغماض عن ذلك يكون اشتراط البيع كذلك منافيا لقوله (ع) لا يجوز شراء الوقف و لا يفيد مع النهي الوضعي مثل قوله (ع) المؤمنون عند شروطهم فإنه لا يعم الا الالتزام و الإلزام بين الطرفين مطلقا أو لم يكن ابتدائيا كما إذا كان في ضمن عقد و الوقف لا يكون من العقد و لا الشرط فيه بمعنى الإلزام و الالتزام من الطرفين و لا قوله الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها فإنه مقيد بما إذا لم يكن إنشاء الوقف على نحو غير مشروع و إنشائه بحيث جاز بيعه و شرائه وقف بوجه غير مشروع كما هو مقتضى قوله (ع) لا يجوز شراء الوقف و على الجملة لا يرفع اليد عن النهى بيع الوقف الا فيما كان الاشتراط للموقوف عليه بمنزلة الاستثناء عما يقتضيه الوقف في بعض الموارد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 142

قوله و الا فلا (1).

فإن أراد بيع نصيبا من المال (2)

______________________________

(1) يعني إذا لم يكن شرط البيع في موارد يجوز بيع الوقف فيها بلا اشتراط فلا يصح لا الشرط و لا الوقف بل لا يقع التصرف

المزبور حبسا ايضا و الوجه في عدم وقوعه حبسا ان مورد الحبس يبقى المال في ملك الحابس و يكون للمحبوس له ملك الانتفاع و إلزام الواقف في الفرض بشراء البدل ينافي بقاء المال على ملكه باعتبار ان ظاهر شرط شراء البدل فرض خروج المال عن ملكه و الحاصل لا يكون التصرف المزبور وقفا لبطلانه ببطلان شرطه و لا يقع حبسا لما ذكر.

أقول عدم وقوع الحبس باعتبار عدم قصده و الا شرط شراء البدل ليكون وقفا على قرار المبدل لا ينافي بقاء المال على الملك كما في الوقف الانتفاعى.

(2) ظاهره ارادة بيع بعض الوقف فتكون الرواية دليلا على جواز اشتراط بيع الوقف للبطن الموجود و حمله على ارادة بيع بعض ثمرته ضعيف فإنه لو كان المراد بيع ثمرة الوقف و صرف ثمنه في أداء دينه لكان الأنسب أن يقول فإن أراد ان يقضى به دينه فلا حرج عليه فالعدول- عن المصير الى الاسم الظاهر أى النصيب من المال مع ذكر البيع بقرينة ما قبله من ان يقوم على ذلك الحسن بن على و يأكل منه بالمعروف و ينفقه حيث يريد اللّٰه في حل محلل لا حرج عليه- ظاهره ارادة بيع الوقف.

و كذا قوله فبدا له ان يبيعها فليبعها حيث ان الضمير يرجع الى دار الصدقة و احتمال رجوعه الى داره (ع) ضعيف لان جواز بيع الحسن (ع) داره لا يحتاج الى الاشتراط عليه أضف الى ذلك اشتراط تقسيم ثمنها أثلاثا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 143

و التأويل مشكل (1) الصورة السابعة أن يؤدي بقائه إلى خرابه (2)

______________________________

(1) فإن الرواية ظاهرها وقف الأموال المزبورة لا الوصية بها و يفصح عن ذلك قوله (ع) و

ان الذي كتبت من أموالي هذه صدقة واجبة بتلة حيا أنا أو ميتا حيث انه لو كانت وصية لكانت صدقة واجبة بعد مماته (ع) فقط.

و المتحصل ان الرواية ظاهرها الوقف العام الصرفى و قد اشترط فيه للمتولي الاذن في بيع نصيب من المال حينما أراد به قضاء الدين أو مطلقا كما هو ظاهر قوله (ع) و ان شاء جعله سرى الملك أو شروى الملك و لا يبعد التعدي إلى الوقف الخاص لعدم احتمال الفرق بل إلى صورة اشتراط بيع تمام الوقف و تملكه لما ذكرنا من عدم احتمال الفرق كما لا يخفى.

(2) الصورة السابعة و هي صورة الخوف من أداء بقاء الوقف و عدم بيعه الى خرابه مستقبلا بان علم ذلك أو ظن سواء كان ذلك للاختلاف بين الموقوف عليهم أو لأمر آخر و المراد بالخراب اما سقوط العين الموقوفة عن المنفعة المعتد بها أو ما يعم نقص المنفعة.

و اما إذا كان الخراب غير موجب لسقوطها عن المنفعة المعتد بها بان فرض الانتفاع بها بوجه آخر كما إذا كان الوقف قبل خرابه بستانا و بعد خرابه تصير ارض زراعة لا تقل منفعتها عن منفعة البستان لم يجز بيعه نعم لو قيل بان زوال عنوان الوقف يوجب انتهاء الوقف كما تقدم عن صاحب الجواهر (ره) جاز بيعها.

و الصورة الثامنة وجود الاختلاف بين الموقوف عليهم المؤدى مع بقاء الوقف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 144

..........

______________________________

و عدم بيعه الى تلف المال أو النفس علما أو ظنا أو احتمالا و الفرق بين الصورتين ان الصورة السابعة لم تؤخذ فيها خصوصية الاختلاف بين الموقوف عليهم و لكن أخذت خصوصية العلم أو الظن بخراب الوقف مستقبلا و

في الصورة الثامنة أخذت خصوصية اختلاف الموقوف عليهم و لكن لم يؤخذ الأداء الى خراب خصوص الوقف بل المخوف فيها تلف المال كان مال الوقف أم غيره بل لم يؤخذ خصوص تلف المال بل يعم تلف النفس كما لم يؤخذ خصوص العلم أو الظن بل ما يعم احتمال التلف.

الصور التاسعة ان يكون بين الموقوف اختلاف يؤدى مع بقاء الوقف و عدم بيعه الى ضرر كثير سواء كان الضرر ضرر العرض أو النفس.

الصورة العاشرة ان يكون بقاء الوقف و عدم بيعه موجبا للفساد و الخلاف بين الموقوف عليهم بحيث يكون الاختلاف و الفساد مظنة تلف النفوس و استباحتها.

و ذكر (ره) انه لو كان بقاء الوقف و عدم بيعه في هذه الصورة مؤديا إلى خراب الوقف بحيث لا يكون له منفعة معتد بها بان يكون ساقطا عن المنفعة رأسا فلا يبعد جواز بيعه و اما في غير ذلك فلا و الوجه في جواز بيعه في الصورة المزبورة فلان بيعه لا ينافي وقف الواقف و غرضه كما لا ينافيه الأدلة الشرعية و لا حقوق البطون الآتية المعبر عنها فيما تقدّم بحق الواقف و حق البطون و حق الشارع اما عدم منافاته لوقف الواقف و غرضه فان عرضه الانتفاع بالعين و إذا أحرز انه لا يمكن الانتفاع بالعين مستقبلا و دار الأمر بين عدم الانتفاع لا بشخصها و لا بنوعها بان يبقى الوقف، بحاله حتى يخرب أو ينتفع لا بشخصه بل بنوعه بان بيع بما يبقى لانتفاع البطون فإن الثاني أقرب الى غرض الواقف و وقفه و الأدلة الشرعية المانعة عن بيع الوقف ايضا لا تعم الغرض لعدم تمام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 145

..........

______________________________

الإجماع

فيه على عدم جواز البيع و الرواية المانعة منصرفة إلى غيره كما مر في بيان جواز البيع في الصورة الاولى.

ان قلت ما الفرق بين هذا الفرض و الصورة الأولى قلت كان المفروض في الصورة الاولى عدم وقوع البيع قبل الخراب و إمكان بيع الوقف بعد خرابه و شراء ما يصلح لكونه وقفا و المفروض في هذه الصورة إمكان البيع قبل خراب الوقف و إمكان شراء البدل بما ينتفع به البطون بحيث لا يمكن بيعه و شراء البدل و تحصيل البدل بعد الخراب.

أقول لو كان الوقف بحيث لا يمكن بيعه بعد الخراب أو كان البدل المشترى به بعد الخراب مما لا يكون له نفع معتد به فلا ينبغي الإشكال في جواز بيعه في آخر أزمنة إمكان بيعه و شراء البدل فيما إذا كان الوقف من وقف العام سواء كان صرفيا أو انتفاعيا فان المفروض فيه قيام القرينة العامة على شرط بقاء الوقف مهما أمكن على ما تقدم و اما إذا أمكن البيع و شراء البدل بعد الخراب ايضا و لو كان البدل قليل المنفعة بالإضافة إلى العين الموقوفة حال عمارتها فلا وجه لرفع اليد عن إطلاق قوله (ع) لا يجوز شراء الوقف بل قوله (ع) الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

و اما الوقف الخاص فان كان الخراب المترقب في زمان البطن الموجود بحيث لا يمكن بيعه بعد فعلية الخراب جاز بيعه في آخر أزمنة إمكانه و يصير الثمن ملكا للبطن الموجود حيث تقدم ان لهم نفى التقدير الذي جعل معه الملك للبطن اللاحق مع فعليه الخراب و يجرى ذلك الوجه في الفرض و اما إذا كان الخراب المترقب في زمان البطن اللاحق فلا موجب معه لرفع

اليد عن إطلاق قوله (ع) الوقوف على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 146

مع عدم فوت الاستبدال فيه (1) لو دار الأمر (2) بين بيعه و الإبدال به لا يخلو أولهما عن قوة (3)

______________________________

حسب ما يوقفها أهلها و قوله (ع) لا يجوز شراء الوقوف فتدبر جيدا.

(1) يعني إذا فرض إمكان بيع الوقف و استبداله بعين أخرى في زمان لا يمكن بعده البيع و لا الاستبدال فالجواز ظاهر و اما إذا فرض إمكان البيع في ذلك الزمان و لكن لا يمكن شراء البدل فيه بحيث لو أريد شراء البدل فلا بد من وقوع البيع قبل ذلك الزمان ففي تقديم جانب البطون بتقديم البيع إشكال.

أقول قد ظهر مما تقدم عدم الإشكال في تقديم البيع في الوقف الصرفى أو الانتفاعى للزوم إبقاء الوقف مهما أمكن و لو بنوعه و اما في الوقف الخاص فلا يقدم البيع على ما ذكر.

(2) قد تقدم أنه إذا دار الأمر بين صرف منافعه على عمارته لتبقى العين للبطون أو صرفها على البطن الموجود فالأظهر صرفها لعمارته خلافا للمصنف (ره) حيث رجح الثاني و وجه ما ذكرنا أن ظاهر الوقف هو ان للموقوف عليهم المقدار الباقي من حاجة الوقف.

(3) يعنى لو جاز بيع الوقف في غير سقوط العين عن الانتفاع لما أجاب (ع) في رواية على بن راشد بعدم جواز شراء الوقف بلا استفصال و الوجه في ذلك انه لو كان في البين مجوز آخر لبيعه غير خرابه يكون للمشتري الشراء مع احتماله ذلك المجوز حملا لفعل البائع على الصحة و لكن على الامام (ع) الاستفصال عن احتماله

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 147

حيث انه يمكن الاستدلال

للجواز (1)

______________________________

ذلك المجوز و عدمه فحكمه (ع) بعد الجواز من غير استفصال مقتضاه عدم جواز بيع الوقف المعمور.

لا يقال لو تم لكان مقتضيا لعدم جواز بيع الوقف المعمور حتى في صورة إحراز خرابه مستقبلا فان مع عدم خرابه فعلا و وجود الغلة له يدخل في ظاهر النهى عن الشراء فإنه يقال نعم و لكن قد تقدم جواز البيع مع اشتراط البائع و القرينة العامة في الوقوف العامة على إبقاء الوقف مهما أمكن مساوق لاشتراط بيعه في آخر أزمنة إمكان البيع و الاستبدال على ما تقدم.

(1) المراد بالقسم الثاني من الصورة السابعة كون بقاء الوقف و عدم بيعه مؤديا علما أو ظنا الى خرابه بمعنى قلة منفعته كما أن المراد بالقسم الأول ما إذا كان بقائه مؤديا كما ذكر الى سقوطه عن الانتفاع رأسا بحيث لا يبقى لها منفعة معتد بها.

و قد أورد (ره) على دلالة المكاتبة على جواز بيع بيع الوقف في القسم الثاني المزبور بأمور: الأول- أن المدعى في ذلك القسم جواز بيع ما إذا علم أو ظن أداء بقائه إلى خرابه كما هو تصريح بعض و ظاهر تعبير بعض آخر عنه بخوف الخراب و الخوف كما يظهر من كلماتهم و موارد استعمالاتهم لا يصدق بمجرد الاحتمال ما لم يكن في البين امارة كما في خوف الضرر في وجوب الإفطار و حرمة السفر مع خوف الهلاك الى غير ذلك مع ان الموارد في الرواية لفظ ربما و ظاهره، يعم الاحتمال حتى ما إذا كان ضعيفا.

الثاني- انه على تقدير كون المراد بالمال في الرواية الوقف فظاهر تلفه سقوطه عن الانتفاع رأسا كما هو القسم الأول من الصورة السابعة فلا تعم الرواية القسم الثاني.

إرشاد الطالب إلى

التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 148

و اما تقريب الاستدلال بالمكاتبة (1)

______________________________

الثالث- ان ظاهر تلف المال في مقابل تلف النفس تلف مطلق المال سواء كان هو الوقف أو غيره فيكون مقتضى الرواية جواز بيع الوقف تحفظا للمال الآخر و هذا غير المدعي.

أقول الخوف كما يظهر للراجع الى وجدانه حاله يحصل للنفس بمجرد الاحتمال أيضا غاية الأمر قد لا يكون مجرد الخوف موجبا للحكم كما في السفر المخوف فيه هلاك الشخص فإنه لو كان بمجرده موجبا لحرمته لا يبقى في البين سفر حلال يوجب القصر الا نادرا و يكون ذلك قرينه على كون المراد به السفر الذي فيه أمارة موجبة للظن بالهلاك كما لا يخفى.

(1) الصورة الثامنة ما إذا كان بين الموقوف عليهم خلاف بحيث يخاف تلف المال أو النفس في صورة بقاء الوقف و عدم بيعه و الوجه في جواز البيع فيها ظهور المكاتبة في اعتبار الاختلاف الخاص و جواز البيع معه لان الوارد فيه و ان كان جواز البيع مع اختلاف الموقوف عليهم الا ان تعليل الجواز بأنه ربما يجي ء في الاختلاف تلف المال و النفس مقتضاه تقييد الاختلاف بالاحتمال المزبور.

و فيه ان قوله (ع) ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال و النفوس أمره دائر بين حمله على التعليل أو على التقريب و بيان الحكمة لجواز البيع مع الاختلاف و لو حمل على التعليل فمقتضاه عدم الخصوصية للاختلاف بل كل ما كان مع بقاء الوقف احتمال تلف المال و النفس من الموقوف عليهم أو غيرهم و أمكن علاج ذلك ببيع الوقف جاز و لو حمل على بيان الحكمة و التقريب فلا يكون في البين تقييد للاختلاف حيث ان الحكمة للحكم لا يكون مقيدا له.

إرشاد

الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 149

و مما ذكرنا يظهر تقريب الاستدلال على الصورة التاسعة (1) و اما تقريب الاستدلال على الصورة العاشرة (2)

______________________________

و يظهر الحمل على الحكمة من كلام الشهيد (ره) في الروضة فإنه ذكر بما حاصله انه لا يعتبر في جواز بيع الوقف الاختلاف الخاص أى الاختلاف الذي يكون فيه احتمال تلف المال أو النفس بل يجوز بيعه مع اختلافهم مطلقا باعتبار ان في الاختلاف بحسب نوعه خوف تلف المال و النفس و لا ينظر إلى أشخاصه و كيف ما كان فشي ء من الحملين لا يناسب فرض الصورة الثامنة كما لا يخفى.

(1) الصورة التاسعة ما إذا كان بين الموقوف عليهم اختلاف يؤدى ذلك الاختلاف مع بقاء الوقف الى ضرر عظيم سواء كان مال الوقف أو غيره و استفادة الجواز في هذه الصورة من المكاتبة مبنى على تقييد الاختلاف فيها بما ذيلها من قوله (ع) فإنه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال الأموال و الأنفس.

و لكن يرد على ذلك ايضا انه ان كان الذيل تعليلا فلا بد من إلغاء الاختلاف و الالتزام بجواز بيع الوقف كلما كان بقائه مؤديا إلى تلف المال أو النفس و مع عدم كونه تعليلا بل تقريبا لجواز بيع الوقف مع الاختلاف فلا بد من الالتزام بجواز- بيع الوقف مع اختلاف الموقوف عليهم كان مؤديا إلى التلف المزبور أم لا.

(2) الصورة العاشرة ما إذا لزم من بقاء الوقف و عدم بيعه فساد يستباح منه الأنفس و وجه استظهار جواز بيعه في الفرض من المكاتبة هو ان ضم تلف الأنفس فيها الى تلف المال باعتبار ان خوف تلف الأنفس يقارن غالبا تلف المال لا لكون تلف المال محوزا بنفسه.

إرشاد

الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 150

لا مطلق الاختلاف لان الذيل مقيد (1)

______________________________

و لكن لا يخفى ان مدلول الرواية على ما ذكر جواز علاج كل فتنة موجبة للاستباحة المزبورة ببيع الوقف و لو لم تكن الفتنة بين الموقوف عليهم و ظاهر الصورة العاشرة وقوع الفساد بينهم كما ان ظاهر الرواية كفاية الاختلاف الذي يحتمل فيه مع بقاء الوقف الاستباحة المزبورة و المفروض في الصورة العاشرة كون بقاء الوقف ملازما لذلك الفساد لا امرا محتملا.

أضف الى ذلك ذكر استباحة الأموال مع استباحة النفوس باعتبار تقارن الأول بالثاني نوعا خلاف ظاهر الرواية بل ظاهرها كون احتمال كل من الضررين مجوزا لبيع الوقف.

(1) يعنى يكون الموجب لجواز البيع بحسب ظهور الرواية هو الاختلاف الموجب لتلف المال أو النفس علما أو ظنا أو احتمالا لا الاختلاف مطلقا و الوجه في تقييد الاختلاف بذلك ليس حمل قوله (ع) (فإنه ربما جاء في الاختلاف.)

على التعليل الحقيقي ليقال ان لازمه اعتبار كل فتنة يكون فيها احتمال تلف المال أو النفس بل لان الذيل بحسب المتفاهم العرفي يكون تقيدا للاختلاف و ان الموضوع لجواز البيع هو الاختلاف الخاص.

و على ذلك تكون النسبة بين فتوى المشهور و مضمون الرواية العموم من وجه لان فتاويهم تعم ما إذا كان في بقاء الوقف مع الاختلاف خوف خراب الوقف بمعنى قلة نفعه و الرواية لا تعم الا تلف المال أو النفس كما ان فتاواهم لا تعم ما إذا كان في بقاء الوقف مع الاختلاف مجرد احتمال التلف و لكن الرواية تعمه فتجتمعان في الاختلاف المؤدى علما أو ظنا الى تلف العين الموقوفة و تفترقان في الاختلاف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 151

أو غير ذلك من الاحتمالات في الفقرتين (1)

______________________________

المؤدى علما أو ظنا الى نقص منفعة الوقف في الاختلاف المؤدي إلى تلف المال أو النفس بنحو الاحتمال.

(1) الفقرة الأولى قوله (ع) ان كان علم الاختلاف بين أرباب الوقف ان يبيع الوقف أمثل حيث يحتمل في هذه الفقرة ان يكون المراد الاختلاف مطلقا أو الاختلاف الخاص و الفقرة الثانية قوله (ع) فإنه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال و الأنفس حيث يحتمل كونه تعليلا حقيقة أو تقييدا أو مجرد تقريب للحكم و المتحصل من كلماته (ره) ان في دلالة المكاتبة على جواز بيع الوقف بعد تمامه تأملا و على تقدير دلالتها في الأخذ بها اشكالا و قد تعرض (ره) للإشكالات في الدلالة و للإشكالات في الأخذ بها في طي الكلمات السابقة.

أقول لا يوجب شي ء مما ذكر الخلل في ظهور المكاتبة في جواز بيع الوقف بعد تمامه لدفع الاختلاف أو تفاقمه الموجب و لو احتمالا لتلف الأموال و الأنفس و ظاهر السؤال هو الوقف المعروف لا الحبس الذي تبقى العين في ملك الحابس و يكون للمحبوس له الانتفاع أو المنفعة في مدة معينة أو ما دام حياة أحدهما.

و يشهد لذلك السؤال عن بيعها و دفع ثمنها الى الموقوف عليهم بمقدار حصصهم من الوقف حيث ان الثمن في الحبس يختص بالحابس و لا يدفع الى المحبوس له و عدم ذكر العقب في الوقف لا يدل على ارادة الحبس بل عدم تعرض السائل لذكره لعدم الحاجة الى ذكرهم حيث ان غرضه السؤال عن بيعه و دفع ثمنه الى البطن الموجود و حملها على الوقف قبل تمامه بالقبض غير صحيح فإنه ينافيه تجويز البيع في الجواب بلا استفصال عن حصول القبض و

عدمه بل بما انه (ع) قد فهم من السؤال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 152

[و اما الوقف المنقطع]

و اما الوقف المنقطع و هووقف على ملا ينقرض (1)

______________________________

ان قد جعل لنفسه التولية كما هو ظاهر قول السائل و ليس يأمن أن الخلاف بعده اى بعد حياته القضاء تصديقه للوقف لم يستفصل عن حصول القبض حيث يكفى فيه قبض المتولي على ما يشهد به مثل صحيحة صفوان بن يحيى المتقدمة كما لم يستفصل عن وجه تصديقه لبيع الوقف مع ان الواقف يصير بالوقف أجنبيا عن العين الموقوفة.

و اما بالإضافة إلى حصة الإمام فيمكن ان لا يجعل التولية لنفسه بالإضافة اليه و لذا سأل أولا عما يصنع بخمس الضيعة أو جعل لنفسه التولية بالإضافة إليه أيضا و سأل عن جواز بيعها و كان عند الامام (ع) مجوز لبيعها كحاجته (ع) الى الثمن أو غير ذلك و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) و هل يصح الوقف المنقطع و هو الذي يوقف المال فيه على من يكون معرض الانقضاء و الانتهاء كوقف البستان على زيد و عقبه فالأظهر صحته بشهادة صحيحة محمد بن الصفار قال كتبت الى ابى محمد (ع) اساله عن الوقف الذي يصح كيف هو فقد روى ان الوقف إذا كان موقتا فهو باطل مردود على الورثة و ان كان موقتا فهو صحيح ممضى و قال قوم ان الموقت هو الذي يذكر أنه وقف على فلان و عقبه فإذا انقرضوا فهو للفقراء و المساكين الى ان يرث اللّٰه الأرض و من عليها و قال آخرون هذا موقت إذا ذكر انه لفلان و عقبه ما بقوا و لم يذكر في آخره للفقراء و المساكين الى ان يرث اللّٰه

الأرض و من عليها الى ان قال (ع) في الجواب الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

و اما تحديد الوقف بالزمان كقوله وقفت هذا البستان لزيد عشر سنوات فإن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 153

..........

______________________________

أريد به الحبس الآتي فيصح حبسا و الا بطل و ذلك لاعتبار التأبيد في تحقق عنوان الوقف و المراد بالتأبيد عدم تحديده بالزمان بان لا يكون بعد ذلك الزمان وقفا فإنه لو لم يكن ذلك محرزا فلا أقل من احتماله و اما التأبيد بمعنى بقاء الوقف الى ان يرث اللّٰه الأرض و من عليها فهو غير معتبر كما هو ظاهر الصحيحة و غيرها.

ثم أنه هل يدخل هذا القسم من الوقف في ملك الموقوف عليهم مستقرا بحيث تكون العين بعد انقراض الأخير من الموقوف عليهم لوارثه و مع عدم الوارث له للإمام (ع) حيث انه وارث من لا وارث له أو تكون ملكه غير مستقر يثبت ما دام كون الموقوف عليه موجودا أو تكون بعده للواقف أو ورثته أو يبقى العين من الأول على ملك واقفه و لا يبعد الثاني و ذلك فان كون العين ملكا للموقوف عليهم مقتضى إنشاء الوقف بالصدقة حتى في الوقف على الأشخاص كما تقدم في بعض الروايات و يؤيده عدم وجدان الفرق بين الوقف المؤبد و المنقطع في مدلول الوقف و لو كان الوقف في المؤبد تمليكا كان كذلك في المنقطع.

و وجه عدم استقرار الملك ان الموقوف عليهم كما تقدم بيانه سابقا يتلقون الملك من الواقف و لا يكون تلقى كل طبقة عن سابقه على حد الإرث و على ذلك ففيما كان عقب زيد منقضيا في طبقة فلا تكون الملكية المجعولة لتلك الطبقة مطلقة

بل مقيدة كالطبقات السابقة بما دام حياتهم فالملكية بعد ذلك باقية للواقف لم يجعلها لأحد فإن الملكية المجعولة بالإضافة إلى الطبقة الأخيرة كالمجعولة لما قبلها بحسب ظهور قول الواقف وقفت على زيد و عقبه بطنا بعد بطن موقتة و محدودة بما دام حياة البطن اللهم الا ان يقال تحديد الملكية لبطن بما دام حياته باعتبار ان ملكية العين بعده مجعولة لبطن آخر و إذا فرض في بطن عدم ملكية البطن الآخر بعده و لو باعتبار انقضاء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 154

..........

______________________________

البطون تكون الملكية لذلك البطن مطلقة و يؤيد ذلك ما تقدم من ظهور الروايات من ان الثمن على تقدير بيع العين الموقوفة يكون ملكا للبطن الموجود و يمكن منع التأييد فإنه لم يثبت بيع الوقف إلا في موارد.

منها الاختلاف بين الموقوف عليهم و يكون اختصاص الثمن فيه بالبطن الموجود بالنص أو باعتبار وقوع البيع عن الواقف المتولي و إرادته دفع الثمن إليهم.

و منها موارد اشتراط الواقف بيع الوقف لبطن و صرف ثمنه في ضرورتهم و هذا باعتبار نفوذ الشرط و كون الوقف على حسب ما يوقفها أهلها.

و منها مورد الخراب و لم يثبت فيه اختصاص الثمن بالبطن الموجود و لذا ذكرنا ان الأحوط فيه اشتراء البدل مهما أمكن و الحاصل انه لو شك أيضا في جعل الملكية المطلقة للبطن الأخير بحيث تنتقل العين الموقوفة إلى وارثهم و لو كان الوارث الامام (ع) فالأصل عدم جعل تلك الملكية لهم و لا يعارض باستصحاب بقاء العين في ملكهم لانقضاء الملكة بموت البطن الأخير قطعا سواء كان بالإرث أو بنحو انقضاء البطن كما لا يخفى.

و عن المحقق القمي (ره) انه التزم بان الوقف

المنقطع يقع حبسا و المراد بالحبس إبقاء المالك العين على ملكه و تمليك المنفعة منها للمحبوس له أو جعل الانتفاع منها له و ان قيد ذلك بما دام عمر المحبوس له أو ما دام حياته أو بزمان خاص فهو و ان جعل مطلقا يلزم ما دام حياة الحابس.

و وجه التزامه ان الوقف المنقطع لا يقع وقفا لاعتبار التأبيد في تحقق عنوان الوقف و المراد بالتأبيد جعل العين للموقوف عليهم الى ان يرث اللّٰه الأرض و من عليها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 155

..........

______________________________

و اما وقوعه حبسا فاستشهد بصحيحة عمر بن أذينة قال كنت شاهدا عند ابى ليلى و قضى في رجل جعل لبعض قرابته غلة داره و لم يوقت وقتا فمات الرجل فحضر ورثته ابن ابى ليلى و حضر قرابته الذي جعل له غلة الدار فقال ابن ابى ليلى ارى ان أدعها على ما تركها صاحبها فقال محمد بن مسلم الثقفي اما ان على بن أبي طالب قد قضى في هذا المسجد بخلاف ما قضيت فقال و ما علمك فقال سمعت أبا جعفر بن محمد بن على (ع) يقول قضى على (ع) برد الحبيس و إنفاذ المواريث فقال له ابن ابى ليلى هذا عندك في كتابك قال نعم قال فأرسل و ائتني به فقال له محمد بن مسلم على ان لا تنظر من الكتاب الا في ذلك الحديث قال لك ذلك قال فاحضر الكتاب و أراه الحديث عن ابى جعفر (ع) في الكتاب فرد قضيته.

أقول كان في نسخته (ره) و لم يوقف وقفا و فهم منه ان الجعل إذا لم يكن وقفا يكون حبسا و فيه ما لا يخفى فان الحبس

كسائر العقود و الإيقاع يحتاج الى القصد و مع عدمه بإرادة تمليك العين كما هو الفرض لا يتحقق الحبس و الرواية ظاهرة في إرادة الحبس مطلقا المحكوم بعود العين معه الى ملك الحابس بموته كما لا يخفى.

لا يقال إذا كان الوقف المنقطع بقصد التقرب فكيف يلتزم بعود الملك الى الواقف و انتقاله الى ورثته حين موته مع ما دل على ان ما كان للّٰه لا يرد فإنه يقال معنى عدم رده عدم إرجاع العين بفسخ المعاملة الواقعة بقصد التقرب و اما إرجاعها بعد انتهاء أمد المعاملة فلا يدخل في مدلول ذلك الدليل كما لو تصدق بمنفعة داره الى سنتين فبعد انقضاء المدة لا تكون استرجاع الدار منافيا له و بهذا يظهر الحال في الحبس بقصد القربة فتدبر جيدا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 156

و في جوازه للواقف مع جهالة استحقاق الموقوف عليهم إشكال (1)

______________________________

(1) أقول لا يبعد جواز بيع الدار التي يسكنها المطلقة بالأقراء باعتبار أن جهالة مدة عدتها مع عدم اختلافها بكثير لا يوجب اتصاف البيع بكونه غرريا و اما في مثل المقام فلا ينبغي التأمل في صدق الغرر في البيع باعتبار الجهل بزمان استحقاق تسلم العين بمنافعها مع احتمال الاختلاف فيه بفاحش و لا يقاس مورد الكلام ببيع الدار مع كونها مستأجرة في جواز البيع غاية الأمر يثبت الخيار لمشتريها مع جهله بالحال لان مورد الإجارة باعتبار معلومية زمان الإجارة لا يوجب غررا في البيع بخلاف المقام و لكن مع ذلك دليل النهى عن بيع الغرر لا يزيد على سائر العمومات و المطلقات التي يرفع اليد عنهما بالخاص ان المقيد.

و ما رواه المشايخ في الصحيح عن الحسين بن نعيم الصحاف

ظاهر في صحة البيع مع جهالة استحقاق المشترى تسلم العين بمنافعها قال سألت أبا الحسن موسى (ع) عن رجل جعل داره سكنى لرجل أيام حياته أو جعلها له و لعقبه من بعده هل هي له و لعقبه من بعده كما شرط قال نعم قلت له فان احتاج ببيعها قال نعم قلت فلينتقض بيع الدار السكنى قال لا ينتقض البيع السكنى كذلك سمعت ابى يقول قال أبو جعفر (ع) لا ينتقض البيع الإجارة و لا السكنى و لكن تبيعه على ان الذي اشتراطه لا يملك ما اشتراه حتى تنقضي السكنى كما شرط.

و لا يخفى عدم اختلاف الوقف المنقطع و السكنى بناء على ان الأول كالثاني في بقاء العين على ملك مالكها الأول كما ان إطلاق الرواية و عدم الاستفصال فيها عن بيع الدار ممن جعل له سكناها أو من غيره جواز البيع في كلا الفرضين فلا وجه للتفصيل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 157

..........

______________________________

بين البيع منه أو من غيره.

نعم مع الإغماض عنها فقد يذكر هذا التفصيل باعتبار عدم كون البيع ممن جعل له السكنى غررا و لو باعتبار انضمام السكنى حيث ان استحقاق المشترى فيه العين بمنافعها محرز و كذا الحال فيما إذا باع الواقف العين ممن انتقل إليه منفعة العين عن الموقوف عليه و لكن هذا التفصيل غير صحيح باعتبار كون البيع في نفسه كالفرض الثاني غرريا الا ترى انه لا يمكن الالتزام بصحة البيع فيما إذا كانت صبرتان مختلفتان في الكيل و قد علم كيل مجموعهما و قد وهب المالك إحداها من أحد ثم أراد بيع الثانية منه بلا كيل فإنه لا يرتفع الغرر عن البيع بالهبة السابقة.

نعم إذا كان

انتقال المنفعة إلى الواقف ثانيا و أراد الواقف بعد ذلك بيعها بمنافعها فلا مورد للمناقشة كما أنه لا مورد لها فيما إذا اجتمع الموقوف عليه و الواقف على المعاوضة فيكون العوض موزعا على العين و المنفعة و يلزم كون المعاوضة بعنوان الصلح لان غيره و منه البيع لا يتضمن نقل كل من العين و المنفعة استقلالا.

أقول إذا كان الوقف المنقطع محكوما بالصحة فيحكم ببطلان بيعه سواء قيل ببقائه على ملك الواقف أو دخوله في ملك الموقوف عليهم أخذا بما دل على عدم جواز شراء الوقوف و لا موجب لدعوى انصرافه الى الوقف المؤبد بعد كون الوقف المنقطع كالوقف الانتفاعى وقفا مع بقاء العين فيهما على ملك مالكها و الصحيحة المزبورة لا تعم الوقف المزبور لعدم دخوله في عنوان السكنى.

نعم لا بأس بالعمل بالصحيحة فيجوز البيع مع السكنى حتى فيما إذا كانت السكنى محدودة بعمر أحدهما كما هو موردها.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 158

و كذا لو باعه من انتقل اليه (1).

و مما ذكرنا يظهر وجه التأمل (2)

______________________________

و اما في الوقف المنقطع فلا يجوز البيع و لا المصالحة و غيرها من المعاملات الناقلة للعين فان الوقف لا يباع و لا يوهب و ليس النهى فيه مختصا بالبيع و مما ذكرنا يظهر الحال فيما ذكر (ره) من أن المعاملة لو كانت مركبة من نقل العين من طرف الواقف و نقل المنفعة من قبل الموقوف عليهم بطور المصالحة ليكون العوض موزعا عليهما صحت لا يمكن المساعدة عليه.

اللهم الا ان يقال بانصراف النهى عن بيع الوقف عن الفرض و هو بيعه زمان البطن الأخير كما يأتي.

(1) أى يجري في بيع العين ممن انتقل اليه حق الموقوف

عليهم ما تقدم في بيعها من الموقوف عليهم من احتمال عدم الجواز لأن معرفة المجموع المركب من ملك البائع و حق المشترى لا يوجب خروج البيع عن كونه غرريا.

و لا يخفى أن حكمه (ره) بالصحة أو لا ثم احتمال عدم الجواز ثانيا يختص بما إذا أراد الواقف بيع العين من البطن الأخير أو ممن انتقل اليه حق هذا البطن و اما إذا أريد بيعها من البطن الأول أو الوسط أو ممن انتقل اليه حق أحدهما فلا يجوز البيع المزبور لان خروج حق البطن الأخير عن المعاملة مع جهالته يوجب الغرر في البيع.

(2) الظاهر ان مراده (ره) مما ذكره هو لزوم كون المعاملة بطور المصالحة و أن نقل العين مع الجهالة بمدة استحقاق الموقوف عليهم غرري سواء بيع ممن انتقل اليه حق الموقوف عليهم أو من غيره.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 159

كما يدل عليه كلامه المحكي عنه في مسألة السكنى (1) صح ما ذكره لإمكان سقوط الحق بالإسقاط بخلاف المال (2)

______________________________

أى يدل على جواز البيع مع اتفاقهما كلامه المحكي في السكنى و لعل وجه دلالته أنه إذا جاز بيع المالك بالإضافة إلى العين خالية عن المنفعة كما هو مقتضى عدم رضا الساكن الذي هو مالك المنفعة أو الانتفاع جاز ايضا فيما كان البين رضاه فإنه لا يحتمل دخل عدم رضاه في جواز بيعها.

(2) أقول لم يحرز ان الثابت في السكنى للساكن حق بحيث يقبل الاسقاط منه بل من المحتمل ان يكون الثابت بها مجرد جواز الانتفاع بالسكنى و كذلك الأمر في بعض موارد الحبس بان يحبس العين للانتفاع بها و على ذلك فيجوز للساكن أو المحبوس له المصالحة مع المشتري بان لا

ينتفع بالعين فلا يجوز لهم بعد المصالحة مزاحمة المشترى في الانتفاع بالعين مدة التحبيس أو السكنى عملا بقصد المصالحة.

و عدم جواز الانتفاع بهذا العنوان لهما لا ينافي جواز الانتفاع بها الثابت لهما قبل هذه المصالحة نظير ما إذا حلف الساكن أو المحبوس له بترك الانتفاع كما لا يخفى.

و الحاصل ان المستفاد من مجموع الروايات ان الحبس و السكنى و العمرى من العناوين المنشأة و يكون اختلافها بالإنشاء و يتفق بعضها مع بعض في النتيجة و جل الأحكام فان بالحبس ينشأ عنوان الحبس الذي لا يكون العين خارجة عن ملك مالكها بان يكون منافعها ملكا لذلك الغير أو ينتفع الغير بها أو يصرف منافعها أو ينتفع بها مطلقا أو ما دام العين باقية أو الى مدة و اما السكنى فهو إنشاء جعل سكنى الدار للغير بان يسكن فيها مطلقا أو الى المدة و اما العمرى و هي جعل الانتفاع بالعين ما دام أحدهما في مقابل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 160

و على الثاني فلا يجوز (1) و على الثالث فلا يجوز (2)

______________________________

الرقبى و هو جعل الانتفاع بالعين في زمان و على ذلك فان كان، مفاد أحدها مجرد الانتفاع فلا يحرز فيه حق قابل للإسقاط بل يجوز المصالحة بنحو ما تقدم و ان كان مفادها تملك المنفعة فيجوز التصرف فيها كما لا يخفى.

(1) عدم جواز البيع للواقف ظاهر فان على الثاني يدخل العين الموقوفة في ملك الموقوف عليهم مستقرا بحيث ينتقل العين من البطن الأخير إلى ورثتهم بالوارثة و اما عدم جواز البيع للموقوف عليهم ففيه منع ظاهر لان اشتراط الواقف إبقاء العين بغرض وصولها الى البطن اللاحق و كذلك النهى عن بيع

الوقف ينصرف الى ذلك و إذا فرض انتهاء البطون و وصول العين بيد البطن الأخير كما هو الفرض فلا يبقى منع عن بيعهم لا عن الواقف و لا عن الشارع فتدبر.

(2) اى على القول بدخول العين في ملك الموقوف عليهم من غير استقرار بان يرجع العين الى الواقف بعد انقضاء البطن الأخير يكون عدم جواز بيع الموقوف عليهم اى البطن الأخير ظاهرا لاشتراط الواقف عليهم إبقاء العين و لو لرجوعها اليه و كذا الحال في النهي الشرعي و اما عدم جواز بيعها للواقف باعتبار عدم ملكه العين فعلا و لا يفيده اجازة البطن الأخير لأنه يعتبر ان يكون المجيز سلطانا على بيع المال و البطن المزبور ليس كذلك نعم إذا قلنا بالصحة في مسألة من باع شيئا ثم ملكه كان بيع الواقف الواقع حال وجود البطن الأخير محكوما بالصحة بعد انقراضهم.

ينبغي في المقام التعرض لأمور منها انه يكون الوقف من المنقطع آخره أو المنقطع الأول أو الوسط و لعل المشهور على صحة الأول و بطلان الثاني و على بطلان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 161

..........

______________________________

الثالث بالإضافة إلى الوسط و ما بعده و قوى السيد اليزدي (ره) صحة المنقطع الأول أيضا بالإضافة إلى الوسط و ما بعده و صحة المنقطع الوسط بالإضافة إلى الأول و الأخير بدعوى ان الوقف المنشأ في المقام نظير الوقف على ما يصح عليه الوقف و ما لا يصح عليه في عرض واحد كما إذا قال وقفت الضيعة على العلماء و من سيولد لزيد من الأولاد حيث ان الوقف يصح في نصفه بالإضافة إلى العلماء و يبطل في نصفه الآخر و دعوى انحلال الوقف في فرض الجمع دون

الوقف المنقطع الأول أو الوسط لا يمكن المساعدة عليه و الا لما صح الوقف بالإضافة إلى الأول أيضا في المنقطع الوسط.

لا يقال الحكم بالتبعيض في الصحة في المنقطع الأول أو الوسط يوجب التعليق في الوقف بان يكون المال وقفا على تقدير انقضاء ذلك الأول أو الوسط.

فإنه يقال التعليق الموجب للبطلان في العقود و الإيقاعات ما إذا كان إنشاء الوقف معلقا و اما إذا كان إنشائه مطلقا و كان التعليق لازم التبعيض في الحكم بالصحة فلا يضر نظير الغرر الحاصل للبيع من الحكم بالتبعيض كما إذ باع ماله و مال غيره بثمن معلوم فلا يوجب الغرر في الثمن الحاصل من الحكم ببطلان البيع بالإضافة الى مال الغير الغرر في إنشائه و على ذلك فيبقى المقدار المحكوم بالبطلان من الوقف على ملك الواقف فله نمائه.

أقول لا ينبغي الريب في عدم انحلال الوقف بالإضافة إلى الموقوف عليهم أى البطون بخلاف انحلاله بالإضافة إلى أفراد البطن الواحد من الموقوف عليهم و إذا قال وقفت الضيعة على أولاد زيد و أولاد بكر و أراد ما ظاهره من كون نصف الضيعة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 162

..........

______________________________

وقفا لأولاد زيد و نصفها الآخر لأولاد الآخر فلا يوجب بطلان الوقف بالإضافة إلى نصفها بطلانه بالإضافة إلى النصف الآخر بخلاف ما إذا كان الوقف للبطون و حكم بفساده بالإضافة إلى بطن فإنه لو حكم ببطلان الوقف بالإضافة إلى البطن الأول كما في المنقطع الأول يخرج الوقف المزبور من عموم الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها من الأول فالحكم بدخوله ثانيا بعد انقضاء البطن المزبور موقوف على جواز التمسك بالعام فيما إذا خرج فرد منه في زمان.

بخلاف المنقطع الوسط فإنه لا

موجب لرفع اليد عن العموم المزبور ابتداء فيعمه العموم المزبور ما دام البطن الأول موجودا و بعد انقضائه يرجع الى ملك الواقف أو ورثته عند موته.

و الحاصل ما ذكره (ره) مبنى على جواز التمسك بالعام فيما إذا خرج فرد منه من الأول أو الوسط في زمان و شك في دخوله في العموم المزبور بعد ذلك الزمان و الا فالوجه ما هو المنسوب الى المشهور و اللّٰه العالم.

الثاني قد تقدم أنه يجوز ان يشترط في الوقف بيع العين الموقوفة أو بعضها للموقوف عليهم بان يكون ثمنه لهم و اما اشتراط بيعها أو بيع بعضها للواقف كذلك فهو غير جائز بل يوجب الاشتراط المزبور بطلان الوقف بشهادة صحيحة إسماعيل بن الفضل قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الرجل يتصدق ببعض ما له في حياته في كل وجه من وجوه الخير و قال ان احتجت إلى شي ء من المال فأنا أحق به ترى ذلك له في حياته فإذا هلك الرجل يرجع ميراثا أو يمضي صدقة قال يرجع ميراثا على أهله حيث ان ظاهر قوله (ع) يرجع ميراثا على أهله الإرشاد إلى بطلان الوقف المزبور و الا فلو كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 163

..........

______________________________

الوقف تاما لما عاد المال إلى أهله ميراثا و حمله على ما إذا تحقق احتياج واقفه و عود المال اليه ثم موته كما عن السيد اليزدي (ره) كما ترى فإنه لم يستفصل الامام (ع) بطر و الحاجة عليه و عدمه بل حكم بكون المال ميراثا و التعبير بالرجوع مع بطلان الوقف من الابتداء بلحاظ نظر الواقف حيث كان يرى انعقاد الوقف.

و مما ذكرنا يظهر فساد ما افاده (ره) من الحكم

بصحة الشرط المزبور أخذا بقوله (ع) الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها و ان مرجع الاشتراط المزبور وقف المال ما دام كونه غنيا فيكون الوقف مع الشرط المزبور من الوقف المنقطع حيث لا فرق في الوقف المنقطع بين كون انقطاعه لاعتبار وصف في الموقوف عليهم بان يقف المال عليهم ما دام كونهم عدولا و بين اعتبار وصف في الواقف.

أقول الوارد في السؤال ان احتجت إلى شي ء من المال فأنا أحق به يعم ما إذا كان المراد عود الوقف الى الملك و انتهائه عند طرو حاجته اليه و ما إذا كان المراد سلطانه على المال بالتصرف فيه ببيعه لنفسه أو صرف غلته لنفسه كسائر الملاك و مقتضى إطلاق الجواب بطلان الوقف في جميع ذلك و بهذا يرفع اليد عن عموم الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها و لكن يمكن المناقشة في ذلك ان المفروض في الرواية عنوان الصدقة و الوقف بقصد التقرب فالتعدي إلى الوقف المجرد لا يخلو عن الاشكال لاحتمال ان يكون هذا الحكم باعتبار كون الوقف للّٰه.

نعم في المروي عن دعائم الإسلام من أوقف أرضا ثمّ قال ان احتجت إليها فأنا أحق بها ثم مات الرجل فإنها ترجع الى الميراث و دلالته على كون ذلك من حكم مطلق الوقف ظاهر و لكن في جواز الاعتماد عليه مع ضعف السند تأمل.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 164

[بيع الرهن]

و من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا كونه مرهونا (1)

______________________________

(1) لا يجوز للراهن بيع الرهن استقلالا اى بلا اذن المرتهن على المعروف بينهم بل عن الخلاف و غيره الإجماع عليه و يستدل على ذلك بالاخبار المشار إليها في خلاف الشيخ (ره) و بما رواه

في المختلف عن النبي (ص) مرسلا ان الراهن و المرتهن كلاهما ممنوعان عن التصرف و ضعف السند منجبر بفتاوى الأصحاب و اتفاقهم.

أقول الظاهر ان المراد الشيخ (ره) من الإجماع في خلافه الأعم من الاتفاق على حكم المسألة أو على القاعدة التي يكون تطبيقها على المسألة و استفادة حكمها منها مبتنيا على الاجتهاد منه (ره) و هذا بقرينة دعواه الإجماع في المسائل المختلف فيها بين الأصحاب بل المراد من الاخبار في ذلك الكتاب ايضا ذلك لا خصوص ورود الخبر في حكم المسألة و على ذلك فيمكن ان يكون اعتماده (ره) في منع الراهن عن بيع الرهن على زعمه بان عدم الجواز في موارد تعلق حق الغير بالمال مورد التسالم مع ورود الرواية في بعضها و المقام من تلك الموارد و يؤيد ذلك أنه لو كان في خصوص المسألة أخبار لنقلها في تهذيبه و استبصاره لوضعهما لنقل الاخبار.

و مما ذكرنا يظهر الحال في المرسل المذكور في المختلف و انه لا سبيل لنا إلى إحراز أنه المستند لمنع المشهور عن بيع الراهن فإنه يحتمل ان يكون استنادهم إلى القاعدة التي أشرنا إليها فلا مجال لدعوى انجبار ضعف المرسلة بالاستناد إليها.

و الحاصل أنه لا يجوز للراهن التصرف بما ينافي عقد الرهن كما هو مقتضى وجوب الوفاء بعقده و اما ما لا ينافي عقد الرهن فيجوز باعتبار عدم ثبوت المنع عنه بل في صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر (ع) في رجل رهن و جاريته قوما أ يحل له

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 165

و هو الأقوى للعمومات (1)

______________________________

ان يطأها قال فقال ان الذين ارتهنوها يحولون بينه و بينها قلت أ رأيت ان قدر عليها

خاليا قال نعم لا أرى به بأسا و في صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) الى ان قال نعم لا أرى هذا عليه حراما و الكلام في أن بيع الراهن الرهن بلا اذن المرتهن تصرف ينافي عقد الرهن أم لا و الأظهر عدم منافاته للرهن فيلتزم بصحة بيعه و عدم وقوفه على شي ء من اجازة المرتهن أو غيرها و تعلق حق المرتهن بالعين لا ينافي نفوذ البيع حيث يبقى حقه في العين المنتقلة إلى المشتري غاية الأمر لو كان المشترى عالما بحال المبيع و أنه رهن و مع ذلك أقدم على شرائها فلا يثبت له خيار الفسخ و يثبت مع جهله لأن تعلق الرهن بالمبيع نقص فيه.

و ان شئت توضيح ذلك فلا حظ المسألة الاتية يعني بيع العبد الجاني فإنه يلتزم بصحة بيعه مع تعلق حق الجناية به و يقال ان تعلقه به لا يوجب خروجه عن ملك مولاه فيجوز بيعه و يعمه أحل اللّٰه البيع مع تعلق الجناية به حتى بعد انتقاله الى ملك المشترى مع ثبوت خيار الفسخ له مع جهله بحاله لنقصه باعتيار كونه معرضا للاسترقاق أو القصاص الموجب لذهابه على المشترى و في المقام ايضا لو امتنع المديون عن أداء دينه فللمرتهن استيفائه من الرهن و يكون ذهاب المال من المشترى كما لا يخفى.

(1) بناء على تعلق النهى ببيع الرهن كما إذا اعتمدنا على مرسلة المختلف أو ما في الخلاف فهل يكون بيعه موقوفا على اجازة المرتهن أو يكون كبيع الوقف و أم الولد في وقوعه باطلا ذكر (ره) بما حاصله ان الأظهر هو الأول كما هو مقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقد و إطلاق دليل حل البيع فان المانع

عن شمولهما و هو حق المرتهن في العين يسقط بإجازته و يدل عليه ايضا ما ورد في نكاح العبد بلا اذن سيده

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 166

أن التصرف المنهي عنه ان كان انتفاعا (1)

______________________________

فان ظاهره كما مر في بيع الفضولي أن كل عقد يكون النهى عنه باعتبار رعاية حق الآخر يرتفع عنه النهى و يتم ذلك العقد بسقوط ذلك الحق و رضا صاحبه به بخلاف ما إذا كان النهى عنه لمنع الشارع عنه وضعا بالأصالة فإنه لا يصح و لا يلحق به رضا اللّٰه و إمضائه.

بل يمكن استفادة لزوم عقد الراهن بإجازة المرتهن من فحوى صحة بيع الفضولي بلحوق رضا المالك به و الوجه في الفحوى نقص بيع الفضولي من جهة عدم استناده الى المالك و عدم رضاه به بخلاف المقام حيث أن النقص فيه من جهة عدم رضا المرتهن فقط و إذا كانت الإجازة في البيع فضولا مصححة للجهتين فتصحيحها الجهة الواحدة أولى.

نعم ربما يناقش في الفحوى على ما عن التذكرة بأن كل من أبطل بيع الفضولي و لم ير تمامه بالإجازة أبطل بيع الراهن و لم ير تمامه بإجازة المرتهن فان ظاهر ذلك عدم الفرق بين بيع الفضولي و بيع الراهن فلا يكون الثاني أولى بالصحة بالإجازة.

و لكن لا يخفى ما فيه كما لا يخفى ما فيما ذكره بعض المعاصرين من بطلان بيع الراهن و عدم تمامه بإجازة المرتهن باعتبار ان ظاهر النهى عن معاملة فسادها كالنهي عن بيع الوقف و أم الولد بخلاف ما إذا كان النهى عنه لكون المنهي عنه عنوانا ينطبق على المعاملة أحيانا و يعبر عن ذلك بالنهي عن المعاملة بعنوان خارج عنها فان

هذا النهى لا يقتضي فسادها.

(1) قد ذكرنا سابقا ان الأفعال الخارجية المتعلقة بمال الغير المحكومة بالحرمة عند صدورها لا تخرج الى الحلال بالإجازة لأن تلك الأفعال قد انتهت أمرها إما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 167

ربما يتجه الصحة فيما إذا كان الغرض (1)

______________________________

بالوجود فلا يمكن تركها أو الى الترك فلا يمكن فعلها فلا يتعلق الحكم التكليفي بها بعد انتهاء زمانها و لذا يحكم ببطلان الوضوء و الاغتسال بماء الغير حتى مع رضا مالكه فيما بعد فان بطلانهما باعتبار حرمتهما حين صدورهما و لا يكون انقلاب في الحرمة نعم ما يتعلق بمال الغير من الأفعال الاعتبارية التي لها أحكام وضعية كالعقود فيمكن تمام تلك الأفعال بالإجازة.

و قد فصل القائل المزبور فيها بأنها فيما كانت صادرة عن المالك لا تكون موقوفة لأن المعاملة الصادرة عن المالك أصالة لا نيابة و لو تعلق بها نهى تكون فاسدة و الا صحت فعلا بخلاف الاعتباريات الصادرة عن غير المالك فإنها لو وقعت على وجه الظلم و العدوان على المالك بحيث تكون محرمة فلا تصح بلحوق الإجازة كبيع الغاصب بخلاف ما إذا وقعت على وجه النيابة عن المالك فإنه لا يتعلق بها في الفرض نهى لتكون فاسده و هذا القسم يكون تماما بلحوق الإجازة و مما ذكر يظهر التفصيل في بيع المرتهن الرهن بلا اذن الراهن بخلاف بيع الراهن بلا اذن المرتهن فإن الثاني يكون فاسدا لحق به الإجازة أم لا بخلاف الأول فإنها تصح بالإجازة لو صدرت على وجه النيابة.

(1) يعني ربما يقال بصحة بيع المالك بلحوق إجازة ذي الحق فيما كان نهى المالك عن بيع ماله لرعاية مصلحة الآخر كنهي المشتري عن بيع الحصة التي

اشتراها فان الحجر عليه من بيع تلك الحصة لرعاية مصلحة الشريك الآخر ليتمكن من الأخذ بالشفعة و في هذا القسم يقال بصحة بيع المشترى المزبور فيما اجازه الشريك الشفيع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 168

و منع اقتضاء مطلق النهى لا لأمر خارج للفساد (1)

______________________________

أقول و على ذلك يكون بيع الراهن ايضا كذلك فان الحجر على الراهن باعتبار رعاية مصلحة المرتهن و المراد ب (هنا) في قوله فالقول بالبطلان هنا هو الأقوى هو بيع الراهن فتدبر.

(1) النهى عن معاملة ظاهره الإرشاد إلى فسادها يعنى عدم إمضاء الشارع لها و صرفه الى التكليف يحتاج الى قيام قرينة و مع قيام القرينة على كونه تكليفا فلا ملازمة بين المنع عن معاملة بمعناها المصدري و ثبوت أثرها على تقدير إنشائها و لذا لا يقتضي النهي عن معاملة فسادها حيث ان النهى عنها كما ذكر كون صدورها مبغوضا و اما ترتب الأثر عليها بعد صدورها أخذا بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و إطلاق دليل حل البيع بمعنى إمضائها فلا ينافي النهي المزبور و هذا حال النهى عن معاملة بعنوانها.

و اما إذا كان النهى عنها بعنوان آخر منطبق عليها فان كان ذلك العنوان منطبقا على المعاملة بمعناها المصدري فهو لا يزيد عن النهى عنها بعنوانها و إذا كان العنوان المزبور منطبقا على المعنى الاسم المصدري و الوفاء به كما إذا انطبق عنوان تقوية الكفر و تضعيف الحق و أهل الايمان أو ثبوت السبيل للكافر على المسلم على بيع العبد المسلم منه و الوفاء بها فالظاهر عدم صحة تلك المعاملة و ذلك فان كون المعنى الاسم المصدري مبغوضا مقتضاه عدم إمضاء الشارع له حيث ان إمضائه الملك المزبور تقوية للكفر و

جعل سبيل للكافر على المسلم.

و بتعبير آخر لا يمكن الأمر بالوفاء بتلك المعاملة المقتضى للقبض و الإقباض مع النهى عن تقوية الكفر و ترويج الباطل و جعل الكافر عاليا على المسلم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 169

و قد يتخيل وجه آخر (1)

______________________________

(1) و حاصله ان اجازة المرتهن كاشفة عن دخول العين في ملك المشترى من زمان بيع الراهن فيلزم ان يكون ملك غير المديون يعني المشتري رهنا و بتعبير آخر اجازة المرتهن في المقام نظير إجازة البائع في مسألة من باع شيئا ثم ملك ثم أجاز في عدم إمكان وقوع الإجازة كاشفة و وقوعها بغير نحو الكشف غير صحيح و وجه عدم الإمكان في تلك المسألة أنها لو كانت كاشفة عن انتقال المبيع إلى المشترى من حين بيع البائع لزم كون المبيع ملكا للمشتري بمقتضى إجازة البائع و ملكا لمالكه الاولى ليصح تملك البائع منه بعد بيعه كما يلزم في المقام كونه ملكا للمشتري ببيع الراهن و كونه رهنا ليصح للمرتهن أجازته.

و الجواب ان اجازه المرتهن كما تكون كاشفة عن انتقال المبيع إلى المشترى من زمان البيع كذلك تكون كاشفة عن تمام الرهن من ذلك الزمان فلا محذور.

و الحاصل ان المحذور في مسألة من باع شيئا ثم ملك فأجاز لا يجري في اجازة المرتهن نعم يجرى مثل المحذور في مسألة افتكاك الرهن بعد بيع الراهن فيلزم كون ما هو ملك المشترى رهنا بحسب الواقع على دين الغير إلى زمان افتكاكه فبيع الراهن قبل افتكاك الرهن أو إبراء المرتهن أو إسقاط حقه يشبه مسألة من باع شيئا ثم ملك و على الجملة فرق بين اجازة المرتهن و فك الرهن أو الإبراء فإنه و

ان يسقط حق الرهانة بكل منها الا أن مبدء السقوط في الإجازة من حين بيع الراهن و لذا يدخل البيع المزبور في دليل حل البيع و وجوب الوفاء بالعقد و لكن مبدء انتهاء الرهن في الفك أو الإبراء زمانهما لا حال البيع و لذا يكون دخول البيع المزبور في إطلاق دليل حل البيع و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ مبنيا على جواز التمسك بالعام بعد خروج فرد منه و على تقدير الدخول يكون مقتضاه النقل كما يأتي.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 170

و يحتمل عدم لزوم العقد بالفك كما احتمله في القواعد (1) و لكن الإنصاف ضعف الاحتمال المذكور (2)

______________________________

(1) و حاصله أنّه لا دليل في البين على تمام بيع الراهن و لزومه بفك الرهن أو إبراء المرتهن أو إسقاطه حقه و ذلك فان بيع الراهن حال حصوله كان خارجا عن عموم وجوب الوفاء بالعقد و عن إطلاق حل البيع و بعد انقضاء الرهن بما ذكر لا يمكن التمسك بهما لما تقرر في محله من عدم جواز التمسك بالعام أو المطلق فيما إذا خرج فرد عنهما في زمان و شك في حكم ذلك الفرد بعد ذلك إلا إذا كان للعام أو المطلق عموم أو إطلاق زماني بأن يجب الوفاء في كل زمان بوجوب مستقل و لكن الثابت وجوب واحد مستمر و الحلية الثابتة حكم وضعي لا تكليفي فضلا عن كونها زمانية.

و الحاصل يكون المقام من موارد حكم الخاص يعنى استصحاب عدم لزوم البيع المزبور و عدم إمضائه و بقاء الرهن على ملك الراهن بل ما ورد في نكاح العبد من عدم تمامه بمجرد عتقه فيما إذا كان نكاحه بغير اذن سيده ظاهره ان خروج نكاحه

عن عموم وجوب الوفاء بالنكاح حال حدوثه كاف في الحكم بعدم تمامه بالعتق و لا فرق بين النكاح المزبور و بيع الراهن من هذه الجهة.

(2) المراد بالاحتمال هو احتمال بطلان بيع الراهن و عدم تمامه بفك الرهن أو الإبراء و إسقاط المرتهن حقه و وجه ضعفه انه لا مجال لاستصحاب عدم تمام بيع الراهن بعد حصول أحدها فإن عدم تمامه باعتبار تزاحم حق المرتهن مع وجوب الوفاء ببيع الراهن و الترجيح لحق المرتهن لكونه أسبق و إذ سقط الحق المزبور بقي وجوب الوفاء بالبيع بلا مزاحم فالمقام من مورد التمسك بعموم وجوب الوفاء بالعقد.

و بهذا يظهر الفرق بين تمام البيع بعد انقضاء الرهن و بين نكاح العبد بلا اذن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 171

و محصله مقتضى القاعدة النقل (1) و من أجل ذلك جوزوا عتق الراهن هنا (2)

______________________________

مولاه حيث لا يصح الثاني بعتقه بعد النكاح حيث ان نكاح العبد كان خارجا عن عموم وجوب الوفاء بالعقد لقصور المقتضى حيث ان العبد لقصوره لا يستقل في نكاحه و عدم تمام بيع الراهن كان لوجود المزاحم لا لقصور البائع.

أقول لا فرق بين الأمرين و التعبير بان خروج نكاح العبد عن عموم وجوب الوفاء بالعقد لقصور المقتضي أي لقصور نكاحه و عدم استقلال العبد في عقوده و إيقاعاته بلا منافاة بين كونه زوجا و كونه عبدا بخلاف خروج بين الراهن فإنه ليس لقصور عقده بل لكون بيعه منافيا لكون ماله رهنا لا يخفى ما فيه فإنه إذا فرض ان رسول اللّٰه (ص) قد منع عن بيع الراهن و بذلك خرج البيع المزبور عن عموم وجوب الوفاء بالعقد يكون التمسك به بعد انتهاء الرهن

بالفك أو الإبراء من التمسك بالعام الدال على الحكم الاستمراري بعد خروج فرد منه في زمان كما أنه قد خرج نكاح العبد عن العموم المزبور بما دل على اعتبار اذن المولى في نكاح عبده فالتعبير عن أحدهما بالمانع و عن الآخر بعدم تمام المقتضى مجرد تعبير و الا فالموضوع لوجوب الوفاء بعد ورود التخصيص عليه العقد الذي لا يكون من الراهن بلا إذن مرتهنه و النكاح الذي لا يكون من عبد بلا اذن مولاه فتدبر.

(1) قد تقدم في بحث الفضولي ان مقتضى القاعدة الكشف الحكمي لا النقل المعروف.

(2) أى و من أجل كون الإجازة في المقام من قبيل رفع المانع جوز و أعتق الرهن مع لحوق اجازة المرتهن به مع انهم ذكروا بعدم جريان الفضولية في الإيقاعات

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 172

ثم ان لازم الكشف كما عرفت (1)

[الثالث من شروط العوضين القدرة على التسليم]

الثالث من شروط العوضين القدرة على التسليم (2)

______________________________

فيعلم بذلك ان عدم جريانها يختص بموارد تكون الفضولية فيها باعتبار قصور المقتضى و لذا جواز العلامة عفو الراهن عن الجناية على عبده المرهون مشروطا بفك الرهن في المستقبل فلا مجال لتوجيه عتق الراهن بلحوق أجازته بكون بناء العتق على التغليب.

(1) لا يخفى ان تمام العقد يكون بالإيجاب و القبول و بإجازة المرتهن على الفرض و قبل ذلك لا يكون في البين وجوب للوفاء على ما تقدم و لو فرض القول بان وجوب الوفاء انحلالي يثبت للأصيل قبل تمام العقد فالوفاء به عبارة عن عدم نقضه بإبطال إنشائه لا وجوب تكميل العقد و إتمامه و لو بدفع حقوق الغير أو طلب الاسقاط من ذي الحق و لذا لا يجب على من باع مال الغير شراء

ذلك المال من المالك ليدفعه إلى المشتري بناء على القول بالصحة في مسألة من باع شيئا ثم ملك.

(2) يعنى من شروط العوضين كون تسليمهما مقدورا نظير ما يذكر في ناحية كون مقدار هما معلوما ثم انه قد لا يكون الشي ء مع عدم التمكن على تسليمه مالا و لا يقع مورد رغبة ليبذل له مال و هذا لا إشكال في عدم جواز بيعه و لو ان الشي ء بعدم القدرة عليه لا يخرج عن ملك الشخص كما إذا طار الطائر الذي لا يرجى عوده أو وقعت السمكة التي اصطادها في البحر ثانيا فإنه لو رجع الطائر اتفاقا أو وقع بيد الآخر أو اخرج السمك عن الماء كذلك كان ملكه و لا يجوز للآخر تملكهما بلا رضاه فعدم أواخر السمك عن الماء كذلك كان ملكه و لا يجوز للآخر تملكهما بلا رضاه فعدم جواز بيعهما لعدم كونهما من الأموال و في صحيحة البزنطي قال سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن الرجل يصيد الطير الذي يسوى الدراهم كثيرة و هو مستوي الجناحين و هو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 173

..........

______________________________

يعرف صاحبه أ يحل له إمساكه فقال إذا عرف صاحبه رده عليه و ان لم يكن يعرفه و ملك جناحه فهو له و ان جائك طالب لا تتهمه رده عليه فان ظاهرها عدم خروج الشي ء بعدم القدرة عليه عن كونه ملكا كما لا يخفى.

و الحاصل ان الكلام في المسألة فيما إذا لم يخرج الشي ء مع عدم القدرة على تسليمه عن كونه مالا لوجود المنفعة المقصودة فيه حتى مع عدم التمكن عليه كما في العبد الآبق حيث يمكن عتقه في كفارة أو غيرها و هذا منفعة مقصودة

أو كونه مالا لاحتمال الظفر به كما في غالب الأشياء حيث أنها لا تخرج عن المالية رأسا مع احتمال الظفر بها كما ان ما لا يكون من غير المقدور ملكا للبائع كالسموك في البحار خارج عن البحث في المقام فان عدم جواز بيعها باعتبار عدم ملكها للبائع لا على عدم تمكنه على تسليمها و لذا لو كان متمكنا على تسليمها و لو بالاصطياد بعد البيع لم يصح بيعها.

و بتعبير آخر الكلام في المقام في اعتبار القدرة على التسليم بعد الفراغ عن تمام البيع من سائر الجهات.

ثم أنه ذكر النائيني (ره) ان الشي ء مع عدم التمكن على تسليمه يخرج عن كونه مالا و هذا هو الوجه في ذكر القدرة على التسليم في شرائط العوضين لا في شرائط المتبايعين و قال يذكر في كلمات الفقهاء بطلان البيع مع عدم القدرة على التسليم و يذكر فيها ايضا ان تعذر التسليم يوجب الخيار للطرف الآخر و الفرق ان في مورد التعذر لا يتمكن البائع على تسليمه و لكن يتمكن المشترى على الظفر به و في هذه الصورة يصح البيع و لكن يثبت للمشتري مع جهله بالحال خيار الفسخ و كذا فيما إذا تساهل البائع في تسليم المبيع إلى المشتري حتى تعذر تسليمه فان هذا يوجب الخيار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 174

..........

______________________________

أقول لو صح ما ذكره أولا من خروج الشي ء بعدم القدرة عليه عن كونه مالا لزم الحكم بفساد البيع فيما إذا تساهل في التسليم حتى إذا تعذر بطريان تعذر التسليم فيكون مالية المبيع متلفا قبل التسليم نظير انقلاب الخل الى الخمر قبل تسليم إلى المشتري أو تعيب المبيع بعيب يخرج معه عن كونه مالا.

و

دعوى ان التلف قبل القبض يختص بموارد التلف الحقيقي يدفعها ملاحظة مسألة انقلاب الخل خمرا و تعيب المبيع بعيب موجب لخروجه عن المالية قبل تسليمه الى المشترى و الصحيح ان مسألة تعذر التسليم الموجب للخيار ما إذا أحرز التمكن عليه و لكن لا يحصل هذا التمكن في الزمان المعين مع استحقاق المشتري المطالبة فيه كما في بيع السلم و يفرض ذلك في بيع الأعيان الشخصية كما إذا أحرز فيها التمكن على التسليم و لكن لم يقع هذا التمكن في زمان استحقاق المشترى التسليم نظير الأموال المستوردة من الخارج التي تباع قبل وصولها الى يد بائعها و ربما يتأخر وصولها بحيث لا يتمكن بائعها على تسليمها في الزمان المقرر للتسليم و هذا لا يوجب بطلان البيع و لا يكشف عن بطلانه بل يثبت للمشتري خيار الفسخ لأن مرجع ذلك الى التخلف في شرط القبض كما لا يخفى.

ثم انه يستدل على اعتبار القدرة برواية النهي عن بيع الغرر حيث يصدق عنوان بيع الغرر على بيع ما لا يتمكن فيه على التسليم و التسلم كما يشهد بذلك ما في كلمات اللغويين و الفقهاء من التمثيل لبيع الغرر ببيع الطير في الهواء و السمك في البحر.

و بتعبير آخر المعنى الظاهر للغرر و لو قلنا بعدم إحرازه تفصيلا الا ان صدقه على موارد عدم التمكن على تسليم الشي ء و تسلمه محرز كما هو مقتضى التمثيل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 175

..........

______________________________

المزبور كما يصدق عليه في الجملة المنقول عن أمير المؤمنين (ع) ان الغرر عمل ما لا يؤمن معه من الضرر و لا يبعد ان يكون المنقول عن الصحاح و هو كون الغرر بمعنى الخطر يساوق النقل

المزبور حيث ان الخطر هو الاشراف و العرضة للتلف سواء كان المتلف مالا أو نفسا و هذا ظاهر القاموس ايضا حيث ذكر غرر بنفسه تغريرا أو تغره أشرفها على الهلكة و الاسم الغرر محركة و عن النهاية ان بيع الغرر ما كان له ظاهر يغر المشترى و باطل مجهول يعنى ما كان له ظاهر يدعو إلى شرائه مع الجهل بباطنه و عن الأزهري بيع الغرر ما كان على غير عهدة و لا ثقة أي لا يكون بايعه متعهدا به و كأنه يعم عدم العهدة بتسليمه الى المشترى و لا يكون ثقة بحصوله و وصوله الى يد مشتريه.

و ذكر المصنف (ره) و بالجملة فالكل متفقون على أخذ الجهالة في معنى الغرر و لعل استفاد ذلك بان كون الشي ء عرضة للتلف و الضرر يكون بالجهل بالحال سواء كان الجهل متعلقا بأصل وجود المبيع أو بأوصافه كما و كيفا أو بحصوله بيد المشترى.

و لكن قد يقال ان الغرر يختص بموارد الجهل بصفات المبيع و مقداره و لا يعم موارد الجهل بحصوله له بيد المشترى و الا لكان بيع كل مبيع غائب غرريا خصوصا إذا كان المبيع حال بيعه في الطريق البحري لاحتمال غرق السفينة و ضياع المال و في بيع الثمار و الزرع حيث يحتمل تلفهما بالآفة عدم وصولهما بيد المشترى.

و بتعبير آخر لا خطر في بيع المجهول حاله بالإضافة إلى التسليم و التسلم خصوصا بعد جبر ذلك بالخيار على تقدير اتفاق التعذر و أجاب (ره) عن ذلك بان الخطر من حيث الجهل بحصول المبيع بيد المشترى و عدمه أعظم من الجهل بصفات

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 176

و لو اشترط ان يبدو الصلاح

لا محالة كان غررا عند الكل (1)

______________________________

المبيع حيث في الثاني يعلم بحصول المبيع بيد المشترى و لو مع عدم العلم بخصوصياته و في الأول لا يعلم حتى بحصول شي ء بيد المشترى لاحتمال ذهاب مال المشترى من من غير ان يحصل له عوضه.

و المتحصل انه لا مجال لدعوى اختصاص الغرر بالجهل بالصفات و المقدار بشهادة التمثيل للغرر ببيع السمك في الماء و الطير في الهوى و دعوى ان التمثيل بهما باعتبار الجهل بصفات المبيع يدفعها ملاحظة كلمات الفقهاء و تمثيلهم بها للعجز عن التسليم أضف الى ذلك شهرة الاستدلال على اعتبار القدرة على التسليم في كلمات العامة و الخاصة بالنبوي المزبور.

و عن الشهيد (ره) في قواعده ان الغرر شرعا هو الجهل بالحصول و بيع مجهول الصفة لا يكون غررا و ان النسبة بين الجهل بالصفة و الجهل بالحصول العموم من وجه يجتمعان في عبد آبق لا يعلم وصفه و يفترقان في المكيل و الموزون إذا لم يعتبر ليعلم الكيل أو الوزن فان ذلك بيع مجهول و لا يكون غررا و في عبد آبق معلوم الصفة حيث يكون بيعه غررا من غير كونه بيعا مجهولا و المراد بالجنس في قوله (و يتعلق الجهل و الغرر تارة بالوجود.) هو الحقيقة كحب لا يدرى انه حنطة أو شعير و بالنوع وصف الحقيقة كعبد لا يدرى انه زنجي أو رومي كبير أو صغير الى غير ذلك كما ان مراده بالغرر هو الجهل لا معناه الشرعي الذي ذكره أولا.

(1) مراده ان بيع الثمرة قبل بدو صلاحها مع اشتراط ان يبدو صلاحها مستقبلا غرر عند الكل و نظيره في الغرر بيع الزرع على ان يصير سنبلا ثم ذكر ان الغرر أى الجهالة

قد تكون في المبيع بالإضافة إلى جهاته التي لها مدخل ظاهر في ماليته كمقداره

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 177

حيث ذكر في مسألة تعين الأثمان (1) و لعله كان على وجه خاص (2) و لكن هذا الفرد يكفى (3)

______________________________

و أوصافه فهذه الجهالة توجب بطلان البيع إجماعا و قد تكون بالإضافة إلى الجهات التي تسامح فيها عادة لقلة دخلها في ماليته كأس الجدار و قطن باطن الجبة و عدم العلم بأنه من قسم الجيد أو غيره فإن الجهالة في مثل ذلك لا يضر بصحة البيع و قد يردد الجهة في أنها من الجهة الظاهرة الموجب الجهل بها بطلان المعاملة أو أنها من الجهة التي يتسامح فيها و في كون الجهالة مع تردد الجهة موجبة للبطلان أم لا خلاف كالجزاف في أوصاف العين المستأجرة أو في رأس المال في المضاربة و كالجهالة في الثمرة المباعة قبل بدو صلاحها بلا اشتراط صلاحها و بيع الآبق بلا ضميمة.

(1) كأنه يستفاد من كلامه في شرح الإرشاد معنى آخر للغرر و قد ذكر ذلك المعنى في مسألة جواز كون الثمن في البيع شخصيا حيث منعه العامة بدعوى ان البيع مع كون الثمن شخصيا غرري لإمكان ظهور تلفه أو كونه مستحقا للغير فيبطل البيع حيث منع عن كون البيع مع الثمن الشخصي غرريا فان الغرر هو الاحتمال المجتنب عنه في العرف بحيث يوبخ على عدم اجتنابه و يرد على ذلك ما ذكره في المتن من ان شراء المردد بين الذهب و الفضة بقيمة الفضة لا يكون غرريا كما يرد على استدلال العامة في مسألة تعين الأثمان أنه لو صح ما ذكر لما جاز كون المبيع ايضا شخصيا.

(2) بان

كان نبذ الحصاة أو الثوب معينا للمبيع كما إذا جرى المبيع على مبهم بشرط تعيينه بعده بالنبذ.

(3) مجرد كون بيع سفهيا لا يوجب بطلانه و ليس كونه عقلائيا من شرائطه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 178

منها ما اشتهر عن النبي (ص) من قوله لا تبع ما ليس عندك (1)

______________________________

بعد حصول تمليك عين بعوض و كون كل من العين و عوضه مالا نعم بيع السفيه باعتبار الحجر عليه في أمواله محكوم بالبطلان و اما كون أكل المال في مقابله باطلا فلا يعم بل يختص بما إذا لم يكن المبيع مع عدم التمكن عليه مالا بأن لم يكن من قبيل العبد الآبق.

و دعوى ان مثل العبد ايضا مع عدم التمكن عليه يخرج عن كونه مالا و ان بقي على ملك مالكه لا يمكن المساعدة عليها و لذا ذكروا جواز بيع العبد الآبق بلا ضميمة ممن ينعتق عليه نعم مع عدم المالية له يكون أكل العوض في مقابله باطلا و ان لم يخرج مع عدم التمكن عن الملكية و لذا لو اتفق عوده يكون لمالكه كما لا يخفى.

(1) و تقريب الاستدلال بهذا النبوي المروي من طرق أصحابنا أيضا هو انه ليس المراد به بيع خصوص ما لا يملكه البائع و الا لكان الأنسب ترك الكناية و الإتيان باللام الظاهرة في الملك بان كان التعبير كذا لا تبع ما ليس لك و ايضا ليس المراد خصوص ما لا يتمكن على تسليمه الى المشترى مع كونه ملكا لبائعه فإن هذا ينافي استدلال الفقهاء على حكم من باع شيئا ثم ملكه حيث ان المفروض في تلك المسألة التمكن على الإقباض في زمان استحقاق التسلم خصوصا فيما إذا

كان البائع فيها وكيلا في بيعه و لو عن نفسه بان يبيع المال من شخص آخر أو من نفسه.

و الحاصل ان المراد بقوله ما ليس عنده ما لا يكون لبائعه سلطنة تامة سواء كان عدمها من جهة عدم الملك أو من جهة عدم تمكنه على التسليم و الإقباض و هذه السلطنة التامة من شرائط البيع.

لا يقال على ذلك فلا يصح بيع الفضولي فإنه يقال ما دل على صحته يكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 179

..........

______________________________

مخصصا لهذا النبوي أو يقال ان النهى عن البيع المزبور إرشاد الى عدم وقوعه لبائعه فلا ينافي وقوعه لمالكه مع إجازته فإنه عند استناد البيع الى المالك بإجازته لا يكون بيعه داخلا في المنهي عنه.

لا يقال لا يمكن الاستدلال في المسألة بالنبوي المزبور لان المراد منه هو بيع عين خارجية لا يملكها ثم تملكها بالاشتراء أو غيره عن مالكها و تسليمها إلى المشتري الأول فإنه يقال لا قرينة في البين على اختصاص المراد به و في حديث المناهي قال و نهى عن بيع و سلف و نهى عن بيعين في بيع و نهى عن بيع ما ليس عندك و وروده جوابا لحكيم بن حزام و قد سئله عن بيع الشي ء قبل تملكه على ما رواه العامة لا يوجب تخصيصا في عمومه.

لا يقال عموم الجواب باعتبار ان الجواب لا يختص بالحكيم بن حزام بل يعم كل من كان من قبيله بان باع مال الغير ثم تملكه و دفعه الى مشتريه على ما هو شأن الدلال.

و اما عمومه بالإضافة إلى بيع ملكه مع عدم قدرته على تسليمه فلا يكون شأن الدلال.

فإنه يقال لو سلم كون الحكيم بن الحزام دلالا

كان يبيع مال الغير لنفسه أو لغيره الا انه لا مانع من توجيه خطاب اليه تتضمن الكبرى الكلية المتضمنة للحكم في بيع مال الغير لنفسه و الحكم في بيع ماله مع عدم التمكن على تسليمه أضف الى ذلك ورود النهي في مناهي رسول اللّٰه (ص) مستقلا من غير سبق سؤال.

نعم ناقش المصنف (ره) في الاستدلال المزبور بان مفاد النبوي بل حديث النهى عن بيع الغرر عدم تمام البيع مع عدم السلطنة التامة لبائعه فلا ينافي وقوعه مراعى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 180

..........

______________________________

بحصول تلك السلطنة فلو حصلت في زمان لا يفوت مع التسليم فيه الانتفاع المعتد به من المبيع كفى.

و دعوى ان النهى عن بيع ما ليس عنده كالنهي عن بيع الغرر ظاهر في فساده رأسا يدفعها بان الأمر في المقام دائر بين حمل النهى على الإرشاد إلى الفساد المحض بتخصيص النهى المزبور في بيع الراهن الذي يتم بلحوق اجازة المرتهن و في بيع ما يملكه البائع بعد بيعه كما إذا باع الوارث عن مورثه ما يملكه بموته فإنه إذا أجاز الوارث ذلك البيع بعد موته تم البيع على أحد الأقوال و كذا بيع المولى عبده الجاني عمدا حيث لا سلطنة تامة لبائعه باعتبار كونه معرضا للقصاص أو الاسترقاق و مثله بيع المالك المحجور سواء كان الحجر عليه لكونه رقا أو سفيها أو مفلسا حيث يتم البيع بإجازة المولى أو الولي أو الغرماء و بين حمل النهى عن بيع ما ليس عنده على عدم تمام البيع مع عدم السلطنة التامة و كونه مرعى و لا ترجيح للأول على الثاني.

أقول يتعين في المقام الالتزام بالأول و إلا لزم القول بعدم تعين تخصيص

العموم فيما إذا دار الأمر بين تخصيصه أو حمل الحكم في العام على ما لا ينافي العموم مثلا إذا ورد في خطاب أكرم العلماء و في خطاب آخر عدم وجوب إكرام زيد و عمرو و خالد و دار الأمر بين تخصيص العام و الالتزام بالوجوب في باقي الافراد أو حمل الأمر في العام على الاستحباب و الأخذ بعمومه فإنه يتعين ترجيح التخصيص بلا كلام هذا أولا.

و ثانيا ان مفاد حديث النهى عن بيع الغرر غير مفاد النهى عن بيع ما ليس عنده فان مفاد الثاني اعتبار القدرة على التسليم في ظرف لزوم الوفاء بالبيع و لا يعتبر تحققها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 181

و منها ان لازم العقد وجوب التسليم وجوبا مطلقا (1).

______________________________

حال البيع نعم لا بد من إحرازها بوجه معتبر حال البيع لئلا ينطبق على البيع عنوان بيع الغرر و دعوى كفاية انتفاء الغرر بعد البيع لا يمكن المساعدة عليها فان ظاهر النبوي اعتبار عدم كون البيع في تحققه غرريا و لذا لا يصح البيع بمعلومية مساحة المبيع و عدده بعد البيع.

و مما ذكر يظهر انه لو أحرز وصول المبيع بيد المشترى و لو مع عدم تمكن البائع على التسليم كفى في انتفاء الغرر و اعتبار التمكن على التسليم كما يأتي لوصول المبيع بيد المشترى لا لخصوصية في تسليم البائع.

ثم انه في الاعتماد في اعتبار التمكن على التسليم أو التسلم على حديث النهى عن بيع الغرر اشكال لضعف الرواية سندا بل دلالة فإن الجهل بوصول المبيع بيد المشترى لا يوجب صدق الغرر على نفس البيع الذي في حقيقته تملك عين بعوض و الأصحاب في حكمهم في اعتبار القدرة لعلهم اعتمدوا

على ما ورد في بيع مثل العبد الآبق بلا ضميمة و مما ورد في بطلان البيع بالتلف قبل القبض و غير ذلك فلا مجال لدعوى انجبار ضعفه سندا بل دلالة بعملهم كما لا يخفى.

(1) و توضيحه ان كل تكليف و منه وجوب تسليم المبيع إلى المشتري مشروط بالتمكن على متعلقة و لو بنحو الشرط المتأخر و على ذلك فان كانت القدرة على التسليم متحققة في المعاملة تصح مع تحققها فعلا التكليف الفعلي بالتسليم بخلاف ما إذا احتمل حصولها مستقبلا فإنه لا يصح التكليف الفعلي به و انما يصح إيجابه بنحو الاشتراط و التعليق بحصوله مستقبلا و بما أن المستفاد من خطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ترتب التكليف الفعلي بتسليم العوضين على العقد فيستكشف من ترتبه عليه اعتبار تحقق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 182

..........

______________________________

القدرة على التسليم في صحته.

و الجواب عن هذا الاستدلال ظاهر فإنه لا يستفاد من وجوب الوفاء بالعقد ترتب وجوب التسليم فعلا بل يترتب عليه مطلق وجوب التسليم سواء كان فعليا أو مشروطا بحصول التمكن على التسليم مستقبلا فلا حظ طريان العجز على التسليم بعد تمام العقد و بعد التمكن عليه حيث لا يكون التكليف بالتسليم بعد طريانه الا مشروطا بحصول القدرة و ان شئت فلا حظ وجوب الوفاء بالنذر فإنه يترتب على تمام النذر و كما إذا نذر التصدق بدرهم على تقدير شفاء ولده مستقبلا لا يكون وجوب التصدق فعليا بمجرد النذر كذلك البيع في المقام حيث لا يتضمن في المقام الا الالتزام بدفع المبيع إلى المشترى على تقدير الظفر به مستقبلا.

و قد يعترض لهذا الجواب بأن الأصل عدم تقييد الوجوب كما يرد هذا الاعتراض بأن الأصل عدم اشتراط البيع

على تحقق القدرة على التسليم و كل من الاعتراض و الرد فاسد اما الاعتراض فلأن المستفاد من أَوْفُوا بِالْعُقُودِ على تقدير كونه تكليفا ليس الا مطلق وجوب التسليم لا وجوبه الفعلي بلا تقدير كما ذكرناه في وجوب الوفاء بالنذر و مقتضى الأصل العملي أيضا هو مطلق الوجوب حيث انه المتيقن كما لا يخفى.

و اما الرد فلان اشتراط البيع بالتمكن على التسليم مقتضى الأصل العملي حيث ان الأصل في المعاملات الفساد و لو أريد من الأصل التمسك بإطلاق حل البيع فله وجه على تقدير عدم تمام الدليل على التقييد من حديث النهى عن بيع الغرر أو الروايات الواردة في بيع مثل العبد الآبق مع الضميمة فتدبر جيدا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 183

ثم ذكر اختلاف الأصحاب في مسألة الضال و الضالة (1)

______________________________

(1) كان مراد صاحب الجواهر (ره) ان اختلافهم في تلك المسألة باعتبار عدم تسالمهم على اشتراط القدرة على التسليم و الا كان مقتضى لزوم إحراز الشرط عدم جواز بيعهما فالمقدار المتيقن كون العجز مانعا فلا يجوز البيع مع إحرازه لا مع الشك فيه لان مقتضى الأصل عدم المانع.

و أورد عليه المصنف (ره) أولا بأن العجز لا يمكن اعتباره مانعا عن البيع فإنه أمر عدمي و المانع يكون وجوديا يمنع عن الأثر و التقابل بين القدرة و العجز تقابل العدم و الملكة فيطلق العجز على عدم القدرة فيما يمكن اتصافه بالقدرة باعتبار شخصه أو كليه.

أقول المانع في المعاملات و العبادات غير المانع المعد عدمه من اجزاء العلة التامة حيث ان المانع المزبور لا يمكن كونه امرا عدميا لان العدم لا يمنع عن تأثير شي ء بل المراد به ما يكون عدمه مأخوذا في متعلق

الحكم أو موضوعه وضعيا كان أو تكليفيا و تقييد المتعلق أو الموضوع في جعل الحكم كتقييد هما بأمر وجودي أمر ممكن.

و بتعبير آخر لو كان التقييد بأمر وجودي فيطلق على ذلك الأمر الوجودي الشرط و لو كان بأمر عدمي يطلق على ذلك الأمر العدمي المانع فالمانعية ترجع الى الاشتراط لا محالة و بهذا يظهر ان ما ذكر- من ان الالتزام برجوع المانع في حقيقته الى الاشتراط فرار من المطر الى الميزاب لان العدم إذا لم يمكن كونه مانعا فكيف يمكن كونه شرطا حيث ان الشرط ما يكون واسطة في التأثير- لا يخفى ما فيه من خلطه بين الشرط الفلسفي و الشرط باصطلاح الفقيه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 184

..........

______________________________

و أورد المصنف (ره) ثانيا بأنه لا مجال للفرق بين كون شي ء شرطا أو عدمه مانعا و انما يكون الفرق فيما إذا كان في البين أمر ان وجوديان مثل الفسق و العدالة و دار الأمر بين كون الفسق أى المعصية مانعا عن جواز الاقتداء في الصلاة مثلا أو العدالة شرطا فان في مثل ذلك يجوز الاقتداء مع الشك في عدالة الشخص و فسقه بناء على مانعية الفسق باستصحاب عدم كون الامام فاسقا و اما بناء على اعتبار العدالة فالأصل عدم كونه عادلا فلا يجوز الاقتداء به.

و السر في عدم الفرق في المقام هو ان مع استصحاب عدم القدرة على التسليم يحرز عدم صحة بيعه فان كانت القدرة شرطا فباعتبار عدم الشرط و ان كان العجز مانعا فباعتبار وجود المانع حيث ان العجز هو عدم القدرة و لو كانت الحالة السابقة هي القدرة فيحكم بالصحة على كلا الفرضين و هذا في الشبهات الموضوعية و اما

الحكمية فكما إذا شك في ان الشرط في البيع القدرة على التسليم في الجملة أو مستمرا و ان المانع العجز حال العقد أو مستمرا ففي غير مورد الدليل على الاشتراط أو المنع يؤخذ بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و إطلاق دليل حل البيع بلا فرق بين اشتراط القدرة أو مانعية العجز.

و قد يقال ان استصحاب بقاء القدرة على التسليم لا يثمر في إحراز الشرط فان الشرط هو التمكن على تسليم العوضين و استصحاب التمكن على تسليم ماله الى الغير لا يثبت التمكن على تسليم المال بعنوان العوضين و لكن لا يخفى ما فيه من الوهن فان عنوان التمكن على تسليم العوضين مذكور في كلمات الأصحاب و اما الوارد في الأدلة أى المستفاد من النهى عن بيع ما ليس عنده اعتبار كون المال تحت سلطانه

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 3، ص: 185

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 185

ثم ان العبرة في الشرط المذكور انما هو زمان استحقاق التسليم (1)

______________________________

في جواز بيعه.

و ايضا قد يقال ان استصحاب بقاء القدرة أو استصحاب العجز يثمر بناء على كون القدرة على التسليم شرطا أو كون العجز مانعا كما إذا اعتمدنا على النهى عن بيع ما ليس عنده و اما إذا اعتمدنا على النهى عن بيع الغرر فبمجرد الجهل بكون المال في سلطانه يثبت الغرر في البيع فيحكم بفساده و لكن يمكن الجواب بان استصحاب القدرة يرفع الغرر فان مفاد دليل الاستصحاب اعتبار المكلف عالما بالبقاء كما ذكرنا ذلك في وجه قيام الاستصحاب مقام القطع المأخوذ في

الموضوع و الحاصل ما نحن فيه من قبيل استصحاب بقاء المبيع على كيله السابق أو وزنه السابق في ارتفاع الغرر.

ثم ان اختلاف الأصحاب في مسألة الضال و الضالة فليس وجهه ان القدرة شرط أو العجز مانع بل وجهه خلافهم في جريان دليل نفى الغرر في بيعهما حيث لا يكون على المشترى مع عدم قبض المبيع ضمانه بل ضمانه على بايعه قبل القبض فيقال لا غرر و لذا من التزم بالصحة حكم ببطلان البيع من زمان ظهور العجز لا من الأول و لو كان العجز الواقعي مانعا لقال بانكشاف البطلان من الأول.

(1) حاصل ما ذكر (ره) في المقام أنه لا يعتبر التمكن على التسليم في بيع لا يكون فيه استحقاق التسليم أصلا كما في بيع العبد ممن ينعتق عليه و كما في بيع الشي ء ممن يكون ذلك الشي ء بيده و كذا لا يعتبر التمكن على التسليم في زمان لا يكون فيه استحقاق التسليم للآخر فلا يضر عدم التمكن عليه حال الإيجاب أو القبول في جميع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 186

..........

______________________________

البيوع أو بعد البيع فيما إذا باع على اشتراط التأخير في التسليم الى زمان كبيع السلف أو النسيئة.

و يتفرع على عدم اعتبار التمكن على التسليم قبل تمام العقد أنه لا بأس بعدم التمكن على التسليم في بيع الفضولي قبل اجازة المالك حيث ان المشترى لا يستحق التسليم قبل أجازته و هذا على النقل ظاهر و اما على الكشف يعنى الحقيقي فلا يخلو عن الاشكال باعتبار ان المعاملة لازمة على الأصيل واقعا مع أنه لا يتمكن على تحصيل ما انتقل اليه فيكون البيع المزبور باعتبار عدم تمكنه على تحصيل ماله غرريا و يجرى

هذا الإشكال في مثل بيع الرهن ايضا قبل اجازة المرتهن أو فك الرهن و لا يجرى فيما إذا كانت المعاملة فضولية من الطرفين.

و ايضا يتفرع على عدم اعتبار التمكن على التسليم في غير زمان الاستحقاق انه لو لم يتمكن على التسليم في بيع الصرف الى زمان ثم اتفق القبض تم به البيع المزبور و هذا لعدم انتقال المال قبل القبض ليقال ان البيع مع انتقال المال الى الطرف و عدم تمكنه على تحصيل ذلك غرر و بتعبير آخر يكون عدم التمكن على التسليم في موارد اشتراط القبض نظير عدم تمكن المشترى على تحصيل المبيع حال إيجاب البائع أو حال قبوله في عدم إيجابه الغرر و الى ذلك يشير (ره) و كذا لو لم يقدر على تسليم ثمن السلم. يعنى لا يقدح في المعاملة عدم التمكن على تسليم ثمن السلم لان نفس تسليم الثمن شرط فيه و لو وقع التسليم تم البيع بلا غرر و لو لم يقع فلا بيع ليكون غرريا.

و على ذلك فلو كان عند إنشاء السلم متمكنا على التسليم و بعد إنشائه لم يتمكن على التسليم فبعروض العجز لا يكون البيع غرريا لان المفروض عدم تمام البيع ليكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 187

..........

______________________________

غرريا بل لو كان عروض العجز بعد الإنشاء معلوما حال العقد فلا يضر ذلك في صحة بيع السلم و تمامه لو اتفق التسليم قبل تفرقهما و قد تحصل مما ذكر أمران:

الأول- ان المعتبر من التمكن على التسليم حصول التمكن في زمان يستحق الآخر فيه التسلم فلا اشتراط في بيع لا يكون فيه استحقاق التسلم أصلا كبيع العبد ممن ينعتق عليه أو بيع المال ممن جرى يده

على المال مع الضمان كبيع العين المستعارة من مستعيرها المشروط عليه ضمانها كما لا اشتراط بالإضافة الى غير زمان استحقاق التسلم نظير بيع السلم و بيع النسيئة.

و الثاني انه يثبت الغرر في البيع أو غيره مع عدم التمكن على التسليم و يبطل به البيع في غير موارد يعتبر فيها اشتراط التسليم في نفس المعاملة كما في بيع الصرف و السلم و الرهن و غير ذلك مما يعتبر فيه القبض أقول لو باع المتاع الذي لا يتمكن فعلا على تسليمه بشرط تسليمه في زمان معين معتقدا تمكنه في ذلك الزمان و لكن ظهر بعد البيع عدم تمكنه عليه في خصوص ذلك الزمان فلازم ما ذكر من كون التمكن على التسليم في زمان استحقاق التسلم شرطا بطلان البيع المزبور و لا أظن التزامه أو التزام غيره بذلك.

و قد ذكروا في باب السلف انه لو لم يتمكن البائع على أداء ما عليه عند حلول الأجل فللمشتري الصبر الى وجدان المال أو فسخ العقد و لو كان التمكن حال استحقاق التسلم شرطا لزم بطلان البيع المزبور لا تخيير المشترى و الأظهر ان تسليم البائع المبيع بعد تمام البيع عند إطلاقه أو في الزمان المعين مع تقييد البيع بالتسليم في ذلك الزمان شرط في المعاملة بجعل من المتعاقدين و لو تخلف هذا الشرط و لو بظهور عدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 188

فالقبض مثل الإجازة بناء على النقل (1) اللهم الا ان يقال ان المنفي في النبوي (2)

______________________________

تمكن البائع على تسليمه في ذلك الزمان يثبت للآخر خيار الفسخ و اما الشرط في صحة المعاملة شرعا فهو إمكان وصول المبيع بيد المشترى بعدم امتناع البائع عن التسليم

أو امتناع المشترى عن التسلم سواء كان هذا الوصول حال العقد أو بعده في أي زمان.

نعم بتعيين زمان التسليم يحصل أمر آخر معتبر في البيع و هو ارتفاع الغرر و الجهالة عنه و لكن و لا يعتبر في التعيين إحراز التمكن على التسليم في ذلك الزمان بل يكفى فيه احتمال التمكن عليه فيه و الشرط الأول اعتباره مستفاد من النهى عن بيع ما ليس عنده و ما ورد في بيع العبد الآبق أو غيره مع الضميمة.

و اعتبار الأمر الثاني مستفاد من حديث نفى الغرر و مما ورد في لزوم تعيين المدة في بيع السلم و نحوه و لا ينافي ذلك ما تقدم من ان التعيين بالإطلاق أو بالقرينة الخاصة شرط جعلي من المتعاقدين فان الشرط الجعلي يمكن ان يحصل به الشرط الشرعي المعتبر في المعاملة نظير ما إذا باع المكيل على ان يكون كيله كذا فإنه بهذا الاشتراط الموجب تخلفه الخيار يرتفع الغرر عن المعاملة فتدبر جيدا.

(1) يعنى القبض في موارد اعتباره في تمام المعاملة كبيع الصرف و عقد الرهن مثل الإجازة بناء على النقل و اولى من الإجازة بناء على كشفها في أنه كما لا يعتبر التمكن على التسليم قبل الإجازة كذلك لا يعتبر التمكن على التسليم قبل القبض في تلك الموارد.

(2) و حاصله أنه لا وجه للالتزام بأن النهي عن بيع الغرر ناظر إلى مانعية عدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 189

و لو لم يقدر على التحصيل و تعذر عليهما (1)

______________________________

التمكن على التسليم في بيع يكون تاما حتى من قبل الشرط الشرعي أيضا ليقال انه لا مورد للنهي في موارد اشتراط القبض في البيع بل ظاهره مانعية الجهل في

بيع يكون تاما بنظر العرف و اعتبار العقلاء كما هو مقتضى كون متعلق النهى عرفيا فيكون المقام نظير الجهالة بمقدار المبيع في بيع الصرف فيما إذا علم بمقداره بالقبض فان الجهل بمقداره عند إنشائه يكون مبطلا و لا يفيد العلم به عند القبض.

أقول لا يخفى ما فيه فان مع اشتراط القبض في البيع لا يكون ذلك البيع غرريا و لو مع عدم إحراز التمكن على التسليم قبل القبض حيث ان القدرة المعتبرة إنما هي القدرة عند استحقاق المشترى التسلم فلا مورد لاعتبار هذه القدرة في بيع يكون القبض من شرط تمامه ليكون الجهالة بها موجبا للغرر بخلاف معلومية مقدار المبيع فإنه يمكن ان يقال باشتراط المعلومية في زمان إنشاء العقد كما مر فلا يفيد المعلومية بعد ذلك.

و المتحصل الجهالة بالتمكن على التسليم الموجب للغرر في سائر الموارد لا يوجبه مع اشتراط القبض في البيع بخلاف الجهالة على مقدار البيع فإنه و ان لا توجب الغرر في البيع مع معلومية المقدار قبل القبض الا انه يمكن ان يقال ببطلان البيع المزبور. لا للغرر بل لان الشرط في بيع المكيل أو الموزون و نحوهما معلومية المقدار حين الإنشاء كما لا يخفى.

(1) يعنى لو لم يقدر المشترى على تحصيل المبيع و تعذر التسليم على البائع و التسلم على المشترى إلا بعد مدة مقدرة عادة بحيث تكون تلك المدة مما لا يتسامح

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 190

ففي الصحة إشكال (1) و ربما قيد بالكفاية (2)

______________________________

فيها فلو كان البيع باعتبار علمهما بالحال فلا خيار للمشتري بل عليه الصبر الى تلك المدة فإن البيع مع علمهما بالحال بمنزلة اشتراط التسليم بعدها و لو كان المشترى جاهلا

بالحال مع إطلاق البيع يثبت له الخيار لرجوعه الى تخلف شرط التسليم بعد العقد حيث ان ظاهر إطلاق البيع الالتزام بالتسليم بعده.

و لو كانت مدة التعذر غير مضبوطة فالأظهر بطلانه فإنه ظهر مما تقدم اعتبار تعيين زمان استحقاق التسليم و انه لا يكفي في رفع الغرر مجرد إحراز التمكن على التسليم في زمان ما.

(1) يكفي في تمام البيع تمكن المالك على التسليم حتى فيما كان العاقد وكيله كما أنه يكفى فيه تمكن الوكيل عليه سواء كان مفوضا أو مأذونا في إجراء العقد و اقباض المبيع و الوجه في الكفاية ان المعتبر من قدرة المالك على التسليم الأعم من التسليم بالمباشرة أو بالاستنابة و حيث ان التسليم المعتبر أعم من كونه بالمباشرة أو بالاستنابة فلا يضر الخطأ في الاعتقاد بان اعتقد المشترى تمكن العاقد ثم ظهر عجزه و ان المتمكن هو المالك و كذا الحال في تعيين مقدار المبيع فإنه يمكن الالتزام بكفاية إحراز مقدار الكيل أو الوزن من الوكيل العاقد إذا كان وكيلا في تعيين مقداره فما ذكره المصنف (ره) من عدم العبرة بقدرة العاقد كما لا عبرة بعلمه ضعيف.

(2) حكى في الجواهر عن بعض ان كفاية تمكن المالك على التسليم مع عجز وكيله العاقد فيما إذا كان المشترى حال العقد راضيا بتسلم المال من الموكل و كان الموكل ايضا راضيا برجوع المشترى عليه و مع عدم رضاهما بذلك يكون البيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 191

و فيما ذكر من مبنى مسألة الفضولي (1)

______________________________

محكوما بالبطلان و لا عبرة بمجرد تمكن المالك بدون التراضي المزبور و فرع على ذلك بطلان بيع الفضولي و عدم تمامه بإجازة المالك.

و وجه التفريع ان العاقد الفضولي

لا يتمكن على التسليم باعتبار عدم كونه مالكا و مأذونا من المالك و لم يقع التراضي حال العقد من المشترى و المالك ثم اعترض على التفريع بأنه قد يكون العاقد الفضولي متمكنا على تسليم المال لعلمه بتمكنه على إرضاء المالك فيكون بهذا الاعتبار متمكنا على تسليم المال و أجاب عن الاعتراض بخروج الفرض عن بيع الفضولي و لا يكون مثل هذا البيع موقوفا على على اجازة المالك هذا و لو فرض عدم خروجه بذلك عن الفضولي فلا ريب في ان القائلين بصحة الفضولي و تمامه بالإجازة لا يقتصرون بالفرض المزبور بل يلتزمون بتمامه بالإجازة حتى فيما إذا لم يكن العاقد متمكنا على إرضاء المالك.

(1) و اما ما ذكره من مبنى المسألة من عدم كفاية تمكن المالك على التسليم الا مع رضاء المشترى برجوعه إليه و رضاء المالك بذلك ففساده باعتبار ما تقدم من عدم اشتراط ذلك نعم إذا وقع البيع بشرط اقباض العاقد ثم ظهر عدم حصوله الا من المالك يثبت للمشتري الخيار و هذا أمر آخر غير بطلان البيع.

و اما فساد التفريع فإنه يجب الالتزام بصحة عقد الفضولي و تمامه بإجازة المالك حتى إذا التزمنا بمبنى المسألة و ذلك فان المالك بإجازته يكون طرفا للمعاملة و يكون البيع بيعه و هو حال الانتساب متمكن على التسليم و لا يكون العاقد الفضولي طرفا في المعاملة ليعتبر تمكنه على التسليم.

و اما ضعف الاعتراض فباعتبار ان تمكن العاقد الفضولي بإرضاء المالك ليس

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 192

[اشتراط العلم بالعوضين]

[المعروف أنه يشترط العلم بالثمن قدرا]

المعروف أنه يشترط العلم بالثمن قدرا (1)

______________________________

الا كعلمه بحصول الإجازة و هذا غير تمكن العاقد على تسليم المال و اما ضعف الجواب عن الاعتراض فلان

مع تمكن العاقد على إرضاء المالك مستقبلا لا يكون رضا المالك بالبيع فعليا ليخرج عن الفضولية بل خروج البيع عن الفضولية بالرضا المقارن ايضا مشكل.

(1) المشهور على اعتبار تعيين الثمن في البيع فلا يصح البيع بحكم أحدهما و يستدل على ذلك برواية النهي عن بين الغرر تارة فإن كون البيع غررا مع جهالة الثمن و لو بتردده بين الأقل و الأكثر لا يحتاج الى البيان و اخرى برواية حماد عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال يكره أن يشترى الثوب بدينار غير درهم لانه لا يدرى كم الدينار من الدرهم «1» بدعوى ان عدم صحة استثناء الدرهم عن الدينار لجهالة نسبتهما و ترددها بين الأقل و الأكثر.

و لكن ظاهر المصنف (ره) كونها تأييدا لا دليلا و لعل ذلك باعتبار عدم ظهور الكراهة في بطلان البيع نعم رواية السكوني ظاهرها بطلان البيع فان فيها رجل يشتري السلعة بدينار غير درهم إلى أجل، قال فاسد فلعل الدينار يصير بدرهم «2».

و لكن الرواية مقتضاها كون البطلان باعتبار عدم إحراز أصل الثمن في البيع لا للجهل بمقداره، هذا مع أنه يعارضها على ما قيل صحيحة رفاعة النحاس قال قلت لأبي عبد اللّٰه (ع) ساومت رجلا بجارية فباعنيها بحكمي فقبضتها منه على ذلك ثم بعثت إليه بألف درهم فقلت هذه الف درهم حكمي عليك ان تقبلها فأبى أن يقبلها منى و قد كنت مسستها قبل ان أبعث اليه بالثمن فقال أرى. أن تقوم الجارية قيمة عادلة فإن كان قيمتها أكثر مما بعثت إليه كان عليك أن ترد عليه ما نقص من القيمة و أن كان

______________________________

(1) الوسائل الجزء 12- الباب 23- من أحكام العقود.

(2) الوسائل الجزء 12- الباب 23- من أحكام

العقود.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 193

..........

______________________________

ثمنهها أقل ما بعثت اليه فهو له، قلت جعلت فداك ان وجدت بها عيبا بعد ما مسستها قال ليس لك ان تردها و لك ان تأخذ قيمة ما بين الصحة و العيب منه «1» و وجه المعارضة ظهورها في صحة البيع بحكم المشترى.

و قد يجاب عن المعارضة كما عن المصنف (ره) بأنه لا يمكن الأخذ بظاهر هذه و اللازم طرحها قيل بصحة البيع بحكم المشتري أو بفساده و ذلك فإنه لو كان البيع بحكمه صحيحا فلا وجه لضمان المشتري قيمة المثل فلا بد من توجيه ذلك و لو بالقول بتعيين الثمن في قيمة المثل كما في الحدائق كما انه لا بد من توجيهها على تقدير فساد البيع بحكم أحدهما بحملها على التوكيل في بيع الجارية و لو من نفسه و ان الوكيل بعد ما باعها من نفسه بالمعاطاة أو غيره ادعى البائع الغبن في بيعها فيكون دفع المشتري قيمة مثلها تخلصا من فسخ بيعها بخيار الغبن أو بحملها على حمل الجارية بعد بيع الوكيل و صيرورتها أم الولد حيث أن صيرورتها أم الولد مانع عن ردها لا أن الرواية تحمل على صورة تلف الجارية ليقال ان قوله (ع) في ذيل الرواية «و ليس لك ان تردها» قرينة على عدم تلفها هذا كله مع ظهور الغبن، و اما مع عدم ثبوته فلا يكون للمشتري حق استرداد ما بعث به الى البائع من الزيادة على قيمتها.

و الحاصل ان ما عن الحدائق من حكمه بصحة البيع بحكم أحدهما و انصراف الثمن إلى قيمة المثل ضعيف كما ترى و ان ما ذكره الإسكافي من صحة البيع فيما إذا لم يعين

الثمن بأن قال بعتك بسعر ما بعت من غيرك و يكون للمشتري خيار الفسخ و به يرتفع الغرر ضعيف، فأن الخيار حكم شرعي يترتب على البيع الصحيح ثم لو كان

______________________________

(1) الوسائل الجزء (12- الباب 18- من عقد البيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 194

[المعروف أنه يشترط العلم بالمثمن قدرا]
اشارة

المعروف أنه يشترط العلم بالمثمن قدرا (1)

______________________________

مجعولا من المتعاقدين يمكن كونه رافعا للغرر كما في بيع العين الغائبة بالتوصيف الا انه لا يجري في ذكر الثمن بوصف مجهول كما لا يخفى.

و يمكن استظهار اعتبار تعيين الثمن و عدم جواز كونه مجهولا مما ورد في لزوم الاعتبار في المثمن و تعيين المدة المضروبة له بما يرتفع معه التردد بين الأقل و الأكثر كما في تعيين السلف بالشهور لا بوقت الحصاد و نحوه. فإنه لا يحتمل مع اعتبار ذلك في ناحية المثمن أن لا يعتبر في ناحية الثمن و لذا استدلوا على اعتبار تعيين المدة في بيع النسبة بالأخبار الواردة في السلف.

لا يقال فما وجه ضعف ما عليه الحدائق مع كونه موافقا للصحيحة فإنه يقال ظاهر الصحيحة تمام البيع بحكم أحدهما و انتقال المبيع إلى المشتري بالثمن الواقع عليه الحكم فيما إذا لم يكن أقل من ثمن المثل و مع كونه أقل يكون عليه ثمن المثل و ترديد الثمن بين الأمرين أحدهما جعلي و الآخر من الشرع غير معهود و لو كان هذا الحكم مع كثرة الابتلاء بمثل هذه المعاملة ثابتا لكان من الواضحات عند الأصحاب فكيف الظن مع عدم الإفتاء بالظهور المزبور في كلام أحد.

(1) يعتبر العلم بقدر المثمن كالعلم بقدر الثمن بلا خلاف ظاهر و عن التذكرة و غيرها دعوى الإجماع عليه و يشهد له مضافا إلى

حديث النهى عن بيع الغرر ما ورد المدة في خصوص المكيل كصحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّٰه (ع) انه قال في رجل اشترى من رجل طعاما عدلا بكيل معلوم و ان صاحبه قال للمشتري ابتع منى هذا العدل الأخر بغير كيل فأن فيه مثل ما في الأخر الذي ابتعت قال لا يصلح الا بكيل و قال و ما كان من طعام سميت فيه كيلا فإنه لا يصلح «لا يصح» مجازفة و هذا مما يكره من بيع الطعام فان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 195

..........

______________________________

ظاهر (ما كان من طعام سميت فيه كيلا) الكناية عن كونه مكيلا كما ان ظاهر عدم صلاح بيعه مجارفة بطلانه و لا ينافي ذلك ما في ذيلها هذا مما يكره من بيع الطعام فإن الكراهة في الروايات لا تكون ظاهرة في المعنى الاصطلاحي المقابل للحرمة و عدم الجواز بل معناها ما يناسب مع كل منهما.

و كذا لا ينافي ما في صدرها من عدم الاعتبار بقول البائع بأن العدل الآخر على قدر ما اشتراه بكيل و وجه عدم المنافاة انه ليس المراد عدم جواز الاعتماد بإخبار البائع في الشراء على شرط ذلك الكيل المخبر به بل المراد شرائه بلا اشتراط زاد أو نقص و على تقدير إطلاق الصدر يرفع اليد عنه بما يدل على جواز الشراء بشرط الكيل المخبر به فيبقى تحت الصدر صورة وقوع الشراء بلا شرط و بنحو المجازفة.

لا يقال توصيف الطعام بكونه مما سميت فيه الكيل ظاهره كون الطعام نوعين مع أنه ليس الطعام خارجا غير المكيل حيث لا يقال للزرع القائم على الأرض أنه طعام و الحاصل انه لا يكون الوصف المزبور كناية عن كون

الطعام مكيلا كما ذكر في وجه الاستدلال لان لازم كونه كناية كونه توضيحيا فلا بد من كون المراد مما سميت فيه الكيل المعنى الأخر كاشتراط الكيل في بيعه أو اخبار البائع به و من الظاهر ان لزوم رعاية الكيل في صورة الاشتراط أو الاخبار به لا يقتضي لزوم رعايته في غير فرضهما كما هو المدعي.

فإنه يقال لو لم يعتبر الكيل في بيع الطعام يكون اشتراط الكيل فيه كسائر الشروط في كون لزوم العمل بها حقّا فيصح للمشروط له إسقاط حقه و لا يناسب ذلك قوله (ع) فإنه لا يصلح مجارفة و كذا في صورة أخبار البائع به فالمتعين حمل قوله (ع) ما سميت فيه كيلا على الكناية عن كون المبيع مكيلا حتى مع اقتضاء ذلك كون الوصف توضيحيا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 196

و رواية أبان عن محمد بن حمران (1)

______________________________

فضلا عن الاحتراز عن صورة كونه موزونا كما في بعض البلاد.

و اما دعوى أن الطعام يعم مثل اللحم و نحوه من غير المكيل فالقيد احتراز عنه، يدفعها ملاحظة موارد استعمال الطعام بلا قرينة حيث ان ظاهره الحنطة و الشعير في الروايات و غيرها فلا حظهما.

و موثقة سماعة قال سألته عن شراء الطعام و ما يكال و يوزن هل يصلح شرائه بغير كيل و لا وزن فقال اما ان تأتي رجلا في طعام قد كيل أو وزن تشترى منه مرابحة فلا بأس ان اشتريته منه و لم تكله و لم تزنه إذا كان المشتري الأول قد أخذه بكيل أو وزن و قلت له عند البيع إني أربحك كذا و كذا و قد رضيت بكيلك و وزنك فلا بأس «1» حيث ان دلالتها

على عدم جواز بيع الطعام و سائر ما يكال أو يوزن بغير الاعتبار فيما إذا لم يكن معتبرا في السابق أوضح من الصحيحة السابقة حيث ليس فيها مورد للمناقشة السابقة و لو كانت المناقشة ضعيفة.

(1) ثم ان في البين روايات باعتبار ضعف سندها أو دلالتها لا تصلح للاستدلال و لكن لا تخلو عن التأييد بها، منها صحيحة محمد بن حمران قال قلت لأبي عبد اللّٰه (ع) اشترينا طعاما فزعم صاحبه أنه كاله فصدقناه و أخذناه بكيله فقال لا بأس فقلت ا يجوز ان أبيعه كما اشتريته بغير كيل قال لا. اما أنت فلا تبعه حتى تكيله «2».

فإنه ربما يقال بدلالتها على عدم جواز بيع المكيل بدون الكيل و لكنه لا يخلو عن التأمل فإن اللازم حمل المنع فيها على الكراهة لان اخبار البائع بكيل المبيع

______________________________

(1) الجزء 12 الباب 5 عقد البيع.

(2) الجزء 12 الباب 5 عقد البيع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 197

..........

______________________________

طريق شرعي إلى إحراز كيله فبيعه ثانيا من شخص آخر اعتمادا على اخبار بايعه سابقا ليس من بيع الطعام بلا تعيين كيله ليحكم بفساده و لعل النهى المزبور باعتبار ان اخبار البائع ظاهر في الشهادة التي لا تصح بمجرد اخبار البائع الأول.

و اما ما ذكره المصنف (ره) من دلالتها على عدم جواز البيع بغير كيل إلا إذا أخبر به البائع فصدقه المشترى فلا يمكن المساعدة عليه فان فرض كيل الطعام و اخبار البائع به مأخوذ في السؤال لا قيد لنفي البأس في الجواب ليدل القيد على عدم الجواز بدونه.

و منها رواية أبي العطارد عن ابى عبد اللّٰه (ع) قلت فاخرج الكر و الكرين فيقول الرجل أعطنيه بكيلك قال إذا

ائتمنك فلا بأس فإنها بفحوى مفهومها دالة على اعتبار الكيل و انه لا يصح البيع بدونه فإنه إذا لم يجز البيع بكيل لا يصدقه المشترى كما هو المفهوم لم يجز البيع فيما إذا لم يكن كيل أصلا.

و منها مرسلة عن ابن بكير قال سئلت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الرجل يشترى الجص بكيل بعضه و يأخذ البقية بغير كيل فقال اما ان يأخذ كله بتصديقه و اما ان بكيله كله فان ظاهر هذه ايضا عدم جواز الشراء بلا اعتبار المبيع و تعيين كيله و لو بإخبار البائع و النهى عن التفكيك إرشاد الى عدم الجدوى فيه فأن مع تصديق البائع لا حاجة الى كيل بعضه ايضا و مع العلم بكذب البائع لا يقيد كيل البعض المزبور من اعتبار الباقي، هذا لو كان المراد بكيل البعض و تصديق بائعه في البعض الآخر عند البيع و اما بناء على كون المراد شراء الكلى و كيل البعض و التصديق في البعض الأخر في مقام الاستيفاء و قبض الكلى فعدم دلالتها على اشتراط البيع أى بيع العين الخارجية بالكيل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 198

ثم ان ظاهر إطلاق جميع ما ذكر أن الحكم ليس منوطا بالغرر الشخصي (1).

______________________________

أو بإخبار بايعه به ظاهر.

(1) اعتبار الكيل و الوزن مترتبان في الروايات على كون المبيع مكيلا أو موزونا لا على كون البيع مع عدمهما غررا و بتعبير آخر لو كان المدرك لاعتبار الكيل و الوزن رواية النهي عن بيع الغرر لكان لزوم الكيل و الوزن و عدم لزومهما دائرا مدار الغرر و عدمه و لو لم يكن غرر بدونهما فلا بأس بعدم الاعتبار كما إذا كان جنس مساويا

مع جنس آخر في القيمة السوقية و أريد معاوضة أحدهما بالاخر فإنه لو وضعا في كفتي الميزان بحيث أحرز تساويهما في المقدار كفى في ارتفاع الغرر و أن لم يكن وزن كل منهما معلوما.

و المراد من الاعتبار بالغرر الشخصي ملاحظة كل فرد من البيع و كونه مع عدم الكيل أو الوزن غرريا أم لا و لكن العمدة في اعتبار الكيل أو الوزن الروايات المتقدمة الظاهرة في اعتبارهما و مقتضاها عدم الجواز في المثال و أنه لا يكون دائرا مدار حصول الغرر و عدمه بل المدار كون المبيع مكيلا أو موزونا نعم يمكن ان يكون ارتفاع الغرر حكمة في اعتبار الكيل و الوزن في بيع المكيل أو الموزون و الظاهر ان الحكم يتبع موضوعه لا حكمته و هذا هو المراد بالغرر نوعا.

و قد تحصل مما ذكرنا ان الغرر و ان لم يكن في الأمثلة المذكورة في عبارة المصنف (ره) و لا يعمها حديث النهى عن بيع الغرر و لكن يعمها الروايات الظاهرة في أن المكيل أو الموزون لا يصلح بيعه الا بالكيل أو الوزن و هذا مع قصد البيع و اما إذا أريد إنشاء المعاوضة بين الجنسين فلا تدخل في تلك الاخبار ايضا و قد تقدم في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 199

[ثم أن الحكم في المعدود و وجوب معرفة العدد فيه حكم المكيل و الموزون]
اشارة

ثم أن الحكم في المعدود و وجوب معرفة العدد فيه حكم المكيل و الموزون (1)

______________________________

أول الكتاب أن المعاوضة بإنشائها لا تدخل في عنوان البيع بل المعاوضة عنوان مستقل يعمها مثل قوله سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

ثم لا يخفى انه ربما يكون جنس مكيلا أو موزونا في حال و يكون معدودا في حال آخر فإن الفضة أو النحاس من الموزون عند عدم

كونهما بصورة الدرهم و الفلس و إذا كان بصورتهما مع رواج سكتهما كالمعمول في عصرنا الحاضر فلا يعتبر وزنهما و لا بأس بجعل أحدهما ثمنا مع الجهالة بوزنه و ايضا لو كان العوض أقل من الأخر المفروض كونهما من جنس واحد كما إذا اعطى المسكوك بسكة مأة فلس بدرهمين مسكوكين كل منهما بخمسين فلسا مع كون العوضين عن جنس واحد و وزن أحدهما أكثر من العوض الأخر فلا يكون من الربا في المعارضة حيث ان الربا لا يجري في المعدود.

(1) يعتبر في بيع المعدود العد بلا خلاف ظاهر قديما و حديثا الا عن الأردبيلي (ره) حيث منع الاعتبار و يستدل عليه بصحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّٰه (ع) انه سئل عن الجوز لا نستطيع أن نعده فيكال بمكيال ثم يعد ما فيه ثم يكال ما بقي على حساب ذلك العدد قال لا بأس و قيل بعدم الدلالة لها على اعتبار العدد فإنه و ان يظهر فيها ان الاعتبار كان مرتكزا للسائل و لكن لا يلزم الردع عن مثل هذا الارتكاز مما لا يوجب ارتكاب الحرام أو ترك الواجب خصوصا مع تجويزه (ع) الكيل في الفرض مع وضوح ان المعدود مع اختلاف حجمه من حيث الصغر و الكبر لا يحرز عدده بالكيل الا على وجه التخمين.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 200

وعد العلامة البطيخ و الباذنجان (1).

لو قلنا يأن المناط في اعتبار تقدير المبيع (2)

______________________________

و لا يخفى ما فيه فان لزوم إرشاد الجاهل في الشبهة الحكمية و بيان الحكم الشرعي فيها لا يختص بالواجبات و المحرمات و أن الكيل في مثل الفرض يجعل طريقا إلى إحراز العدد و لذا لا يكفى فيه مجرد

التخمين.

(1) هذا راجع الى تعيين الصغرى و انه في السلم لا بد من اعتبار الوزن حتى في المعدودات و انما يعتبر العدد فيها في بيع الحال باعتبار إحراز وصفها بالمشاهدة و فيه ما لا يخفى فان الوصف فيها حتى من حيث الحجم يعرف بالوصف و مقداره بالعدد فلا وجه لاعتبار الوزن فيها حتى في السلم.

(2) و حاصله انه لو قيل بأن المعتبر في البيع انتفاء الغرر فيه أى الجهالة الموجبة للخطر و الضرر فلا ينبغي التأمل في جواز بيع المكيل بالوزن و بالعكس و كذا بيع المعدود بالوزن أو الكيل مع فرض انتفاء الغرر بهذا النحو من الاعتبار بل يكفي في بيع ما ذكر المشاهدة مع فرض انتفائه و لكن كون المعيار انتفاء الغرر خلاف ظاهر كلماتهم و ان انتفائه في تقدير المبيع بالكيل أو الوزن أو العد حكمة سدا لباب التنازع فيما بعد كما هو الحال في حكمة بعض الأمور المعتبرة في أكثر المعاملات.

و إذا كان الأمر كذلك فيقع الكلام في جواز تقدير كل من المكيل و الموزون و المعدود بالآخر بأن جعل التقدير الأخر طريقا إلى إحراز التقدير المعتبر فيه بان يجعل الكيل طريقا الى وزنه أو عدده و بالعكس و جعله طريقا لا يحصل بمجرد القصد ليقال انه لا دخل للقصد في خروج البيع عن الجزاف و عدم خروجه بل المراد من الجعل نظير الكيل الوارد في بيع الجوز في استكشاف العدد بالكيل أو بالعكس و إذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 201

..........

______________________________

كان التفاوت المحتمل مما يتسامح فيه فيمكن ان يقال بجواز ذلك خصوصا فيما إذا كان التقدير المعتبر فيه عسرا.

و الوجه في الجواز ان المبيع في هذه

الصورة قد بيع بالتقدير المعتبر فيه غاية الأمر قد أحرز ذلك التقدير بالطريق الأخر و يؤيد ذلك رواية عبد الملك بن عمر قال قلت لأبي عبد اللّٰه (ع) اشترى مأة رواية من زيت فاعترض رواية أو اثنتين فائتزنهما ثم آخر سايره على قدر ذلك قال لا بأس فإن أخذ سائره بقدر ما فرض وزنه انما يكون بجعل ظرف الزيت طريقا إلى إحراز وزنه و استدل بها في التذكرة على جواز بيع الموزون عند تعذره بوزن واحد من المتعدد و نسبة الباقي اليه.

و عطف على الاستدلال بها قوله و لانه يحصل العلم بالوزن و مقتضى المعطوف عدم انحصار جواز التقدير بالنحو المزبور بصورة تعذر الوزن و تقييد الجواز في كلامه بصورة التعذر لاستظهاره القيد المزبور من الرواية المشار إليها و بما أنه قيد غالبي لا يقتضي انحصار الجواز بتلك الصورة و لكن عدم الاقتضاء مع فرض ان الجواز في التقدير بالنحو المزبور على القاعدة لما ذكرنا من انه في الحقيقة بيع ذلك الشي ء بذلك التقدير و الا لما كان التجويز في فرض التعذر تجويزا لما ذكر مطلقا.

و إذا كان التفاوت المحتمل فيه غير متسامح فيه فالظاهر الجواز ايضا مع البناء على المقدار المستكشف و معنى البناء هو الاشتراط بان لو علم التفاوت لكان للمشتري الرجوع الى البائع بمقدار النقص أو للبائع الرجوع الى المشتري بمقدار الزيادة نظير الاشتراء بإخبار البائع بالوزن أو الكيل و ما تقدم في صحيحة الحلبي من المنع عن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 202

ثم أنه لو علم ما ذكرنا أنه لو وقعت معاملة الموزون بعنوان معلوم (1)

______________________________

كيل أحد العدلين و شراء الأخر بحسابه محمول على الشراء بدون البناء.

أقول

إذا جعل الكيل في الوزن طريقا الى الوزن أو في المعدود طريقا الى العدد بحيث لو انكشف تخلف الكيل المزبور عن العدد المكشوف يثبت للمشتري حق المطالبة بمقدار النقص أو للبائع باسترداد الزائد فلا يفرق في ذلك بين كون التفاوت المحتمل مما يتسامح فيه و عدمه و يكون الفرض كما لو اشترى الموزون بالوزن و انكشف بعد ذلك نقصان الوزن بمقدار يتسامح فيه فإنه يكون للمشتري حق المطالبة بمقدار النقص.

و اما إذا لم يكن الوزن في المكيل أو بالعكس طريقا فالأظهر عدم الجواز بلا فرق بين الموزون و المكيل و ذلك فإن المالية في الموزون يعلم بالوزن و في المكيل بالكيل حتى لو سلم بأن الوزن أصل في الكيل فان كونه أصلا لا ينافي هجره فعلا في تقدير مالية المكيل بحيث يكون بيعه بلا كيل من بيعه جزافا نظير بيعه بمل ء اليد أو بقصعة مجهولة المقدار مع أن ما ذكر (ره) من ان المكائيل المتعارفة على اختلافها في المقدار ليس لها مأخذ الا الوزن يمكن عكسه بأن الموازين المتعارفة المختلفة في الأماكن المختلفة ليس لها مأخذ الا الكيل.

(1) لم يعلم مما تقدم عدم جواز البيع في الموزون بالوزن المتعارف في ذلك البلد فيما إذا لم يعرفه المشترى و لا يكفي معلومية عنوان الحقة أو الوزنة أو غير ذلك من العناوين و كيف يكون الفرض مثل بيع الشي ء بالمشاهدة مع ان في الأول لو أحرز نقص المبيع عن المقدار المعنون لكان للمشتري المطالبة بما يقابله من الثمن بخلاف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 203

فأن الظاهر السؤال اعتقاد السائل عدم جواز ذلك في غير حال الضرورة (1)

[بقي الكلام في تعيين المناط في كون شي ء مكيلا]

بقي الكلام في تعيين المناط في

كون شي ء مكيلا (2)

______________________________

بيعه بالمشاهدة أضف الى ذلك جريان السيرة على البيع و الشراء من الغرباء الواردين في البلاد المختلفة و المعاملة مع أهلها بالكيل أو الوزن المعروف عند أهل تلك البلاد من غير علمهم بنسبة ذلك الكيل أو الوزن الى الكيل أو الوزن المعروفين في بلادهم فتدبر جيدا.

(1) لم يعلم من ظاهر السؤال ما ذكر بل ظاهره ارتكاز اعتبار إحراز العدد في بيع مثل الجوز و عدم التعرض في الجواب لردعه مقتضاه تقريره على مرتكزه و على ذلك فلا بأس بجعل الكيل أو الوزن طريقا الى العدد على قرار ما تقدم من جعل الكيل طريقا الى الوزن و عكسه اما بيع المعدود بالكيل أو الوزن بما هو من غير جعلهما طريقا الى العدد فالأظهر عدم جوازه فيما إذا كان تعيين مالية المتاع بالعدد دون الوزن أو الكيل بل بيعه بأحدهما لا يخرج البيع عن الجزاف و المشاهدة و ما قيل من كفاية الوزن في بيع المعدود أو تعينه في السلم لا يمكن المساعدة عليه الا إذا أريد ما يكون تعيين المالية فيه بالعدد و بالكيل أو بالوزن ايضا و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(2) و حاصله أنه قد ذكر ان المعيار في كون متاع مكيلا أو موزونا عصر النبي (ص) فكل متاع كان في عصره مكيلا فاللازم بيعه كيلا في جميع البلاد و جميع الأعصار و كذلك ما كان و في عصره موزونا فاللازم أن يباع وزنا كما ذكر حتى فيما جرت العادة على بيعه بالعد و المشاهدة حيث ان البيع على العادة المتأخّرة محكوم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 204

..........

______________________________

بالبطلان نعم لو لم يكن شي ء في زمانه (ص) مبيعا بالكيل

أو الوزن و لو بعدم وجود ذلك الشي ء في ذلك العصر فالمتبع فيه عادة البلدان فأن كان في بلد مكيلا فيباع في ذلك البلد بالكيل و في الأخر موزونا فيباع في ذلك الأخر بالوزن و قد نسب ذلك في مجمع البرهان و الحدائق إلى إجماع الأصحاب و اتفاقهم.

و قد أورد على ذلك في الجواهر بان ما في كلمات الأصحاب من أن ما كان يباع كيلا في عصره (ص) يباع كيلا في جميع البلدان و ما كان يباع وزنا يباع في جميع البلدان بالوزن راجع الى جريان الربا في معاوضة الشي ء بجنسه لا إلى مسألة اعتبار التعيين في العوضين في البيع و بتعبير آخر كل متاع كان يباع في عصره كيلا، فلا يجوز مبادلته بجنسه بالزيادة أو النقيصة حتى ما إذا صار ذلك المتاع في العصور التالية من المعدود أو يباع بالمشاهدة و كذلك ما إذا كان في عصره (ص) موزونا و اما أنه يعتبر في بيع الأول، الكيل حتى في العصور التالية و في بيع الثاني الوزن مع خروجهما الى المعدود فلا دلالة في كلماتهم على ذلك فضلا عن ان يكون إجماعا بل المعيار في اعتبار الكيل أو الوزن أو العدد في بيع شي ء عادة كل بلد في كل عصر و دخول الربا في المعاوضة مسألة و اعتبار الكيل أو الوزن في بيع الشي ء مسألة أخرى فلا يكون الإجماع في الأولى إجماعا في الثانية.

و ناقش المصنف في كلام صاحب الجواهر بان ما ذكروه معيارا في كون شي ء مكيلا أو موزونا في باب الربا فهو معيار لاعتبار الكيل أو الوزن في بيع الشي ء في جميع البلاد و جميع العصور.

و استشهد لذلك بوجوه ثلاثة- الأول ملاحظة كلام

الشيخ (ره) في المبسوط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 205

..........

______________________________

حيث ذكر فيه انه لو كانت العادة في عصره (ص) الكيل في بيع شي ء لم يجز بيعه الا كيلا في سائر البلاد و ما كان في عصره (ص) بيعه وزنا لم يجز بيعه الا وزنا في سائر البلاد و الأصل في بيع شي ء كيلا الكيل عند أهل المدينة و في بيعه وزنا الوزن عند أهل مكة هذا كله بلا خلاف.

و اما إذا لم تعرف العادة في عصره (ص) فالمتبع في بيع ذلك الشي ء عادة كل بلد الثاني أن الموضوع في المسئلتين أى مسئلة جريان الربا في المعاوضة و مسئلة اعتبار العوضين بالكيل أو الوزن أمر واحد و هو كون الشي ء ما يكال أو بوزن و إذا ذكر تحديد الموضوع في المسئلة الاولى يكون ذلك تحديدا للموضوع في المسئلة الثانية أيضا الثالث القياس الاستثنائي و هو أن الربا إذا جرى في معاوضة شي ء بجنسه يعتبر الكيل أو الوزن في بيعه في جميع الأعصار و البلدان على ما هو ظاهر كلماتهم و لكن الربا يجرى فيما كان موزونا أو مكيلا في زمان الشارع (ص) فتكون النتيجة أنه إذا كان شي ء في زمانه (ص) مكيلا أو موزونا فيعتبر الكيل أو الوزن في بيعه في جميع البلدان و العصور حتى إذا صار بعد ذلك عادة البلدان على خلاف ذلك و انتفاء الغرر فيه بالعد أو بالمشاهدة فإن انتفاء الغرر كما تقدم حكمة لا أنه علة في اعتبار المبيع و تعيين مقداره.

و يترتب على ما ذكر انه لو ثبت بيع شي ء في عصر النبي (ص) بالمشاهدة ثم جرت العادة في العصور التالية بيعه بالوزن أو الكيل فلا

يعتبر في بيعه الوزن أو الكيل مع ان ذلك خلاف ظاهر الروايات مثل قوله (ع) ما من طعام سميت فيه كيلا فلا يصلح بيعه مجازفة فإن ظاهرها وضع المكيال في بيعه في عصر الامام (ع) أو في عادة عرف السائل أو المتبايعين و أجاب (ره) عن ذلك بأنه يمكن أن يكون هذا التعبير و نظيره

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 206

..........

______________________________

باعتبار أنه لم يتغير الأشياء في زمانه (ع) عما كانت عليه في زمان النبي (ص) و لكن يبقى في البين أنه مع إرجاع الاخبار الى اعتبار الكيل أو الوزن في الأشياء التي كانت تباع في زمانهم بالكيل أو الوزن فلا وجه للالتزام بأنه إذا لم يحرز في شي ء ذلك يكون المتبع فيه العرف العام فعلا.

و مع عدم العرف العام و اختلافه فالمتبع في كل بلد عادة عرفه فان الأخبار المشار إليها لا تكون ظاهرة في رعاية هذه الأمور خصوصا بنحو الترتب على ما نطقت به كلماتهم.

و قد تصدى (ره) للجواب عن ذلك كله بحمل الاخبار المشار إليها على لزوم رعاية العادة المعروف بين المتبايعين في كل عصر فان ظاهر تلك الاخبار بيان جعل الحكم بمفاد القضية الحقيقية غاية الأمر يؤخذ في الأحكام الثابتة على خلاف ذلك بالإجماع بأن يقال لو كان شي ء في عرف المتبايعين يباع بالمشاهدة و لكن أحرز أنه كان في عصر النبي (ص) مكيلا أو موزونا لا يجوز فيه الربا و لا يجوز بيعه الا بالكيل أو الوزن في جميع البلاد و جميع العصور.

أقول اما دعوى الإجماع على ان العبرة في حرمة الربا و لزوم تعيين العوضين بالكيل أو الوزن كون طبيعي الشي ء في عصر النبي (ص) مكيلا

أو موزونا بحيث لو خرج عن كونه مكيلا أو موزونا بعد ذلك فيحرم ايضا الربا فيه بل يعتبر الكيل أو الوزن في بيعه إلى الأبد فهذا خارج عن الاخبار الواردة في البابين فان ظاهرها اعتبار الكيل أو الوزن و حرمة الربا في بيع الشي ء و المعاوضة عليه ما دام كونه معنونا بعنوان المكيل أو الموزون كما هو الظاهر الاولى في كل حكم جعل بعنوان القضية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 207

[إخبار البائع بمقدار المبيع]

ثم ان الظاهر اعتبار كون الخبر طريقا (1)

______________________________

الحقيقة و حمل الاخبار على القضية الخارجية أو على القضية الحقيقية بمعنى ان كون طبيعي معنونا بعنوان المكيل و الموزون في زمان صدور الاخبار يوجب حرمة الربا فيه و اعتبار الكيل و الوزن في بيعه إلى الأبد خلاف الظاهر الاولى في الحكم المجعول بنحو القضية الحقيقية و ما ذكر من ان العبرة في الحكم بزمان النبي (ص) لا يحرز عمومه لاعتبار العوضين و لا يثبت الإجماع في البابين بمجرد كلام الشيخ في المبسوط و العلامة في التذكرة مع ان الإجماع في باب حرمة الربا في المعاوضة أيضا مخدوش لعدم إحراز أصل الاتفاق و عدم إحراز كونه إجماعا تعبديا لاحتمال أنهم أفتوا بما ذكر لزعمهم ان ما ذكر مقتضى بقاء حلال محمد (ص) على حلاله و حرامه على حرمته الى يوم القيمة و أن حكمي على واحد حكمي على الجماعة فتدبر.

(1) اعتبار خبر البائع في صورة كونه مفيدا للاطمئنان و الوثوق أو كون المخبر ثقة لا اشكال فيه و في صحيحة محمد بن حمران قال قلت لأبي عبد اللّٰه (ع) اشترينا طعاما فزعم ان صاحبه أنه كاله فصدقناه و أخذناه بكيله فقال لا بأس

فقلت أ يجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل قال لا اما أنت فلا تبعه حتى تكيله و اما إذا لم يكن خبر البائع كذلك فهل يكفي أخباره في جواز الشراء فقد أشكل المصنف (ره) و ذكر أن الأقوى اعتبار الظن بناء على أن اعتبار تقدير المبيع بالكيل أو الوزن و العد لا يدور مدار الغرر الشخصي فيكفي الاخبار المزبور فيما إذا كان البيع مبينا على المقدار المخبر به لارتفاع الغرر بالاشتراط.

أقول لو كان الملاك اعتبار رفع الغرر فلا حاجة الى الاخبار ايضا بل لو كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 208

و على تقدير الحكم فيه بالصحة فلو تبين (1)

______________________________

البيع بشرط كونه كذا مقدارا صح و لو لم يخبر البائع بذلك المقدار بأن قال أنى لا اعلم وزنه و لكن أبيعه على أن يكون كذا مقدار أو يرتفع الخطر باشتراط الخيار للطرفين من غير تعيين للمقدار ايضا و صحة البيع كذلك يشكل الالتزام بها لقوله (ع) و اما أنت فلا تبعه حتى تكيله فإنه لو لم يجز البيع استنادا الى اخبار البائع الأول فكيف يجوز مع اشتراط الخيار كما لا يخرج عن المجازفة بمجرد اشتراط المقدار.

و الحاصل انما يجوز الشراء بإخبار البائع فيما إذا خرج البيع بالاعتماد عليه عن البيع بالمجازفة و خروجه به عنها يحصل بأمرين كون اخباره موجبا للوثوق و الاطمئنان و كون الشراء مبنيا على المقدار المخبر به و النهى عن البيع قبل الكيل محمول على صورة وقوع البيع بدون الاخبار المزبور و غير مبنى على المقدار المعين و مما ذكرنا يظهر الفرق بين أوصاف المبيع و بين كيله و وزنه فان المعتبر فيه خروج البيع عن الغرر

و في الثاني إحراز كيله أو وزنه كما هو مفاد الاخبار و على ذلك فيكفي في الأوصاف اشتراطها و لا يكفي في الكيل و الوزن إلا إحراز هما بوجه معتبر كما تقدم.

(1) أقول قد تقدم انحلال البيع بالإضافة الى الاجزاء الخارجية فيما إذا كان بيعه من قبيل بيع المتعدد و عليه فظهور النقص يكون من قبيل عدم بعض المبيعات و لازمه رجوع ما يقابله من الثمن إلى المشترى و في صورة ظهور الزيادة يبقى الزائد على ملكه و لا يكون ذلك موجبا لبطلان البيع رأسا كما في صورة اختلاف الموجود خارجا مع عنوان المبيع عرفا كما إذا باع فرسا فبان حمارا و لا يكون من قبيل تخلف الوصف الموجب للخيار بين إبقاء البيع بحاله أو فسخه نعم يجرى فيما نحن فيه مع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 209

[بيع بعض من جملة متساوية الأجزاء]

بيع بعض من جملة متساوية الأجزاء (1)

______________________________

التخلف بالزيادة و النقيصة خيار فسخ البيع لتبعض الصفقة كما لا يخفى.

(1) المراد بالبعض ما يقابل تمام المجموع فيعم البعض جميع الأقسام الآتية كما أن المراد بمتساوية الاجزاء كون الجملة مشتملة على أبعاض يساوى بعضها مع بعضها الأخر في العنوان كصاع من صبرة فيمكن أن يريد بقوله بعت صاعا من هذه الصبرة الحصة التي يكون كيلها صاعا و بقوله بعت ذراعا من هذا الكرباس الحصة التي تكون مساحتها ذراعا و بقوله عبدا من العبدين نصف كل منهما و لا ينبغي التأمل في صحة بيع البعض من الجملة كذلك و كون المشترى شريكا مع البائع بالحصة المقدرة بعنوان الصاع و نحوه أخذا بأدلة حل البيع و وجوب الوفاء بالعقود و لكن اختار في التذكرة في بيع عبد من

عبدين أو شاة من الشاتين البطلان فيما إذا كان المراد بالعبد أو الشاة الحصة المشاعة و حيث أنه لا يمكن للعلامة أن يلتزم بعدم جواز تمليك الحصة من العبدين أو الشاتين للآخر مجانا أو بالعوض فلا بد من ان يكون حكمه بالبطلان في الفرضين باعتبار عدم ظهور عبد من عبدين أو شاة من شاتين في الإشاعة و يعتبر في صحة البيع ظهور الكلام في المراد بالإضافة إلى العوضين ايضا.

و بتعبير آخر لا يظهر من لفظ عبد نصف عبدين و من الشاة نصف الشاتين بنحو الإشاعة و لكن لا يخفى ما فيه أولا بأن المعتبر في إنشاء البيع ظهور الكلام في التمليك بالعوض، و اما كون العوضين أي شي ء فالمعتبر فيه علم المتعاقدين به و تعيينهما سواء كان للكلام ظهور فيه أم لا لان مع العلم المزبور يخرج البيع عن كونه غرريا كما تقدم في اعتبار العلم بوزن المبيع أو كيله و المفروض في المقام علم الطرفين بالمراد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 210

..........

______________________________

و ثانيا لو كان ظهور الكلام معتبرا في صحة البيع لما يصح البيع مع إرادة الإشاعة حتى في قوله بعت صاعا من هذه الصبرة لما سيأتي من عدم ظهوره في الإشاعة.

و مما ذكرنا يظهر ما في كلام النائيني (ره) في الإيراد على التذكرة من أن مقام الإثبات لا دخل له في مورد البحث و انما الكلام في مقام الثبوت و وجه الظهور ان ظاهر كلام التذكرة البطلان فيما إذا أراد بقوله بعت عبدا من عبدين أو شاة من شاتين الحصة المشاعة و هذا الحكم صحيح لو قلنا باعتبار ظهور الكلام في تعيين العوضين زائدا على ظهوره في تمليك العين بعوض

و ليس مراد العلامة ان يبيع الحصة من العبدين غير جائز و الا كما تقدم تمليك الغير الحصة منهما بالعوض أو مجانا من الواضحات.

ثم انه قد أشار النائيني (ره) في المقام الى المسئلة المعروفة من كون القسمة و تعيين حصة كل من الشركاء بيعا أو انها إفراز و بنى ذلك على الاختلاف في ان مادة الجسم المطلق تنتهي الى اجزاء لا تقبل شي ء منها القسمة خارجا و لا ذهنا و يسمى بالجزء الذي لا يتجزى أو أنه لا ينتهي الى ذلك و كل ما يكون به الجسم قابل للقسمة الى غير النهاية كما هو المذهب المعروف أو أن الاجزاء الى غير النهاية بالفعل و أن الجسم مؤلف منها كما هو مذهب النظام و على القول بالجزء الذي لا يتجزى يكون القسمة بيعا حيث ان الجزء المزبور لا تقبل الإشاعة فيكون ملكا لأحد الشريكين و بالقسمة يقع المعاوضة بين تلك الاجزاء بخلاف الالتزام بأن الجسم لا ينتهي إلى الجزء كذلك و ان كل جزء مفروض فيه مشترك و يفرز حصة كل من الشركاء في فرد من تلك الحصة.

و بتعبير آخر المملوك لكل من الشركاء حصة من السهم و تلك الحصة في نفسها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 211

..........

______________________________

كلى يقبل الانطباق على غير المعين من المجموع و على المعين منه و بالقسمة يفرز و يعين في المعين أقول في المقام أمران أحدهما ابتناء القول بكون القسمة بيعا ليجري عليه أحكامه من ثبوت خيار المجلس مطلقا و خيار الحيوان فيما إذا كان المال المشترك حيوانا و غير ذلك من الأحكام أو كونها افرازا و تعيين الحصة فيلزم بحصولها و لا يجرى عليه أحكام البيع

حتى على الاختلاف في مادة الجسم و أنها تنتهي إلى الجزء الذي لا يقبل القسمة خارجا و لا ذهنا.

و الثاني في ان المملوك لكل من الشركاء في نفسه كلى يقبل الانطباق على المعين و غيره و بالقسمة يتعين.

اما الأمر الأول فالظاهر أن الاختلاف مادة الجسم و أنها تنتهي إلى الجزء الذي لا يتجزى أم لا؟ و على الثاني تكون القسمة فيها الى غير النهاية فعلية أم بالقوة لا يرتبط بمسئلة كون القسمة بيعا أو افرازا حيث ان الجزء الذي لا يتجرى و كذا الاجزاء غير المتناهية لا تعتبر ملكا أو ما لا بدون فعلية الشي ء و حصوله بصورة. و مع حصوله كذلك يقبل القسمة و يكون مورد الإشاعة كما أن الاشتراك بالإشاعة يجري في الأعمال و المنافع و في بعض الحقوق ايضا مع ان شيئا منها لا يرتبط بالجسم و انتهائه الى الاجزاء و عدمه.

و اما كون المملوك لكل من الشركاء كليا فلان السهم كالنصف في نفسه كلى ينطبق على كل نصف خارجي على البدل و على ما يفرض من الشي ء بعد الافراز و كل ما في الخارج و ان كان متعينا في نفسه الا ان السهم المملوك لأحد الشريكين لا يتعين في الخارج الا بالاعتبار المعبر عنه بالقسمة فلا تكون القسمة بيعا ليجري عليها أحكام البيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 212

..........

______________________________

و لا معاوضة ليجري عليها مثل ربا المعاوضة كما إذا كانت في الخارج صبرتان إحداهما حنطة و الأخرى شعير و كانت الشعير ضعيف الحنطة كيلا و الحنطة ضعف الشعير قيمة فيجوز لأحد الشريكين في مقام القسمة اختيار صبرة الشعير مع القراضى من غير لزوم ربا المعاوضة حيث ان حقيقة

القسمة اعتبار تعين السهم اى النصف الكلي في المعين غاية الأمر يكون اعتبار التعين في موارد القسمة الافرازيه بحسب المالية و اجزاء العين و في موارد قسمة التعديل بحسب القيمة و لذا لا يجبر بعض الشركاء على قسمة التعديل مع إمكان القسمة الافرازيه بل يكون الافراز مقدما على التعديل بحسب المرتبة.

لا يقال إذا كان السهم من الشركاء كليا في موارد الشركة بنحو الإشاعة فما الفرق بينه و بين الكلي في المعين و ايضا لو كان السهم كليا فلا واقع معين لذلك الكلى قبل القسمة فكيف يرجع في تعيين ذلك السهم في المعين الخارجي إلى القرعة و يعين بها على ما هو ظاهر كلماتهم مع ان القرعة لا مورد لها إلا إذا كان الواقع فيه مجهولا و لذا التزم صاحب الجواهر بان المملوك لكل من الشركاء سهم معين في علم اللّٰه و لو باعتبار علمه سبحانه بما يخرج بالقرعة مردد بين مصاديق الى ان يخرج عن الترديد.

فإنه يقال كل من السهم في الإشاعة و الكلي في المعين و ان كان كليا في نفسه الا ان الثاني يتعين بحسب الخارج بالاعتبار مع تعدد الافراد و بالانحصار مع عدمه بخلاف الأول فإنه ينطبق على الكسور الخارجية من الجملة و اجزائها و لا يتعين في شي ء إلا بالاعتبار و القسمة كما تقدم.

و بتعبير آخر فيما إذا كان الشي ء الخارجي واحدا كالشاة الواحدة فلا مورد فيها للكلي في المعين و يمكن تحقق الإشاعة فيها و إذا كان ما في الخارج متعددا بحيث يمكن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 213

و لا بين العلم بعدد صيعان الصبرة (1)

______________________________

إخراج الكلي منه فكما يمكن فيه بيع الكلي في المعين كذلك

يمكن بيع بعض منه بنحو الإشاعة غاية الأمر الكلي في المعين ينطبق على بعض يكون له وجود مستقل بخلاف البعض بنحو الإشاعة فإنه ينطبق على الكسور و لكن يصلح تطبيقه على البعض الذي له وجود مستقل و يعبر عن هذا التطبيق بالقسمة و ما في الجواهر من فرض تعيين السهم في الواقع بحسب علم اللّٰه قبل القرعة لا دليل عليه بل مخالف لما يعتبره العقلاء في موارد الإشاعة نعم يمكن دعوى استفادة التعيين بالقرعة في مقام تنازع الشركاء في مقام القسمة و عدم رضاهم بها بدون القرعة من بعض الروايات و في صحيحة أبي بصير ليس من قوم تقارعوا ثم فرضوا أمرهم الى اللّٰه الا خرج سهم المحق.

لا يقال المملوك في مورد الإشاعة هي العين الخارجية و كيف يصير الملك لأحدهما السهم الكلى مثلا إذا ورث اثنان البيت الخارجي تدخل نفس ما في الخارج في ملك الوارثين و الا تبقى الخارج في ملك الميت أو تصير بلا مالك فإنه يقال نعم تكون البيت الخارجي ملكا لهما و يكون الكلى المنطبق على الكسور الخارجية من البيت ايضا موردا لاعتبار الملكية حيث لهذا الاعتبار اثر و بما ان الكلى لا وجود له سوى ما في الخارج فلا يعتبر الكلى ملكا و الموجود الخارجي ملكا آخر و ان شئت فلاحظ موارد بيع الكلي في المعين فان ما هو ملك للبائع هو الخارج و إذا باع منها صاعا بنحو الكلي في المعين يكون ذلك الكلي أيضا ملكا لا انه ملك آخر حيث ان اعتبار الملكية في ناحية الكلى باعتبار وجوده و ليس للكلي وجود آخر غير ما في الخارج فتدبر.

(1) و ذلك فان الجهل بصيعان الصبرة لا يوجب جهالة

في مقدار المبيع بعد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 214

و يؤيده انه حكم في التذكرة (1) و ان قصدا معينا من عين (2) و ارتفاع الجهالة في الخصوصية (3)

______________________________

تحديد الكسر المشاع المبيع بالصاع من تلك الصبرة.

(1) و وجه التأييد انه لو كانت الجهالة موجبة لبطلان البيع دون الإبهام لكان على العلامة الحكم بالصحة في الصورة الأولى أيضا فحكمه بالبطلان فيها و بالصحة في الصورة الثانية أي فيما إذا تلف أحد العبدين المتساويين من غير علم بعين التالف ظاهر في ان الإبهام في المبيع في نفسه موجب لبطلان البيع و لذا يحكم بالصحة مع ارتفاعه كما في الصورة الثانية.

(2) المراد بالمعين من عين مقابل الكلي في المعين اى الفرد الخارجي المنتشر و المردد سواء كان التردد بحسب صورة العقد فقط أو المردد الواقعي كما يشهد بذلك تعليل حكمه بالبطلان بالغرر و كونه من بيع المعدوم حيث ان الغرر يجري في المردد بحسب صورة العقد و المعدوم في المردد الواقعي و لو كان مراده المردد بحسب صورة العقد فقط لاختصر بالتعليل بالغرر.

(3) يعنى ان الغرر الشرعي تحققه لا يلازم تحقق الغرر العرفي كما في بيع الفرد المنتشر كبيع أحد العبدين المتساويين في القيمة كما ان الغرر العرفي لا يلازم الغرر الشرعي فيتحقق الأول دون الثاني في بيع العبد الآبق مع الضميمة و إذا كان لا يدرى ان المبيع حنطة أو أرز و فرض تساويهما في القيمة السوقية تكون الجهالة بالماهية موجبة للغرر شرعا مع عدمه عرفا لتساويهما في خصوصية القيمة المنظورة في البيع عند العرف و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 215

..........

______________________________

مما ذكرنا يظهر ان النسبة بين الغررين عموم

من وجه فلا بد من ان يكون مراده بان دائرة الغرر في الشرع أضيق كثرة موارد تحقق الغرر شرعا بالإضافة إلى موارد الغرر العرفي.

أقول ان أريد ببيع الفرد المنتشر ما هو مفاد جاء رجل من أقصى المدينة فبطلان البيع في مثل بيع صاع من الصيعان المتفرقة مبنى على اعتبار رفع الإبهام عن العوضين في عقد البيع و ان أريد بيع المردد الواقعي فالبيع محكوم بالبطلان باعتبار عدم الوجود للمردد فكل ما في الخارج معين و ان أريد مفاد قوله جئني برجل من هؤلاء الرجال فمرجعه الى بيع الكلي في المعين المحكوم بالصحة كما يأتي غاية الأمر اختيار تطبيق الكلى على الفرد الخارجي يكون بيد البائع و إذا اقترن إنشاء العقد بما يكون قرينة على ان التطبيق بيد المشترى فيتبع كما إذا قال بعتك صاعا صاع اى شئت من هذه العصيان.

و الحاصل مقتضى إطلاق خطاب حل البيع و أوفوا بالعقود صحة البيع كما ذكر و لزومه و الإجماع المدعى على كون الإبهام مبطلا لا يجري في المقام كما يأتي في بيع الكلي في المعين كما لا يعم الفرض خطاب النهى عن بيع الغرر.

و ربما يستدل على جواز بيع الفرد المنتشر بمعتبره محمد بن مسلم عن ابى جعفر (ع) قال سئلته عن رجل اشترى من رجل عبدا و كان عنده عبدان فقال للمشتري اذهب فاختر أيهما شئت و رد الأخر و قد قبض المال و ذهب بهما المشتري فأبق أحدهما من عنده الى ان قال فان وجده اختار أيهما شاء و رد الأخر و ان لم يوجد كان العبد بينهما نصفه للبائع و نصفه للمبتاع.

و لكن لا يخفى ان ظاهر الرواية هو بيع الكلي في المعين و

لا وجه لحمله على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 216

..........

______________________________

بيع الكسر المشاع اى نصف كل من العبدين و ما ورد في ذيلها من الإشاعة باعتباران كل من البائع و المشترى يملك الكلي في المعين الموجود بيد المشترى و قد تلف أحدهما و بقي الأخر و حيث لم تعين شي ء منهما في عبد معين يحسب التالف عليهما و و يكون الباقي لهما و ما يأتي من انه لو تلف الجملة و بقي منها فرد واحد يكون ذلك للمشتري الذي يملك الكلي في المعين انما هو في التلف قبل القبض لا في تلف الجملة بعد قبضها من المشترى كما هو ظاهر الرواية.

و ما عن بعض الأجلة من ان التلف في مثل ذلك اى فيما يقبض الكلي في ضمن جملة بحسب على المالك فقط لانه يملك الجملة الخارجية لا يمكن المساعدة عليه فان ملك المالك لا يبقى على تمام الجملة بعد البيع على ما تقدم.

و ايضا قد قيل بتعلق البيع بالفرد المنتشر بما ورد في الوصية بعتق البعض من الجملة بدعوى عدم الفرق بين البيع و الوصية من هذه الجهة و في صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر (ع) عن الرجل يكون له المملوكون فيوصي بعتق ثلثهم فقال كان على (ع) يسهم بينهم و في رواية محمد بن مروان عن موسى بن جعفر (ع) عن أبيه ان أبا جعفر مات و ترك ستين مملوكا فأعتق ثلثهم فأقرعت بينهم و أعتقت الثلث و ظاهرهما الوصية بعتق ثلث العبيد و يحتمل الثاني بالنحو المشاع و لكن لا دلالة لهما على الفرد المنتشر الذي ذكرنا ان مرجعه إلى الكلي في المعين بل ظاهرها نحو المشاع

كما هو ظاهر الألفاظ الموضوعة على الكسر و القرعة في المقام لتعيين السهم الذي يعتق عملا بالوصية أو لتعيين ما أعتقه المولى حال حياته نظير تعيين الوقف بالنحو المشاع بالقسمة و يمكن ان يحمل على الكلي في المعين نظير ما في صحيحة حبيل بن دراج عن ابى عبد اللّٰه (ع) في رجل تزوج خمسا في عقدة قال يخلى سبيل أيتهن شاء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 217

فرع على المشهور (1)

______________________________

و يمسك الباقي بأن يقال النكاح المحكوم بالبطلان هو الواحد بنحو الكلى المشاع و الممضى هو الأربع كما ذكر، و يمكن ان يكون المراد بالإمساك بعقد جديد كما لا يخفى.

(1) المفروض في التفريع على بطلان بيع الفرد المنتشر هو تردد المبيع بين الإشاعة و الفرد المنتشر و فرض عدم وقوعه على الكلي في المعين فان تسالما ايضا على عدم وقوعه بنحو الإشاعة يكون ذلك تسالما على بطلان البيع و ان لم يكن هذا التسالم بان ادعى المشترى وقوعه على البعض بالنحو المشاع في قصدهما حال العقد و أنكر البائع ذلك و ادعى قصدهما أو قصده الفرد المنتشر فقد يقال بان مقتضى أصالة الصحة الجارية في البيع وقوعه على البعض بنحو الإشاعة و أضاف في التذكرة الى ذلك بان الصحة مقتضى أصالة عدم التعيين.

و ذكر المصنف (ره) بما حاصله ان الحمل على الإشاعة بأصالة الصحة لا بأس به و لكن فيما إذا تسالما على صورة العقد الظاهرة في وقوعه على الفرد المنتشر كقوله بعت عبدا من هذه العبيد فيحكم بفساد البيع لعدم جريان أصالة الصحة مع أصالة الظهور فان الظهور امارة على المقصود فلا يجرى معها الأصل العملي بل على تقدير كون أصالة

الصحة أمارة فلا دليل على اعتبارها في مقابل أصالة الظهور كسائر الأمارات التي تكون اعتبار بعضها في طول بعضها الأخرى.

و اما أصالة عدم التعيين فإن أريد بها أصالة عدم وقوع العقد على الفرد المنتشر فهي معارضة بأصالة عدم وقوعه على البعض بنحو الإشاعة و ان أريد غير ذلك فلا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 218

و فيه نظر (1) لأنه حينئذ أمر كلي (2)

______________________________

نتعقلها.

أقول كلام العلامة أيضا في الحكم بالصحة ناظر الى عدم تسالمهما على صورة العقد الظاهرة في الفرد المنتشر بقرينة حكمه بالفساد مع ظهور العقد في غير الإشاعة حتى مع قصدها كما تقدم.

ثم انه قد يورد على التمسك بأصالة الصحة بأنه لا تعين للمبيع كما إذا تردد وقوع البيع على الشاة أو الخنزير بان ادعى المشترى وقوعه على الخنزير و البائع وقوعه على الشاة نظير عدم إمكان الحكم في الكلام المردد بين الشتم و السلام انه سلام بأصالة الصحة ليجب رده و فيه ان الدليل على أصالة الصحة هي السيرة العملية الثابتة و موردها ما إذا أحرز عنوان المعاملة و أركانها و شك في سائر شرائطها و المبيع في باب البيع ركن و مع عدم إحراز وقوع البيع على الشاة لا مجرى لها و اما إذا أحرز وقوعه على الشاة و شك في فساده و صحته كما إذا ادعى المشترى جهله بحال الشاة حال البيع و أنكره البائع فيحكم بصحته و ما نحن فيه من هذا لقبيل حيث يعلم ان متعلق البيع بعض من الجملة و يحتمل وقوعه عليه بوجه صحيح و اما أصالة الصحة في الكلام المردد فهي أجنبية عن المقام فان مفادها عدم صدور الحرام عن الفاعل بحيث

يكون ذلك منه فسقا و لا يرتبط بأصالة الصحة الجارية في المعاملة كما لا يخفى.

(1) و ذلك فان الموجب لانعقاد الظهور أو للعلم للمراد منه القرينة العامة أو الخاصة و أصالة الصحة لا تحسب قرينة أو موجبة للعلم بالمراد بل هي أصل عملي لا مجرى له مع الامارة و هي أصالة ظهور العقد كما تقدم.

(2) يعنى وجه الحكم بالصحة فيما لو باع ربعا قبل القسمة بحمله على الإشاعة هو كون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 219

فان قلت المبيع في الاولى (1) و الثاني بأنه معهود في الوصية (2) و يمكن دفع الأول (3)

______________________________

الربع المزبور كليا لا جزئيا خارجيا مبهما ليحكم بفساده.

(1) الاشكال هو ان المبيع في الأولى أي في صورة جريان البيع على الفرد المنتشر أيضا كلي فلا موجب للحكم بفساده و أجاب عن ذلك بالفرق و ان المبيع في صورة جريانه على الفرد المنتشر جزئي خارجي مبهم بحسب صورة العقد فيشبه المبيع الكلي أقول قد تقدم ان المبيع إذا كان مفاد قوله جئني برجل لا يمكن ان يكون جزئيا خارجيا بل هو أمر كلي لا محالة فلا نعيد و على ما ذكر يحكم بصحة البيع في جميع الفروض المتقدمة فيما إذا لم يكن في البين جهة أخرى موجبة للبطلان كما في بيع الكلى من جملة تكون اجزائها مختلفة.

(2) يعنى ان ملكية الكلي في المعين ثابت في مورد الوصية التمليكية و كذا في جعل المهر فكيف لا تكون معهودة و لو قيل بأنها غير معهودة في البيع الذي لا يكون متعلقة كليا في المعين قلنا بان كل قسم من الملكية غير معهود في قسمها الأخرى فإنه إذا كان متعلق البيع كليا

بنحو الإشاعة أو الفرد المعين فلا يمكن ملكية الكلي في المعين فيهما كما لا يتحقق الملكية بنحو الإشاعة أو ملكية الفرد المعين في مورد بيع الكلي في المعين.

(3) أقول لم يعلم كون الوضع مقتضاه الفرد المنتشر فأن التنوين الداخلة على الصاع لو سلم ظهورها في الوحدة الا ان تقييد الطبيعي بالوحدة باعتبار الوجود

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 220

أحدها كون التخيير في تعيينه بيد البائع (1)

______________________________

لا يستلزم كون مدلوله فردا خاصا ليكون جزئيا خارجيا و بتعبير آخر مقتضى الوضع كالمعنى العرفي هو الكلي في المعين و الشاهد لكون المعنى العرفي كذلك انهم يرون اختيار التطبيق بيد البائع خصوصا فيما إذا كان الصيعان مجتمعة كما هو فرض الصبرة و دعوى ان المعنى العرفي هي الإشاعة أي الحصة المقدرة بالصاع لا يمكن المساعدة عليها لأن الصاع ليس موضوعا للسهام و الحصص و اما الصحيحة فظاهرها ايضا كون المبيع كليا في المعين و لا حاجة في حملها عليه إلى القرينة الخارجية أي الإجماع على بطلان بيع الفرد المنتشر مع ملاحظة أن حساب التلف بتمامه على البائع مقتضاه عدم الإشاعة.

(1) المعروف ان مقتضى كون المبيع كليا في المعين كون التخيير في تعيين الكلي في فرد بخصوصه بيد البائع لأن المشتري لا يستحق المطالبة بخصوصية ذلك الفرد فما عن المحقق القمي من ان اختيار التعيين بيد المشترى لا وجه له و ايضا المعروف ان مقتضى كون المبيع كليا في المعين انحصار ذلك الكلي في الفرد الباقي من الجملة في صورة تلفها حيث ان التلف يحسب على البائع فقط لكونه قبل القبض و باعتبار بقاء فرد من الكلى لا يبطل البيع فيجب دفعه إلى المشتري بخلاف التلف

فيما إذا كان المبيع بنحو الإشاعة فإن مقتضى الإشاعة كون كل جزء من الجملة مشتركا بين البائع و المشترى فبتلف البعض يتلف بعض المبيع و ان كان هذا التلف يحسب على البائع لكونه قبل القبض فتكون النتيجة بطلان البيع في بعضه و بقائه في البعض.

و لكن ذكر المحقق الإيرواني (ره) بما حاصله عدم الفرق في الحكمين المتقدمين بين كون المبيع بنحو الإشاعة أو بنحو الكلي في المعين و ان كل ما يذكر فيما إذا كان المبيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 221

..........

______________________________

من الجملة بنحو الإشاعة يترتب على البيع فيما إذا كان المبيع كليا في المعين فيكون اختيار المبيع بالتراضي و تلف بعض من الجملة يوجب بطلان البيع في بعض المبيع لانه لو كان المبيع كليا في المعين يكون الباقي على ملك البائع أيضا كليا في المعين و حيث أنه لا امتياز بين المالين تكون الجملة الموجودة خارجا مشتركا بينهما بمقدار الكلبين و لو عمل بالصحيحة الواردة في احتراق القصب و تعدى منها فيتعدى الى موارد كون المبيع بعضا بنحو الإشاعة أيضا و الا لاقتصر الى موردها و هو بيع القصب.

أقول الشركة الواقعية غير الشركة الصورية و الاختلاط الموجب للشركة الواقعية هو اختلاط المالين الشخصيين الذين لكل منهما مسالك و لا يكون بينهما ميز بعد الاختلاط كامتزاج الخلين أو الحنطتين و أما إذا كان المال الخارجي لمالكين بحيث يكون كل منهما مالكا منه الكلي في المعين كما هو الفرض في المقام فلا دليل على حصول الشركة بالحصص في ذلك المال بل اختلاف نحوي اعتبار المبيع في بيع البعض من الجملة عند العرف دليل على خلافه و لو كانت الشركة الواقعية حاصلة بكل

من بيع الحصة من الجملة و بين بيع الكلى منها على حد سواء في الأثر لما كان لاعتبار الاختلاف وجه.

نعم إذا كان المبيع بنحو الكلي في المعين و قد قبضه في ضمن قبض الجملة كما هو الفرض فلا يمكن ان يحسب تلف البعض على أحد المالكين بخصوصه فإنه ترجيح بلا مرجح بخلاف ما إذا كان هذا التلف قبل القبض فإنه بما ان المبيع في ضمان البائع و يقع تلفه في ما له فلا يكون حساب التلف عليه ترجيحا بلا مرجح و لا يكون قبل القبض الشركة الصورية بخلاف صورة التلف بعد القبض فإنه يعبر عن حساب التلف على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 222

إذا بقي صاع واحد كان للأول (1) نعم لو لم يكن إقباض البائع على وجه الإيفاء (2) الفرق بين مسئلة الاستثناء و مسئلة الزكاة (3)

______________________________

البائع و المشترى معا بالشركة الصورية و مما ذكرنا يظهر الوجه في كون اختيار التعيين بيد البائع فيما لم يشترط في البيع كونه بيد المشتري لأن ما يملك المشترى هو الكلى و على البائع تسليمه الى المشتري.

(1) لما تقدم من ان البائع بعد بيع الأول يملك من الجملة الكلي في المعين كالمشتري و البيع الثاني واقع على مال البائع و حيث ان التالف تمام الكلي الذي كان للبائع قبل وقوع البيع الثاني فلا موجب لشمول ما ورد في التلف قبل القبض للكلي في المعين الذي بيع أولا و هذا بخلاف ما إذا كان كل من البيعين أو خصوص الأول بنحو الإشاعة فإنه يحكم بفساده بنسبة التالف كما لا يخفى.

(2) أقول الظاهر عدم تصور ذلك فإنه إذا كان الكلي في المعين من الجملة ملكا للمشتري

يكون دفع الجملة اليه دفعا للمبيع و إذا لم يكن تمام الجملة ملكا للبائع كما هو الفرض فكيف يكون تمامها امانة بيد المشترى حيث لا يعقل ان يكون ما للمشتري من الجملة أمانة بيده للبائع نعم يتصور ذلك في الكلي على العهدة باعتبار كون المال المدفوع إلى المشتري بعنوان الامانة ملكا بتمامه للبائع فلا ينطبق الوفاء على المدفوع و لو بنحو الإجمال كما هو مقتضى كون أداء الدين عنوانا قصديا كما لا يخفى.

(3) قيل في الفرق بين مسألة استثناء الأرطال و مسألة الزكاة و نحوها مما يحمل الكلى فيه على الإشاعة و بين بيع الكلي في المعين الذي تقدم تعين الباقي بكونه مبيعا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 223

و فيه مع ما عرفت (1)

______________________________

بتلف بعض الجملة وجوب القبض في الثاني و كونه دخيلا في لزوم البيع فمع وجود فرد من المبيع يجب دفعه الى المشترى و أجاب المصنف (ره) بان وجوب القبض حاصل في مسألتي استثناء الأرطال و الزكاة أيضا حيث يجب في الأول دفع الأرطال إلى البائع و في الثاني إلى أرباب الزكاة مع ان وجوب دفع الباقي في بيع الكلى فرع عدم الإشاعة و إثبات عدم الإشاعة بوجوب دفع الباقي تكون مصادرة و اما مسئلة لزوم البيع بالقبض فلا دخل له في الفرق أصلا.

ثم ذكر (ره) الفرق المذكور في مفتاح الكرامة و هو كون ضمان المبيع في بيع الكلي في المعين على البائع فيجب دفع الباقي الى المشتري بخلاف مسئلة الأرطال فإن الأرطال المستثناة امانة للبائع بيد المشترى حيث ان البائع قد اقبض الكل فيكون الكل بيد المشترى فيدخل النقص على المالين أي حصة البائع و حصة المشترى.

(1) و

حاصل ما ذكره في رد مفتاح الكرامة هو انه لو باع الكلي في المعين و تلف بعض الجملة قبل القبض يكون وجوب دفع الباقي الى المشتري متفرعا على عدم الإشاعة و لو لم يكن في هذا لفرض إشاعة فما الموجب لها في مسئلة استثناء الأرطال مع ان البائع يملك فيها الكلي في المعين و يكون تمام الجملة بيد المشترى و كون التلف فيها بعد إقباض البائع يوجب عدم كون البائع ضامنا لتلف مال المشترى و يبقى الإشكال في انه لم يكون تلف بعض الجملة في مسئلة الاستثناء بنحو الإشاعة مع ان ما للبائع بيد المشترى من قبيل الكلي في المعين و لم لا يحسب التلف على المشترى فقط لان ما يستحقه البائع لا يتعين في جزء معين الا بعد اقباض مالك الكل يعني

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 224

..........

______________________________

المشترى.

و ان أريد انه بعد ما باع الثمرة مع استثناء الأرطال يكون ما بيده مشتركا بينه و بين المشترى و إذا دفع الكل إلى المشتري فقد دفع المال المشترك فيقال الموجب لهذا الاشتراك في بيع الكلي في المعين ايضا موجود فيحسب فيه ايضا التلف على المبيع و على الباقي على ملك البائع هذا مع انه لم يظهر التزام القوم بالإشاعة في مسألة الاستثناء حتى بعد دفع الكل إلى المشتري فإنهم لم يذكروا عدم جواز تصرف المشترى في الثمرة بلا استيذان من البائع.

و ذكر بعضهم انه لو فرط المشترى و تلف بعض الثمرة بإفراطه يجب أداء المستثنى إلى البائع من الباقي و لو كان في البين إشاعة لم يصح القول بالأداء من الباقي كما لا يخفى.

أقول قد تقدم عدم الإشاعة في المسألتين و ان

حساب التلف على كل من المشترى و البائع في مسألة الاستثناء باعتبار عدم الترجيح في الضمان حيث ان كلا منهما يملك الكلي في المعين بخلاف مسألة بيع الصاع من الصبرة فإن تلف بعض الجملة فيها قبل القبض و كون ضمان المبيع على البائع مقتضاه خروج البائع من ضمان المبيع بدفع الكلى من الباقي و مما ذكرنا يظهر وجه عدم جريان أحكام الإشاعة في مسئلة الاستثناء و انه يجوز للمشتري التصرف في الثمرة بلا استيذان من البائع و انه لو تلف الثمرة بإفراطه لا ينقص عما يستحقه البائع شي ء و يجب عليه الدفع من الباقي.

و اما ما ذكره المصنف (ره) في وجه حساب التلف في مسألة الاستثناء على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 225

[مسألتي بيع صاع من صبرة و استثناء الأرطال]

و بيع مقدار كقفيز تشتمل عليه (1)

______________________________

المشترى و البائع معا من دعوى ان المتبادر من الاستثناء تمام المستثنى على تقدير سلامة تمام المبيع للمشتري و إذا تلف بعضه سقط من الأرطال بحسابه بان تكون نتيجة ذلك هي الإشاعة بالإضافة إلى التالف و لا يجري أحكام الإشاعة على الباقي فلا يمكن المساعدة عليه فان لازم ذلك جهالة مقدار المبيع فإنه على تقدير بقاء المبيع مقدار و على تقدير تلف بعضه مقدار آخر كما لا يخفى.

ثم ذكر (ره) في مقام الفرق إنه على تقدير الالتزام بالإشاعة في مسألة الاستثناء من أول الأمر ان المستثنى منه المبيع فيها كالمستثنى كلى معين و لا ترجيح في حساب التلف على خصوص المستثنى منه بخلاف مسئلة بيع الصاع من الصبرة فإن مال البائع فيها لا يكون بعنوان الكلي في المعين بخلاف ما تملكه المشترى فلا وجه لحساب التلف عليهما لا يقال يكون ملك البائع

بعد بيع الصاع كليا لا محالة فإنه يقال نعم و لكن ملك الباقي ليس بعنوان تملك الكلي في المعين ليوجب تخصيص التلف على ملك الباقي دون ما تملكه المشترى ترجيحا بلا مرجح.

أقول التملك بالعنوان و عدمه لا يكون فارقا و الا فالمستثنى في مسئلة الاستثناء ايضا ليس مملوكا للبائع بعنوان الكلي في المعين حيث ان ملك البائع كان ثابتا لجميع المال من الأول فيكون بيعه المال باستثناء الأرطال تمليكا للكلي في المعين من المشترى فتكون بعد البيع الباقي في ملكه كليا في المعين لا محالة فتدبر جيدا.

(1) لا يخفى أنه إذا كان مقدار الصبرة معلوما و بيع جميعها كل قفيز منها بكذا فلا بد من الحكم بصحته لعدم اعتبار جمع مقدار الثمن بالذكر في العقد و هذا هو القسم الرابع في كلام الروضة و المحكوم بالفساد في كلام الروضة و غيرها عدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 226

..........

______________________________

بيع جميعها بل إيكال اختيار مقدار المبيع إلى المشتري بأن يقول بعتك من الصبرة ما أردت كل صاع منها بكذا و هذا هو القسم الخامس في كلام الروضة و وجه الحكم بالبطلان هو عدم تعيين مقدار المبيع في عقد البيع نظير ما يقال في قوله آجرتك الدار كل شهر بكذا.

و لكن لا يبعد ان يقال بتمام البيع بالإضافة إلى قفيز واحد نظير ما ذكرنا من صحة الإجارة في الشهر الأول بل يمكن ان يقال ان قول البائع بعت من الصبرة كل قفيز بكذا بمنزلة الايجابات المتعددة كما قال بعت قفيزا منها بكذا و قفيزا آخر بذلك السعر و قفيزا ثالثا كذلك و هكذا و إذا ذكر المشترى في قبوله ما يعين به مقدار المبيع

كما إذا قال اشتريت قفيزين كما هو المتعارف في البيوع المتعارفة في زماننا الحاضر فيتم البيع بالإضافة الى ذلك المقدار لعدم الجهالة في مقدار المبيع عند تمام البيع و لا يستفاد من الأدلة المقدمة إلا بطلان البيع الغرري أو تمام البيع من غير تعيين الكيل أو الوزن أو العدد فيه.

و لو لم يذكر المشترى في قبوله ما يعين ذلك فالحكم بالبطلان مبنى على أن يكون المنتهى عنه في الاخبار المتقدمة بيع الشي ء من غير تعيين مقدار المبيع كيلا أو وزنا أو عددا و أما إذا قيل بان مدلولها بيع الشي ء جزافا فلا يحكم ببطلانه في الفرض حيث لا جزاف في ناحية المبيع أو في ناحية الثمن و بهذا يظهر أنه لا يختلف في الحكم بالصحة أو الفساد بين كون الصبرة معلومة من حيث المقدار أم لا و ما ذكر المصنف (ره) في وجه الصحة فيما إذا كانت الصبرة مجهولة المقدار من كون المبيع معلوم بالمشاهدة فلا بد من ان يكون مراده العلم بأوصافه لا كيله أو وزنه و مع الإيجاب المفروض لا يكون في البين جزاف لا في ناحية المبيع و لا في ناحية الثمن.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 227

و لا يخلو عن قوة (1) و لو كان من جهة استصحاب الاشتمال (2)

______________________________

(1) اى لا يخلو الحكم بالصحة عن قوة و ليس الوجه هو تدارك الضرر المحتمل بالخيار على تقدير عدم اشتمال الصبرة حيث ان ارتفاع الغرر بالخيار لا يفيد في صحة البيع لان الخيار حكم يترتب على البيع الصحيح و لو لم يتعلق دليل الإمضاء للبيع المنشأ فلا يعمه خطاب الخيار بل الوجه في الحكم بالصحة عدم الغرر في البيع

المزبور.

لا يقال الجهل بوجود المبيع من أعظم الغرر فإنه يقال الثمن المزبور لم يقع في مقابل الموجود مطلقا و لو على تقدير عدم الاشتمال بل البيع الجاري على المقدار المزبور انحلالي و إذا قال بعت الكر من هذا الصبرة بكذا فهو بمنزلة قوله بعت نصف الكر ينصف الثمن و إذا ظهر عدم اشتمال الصبرة إلا لنصف الكر يستكشف بطلان البيع في نصفه و يثبت خيار التبعض للمشتري.

أقول ما ذكره من ان ثبوت الخيار لا ينفع في ارتفاع الغرر صحيح بالإضافة إلى الخيارات الشرعية فإن خطاباتها تثبت الخيار في البيع الممضى و اما الخيارات المشروطة الإمضائية فلا بأس بارتفاع الغرر بها و خيار تبعض الصفقة منها و تفصيل الكلام موكول الى بحث الخيارات.

(2) لا يخفى ان استصحاب الاشتمال لا يفيد في نفى الغرر عن البيع لان الغرر ليس مطلق الجهل بل الجهل الخاص و هو ما فيه خطر و ضرر و استصحاب الاشتمال لا ينفيه نظير ما يقال من ان فوت الفريضة عدم خاص و استصحاب عدم الإتيان بالصلاة في وقتها لا يثبته.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 228

إذا شاهد عينا في زمان سابق (1)

______________________________

(1) و حاصل ما ذكره (ره) في مقام من أنه إذا بيعت العين المرئية سابقا فأن علم تغير أوصافها السابقة إلى غيرها عادة فيعتبر في بيعها ذكر الأوصاف الفعلية فتصير ذكرها اشتراطا رافعا للغرر و إذا لم يعلم من العادة التغير أو عدمه فيجوز بيعها اعتمادا على أصالة عدم تغيرها و لو فرض في مورد عدم جواز الاعتماد على الاستصحاب للاطمئنان بتغير أوصافها فيجوز بيعها باشتراط أوصافها السابقة لأن العين المرئية سابقا لا تزيد عن العين العائبة التي لم

ترها المشترى و يشتريها باشتراط أوصافها الفعلية.

ثم أنه إذا اشترى العين بالرؤية السابقة فانكشف التغير ثبت الخيار للمشتري فيما إذا تغيرت بالنقيصة و للبائع فيما إذا تغيرت بالزيادة حيث ان لزوم البيع في الفرض ضرري على المشترى أو على البائع فيثبت الخيار لأحدهما بانتفاء اللزوم.

أقول قد تقدم ان استصحاب بقاء العين بحالها لا يفيد في انتفاء الغرر لان الغرر هو الجهل الخاص و هو ما فيه خطر غاية الأمر ان مع الاستصحاب ينتفي مطلق الجهل لا الجهل الخاص و على ما ذكر فلو احتمل التغير و عدمه في العين المرئية سابقا يكون بيعها باشتراط بقائها على تلك الأوصاف محكوما بالصحة لانتفاء الغرر في بيعها بالاشتراط المزبور و مع بيعها كيف اتفقت يحكم ببطلان بيعها و لا يفيد الاستصحاب في انتفاء الغرر شيئا و لا يخفى ان شراء العين بالرؤية السابقة الذي مرجعه الى اشتراط الأوصاف السابقة مقتضاه ثبوت الخيار مع التخلف حيث لا معنى لاشتراط الأوصاف في بيع العين الخارجية إلا ثبوت الخيار مع عدمها و ليس ثبوته مقتضى قاعدة نفى الضرر لما نذكر في بحث الخيارات من أنه لو جرت قاعدة نفيه في بيع كان مقتضاها بطلانه لأن لأن منشأ الغرر و الحكم الضرري صحته لا لزومه و ليس مفاد القاعدة تدارك الضرر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 229

[بيع العين بالرؤية السابقة]
اشارة

و يضعفه ان الأوصاف الخارجة عن حقيقة المبيع (1) لو اختلفا في التغير (2)

______________________________

ليكون مقتضاها نفى لزومه.

و الحاصل بيع العين المرئية سابقا باشتراط بقائها على أوصافها لا يكون غرريا و البيع المزبور مع تخلف الأوصاف و ان يكون ضرريا الا ان صحته لا تنتفي بالقاعدة حيث ان نفى صحته مع اشتراط

الخيار مناف للامتنان و مقتضى القاعدة نفى حكم يكون في نفيه امتنانا.

(1) و حاصله أن الوصف المذكور للمبيع ان كان مقوما للمبيع فبانكشاف الخلاف يحكم ببطلان البيع حتى فيما إذا أتى الوصف بصورة الاشتراط كما إذا قال بعتك هذا المال على أنه أرز فبان حنطة و الوجه في البطلان ان انكشاف فقد الوصف في الفرض يساوى عدم وجود المبيع خارجا بخلاف ما إذا كان الوصف في بنائهم خارجا عن حقيقة المبيع بحيث لا يكون مقوما له فأن انكشاف الخلاف في هذه الصورة يوجب الخيار لان الوصف مرجعه الى اشتراط الخيار على ما يأتي في بحث الخيارات.

(2) و حاصله انه لو بيعت العين بالرؤية السابقة و ادعى المشترى تغيرها بالنقيصة فله الخيار في فسخ العقد و ادعى البائع كونها على ما كانت فالبيع لازم قيل بتقديم قول المشترى بوجوه ثلاثة- الأول الأصل عدم جواز انتزاع الثمن من يده و برأيه عهدته من الثمن حيث لا ينتزع الثمن من يده و لا يثبت عهدته به الا بالبينة أو إقراره.

الثاني الأصل عدم علم المشترى بالوصف الموجود فعلا في العين الخارجية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 230

..........

______________________________

و دعوى البائع علمه بالوصف المزبور يحتاج إلى الإثبات بالبينة أو إقرار المشتري.

الثالث الأصل عدم وصول حق المشترى الى يده عن البائع ليستحقق عليه المطالبة بالثمن.

و ذكر المصنف (ره) في رد الوجه الأول ان الثمن بيد المشترى ملك للبائع بإقرار المشتري بوقوع البيع الناقل فالثمن بيده امانة للغير فيجب رده عليه بمطالبته غاية الأمر ان المشترى يدعي سلطنته على تملكه بفسخ البيع فعليه إثبات تلك السلطنة، اللهم الا أن يقال الأصل عدم وجوب رد الثمن على البائع بناء على

ما ذكروا من أنه لا يجب على ذي الخيار زمان خياره رد ما بيده من مال الغير و لو مع تسلمه العوض الأخر من صاحبه و لكن لا يخفى أنه لو جرى أصالة لزوم البيع و عدم ثبوت الخيار يكون حاكما على الأصل المزبور لان موضوع لجواز الإمساك الخيار المنفي بأصالة اللزوم.

و في رد الوجه الثاني مع أن أصالة عدم علم المشترى بالوصف الموجود فعلا معارض بأصالة عدم علمه بوصف آخر مفقود ليثبت له الخيار ان الشك في علم المشترى بالوصف الموجود أو المفقود مسبب عن الشك في تغير العين عما كانت عليه و الأصل عدم تغيرها.

و في الوجه الثالث بان حق المشترى من نفس العين قد وصل اليه و لذا يكون له إبقاء البيع و عدم فسخه و ثبوت حق آخر له الموجب للخيار غير محرز و الأصل لزوم البيع و لذا حكم بعض في المقام بتقديم قول البائع.

أقول لا يخفى ان دعوى البائع علم المشترى بالوصف الموجود و جريان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 231

[الاختلاف في تغير العين المرئية سابقا]

و يمكن بناء المسألة (1)

______________________________

البيع على العين بالوصف المزبور لا يكون احتمال صدقها مسببا عن الشك في التغير و عدمه ليكون استصحاب بقاء العين بحالها رافعا للاحتمال المزبور مع ان استصحاب بقاء العين بحالها لا مجرى له لاتفاقها على الوصف الموجود فعلا و الشك في انه كان هذا الوصف في السابق أيضا أم لا فيرجع أصالة عدم التغير الى الاستصحاب القهقرى و لا دليل على اعتباره.

و الحاصل لا مجال في المقام لأصالة عدم التغير و لا تصل النوبة ايضا الى أصالة عدم علم المشترى بالوصف الموجود مع قطع النظر عن معارضة بأصالة عدم علمه

بوصف آخر مفقود لان علم المشترى بالوصف الموجود أو بغيره بنفسه لا يكون حكما و لا موضوعا للخيار على ما يأتي.

(1) و حاصله ان الموضوع للخيار بحسب جعل المتعاقدين هو أخذ الوصف في العين المبيعة و كأن الخيار حكم لهذا الأخذ فيقع الكلام في ان أخذ الوصف فيها هل بمعنى اشتراطه في العقد نظير سائر الشرائط في انه التزام زائد على أصل البيع و يرتبط بالبيع بكون البيع ظرفا له مثلا أو ان أخذ الوصف عبارة عن كونه مأخوذا في متعلق البيع بمعنى جريان البيع على العين المقيدة فليس في البين الا التزام واحد و هو التزام بالبيع غاية الأمر ان جريانه على العين المقيدة يشترك مع البيع المشروط فيه التزام آخر في ضمنه في كون كل منهما موجبا للخيار على تقدير التخلف و لو قيل بالوجه الأول فمقتضى الأصل العملي عدم تحقق التزام أخر غير الالتزام البيعي فيكون قول البائع موافقا للأصل فيحلف على عدم التغير و اما إذا قيل بكون الوصف مأخوذا في المبيع بمعنى جريان البيع على العين المقيدة فالأصل عدم وقوع العقد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 232

..........

______________________________

على ما ينطبق على العين بالوصف الموجود فيكون البيع جائزا أي يثبت الخيار للمشتري.

لا يقال الأصل عدم جريان البيع على العين بالوصف المفقود فإنه يقال هذا الأصل لا يفيد و لا يثبت جريان العقد على العين بالوصف الموجود ليترتب لزوم البيع الا بنحو الأصل المثبت.

و الحاصل ما دام لم يثبت جريان البيع على العين بما ينطبق على الوصف الموجود لا يكون دفع العين بالوصف الموجود وفاء للعقد ليجب على المشترى دفع ثمنه و البيع المفروض في المقام نظير الماء المخلوق

دفعة فيما إذا شك في كونه كرا فإن أصالة عدم كون الماء المزبور كرا بمفاد كان الناقصة ليست له حالة سابقة و أصالة عدم الماء الكر بمفاد كان التامة و ان كان لها حالة سابقة الا أنه لا تفيد في إثبات مفاد كان الناقصة بمعنى ان الماء المفروض ليس بكر.

أقول الظاهر وقوع الوهم في كلامه (ره) بين الوصف المأخوذ في المبيع بنحو الكلى و بين الوصف الملحوظ في المبيع الذي يكون عينا خارجية فإن الوصف في العين الخارجية لا يمكن ان يكون مقيدا للعين و المفروض ان الوصف في المقام ليس امرا مقوما و معنى ذلك جريان البيع على العين كان له الوصف السابق أم لا و إذا فرض جريان البيع عليها كذلك فلا معنى للحاظ الوصف السابق الا جعل الخيار على تقدير عدم ذلك الوصف و إذا جرى البيع على عين خارجية بالرؤية القديمة يكون اختلاف المتبايعين في التغير و عدمه راجعا الى دعوى المشترى جعل الخيار له على تقدير فقد الوصف و هو مفقود و ينكر البائع هذا الجعل و الأصل مع البائع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 233

و لذا لا يجوز إلغائها (1)

______________________________

و هذا بخلاف الوصف المأخوذ في المبيع بنحو الكلي فإن أخذ وصف فيه عبارة عن تقييد متعلق البيع و تضيق دائرته و لو ادعى البائع تقييده بوصف و المشترى تقييده بوصف مضاد يكون المورد من موارد التداعي و التحالف و إذا ادعى البائع جريانه على المطلق و المشترى جريانه على المقيد ففي مثل ذلك الأصل عدم جريانه على المطلق فان تسليم ما ينطبق عليه عنوان المقيد وفاء للبيع باتفاقهما و ما يدعيه البائع من كون تسليم الفاقد

ايضا وفاء ينكره المشترى و أصالة عدم جريان البيع على المطلق جارية من غير ان تعارضها أصالة عدم جريانه على المقيد حيث ان أصالة عدم جريانه على المقيد لا اثر لها لان دفع المقيد وفاء للبيع باتفاقهما و إثبات جريانه على المطلق بها من الأصل المثبت كما لا يخفى.

(1) أقول الوصف الذي لا يجوز إلغائه هو المأخوذ في المبيع بنحو الكلى و وجه عدم الجواز وقوع البيع على المقيد و إنشاء البيع على المطلق يحتاج الى بيع جديد بعد اقالة الأول و اما فيما إذا كان المبيع عينا خارجية كما هو الفرض في المقام فالغاء الوصف عبارة عن إسقاط الخيار المترتب على تخلفه و هذا الإلغاء صحيح نظير إسقاط خيار العيب المترتب على اشتراط عدم النقص في المبيع بلا فرق بينهما أصلا.

و ما ذكر (ره) من ان الوصف قيد ملحوظ في المعقود عليه كالجزء كأنه يريد كما ان الجزء يؤخذ في متعلق البيع كذلك وصف المبيع مأخوذ فيه و لكن لا يخفى ان أخذ الوصف و لحاظه في المتعلق صحيح و لكن لحاظه فيه يكون بالتزام آخر غير الالتزام البيعي و هذا فيما إذا كان المبيع عينا خارجية و لم يكن الوصف مقوما كما هو الفرض في المقام بخلاف لحاظ الجزء فإنه يكون أخذه في متعلق البيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 234

و مما ذكرنا يظهر الحال (1)

______________________________

بنفس الالتزام البيعي و لذا لو تخلف الجزء و انكشف عدمه يكون البيع بالإضافة إليه باطلا من الأول فتدبر جيدا.

(1) قد يتمسك في تقديم قول البائع في فرض اختلافه مع المشترى في تغير المبيع بالعمومات الدالة على عدم جواز استقلال الغير في تملك مال

أحد و تلك العمومات يعم الثمن في مفروض الكلام حيث انه ملك للبائع فلا يجوز للمشتري تملكه بزعم ثبوت الخيار كقوله سبحانه لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ فان فسخ المشترى لا تكون تجارة عن تراض و وضع يده على الثمن مع عدم ثبوت الخيار له أكل له بالباطل و كذلك قوله (ع) لا يحل مال امرء مسلم الا عن طيب نفسه فان مقتضاه عدم جواز تملك الثمن بلا رضا البائع و قوله (ع) الناس مسلطون على أموالهم فإن مقتضاه ولاية التصرف في المال تثبت للمالك دون غيره و كان هذه العمومات حاكمة على الأصول العملية المتقدمة القاضية بعدم لزوم البيع على المشترى كما في سائر الدليل الاجتهادي في مقابل الأصل العلمي.

و حاصل ما ذكره (ره) في الجواب عن العمومات هو ان العمومات المزبورة مخصصة في المال الذي لم يدفع عوضه في المعاملة إلى المشترى و إذا شك في وصول العوض المزبور فالأصل عدمه و بهذا يدخل الثمن المفروض في المستثنى المحكوم بجواز أكله و حله و سلطنة غير المالك عليه و ما تقدم من أن الأصل عدم وصول حق المشترى إليه يراد به ما ذكر و يرجع إليه أصالة عدم التزام المشترى بتملك ما يدعى تغيره ليجب عليه الوفاء بما التزم.

لا يقال لم يعلم ان الخارج من تلك العمومات معنون بالعنوان المزبور ليكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 235

نعم ما في المبسوط و السرائر و الدروس من أصالة بقاء يد المشترى (1)

______________________________

مقتضى الأصل إخراج الفرد المشكوك عن عموم المستثنى منه و دخوله في المستثنى بل نقول الخارج منها المال الذي وقعت المعاملة بينه و بين

ما لا ينطبق على المدفوع و الأصل عدم وقوع المعاملة على ما لا ينطبق و بذلك يثبت بقاء الثمن المفروض في المستثنى منه فإنه يقال أصالة عدم وقوع المعاملة على ما لا ينطبق على الموجود خارجا لا يثبت وقوعها على ما ينطبق و كون أداء العين أداء لما وقع عليه العقد و وفاء له و هذا الانطباق و الدفع موضوع لزوم العقد و عدمهما موضوع الخيار.

(1) و لعل مراده أصالة بقاء يد المشترى على الثمن الراجعة إلى استصحاب بقاء أولويته عليه فإنه قبل البيع كان اولى به و الآن كذلك و يتمسك بها عند الشك في لزوم العقد و جوازه و لو بالشبهة الحكمية كما إذا شك في كون المعاطاة لازمة أو جائزة و كأن مقتضى الأصل عند هؤلاء عدم لزوم العقد في كل مورد بخلاف الوجهين السابقين فإنهما يجتمعان مع الالتزام بأصالة لزوم العقد المستفاد من العمومات المتقدمة و يخرج مورد الاختلاف في تغير المبيع عن تلك العمومات بالوجهين المزبورين باعتبار إدخالهما المفروض في المقام في عنوان المخصص كما تقدم.

و بتعبير آخر يختص الوجهان بمثل المفروض في المقام بخلاف أصالة بقاء يد المشترى على الثمن فإنها تجري في عقد شك في جوازه و لزومه و لو بالشبهة الحكمية و لكن لا تصل النوبة إليها مع العمومات المتقدمة.

أقول لا تجري الأصل المزبور في نفسه فإن الأولوية المزبورة ان كانت بمعنى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 236

و اما دعوى ورود أصالة عدم التغير (1)

______________________________

الملك فقد ارتفعت بالبيع قطعا و ان كانت بمعنى آخر فليست لها حالة سابقة كما لا يخفى.

(1) قد أجاب (ره) عما قيل من حكومة أصالة عدم التغير على الأصول

المقتضية لجواز البيع في مفروض الكلام بوجهين.

الأول ان أصالة عدم التغير لا تجري فيما إذا اتفقا على كون الحيوان سمينا قبل المشاهدة و اختلفا في التغير حين المشاهدة فادعى البائع حصوله حين المشاهدة فلا خيار للمشتري و قال المشترى حصوله بعدها فله الخيار فإنه لا يجري في الفرض أصالة عدم التغير بل الجاري أصالة تأخر التغير عن زمان المشاهدة المقتضية لتقديم قول المشتري.

الثاني ان أصالة عدم التغير الراجع الى عدم كون المبيع حين المشاهدة سمينا لا يثبت جريان البيع على الحيوان المهزول الا بنحو الأصل المثبت و بتعبير آخر أصالة عدم كون الحيوان حين المشاهدة سمينا كأصالة عدم جريان البيع على الحيوان السمين لا يفيد في إثبات موضوع لزوم العقد و هو جريان البيع على الحيوان المهزول.

أقول لا يخفى ان مقتضى العمومات المتقدمة بضميمة أصالة عدم اشتراط السمن في الحيوان المبيع يثبت بقاء الثمن في مدلول تلك العمومات حيث ان الخارج عنها موارد ثبوت الخيار بالأصالة أو الاشتراط و لا يكون في مفروض الكلام خيار بالأصالة و مقتضى الأصل عدم اشتراطه.

و اما الأصول العملية المتقدمة فلا مجال لشي ء منها فيما إذا كان المبيع عينا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 237

الثاني لو اتفقا على التغير بعد المشاهدة (1)

______________________________

خارجية لجريان البيع على تلك العين على كل تقدير و كونها عوضا عن الثمن كذلك و اشتراط وصف مفقود مدفوع بالأصل كما مر و بهذا يظهر الحال فيما إذا اختلفا في العين الخارجية فادعى البائع تغيرها بالزيادة فله الخيار و قال المشترى لا زيادة فيها فأن مقتضى أصالة عدم الاشتراط عدم الخيار للبائع كما لا يخفى.

(1) تعلق البيع في الفرض بالعين الخارجية بوصف خاص متفق

عليه بين المتبايعين و اختلافهما في التغير الى زمان البيع ليكون التغير المزبور موجبا للخيار للمشتري أو حصوله بعد البيع بوجه لا يكون له خيار.

و ذكر (ره) الموضوع للزوم العقد وصول العين بذلك الوصف إلى المشتري بأن ينتقل اليه بذلك الوصف عند البيع و مع الشك في هذا الوصول و الانتقال يكون مقتضى الأصل عدمه فينتفى موضوع لزوم العقد و استصحاب بقاء السمن الى حال البيع لا يثبت وصول السمين إلى المشتري لأن الوصول ليس أثرا شرعيا لبقاء السمن كما ان استصحاب عدم جريان البيع الى زمان فقد ذلك الوصف لا ينفى الوصول المزبور لعدم كونه أثرا شرعيا أيضا.

أقول قد تقدم ان تعلق البيع بالعين الموجودة فعلا متفق عليه كما ان اشتراط الوصف الموجود زمان المشاهدة أيضا متفق عليه بينهما و معنى اشتراطه أنه لو لم يكن في البين ذلك الوصف زمان البيع لكان للمشتري خيار الفسخ و استصحاب بقاء الوصف الى زمان البيع ينفى تحقيق ما علق عليه الخيار فلا خيار للمشتري و هذا ليس من الأصل المثبت في شي ء لما تقدم من ان موضوع الخيار في الخيارات الجعلية للمتعاقدين يؤخذ على وفق جعل المتعاقدين.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 238

و لو وجد المبيع تالفا (1)

______________________________

و اما استصحاب عدم وصول حق المشترى الى المشتري فان أريد به عدم انتقال العين الموجود فعلا فهو متفق عليه بين المتعاقدين و ان العين على كل تقدير تعلق بها البيع و الا لكان فقد الوصف و انكشاف التغير موجبا لبطلان البيع كما في تخلف الأوصاف المقومة.

و ان أريد عدم الوصف المشروط زمان العقد فالمفروض ان استصحاب بقاء الوصف جار بلا معارض و بهذا يظهر الحال

فيما ادعى البائع حصول التغير الى زمان البيع بالزيادة فله خيار الفسخ و قال المشترى بحصول الزيادة بعد البيع فلا خيار للبائع و أنه يقدم مدعى اللزوم فان استصحاب بقاء الوصف المشاهد الى زمان البيع ينفى تحقق ما عليه خيار البائع على ما تقدم و لا يعارضه أصالة عدم وقوع البيع الى زمان حصول الزيادة فإنها لا تثبت وقوعه في زمان حصولها كما لا يخفى.

(1) و لعل فرض كفاية التخلية في القبض لتصوير فرض الاختلاف في تقدم البيع على التلف و تأخره عنه بحيث يكون تأخره عن البيع موجبا لذهابه على المشترى و لكن لو قلنا بعدم كفايتها فيمكن أيضا فرض الاختلاف كما إذا كان المبيع قبل البيع امانة بيد المشترى فباعه البائع منه ثم ظهر تلفه و اختلفا في تقدمه على البيع و تأخره عنه و على كل تقدير فالأظهر تقديم قول المشترى و على البائع إثبات وقوع البيع قبل التلف أخذا بأصالة بقاء الثمن على ملك المشترى.

و دعوى انه لا مجال للاستصحاب المزبور لأن أصالة الصحة الجارية في البيع حاكمة عليه لا يمكن المساعدة عليه لأن أصالة الصحة الجارية في المعاملات تجري فيما إذا أحرز تحقق المعاملة و شك في تحقق ما يعتبر في إمضائها و اما إذا لم يحرز تحققها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 239

[بيع المجهول مع الضميمة]
اشارة

لا فرق في عدم جواز البيع المجهول (1)

______________________________

بان شك في حصول المقوم لها أو في ولاية المنشأ لها فلا مورد لها و لا دليل على اعتبارها في احرازهما و من الظاهر ان تمليك المعدوم لا بلحاظ وجوده و لا بلحاظ تمليك بدله من المثل أو القيمة أمر غير معتبر عند العقلاء لأن

البيع عندهم تمليك الموجود بعوض.

و بتعبير آخر إنما تجري أصالة الصحة بعد الفراغ عن أصل وجود المعاملة و نظير دعوى أصالة الصحة في المقام ما تقدم عن بعض فيما إذا باع الراهن الرهن باذن المرتهن و رجع المرتهن عن اذنه و شك في تقدم البيع على الرجوع ليكون الرجوع لغوا لعدم المورد له أو تقدم الرجوع على البيع ليكون له مورد من إجراء أصالة الصحة في الرجوع و لكن كما تقدم انه لا مجال لأصالة الصحة في الرجوع مع عدم إحراز المورد له، لا سيما لو قيل بأصالة الصحة في البيع المقتضية لانتهاء الرهن كما لا يخفى.

(1) و حاصله انه إذا كان بيع شي ء لكونه مجهولا محكوما بالبطلان فلا يخرج ذلك البيع إلى الصحة بضم معلوم اليه و بيعهما معا لان ضم معلوم اليه لا يخرج بيعه عن كونه غرريا بل يكون البيع بالإضافة إلى المجموع محكوما بالبطلان باعتبار كون البيع بالإضافة إلى المجموع غرريا أو مجهولا لان ما يكون بيعه محكوما بالبطلان باعتبار جهالته لا يراد به جهالة كل جزء منه الا ترى انه إذا بيع قطيع غنم لا يعلم عدده و لا وصفه بمقدار من الثمن و لم يعلم و لم يشاهد المتعاقدان من القطيع الا واحدا أو اثنين يكون البيع بالإضافة إلى القطيع غرريا و لا ينفع مشاهدة الواحد أو الاثنين و كذلك إذا اشترى مزرعة شاهد بعضها و لم يعلم أو يوصف الباقي يكون البيع المزبور محكوما بالبطلان و على ذلك فلا يفيد في بيع الصبرة المجهولة مقدارها ضم مقدار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 240

..........

______________________________

معلوم إليها أو في بيع السمك في الأجمة المجهول عددا أو وصفا

ضم القصب الكافي في بيعه المشاهدة.

و ربما يقال ان بيع المجهول انما يحكم ببطلانه فيما كان المجهول مقصودا بالبيع استقلالا أو كان المقصود بالبيع منضما الى المعلوم بحيث يكون متعلق البيع و المقصود تملكه هو المركب من المجهول و الضميمة و اما إذا كان المجهول يعد تابعا للمبيع كأساس الجدار فلا تكون جهالته موجبة لبطلان البيع.

و هذا على ما ذكر المصنف (ره) ليس تفصيلا لان المانعين عن بيع المجهول و لو بالضميمة يرادون بيعه استقلالا أو منضما و اما إذا كان بحيث يعد تابعا فلا يضر حيث لا يخلو بيع الشي ء كالدار و الثوب و نحوهما عن مثل هذه الجهالة.

هذا كله خلافا للشيخ و ابن حمزة و الإسكافي و القاضي بل المنسوب الى المشهور كما في مفتاح الكرامة صحة بيع المجهول مع الضميمة و استدلوا على ذلك بعدة من الروايات.

منها مرسلة البزنطي من ابى عبد اللّٰه (ع) قال إذا كانت أجمة ليس فيها قصب أخرج شيئا من سمك فيباع و ما في الأجمة و ذكر المصنف (ره) ان وجود (سهل) في سندها كارسالها سهل لا يضر باعتبارها و لعل نظره (ره) الى ما يقال في توثيق سهل من كثرة رواياته التي تصدى لنقلها أرباب الحديث كالكليني و الصدوق و الشيخ قدس سرهم و قد يبلغ ما رووا عنه ما بين الألفين و الألفين و خمسمائة حديث و قد ورد عن المعصومين عليهم السلام اعرفوا منازل الرجال بقدر رواياتهم عنا و من كونه شيخ الإجازة و من ان الشيخ (قده) و ثقة في رجاله.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 241

..........

______________________________

و لكن لا يخفى ما في الوجوه فإن كثرة الرواية بمجردها لا تقتضي وثاقة

الراوي حتى مع تصدي أرباب الحديث لنقلها لأن غاية ما يمكن ان يقال في حق أرباب الحديث ان شأنهم نقل الروايات التي تصلح الاعتماد عليها و لو بعد اعتضادها برواية أو روايات اخرى.

و ما ورد في ان كثرة الرواية طريق لمعرفة منزلة الراوي ضعيف سندا و ظاهره ان كثرة الرواية بوجه معتبر تكون طريقا الى جلالة الرجل و محافظته على دينه لا مجرد كثرة الرواية و لو لم تكن بذلك الوجه و كذلك لا دلالة لكون الشخص من المشايخ الإجازة على وثاقته حيث يكون تحمل الرواية بقراءة الشيخ أو القراءة على الشيخ أو وجدانه في نسخة منسوب الى شخص و الإجازة تحتاج إليها في القسم الثالث فإنه يمكن معها ان ينسب الراوي الرواية إليه كما لا يخفى.

و اما توثيق الشيخ (قده) في رجاله فهو سهو من قلمه الشريف أو من النساخ حيث لم يذكر التوثيق في موضع آخر من رجاله بل ذكر في فهرسته انه عند نقاد الحديث ضعيف و كيف ما كان فقد ضعف الرجل النجاشي و غيره و استثناه ابن الوليد من روايات احمد بن محمد بن يحيى و لو لم يكن تضعيفه ثابتا فلا أقل من عدم ثبوت توثيقه خصوصا بملاحظة ما فعل في حقه احمد بن محمد بن عيسى الأشعري من إخراجه من (قم) إلى (الري) و النهى عن الاستماع الى حديثه فان هذا الفعل و ان لا يكون حجة على ضعفه في الحديث كما في فعل ذلك في حق احمد بن ابى عبد اللّٰه البرقي الا انه لا يخلو عن تأييد ضعفه.

و الوجه في عدم كون الإرسال مضرا فلما ذكر الشيخ (قده) في العدة في حق

إرشاد الطالب إلى التعليق

على المكاسب، ج 3، ص: 242

..........

______________________________

جماعة منهم ابن ابى عمير و البزنطي من انهم لا يروون و لا يرسلون الا عن ثقة و لكن قد تقدم في التكلم في مراسيل ابن ابى عمير انه لا يمكن الاعتماد على المراسيل أولا فلأن كلام الشيخ (قده) اجتهاد في القول المنقول في حق أصحاب الإجماع.

و ثانيا انه قد علم رواية هؤلاء عن بعض الضعفاء كما يظهر ذلك لمن لاحظ اسناد الروايات و على ذلك فمن المحتمل ان يكون المرسل عنه في الحديث المفروض في المقام ذلك الراوي الضعيف.

و منها موثقة معاوية ابن عمار عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال لا بأس ان يشترى الآجام إذا كانت فيها قصب «1» و المصنف و ان عبر عن هذه بالرواية ألا أنها موثقة لأن الشيخ رواها بسنده عن حسن محمد بن سماعة و محمد بن زياد في سندها هو محمد بن حسن بن زياد العطار الكوفي ثقة يروى عنه ابن سماعة فلا حظ و اما دلالتها على المقام فان المراد في بيع الآجام هو بيع سمكها مع ضميمة القصب الموجود فيها بقرينة ما تقدم و ما يأتي مثل رواية أبي بصير عن ابى عبد اللّٰه (ع) في شراء الأجمة ليس فيها قصب انما هي ماء قال تصيد كفا من سمك تقول اشترى منك هذا السمك و ما في الأجمة بكذا و بكذا «2».

و منها موثقة سماعة قال سألته عن اللبن يشترى و هو في الضرع فقال لا الا ان يحلب لك منه أسكرجة فيقول اشتر منى هذا للبن الذي في الاسكرجة و ما في ضروعها بثمن مسمى فان لم يكن في الضرع شي ء كان ما في الاسكرجة «3» و على ذلك

يحمل

______________________________

(1) الوسائل الجزء (12) الباب 12- الحديث 5.

(2) الوسائل الجزء (12) الباب 12- الحديث 6.

(3) الوسائل الجزء (12) الباب 8- الحديث (1).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 243

..........

______________________________

صحيحة عيص ابن القاسم قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن رجل له نعم يبيع ألبانها بغير كيل قال نعم حتى تنقطع أو شي ء منها «1» بناء على ان المراد منها بيع اللبن في الضرع تماما أو بعضه في الضرع و بعضه محلوبا و في الصحيح الى ابن محبوب عن إبراهيم أبي زياد الكرخي قال قلت لأبي عبد اللّٰه (ع) ما تقول في رجل اشترى من رجل أصواف مأة نعجة و ما في بطونها من حمل بكذا و كذا درهم فقال لا بأس بذلك ان لم يكن في بطونها حمل كان رأس ما له في الصوف و في موثقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن ابى عبد اللّٰه (ع) في الرجل يتقبل بجزية رؤوس الرجال و بخراج النخل و الآجام و الطير و هو لا يدرى لعله لا يكون من هذا شي ء أبدا أو يكون أ يشتريه و في أي زمان يشتريه و يتقبل منه قال إذا علمت ان من ذلك شيئا واحدا أنه قد أدرك فاشتره و تقبل به و ظاهر هذه الموثقة كما قبلها و كموثقة سماعة المتقدمة ان الضميمة يصحح البيع فيما إذا كان المجهول غير معلوم الحصول أصلا لا ان الضميمة المعلوم مقدارها يصحح بيع المجهول مقداره فان المحلوب في الاسكرجة بنفسه مجهول مقداره و كذلك الضميمة المعلوم إدراكها في المذكورات في موثقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي.

و الضميمة المذكورة في رواية إبراهيم الكرخي و هي الصوف على ظهور الغنم في نفسه

غير جائز البيع فكيف يصحح بيع ما في بطون الغنم.

و عن بعض جواز بيع الصوف على ظهور الغنم و لكن مع منعه عن ضم ما في بطنه الى بيعه فظاهر الرواية غير معمول به عند أحد و كذلك الحال في الضميمة المذكورة في روايتي أبي بصير و البزنطي فإن الكف من السمك في نفسه غير جائز البيع حيث ان

______________________________

(1) الوسائل الجزء (12) الباب 8- الحديث (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 244

..........

______________________________

السمك من الموزون و لذا يجرى فيه ربا المعاوضة فكيف تصحيح البيع و لو قيل بكفاية المشاهدة في بيع السمك في الأجمة فهو باعتبار عدم اعتبار الوزن في بيع الكثير من الشي ء فيما لم يجعل له الميزان كزبر الحديد.

أقول المتحصل من كلامه (ره) ان الضميمة المذكورة في بعض الروايات في نفسها غير جائز بيعها فكيف تصحح بيع المجهول مع ان مدلولها تصحيح بيع المجهول حصوله لا مقداره و ظاهر بعضها الأخرى كرواية الكرخي غير معمول به عند أحد فلا يصح الاعتماد عليها في الحكم بصحة بيع المجهول مع الضميمة، و لكن لا يخفى عدم كون شي ء مما ذكر موجبا لرفع اليد عن ظاهر الروايات و هو كون ضم ما يصح بيعه من المعلوم الى المجهول موجبا لصحة البيع و الضميمة و ان لا يوجب خروج البيع عن كونه غرريا الا أنه يتعين تخصيص ما دل على النهى عن بيع الغرر لان الروايات الواردة في المقام بالإضافة الى ما دل على النهى عن بيع الغرر من قبيل الخاص الى العام و ذلك فإن موثقة سماعة مثلا ظاهرة في ان حلب مقدار من اللبن في الاسكرجة و ضمه الى ما في ضرع

الحيوان في البيع يوجب صحته و لكن لا نظر لها إلى كيفية ضم ما في الاسكرجة من كون ذلك بعد اعتبار كيل ذلك المحلوب و عدمه بل في مقام لزوم ضم الموجود الفعلي و مقتضى ما دل على اعتبار الكيل في بيع المكيل رعاية كيل ذلك المحلوب و كذلك موثقة معاوية عمار ظاهرها ان ضم القصب الى ما في الأجمة في البيع يوجب صحة البيع و لو مع احتمال ان لا يكون في الأجمة سمك و رواية أبي بصير ظاهرها ان ضم الموجود الفعلي و هو الكف من السمك يوجب صحة بيع ما في الأجمة و السمك مطلقا لم يحرز كونه موزونا بل الظاهر أنه في أطراف الشط و البحر يباع بالمشاهدة و كذا الحال في الصوف على ظهر الغنم و لذا يصح ضم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 245

..........

______________________________

ذلك الصوف الى ما في البطون من الحمل و بيعها بصفقة و دعوى ان ضم الصوف على الظهر الى الحمل لم يلتزم به أحد مجازفة.

نعم يبقى في البين ان المستفاد من هذه الروايات و ما ورد في بيع الآبق مع الضميمة و في بيع الثمرة مع ضم السنة الآتية ان الضميمة تصحح البيع في المجهول الذي لا يحرز حصوله لا المجهول الذي لم يحرز كمه أو وصفه.

و لكن يمكن ان يقال بكفاية الروايات في القول بجواز بيع المجهول مع الضميمة سواء كان المجهول من قبيل مجهول الوجود أو مجهول الحصول أو المقدار أو الوصف و ذلك فأن الظاهر السؤال في موثقة سماعة فرض اللبن في الضرع و لو كان شراء اللبن في الضرع محكوما بالصحة باعتبار ان اللبن في الضرع ليس من

المكيل و الموزون بل من قبيل الثمرة على الشجرة لكان على الامام (ع) ان يجيب بالجواز و لو مع التأكيد على فرض السائل من اعتبار إحراز وجود اللبن في الضرع لكن قد ذكر (ع) في الجواب لا الا ان يحلب لك منه أسكرجة و ظاهره اعتبار حلب بعضه و اجراء البيع على المحلوب و ما في الضرع و قوله (ع) فيما بعد (فان لم يكن في الضرع شي ء كان ما في الاسكرجه) تعرض لصورة نادرة في الفرض و هي اتفاق عدم كون اللبن في الضرع و كون المبيع مقدار المحلوب فقط و انه يصح البيع في تلك ايضا و يكون الثمن في مقابل ذلك المحلوب كما يدل على هذه الجهة أي كون الثمن في مقابل الضميمة على تقدير عدم حصول المجهول ما في رواية الكرخي من أنه ان لم يكن في بطونها شي ء كان رأس ماله في الصوف.

و ما في موثقة سماعة عن ابى عبد اللّٰه (ع) في الرجل يشترى العبد و هو آبق عن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 246

..........

______________________________

اهله قال لا يصلح الا ان يشترى معه شيئا آخر و يقول اشترى منك هذا الشي ء و عبدك بكذا و كذا فان لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه.

و مما ذكرنا يظهر أنه لا يمكن المساعدة على دعوى جواز بيع اللبن في الضرع بلا ضميمة فيما إذا كان وجود اللبن في الضرع محرزا مع الكراهة جمعا بين صحيحة عيص بن القاسم المتقدمة حيث ذكر سلام اللّٰه عليه فيها بعد السؤال عن رجل له نعم يبيع ألبانها بغير كيل نعم حتى ينقطع أو شي ء منها و بين موثقة سماعة

المتقدمة التي ورد فيها لا الا ان يحلب لك منه أسكرجة أو الحكم بالجواز من غير كراهة بحمل الموثقة على صورة عدم إحراز اللبن في الضرع و الصحيحة على صورة إحرازه و وجه عدم المساعدة هو كون ظاهر الموثقة أيضا إحراز وجود اللبن في الضرع كما لا يخفى.

و اما المجهول وصفه فيمكن استفادة جواز بيعه مع الضميمة من مثل موثقة معاوية بن عمار المتقدمة حيث ذكر سلام اللّٰه عليه فيها لا بأس ان يشترى الآجام إذا كانت فيها قصب فان من الظاهر ما في الأجمة من السمك كما يكون مجهولا من حيث المقدار كذلك يكون مجهولا من حيث الوصف أيضا إذ للسمك أنواع مختلفة و يختلف قيمته بالصغر و الكبر و الأجمة الواحدة يشتمل على السماك المختلفة نوعا غالبا و بالصغر و الكبر دائما و مما ذكرنا يظهران ما قيل في وجه تصحيح المعاملة بالضميمة فيما إذا كان الشي ء مجهول الوصف أو الكم بالأولوية من أنه إذا حكم الشارع بصحة البيع فيما إذا كان بعض المبيع مجهول الوجود يكون البيع محكوما بالصحة في مجهول الوصف و الكم بالفحوى لا يمكن المساعدة عليه فان المراد بالصحة فيما إذا كان البعض مجهول الوجود وقوع الثمن في مقابل الضميمة و ذلك المجهول على تقديره

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 247

..........

______________________________

و وقوعه بتمامه في مقابل الضميمة على تقدير عدمه و هذا لا يجري في مجهول الوصف و العمدة في المقام ما ذكرنا.

نعم يبقى في البين دعوى ان تصحيح الضميمة يختص بموارد النصوص أو يعم كل مجهول من حيث الوجود أو المقدار أو الوصف و لا يبعد التعميم لان السمك أو اللبن أو الحمل أو العبد

أو الثمرة من موارد النصوص معرض للجهالة و لذا وقع السؤال عنها و المتفاهم من الأجوبة الواردة فيها ان الضميمة علاج لبيع المجهول.

و لكن المستفاد من النصوص ان كل مبيع يكون النهى عن الغرر مقتضيا لفساد بيعه اما لعدم العلم بوجوده أو بحصوله أو للجهل بأوصافه يكون بيعه مع الضميمة محكوما بالصحة و يرفع اليد بها عن عموم النهى عن بيع الغرر.

و اما إذا كان الشي ء مكيلا أو موزونا أو معدودا بالفعل و أريد في التخلص عن كيله أو وزنه أو عدده بضم الضميمة اليه و بيعها بصفقة فهذا خارج عن مدلولها فان اللبن في الضرع أو السمك في الأجمة أو العبد الآبق أو الحمل في بطن الدابة لا يكون شي ء منها من المكيل أو الموزون أو المعدود بالفعل و لذا يجرى البيع عليها عند العقلاء و لا يعدونها من المكيل أو الموزون أو المعدود و لا يفيد الضميمة في التخلص عن بيعها بالكيل أو الوزن أو العدد أخذا بإطلاق النهي عن بيع المكيل أو الموزون أو المعدود من غير تعيين كيله أو وزنه أو عدده فإن النهي المزبور يعم ما إذا كان بيعها مع ضميمة معلوم كيلها أم لا كما لا يخفى هذا كله ما إذا بيع المجهول مع الضميمة بصفقة واحدة و اما إذا جرى البيع على الضميمة فقط و اشترط في بيعها كون المجهول ملكا للمشتري بلا عوض فيحكم بصحة البيع و الشرط بناء على ما هو الأظهر من ان الغرر في الشرط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 248

[بقي الكلام في ما كان المجهول تابعا]

بقي الكلام في توضيح التفصيل المتقدم (1)

______________________________

لا يبطل الشرط و لا البيع إلا إذا كان موجبا للغرر في نفس

البيع.

و اما ما ذكره المصنف (ره) في أول كلامه من ان مقتضى الأدلة ان يبيع المجهول مع الضميمة بصفقة واحدة يوجب بطلان البيع بتمامه فلا يمكن المساعدة عليه فان مقتضى انحلال البيع نظير انحلاله فيما إذا باع ما يملك و ما لا يملك الحكم بصحة البيع بالإضافة إلى الضميمة و البطلان بالإضافة إلى المجهول و يعلم طريق تقسيط الثمن المسمى لكل من المجهول و الضميمة مما تقدم في طريق تقسيطه في بيع ما يقبل الملك و ما لا يقبله بصفقة واحدة فتدبر.

(1) حكى عن العلامة التفصيل في المجهول بأنه إذا كان مقصودا بالبيع بطل و إذا كان تابعا فلا بأس به بمعنى انه يصح البيع و يدخل المجهول في ملك المشترى و يقع الكلام في المراد من التابع و المقصود بالبيع و استظهر المصنف (ره) من كلماتهم ان مرادهم من التابع يختلف و هذا الاختلاف ينتهي إلى وجوه.

الأول ما يظهر من القواعد و التذكرة و غيرهما من انه إذا كان المجهول شرطا في المبيع بحيث يدخل في ملك المشترى يحكم بصحة البيع و جهالة الشرط لا يضر بصحة البيع بخلاف ما إذا جعل جزءا من المبيع بان يكون الثمن بإزاء المجموع من المعلوم و المجهول في مدلول الإيجاب و القبول و على ذلك فلو باع العبد لا يدخل ماله في المبيع بناء على تملكه المال نعم مع اشتراط دخوله في المبيع يدخل العبد في ملك المشترى مع ماله على النحو الذي كان مالكا للمال عند البائع و اما إذا قيل بعدم جواز تملك العبد و جعل المال جزءا من المبيع لاعتبر فيه شرائط البيع و منها معلوميته.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 249

..........

______________________________

الثاني ما عن جامع المقاصد و المحكي عن الشهيد فإنه قد ذكر الأول في رد ما تقدم في بيان التابع ان عبارة العقد لا اعتبار بها و ان ما قيل من انه لو كان حمل الحيوان جزءا من المبيع لكان باطلا و ان جعل شرطا صح غير صحيح بل بيع الأم مع حمله محكوم بالصحة لأن الحمل تابع شرطا أو جزءا و لو باع العبد مع ماله يدخل ماله أيضا في المبيع ان قلنا بان العبد يملك سواء جعل جزءا أو شرطا و ان قلنا بأنه لا يملك لا يصح جعل المال في البيع إلا إذا كان معلوما لانه ليس بتابع على هذا القول و المتحصل من كلامه ان ما يعد تابعا عرفا بان يكون الشي ء محسوبا عرفا من فروعات المبيع كالحمل بالإضافة إلى الأم و ان لم يكن تملك الأصل مقتضيا لتملكه ايضا يجوز كونه مجهولا سواء ذكر في العقد بصورة الاشتراط أو بصورة الجزء و كل ما لا يكون كذلك فلا يجوز كونه مجهولا سواء أتى بصورة الاشتراط أو بصورة الجزء كما انه لا يفرق في كون شي ء تابعا كما ذكر بين تعلق الغرض الشخصي من المتبايعين أو أحدهما بتمليكهما و تملكهما معا في مقابل الثمن أو كان عرضهما أو غرض أحدهما تمليك المتبوع و تملكه أو التابع كما يتفق الأخير في شراء بعض افراد الخيل حيث يكون الغرض الأصلي تملك حمله.

الثالث ان يكون كون شي ء تابعا أم لا بقصد المتعاقدين نوعا و إذا كان الغرض الأصلي للمتعاقدين غالبا في تملك المجهول و المعلوم خصوص المعلوم كما إذا كان الثمن في البيع بمقدار يشترى به المعلوم فلا يضر جهالة الآخر جعل سواء جزءا

أو شرطا و إذا انعكس الأمر يحكم ببطلان البيع من غير فرق بين جعل المجهول جزءا أم شرطا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 250

..........

______________________________

الرابع: ان يكون الميزان في كون شي ء تابعا الغرض الأصلي للمتعاقدين بشخصهما فإنه لو كان الغرض الأصلي لهما تمليك و تملك المجهول فيحكم ببطلان البيع جعل جزءا أو شرطا و إذا انعكس الأمر يحكم بصحته.

الخامس: ان الميزان في كون شي ء تابعا الغرض العقدي للمتعاقدين دون الغرض الأصلي الباطني نظير ما قد يفعله المتعاقدان في التخلص عن المخاصمة المحتملة مستقبلا في متاع لعارض من العوارض من اجرائهما البيع على متاع أخر لا يحتمل النزاع فيه و جعل الأخر تابعا و لكن لا يخفى ان مرجع هذا الوجه الى الوجه الأول من ذكر المجهول في عبارة العقد شرطا فيكون تابعا.

ثم انه (ره) قد ذكر عدم الفرق في بطلان البيع بضم المجهول من غير فرق بين كون الضم بنحو الجزئية أو الشرطية للغرر الحاصل بالجهالة نعم إذا كان المجهول تابعا عرفيا للمعلوم بنحو ما تقدم من اضافة البيع الى المعلوم عرفا بحيث لا يعد المجهول امرا آخر منضما الى المبيع بل من فروعاته فان اتى الفرع بصورة جزء المبيع في عقد البيع بطل للجهالة و إذا اتى بطور الشرط فلا يكون داخلا في الغرر كما لا يكون داخلا في معقد الإجماع على كون المبيع معلوما هذا في التابع الذي لا يدخل في ملك المشترى من غير جعله شرطا أو جزءا و اما التابع الذي يدخل في المبيع و ينتقل إلى المشترى و لو كان مغفولا عنه حين البيع و لم يذكر فيه جزءا أو شرطا فالظاهر عدم كون جهالته مضرة بصحة البيع

إلا إذا أوجب جهالة ذلك التابع جهالة المتبوع و هذا خارج عن محل الكلام في الضميمة لأن الكلام فيها ان جهالة المجموع من الشي ء و الضميمة توجب بطلان البيع أو ان معلومية الضميمة كافية في صحته و اما إذا كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 251

..........

______________________________

المتبوع الذي جرى عليه البيع مجهولا بجهالة سارية إليه من التابع فليس مورد الكلام في المقام.

أقول قد يذكر للتابع وجه آخر و هو كون المجهول مذكورا في عبارة العقد بعد ذكر المعلوم أولا و على ذلك يحمل الروايات الواردة في ضم المعلوم الى المجهول و لكن لا يخفى فساده لانه لا يفهم فرق في مدلول الكلام بين ان يذكر المعلوم أولا بأن يقول بعت ما في الاسكرجة من اللبن و ما في الضرع بكذا أو يقال بعت ما في الضرع و في الاسكرجة بكذا أضف الى ذلك ما ورد في بيع العقد الآبق من ذكر المجهول أولا و في صحيحة رفاعة النحاس قال سألت أبا الحسن موسى (ع) أ يصلح ان اشترى من القوم الجارية الآبقة و أعطيهم الثمن و أطلبها أنا قال لا يصلح شراؤها الا ان تشترى منهم معها ثوبا أو متاعا فتقول لهم اشترى منكم جاريتكم فلانة و هذا المتاع بكذا و كذا درهما فان ذلك جائز و ظاهرها جواز جعل المجهول متبوعا في عبارة العقد و كيف كان فقد تقدم ان الوجه الأول و هو التفصيل بين ما إذا كان المجهول شرطا أو جزءا لا يصح في النصوص الواردة في الضميمة فإن ظاهرها جواز جعل المجهول جزءا و لكنها لا تعم ما إذا كان المجهول من قبيل المكيل أو الموزون أو المعدود

و لو كان المجهول منها فلا بد من التفصيل بين جعل المجهول شرطا أو جزءا فيصح على الأول و يبطل البيع بالإضافة إلى المجهول على الثاني و صحته على الأول مبنى على ما هو الأظهر من ان الغرر في البيع موجب لبطلانه و اما الشرط فلا يبطل بالغرر كما ان الشرط المزبور لخروجه عن البيع حيث انه تمليك الشي ء بالعوض لا يوجب الغرر فيه.

و بتعبير آخر و لو يكون الشرط من العقد فيعمه ايضا وجوب الوفاء بالعقد الا انه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 252

..........

______________________________

لا يدخل في البيع و مجرد كونه غرريا لا يوجب الغرر في البيع فما ذكر المصنف (ره) من عدم الفرق بين جعل المجهول جزءا أو شرطا ضعيف غايته بل لو قلنا بان الغرر في الشرط يوجب بطلانه فالباطل هو الشرط فقط و لا يسرى الى البيع لما يأتي في محله من ان بطلان الشرط لا يوجب بطلان أصل البيع و هذا فيما إذا كان الشرط بمعنى المشروط أمرا آخر لا يرجع الى خصوصية المبيع أو الثمن كما هو الفرض في مسألة الضميمة.

و إذا كان الشرط بمعنى المشروط امرا راجعا إلى خصوصية في أحدهما فالشرط على تقدير كونه غرريا يبطل و يوجب بطلان أصل البيع ايضا كما إذا باع المتاع بثمن و اشترط انه لا يسلمه المتاع اليه الا في زمان شاء فبطلان البيع في الفرض باعتبار كونه غرريا كما لا يخفى.

و اما كون الميزان في التابع الغرض النوعي من المتعاقدين بالمعنى المذكور في المختلف من شراء المجموع بثمن يساوى الضميمة المعلومة فيحكم بصحته لعدم الغرر و شرائه بثمن يزيد عنه بمقدار بعتني به فيحكم ببطلانه للغرر فلا

يمكن المساعدة عليه لان الغرر يصدق على البيع في الفرض الأول أيضا لو بالإضافة إلى البائع و كذا الحال على احتمال الغرض الشخصي فإن كون غرض المشترى تملك الضميمة فقط بإزاء الثمن لا يخرج عن كونه غرريا عرفا حيث ان الصدق عندهم لا يكون بملاك الغرض الشخصي من المتبايعين.

نعم لو كانت القيمة السوقية للشي ء لا يختلف سواء إحراز جميع خصوصيات الشي ء أو لم يحرز كخصوصية باطن الثوب فلا يضر الجهل بها مع إحراز عنوان المبيع و لذا يشترى الثوب و لا يدرى أن بطاته قطن مصنوعى أو زراعي و يشترى الثوب و لا يدرى أن مادته من النايلون أو القطن الى غير ذلك مما يتعارف الشراء في السوق من غير

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 253

[مسألة الإندار للظروف]

يجوز ان يندر لظرف ما يوزن مع ظرفه (1)

______________________________

إحراز بعض الخصوصيات و لا يدخل البيع بالجهل المزبور في عنوان الغرر و لو فيما فرض ان المشترى على تقدير علمه بواقع تلك الخصوصية لم يقدم على شرائه و هذا أمر آخر لا يرتبط بمسألة الضميمة.

فقد تحصل ان التابع العرفي الذي لا يندرج في المبيع من غير أخذه جزءا أو شرطا لا بد من إحرازه مع أخذه في المبيع جزءا و لا يضر الجهالة به فيما إذا أخذ شرطا فإنه لا يزيد عن الشرط غير التابع و اما التابع الذي يدخل في المبيع من غير حاجة الى ذكره في العقد جزءا أو شرطا أم لا كمفتاح الدار و بيض الدجاجة فجهالته لا يوجب صدق الغرر في البيع أصلا.

(1) المنسوب إلى الشهرة انه يجوز ان يندر لظرف ما يوزن مع ظرفه مقدار يحتمل زيادة ذلك المقدار على الوزن

الواقعي للظرف و نقيصته و صرح الفخر (ره) بالإجماع على ذلك فإنه قال نص الأصحاب على انه يجوز الإندار للظروف بما يحتمل الزيادة و النقيصة و فرع على هذا الجواز بأنه قد استثنى من المبيع أمر مجهول و استثناء المجهول من المبيع مبطل إلا في هذا المورد و مراده من الاستثناء على ما ذكر المصنف (ره) إخراج الظرف عن متعلق البيع ابتداء بإجراء البيع على المظروف من الأول بأن يقول بعت السمن الذي في هذا لظرف بكذا و الاستثناء الحقيقي أي المصطلح و ان يكون كذلك ايضا بمعنى انه يخرج عن حكم العام ابتداء الا ان هذا الخروج بملاحظة ذكر الاستثناء في الكلام و لو لم يذكر ذلك الاستثناء لشمل الحكم المستثنى بحسب مدلول الكلام كقوله أكرم العلماء الا الفساق منهم بخلاف الاستثناء في المقام فإنه قد ذكر البيع في الكلام ابتداء للمظروف فقط.

ثم ان في المسئلة أقوال ستة: الأول- ان المقدار المندر يعتبر كونه متعارفا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 254

..........

______________________________

عند التجارة و عدم العلم بزيادته على الوزن الواقعي للظرف.

الثاني ما ذكر مع اعتبار عدم العلم بالنقيصة أيضا.

الثالث اعتبار أحد الأمرين من اعتبار العادة و عدم العلم بالزيادة أو النقيصة.

الرابع جواز إندار المقدار المحتمل مطلقا أي تراضى به المتعاقدان أم لا و لكن مع العلم بزيادته يعتبر تراضيهما.

الخامس ما ذكر مع اعتبار تراضيهما في صورة العلم بالنقيصة.

السادس انه يعتبر ان لا يوجب الإندار الغرر في البيع كما إذا لم يحتمل زيادته أو نقيصته الا بمقدار يسير يتسامح فيه ثم ان الإندار للظرف قد يكون بعد اجراء البيع على المظروف بان يوزن المظروف مع ظرفه فيعلم وزنهما معا و بعد ذلك

يجرى البيع على المظروف بنحو الجملة بأن يقول بعت السمن الذي في هذا الظرف بكذا أو بنحو التسعير كما يقول بعت السمن الذي في هذا الظرف كل الكيلو منه بكذا و يحكم بصحة البيع في فرض البيع بنحو الجملة للإجماع على كفاية إحراز وزن المبيع مع ظرفه على ما تقدم في كلام الفخر و لا يحتاج إلى الإندار في هذا لفرض و يبقى الظرف في ملك البائع فيما لو لم يشترط أو لم يهبه البائع للمشتري و الأمر في فرض البيع بنحو التسعير ايضا كذلك و لكن يحتاج تعيين الثمن الذي يستحقه البائع على المشترى الى الإندار و قد يكون الإندار قبل البيع بان يحرز وزن المظروف في نفسه بالإندار أولا ثم يجرى البيع على المظروف المحرز وزنه بالإندار و يحكم بصحة هذا البيع أيضا للإجماع على انه لا يعتبر وزن المبيع في الفرض بغير الإندار من اخبار البائع أو وزن المظروف مستقلا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 255

خصوصا اعتبار التراضي بصورة العلم بالزيادة (1)

______________________________

و استظهر المصنف (ره) من أصحاب الأقوال المتقدمة اختلافهم في تحرير المسئلة و ان بعضهم قد حررها لتعيين وزن المظروف ليجري البيع عليه بعد ذلك و لذا اعتبر ان لا يكون الإندار بحيث يوجب الغرر في البيع و اعترض على من ذكر جواز الإندار بما يعلم زيادته أو نقيصته مع التراضي بأن التراضي لا يوجب صحة البيع الغرري و مع إندار المقدار المعلوم زيادته أو نقيصته يكون البيع غرريا.

و يمكن استظهار هذا الوجه اى كون الإندار موجبا لإحراز وزن المبيع ليجري البيع عليه بعد ذلك من الكلام المتقدم في صدر المسألة عن الفخر و وجه الاستظهار ان الفخر

(قده) قد فرع جواز استثناء المجهول عن المبيع أى جواز اجراء البيع ابتداء على المظروف المجهول وزنه الواقعي للجهل بوزن ظرفه على جواز الإندار فيكون جواز الإندار موجبا لصحة البيع بخلاف فرض تحرير المسألة بحيث يكون الاحتياج إلى الإندار بعد بيع المظروف على وجه التسعير فإنه عليه يكون جواز الإندار متفرعا على جواز بيع المظروف المجهول وزنه الواقعي بنحو التسعير و يحرز بالإندار جملة الثمن الذي يستحقه البائع على المشترى.

(1) قد استظهر (ره) من كلام من اعتبر التراضي في جواز الإندار مع العلم بزيادة المقدار المندر على الوزن الواقعي للظرف أو نقيصته عنه ان هذا القائل قد فرض الإندار بعد بيع المظروف الموزون مع ظرفه على وجه التسعير لتعيين ما يستحقه البائع على المشترى من الثمن و وجه الاستظهار ان الإندار لو كان لتعيين وزن المظروف ليجري عليه البيع بعده فاللازم تراضى المتبايعين في إجراء البيع على المظروف المعلوم وزنه بالإندار سواء كان المقدار المندر محتمل الزيادة و النقيصة أو معلوم الزيادة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 256

..........

______________________________

أو النقيصة إذ لا معنى لصحة البيع بدون تراضى المتبايعين و اما إذا كان الإندار بعد وزن المظروف مع ظرفه و اجراء البيع على المظروف على وجه التسعير لكان للتفصيل المزبور وجه حيث ان مع احتمال الزيادة و النقيصة لا يعلم المشترى باستحقاق البائع بأزيد مما يأخذه منه بعنوان الثمن فلا موجب لتراضيهما.

و اما إذا علم بزيادة المقدار المندر فقد يأخذ البائع من المشترى بأزيد من الثمن الذي يستحقه كما انه إذا علم نقيصته عن وزنه الواقعي يأخذ البائع أقل مما يستحق و يكون أخذ الزيادة أو النقيصة من قبيل التمليك المجاني فيعتبر تراضيهما

و لا وجه في فرض الإندار بعد بيع المظروف على وجه التسعير للإيراد على اعتبار التراضي بأن التراضي لا يدفع الغرر عن البيع و وجه عدم الإيراد ان البيع قد وقع على المظروف قبل الإندار و لو كانت معلومية وزنه مع الظرف غير رافع للغرر عن البيع يكون صحة البيع المزبور بالإجماع أو الرواية مقتضية لتخصيص النهى عن بيع الغرر.

و بذلك يظهر انه على تقدير كون الإندار بعد اجراء البيع على المظروف الموزون مع ظرفه يكون ذكر الإندار في مسألة تعيين العوضين باعتبار ان جواز البيع كذلك تخصيص فيما دل على اعتبار الوزن المستقل في المبيع الموزون.

و يظهر ايضا كون الإندار لتعيين مقدار استحقاق البائع من الثمن على المشترى في فرض بيع المظروف على وجه التسعير من كلام الأردبيلي (قده) حيث ذكر في أول كلامه في عنوان المسئلة انه يجوز بيع الموزون بان يوزن مع ظرفه ثم يسقط من المجموع مقدار الظرف تخمينا فان التعبير ب (ثم) الظاهرة في التراخي مقتضاه فرض الإندار لتعيين مقدار الثمن للمظروف المبيع على وجه التسعير.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 257

..........

______________________________

و نظير ذلك كلام الحدائق و ان كان ما ذكره من كون الإندار حقا للمشتري ضعيفا لأن الإندار لتعيين حق البائع على المشترى لا انه حق للمشتري و عليه فيعتبر عدم العلم بالنقيصة كالزيادة كما لا يخفى.

أقول ما ذكر المصنف (ره) من انه لو كان الإندار لإحراز وزن المظروف الذي يجرى عليه البيع بعد ذلك لاعتبر التراضي مطلقا و لم يختص بصورة العلم بالزيادة أو النقيصة لا يمكن المساعدة عليه لأن الإندار في هذا الفرض طريق لإحراز وزن المبيع و من الظاهر اعتبار الشي ء طريقا مع

العلم بمخالفته للواقع غير معقول و لا يصححه تراضى المتعاقدين و على ذلك فلا وجه لاعتبار التراضي في إحراز وزن المبيع بل لا بد من تخصيص اعتبار الإندار بما احتمل ان يكون المقدار المندر مساويا للوزن الواقعي للظرف رضى به المتعاقدان أم لا.

و ايضا لا يخفى ان مقتضى القاعدة الأولية عدم جواز بيع المظروف الموزون مع ظرفه من غير إحراز وزن المظروف منفردا الا مع ثبوت ان القسطاس المستقيم في بيع المظروف الذي يتعارف بيعه في ظرفه هو وزن المجموع على ما جرت عليه السيرة التي لا تحتمل حدوثها بعد زمان الشارع.

و على ذلك فلو كان الإندار قبل البيع لإحراز وزن المظروف منفردا كان مشروطا باحتمال تساويه مع وزن الظرف و ان كان بعد البيع لتعيين الثمن في المبيع على وجه التسعير جاز سواء علم بزيادته، على الوزن الواقعي أم لا لأنه في فرض الزيادة يتضمن التمليك المجاني فيعتبر فيه التراضي و كذا الحال فيما علم نقصانه على ما تقدم، و الحاصل الظاهر ثبوت السيرة على الإندار في كلام المقامين و لكن الإندار في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 258

..........

______________________________

مقام إحراز وزن المبيع قبل البيع مشروط باحتمال تساوى المقدار المندر مع الوزن الواقعي للظرف و في الإندار بعد البيع يجوز مطلقا و لكن مع التراضي في صورة العلم بالزيادة أو النقصان.

بقي للاندار صورة ثالثة و هي ما إذا بيع المظروف باشتراط الوزن المعين ثم في مقام القبض يوزن مع ظرفه و يسقط لمكان الظروف مقدار من الوزن و لا إشكال في جواز البيع في الفرض لان المعتبر في البيع ليس خصوص الكيل الخارجي أو الوزن فعلا بل يكفى اشتراط الكيل المعين

أو الوزن المعين و بهذا الاشتراط يخرج بيعه عن الجزاف و لذا يصح بيع المكيل أو الوزن بنحو الكلى على العهدة أو في المعين و على ذلك فلو كان وزن المبيع مع ظرفه و إندار المقدار المعين معلوما و لو بالتعارف صح البيع لان شراء المال مع التعارف المزبور بمنزلة اشتراط القبض المزبور سواء كان المقدار المتعارف محتمل الزيادة و النقصان أو علم أحدهما و الجواز المزبور لا يحتاج الى التشبث بالسيرة أو بذيل الإجماع أو الرواية بل هو مقتضى القواعد الأولية كما لا يخفى.

بقي في المقام أمر و هو ان الإندار للظروف و ان يعتبر طريقا الى تعيين وزن المظروف سواء وقع قبل البيع أو بعده لتعيين الثمن في المبتاع على وجه التسعير أو كان للوفاء بالبيع المشروط فيه وزن خاص و لكن لو انكشف الخلاف و كون المقدار المندر زائدا أو ناقصا عن وزن الظرف لا يتدارك فيما كان مقدار التخلف متعارفا لان مقتضى السيرة المشار إليها كون الناقص أو الزائد على تقدير التخلف ملكا للآخر مجانا بالشرط الضمني في المعاملة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 259

قيل ظاهره عدم اعتبار التراضي (1)

______________________________

نعم إذا كان التخلف بنحو غير متعارف فلا بد من تدارك الزائد على المتعارف باسترداد مقدار من الثمن أو المثمن هذا مع الغمض عن الروايات و يأتي التعرض لها.

(1) كان مراد القائل ان ظاهر الموثقة عدم اعتبار التراضي فيما إذا كان مما يزيد و ينقص و انه إذا كان المقدار المندر بما يزيد و ينقص فيجوز و مع كونه يزيد و لا ينقص فلا يجوز فيقع المعارضة بينها و بين رواية معلى بن حمزة حيث ظاهرها اعتبار التراضي مع

كون المندر مما يزيد و ينقص و كذا مع رواية قرب الاسناد حيث ان ظاهرها ايضا اعتبار التراضي و لو مع كون المقدار المندر مما يزيد و ينقص.

و ذكر المصنف (ره) عدم المعارضة بينها من هذه الجهة فإن التراضي مفروض في مورد الموثقة فإن الحاسب المفروض فيها البائع أو وكيله فالرضا من قبله متحقق و المحسوب له هو المشترى السائل عن جواز اقدامه على الشراء المزبور و ظاهر هذا السؤال رضاه بالاقدام لو لا المنع الشرعي و يؤيد فرض رضاه نهيه عن الاقدام بالشراء المزبور فان نهى شخص يناسب فرض إرادته ذلك الفعل و على ذلك فيكون حاصل الجواب انه إذا كان المقدار المندر مما يزيد و ينقص فيجوز و ان كان يزيد و لا ينقص فلا يجوز الشراء رضى به المتعاقدان أم لا فيتحد الموثقة مع رواية على بن حمزة و كذا مع رواية قرب الاسناد نعم يقيد إطلاق رواية قرب الاسناد بما إذا لم يكن المقدار المندر بما يزيد و لا ينقص.

و أردف (ره) على ما ذكر ان قوله (ع) ان كان يزيد و ينقص فيه احتمالات ثلاثة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 260

..........

______________________________

الأول كون المقدار المندر في مجموع المبيع يزيد و يقتص بحسب شخص المعاملة و حيث لا يمكن كون المقدار المندر في المجموع بحسب شخص المعاملة زائدا و ناقصا فالمراد احتمالهما.

الثاني ان يكون المراد زيادة المقدار المندر على وزن الظرف في بعض المبيع و نقصانه عنه بالإضافة إلى البعض الأخر في شخص المعاملة.

الثالث ان يكون المقدار المندر مما يزيد و ينقص في نوع المعاملة بأن يزيد في بعض إفرادها و ينقص في بعضها الأخرى فيستفاد كون المقدار المندر

متعارفا مع عدم العلم بزيادته في جميع الموارد و يشهد للاحتمال الأول رجوع الضمير في قوله يزيد و تنقص الى مجموع المقدار المندر كما انه يشهد للثاني عطف ينقص على يزيد بواو العاطفة الظاهرة في الجمع، و استشهد للثالث بما ورد في فضول المكائيل و الموازين كصحيحة على بن عطية قال سئلت أبا عبد اللّٰه (ع). قلت انا نشتري الطعام من السفر ثم نكيله فتزيد قال لي و ربما نقص عليكم قلت نعم قال فإذا نقص يردون عليكم قلت لا قال فلا بأس.

ثم ذكر (ره) انه مع الشك في كون المندر بمقدار الظرف فالأصل عدم زيادة المبيع عليه و عدم استحقاق البائع أزيد مما يعطيه المشترى من الثمن و لكن هذا حكم ظاهري لا يوجب ذهاب حق أحدهما عند انكشاف الخلاف و اما مع العلم بزيادة المقدار المندر أو نقصانه فان كان إندار ذلك المقدر عادة فيقتضي العادة كون إسقاطه شرطا ضمنيا مع علم المتبايعين بها و مع عدم ثبوت العادة أو جهلهما بها فلا يجوز الاسقاط المزبور الا باشتراطه في متن العقد بان يقول بعتك ما في هذه الظروف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 261

..........

______________________________

الموزنة مع ظرفها كل رطل بكذا على ان يسقط لكل ظرف منها كذا فيرجع هذا الاشتراط إلى هبة الزيادة من المثمن أو الإبراء من الثمن أو تراضيا على هذه الهبة أو الإبراء بعد تمام البيع هذا مع قطع النظر عن الروايات.

و اما بالنظر إليها فالمتبع موثقة حنان لضعف غيرها أو عدم معارضتها للموثقة و المستفاد منها جواز الإندار جوازا واقعيا فيما إذا كان المقدار المندر امرا متعارفا و لم يعلم زيادته على مقدار الظرف و قد

فهم الشيخ (ره) هذا منها و لذا ذكر ذلك في النهاية مع جريان عادته فيها على التعبير عن الفتوى بمضمون الرواية و لا يجوز المقدار المندر فيما إذا علم زيادته و المراد بعدم جوازه نظير عدم جواز الشراء بالموازين الزائدة عما يتسامع فيها عدم صيرورة الزائد ملكا للآخر بمجرد الإندار وفاء للمعاملة المزبورة بل يحتاج إلى هبة جديدة.

و الحاصل ان المقدار المندر لو كان مقدار المعتاد و يحتمل الزيادة و النقصان فيجوز واقعا و مع عدم أحد القيدين فان شك في زيادته و نقصانه مع عدم العادة فيجوز الإندار و لكن بحكم ظاهري و مع العادة و العلم بالزيادة أو النقصان يجوز ذلك بناء على كون الزيادة و النقيصة مع العادة بمنزلة الاشتراط الضمني و لكن الحكم محل اشكال ما لم تبلغ العادة حدا يحرز كونها كالشرط في ضمن العقد لان انصراف العقد إلى العادة ليس من قبيل انصراف المطلق الى بعض افراده بل من قبيل إضافة شي ء آخر من الهبة أو الإبراء إلى أصل البيع.

أقول إذا كان المستفاد من الموثقة عدم الجواز في غير ما كان المقدار المندر امرا عاديا يحتمل الزيادة و النقيصة فمقتضاه ان المقدار المندر مع العلم بزيادته أو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 262

ثم الظاهر ان الحكم المذكور (1)

______________________________

نقصانه حتى مع العادة يحتاج إلى هبة أو إبراء مستقل أو اشتراط مستقل فلا يحكم بأحدهما بمجرد الشرط الضمني في العقد حيث ان الشرط الضمني المزبور محكوم بعدم الاعتبار.

(1) و حاصله ان الحكم بجواز الإندار لا يختص بظروف السمن و الزيت بل الظاهر عمومه لكل ظرف يجرى البيع على مظروفه كما هو مقتضى رواية قرب الاسناد و لكن

لضعف سندها صالحة للتأييد فقط و يحتمل قريبا ان لا يعم كل مظروف بل يختص بالظروف التي يكون بيع المظروف في ظرفه بمعنى عدم تفريغه منه عند بيعه متعارفا حيث لا يمكن التعدي عن ظروف السمن و الزيت إلى أزيد من ذلك.

نعم كما انه قد يكون بيع الشي ء حال كونه في الظرف متعارفا كذلك يتعارف بيع الشي ء الموزون مع مصاحبه غير الموزون و على ذلك فيحتاج في تعيين مقدار ثمن الموزون إلى الإندار من وزن المجموع و إندار مقدار لصاحبه الغير الموزون كالشمع المنصوب على الحلي المصنوع من الذهب أو الفضة فإن الحلي موزون و مصاحبه غير موزون فيوزنان معا و يندر للشمع مقدار و نظيره ما إذا بيع الظرف و المظروف و لكن كان المقصود بالأصالة هو شراء الظرف و قصد بيع المظروف تبعا كما إذا أراد شراء زقاق و لا يجد الا ما فيه دبس قليل يباع الظرف معه فأن الدبس بما انه موزون يوزن مع ظرفه و يندر للظرف مقدار لتعيين مقدار الدبس و تعيين ثمنه.

أقول تعدية الحكم الى كل ظرف يتعارف بيع مظروفه حال كونه في الظرف لا بأس به للسيرة المشار إليها و عدم احتمال خصوصية لظرف السمن و الزيت من دون منع عن السيرة بل مع كونها مؤيدة برواية قرب الاسناد و كذا فيما إذا كان شراء المظروف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 263

[بيع المظروف مع ظرفه]

يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون (1)

______________________________

تبعا لشراء ظرفه و اما التعدي إلى المصاحب فان أحرز ثبوت السيرة فيه ايضا فهو و الا فمقتضى ما دل على اعتبار الوزن في بيع الموزون عدم الجواز و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) يجوز بيع

المظروف الذي يباع وزنا مع ظرفه بوزن المجموع و اجراء البيع عليهما بصفقة واحدة على المشهور بل لم يعرف خلاف من الخاصة إلا ما ذكر في الروضة من نسبة الخلاف الى بعض من غير تعيينه و عن التذكرة نسبة المنع الى بعض العامة و يمكن الاستدلال على المنع بان ما يباع وزنا و هو المظروف غير معلوم وزنه و الظرف لا يباع وزنا بل لو كان الظرف مما يباع وزنا ايضا فلا يفيد العلم بوزن المجموع لان اختلاف المظروف مع الظرف في القيمة يوجب الغرر الموجود في بيع المظروف جزافا.

و ذكر المصنف (ره) في المقام تفصيلا و هو انه إذا كان بيع المظروف في ظرفه بوزن المجموع متعارفا كما تقدم في المسألة السابقة فيكفي وزن المجموع في المقام لأن الإندار في تلك المسئلة كانت لتعيين مقدار الثمن و كان لا يعتبر في بيع مظروفه وزنه منفردا و عليه فلو كان الظرف داخلا في البيع كما هو الفرض في المقام فلا يحتاج إلى الإندار و لم يحصل من ضم الظرف الى مظروفه في البيع مانع آخر أو فقد شرط.

نعم إذا لم يكن الضم من قبيل بيع المظروف مع ظرفه بل من وزن الشيئين الموزونين معا و بيعهما بصفقة واحدة فان لم يحصل من بيعها كذلك غرر كما إذا كان كل منهما مساويا للآخر في القيمة السوقية فلا إشكال في صحة البيع لان الدليل على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 264

..........

______________________________

المنع اما النهي عن بيع الغرر و لا غرر في البين على الفرض و اما ما دل على اعتبار الوزن و ظاهره اعتبار وزن مجموع المبيع لا وزن كل واحد من اجزائه التي

ينحل إليها البيع و لو حصل من جمعهما في البيع غرر كما إذا ضم قطعة الذهب الى قطعة الرصاص يبلغ وزن مجموعهما ألفا بصفقة واحدة مع جهالة وزن الذهب بأنه مأة أو مأتان يحكم ببطلان البيع للغرر لا لاعتبار الوزن.

أقول يحكم بصحة البيع في الفرض ايضا على الأظهر لأن الغرر في البيع مندفع بثبوت خيار الغبن و قد تقدم سابقا ان ما هو المعروف في الألسنة من ان الخيار حكم للبيع الصحيح يتم في الخيار الشرعي التأسيسي كخيار المجلس و الحيوان لا الإمضائي كخيار الشرط و يدخل فيه خيار الغبن على ما يأتي بل قيل كما عن الإيرواني (ره) بصحة البيع حتى مع إسقاط خيار الغبن فان المقام لا يزيد على بيع مالك الذهب ذهبة بقيمة الرصاص و لكنه ضعيف لان مع العلم بكون المبيع ذهبا و العلم بوزنه لا يكون بيعه بقيمة الرصاص غرريا لأخذ الجهالة في معنى الغرر فلا يعمه النهى عن بيع الغرر كما لا يعمه ما دل على بطلان بيع الموزون بلا وزن بخلاف مسألة ضم الذهب الى الرصاص و بيعهما بصفقة واحدة فإن مع الجهل بمقدار الذهب منفردا يعمه النهى عن بيع الغرر.

و ايضا ما يذكر المصنف (ره) من ان المصاحب غير الموزون وزنه مع الموزون و بيعهما بصفقة صحيح فيما إذا كان المصاحب تابعا لا يمكن المساعدة عليه لان وزن المجموع يكفي في موردين أحدهما فيما إذا كان كل من الشيئين موزونا و الثاني ما إذا كان في المظروف الذي يتعارف تعيين وزنه عند بيعه بوزنه مع ظرفه و اما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 265

ثم ان بيع الظرف مع الظرف يتصور على صور (1)

______________________________

في

غير ذلك فلا موجب لرفع اليد عما دل على اعتبار الوزن في بيع شي ء يكون تعيين ماليته بالوزن و المفروض أنه الفضة دون الشمع.

(1) صور بيع المظروف مع ظرفه أربع: الأولى ما إذا بيعا باعتبار انهما متاعين قد بيعا بصفقة واحدة نظير سائر الأمتعة المباعة بصفقة واحدة بحيث لو انكشف بطلان البيع بالإضافة إلى أحدهما يقسط الثمن عليهما بتقويم كل واحد منهما منفردا ثم يؤخذ بنسبة قيمة أحدهما إلى المجموع فإذا قيل بان الظرف قيمته دينار و المظروف قيمته دينار ان يؤخذ للظرف ثلث الثمن كما تقدم في بيع ما يملك و ما لا يملك بصفقة واحدة.

الثانية ما إذا بيع المظروف و الظرف بثمن على ان يكون بعضه بإزاء المظروف على وجه التسعير بان يكون كل رطل منه بدينار و الباقي من الثمن بإزاء الظرف و لو ظهر الظرف أو المظروف مستحقا للغير يعين ثمنه بالإندار.

الثالثة ان يباع الظرف و المظروف الموزنان معا باعتبار هما شيئا واحدا يباع على نحو التسعير و لو كان وزن المجموع عشرة أرطال يباع كل رطل من المفروض شيئا واحد بدينار بحيث لو كان وزن الظرف مفردا رطلين يكون ثمنه دينارين.

و الرابعة ان لا يفرض المجموع شيئا واحدا بحسب التقويم بل يباع الرطل المركب من المظروف و ظرفه بدينار و على ذلك يكون تقسيط الثمن على تقدير الحاجة بحسب القيمة السوقية لكل منهما منفردا مثلا لو كان وزن الظرف خمس وزن المجموع فلا يكون ثمنه خمس تمام الثمن كما في الفرض الثالث بل بحسب قيمة الظرف منفردا و قيمة المظروف منفردا فلو كان قيمة الظرف مساوية مع تمام قيمة المظروف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 266

[دفع المال إلى الغير لصرفه على طائفة]

و لم يحصل للمدفوع إليه ولاية على ذلك المال (1)

______________________________

يكون قيمة الرطل و هو الدينار أربعة أخماسه للظرف و ربعه للمظروف و المصنف (ره) قد ذكر هذه الصورة الثالثة بقوله لا من المركب من الظرف و المظروف لأنه إذا باع إلخ فتدبر.

(1) و تفضيل الكلام في المقام هو ان المال المدفوع الى الغير لصرفه على طائفة قد يكون بحيث للمدفوع إليه ولاية ذلك المال من دون ولاية لدافعة كمال الامام (ع) أو المال المجهول مالكه المدفوع الى الحاكم الشرعي فيتصرف الحاكم في المال المزبور على ما يراه الوظيفة فيهما و لكن ثبوت الولاية كذلك فيهما للحاكم شرعي كلام و ذلك فان نصف الخمس بمقتضى الآية المباركة بملاحظة الروايات ملك للإمام (ع) و لو بعنوان الامام للمسلمين و له (ع) ولاية صرف النصف الأخر على مواضعه بحيث لا يجوز لمن تعلق بماله الخمس المباشرة في وضعه في تلك المصارف كما هو ظاهر امره (ع) بإرسال الخمس اليه أو كون الخمس له مثل قوله (ع) خذ مال الناصب و ادفع إلينا خمسه و في الصحيح عن على بن محمد بن شجاع النيشابوري فوقع (ع) لي منه الخمس مما يفضل من مؤنته و في صحيحة على بن مهزيار من كان عنده شي ء من ذلك فليوصله إلى وكيلي و في موثقة عمار عن ابى عبد اللّٰه (ع) فان فعل فصار في يده شي ء فليبعث بخمسه الى أهل البيت الى غير ذلك.

و على ذلك فلو قيل بأن الولاية الثابتة للإمام (ع) تثبت للحاكم و الفقيه العادل في زمان الغيبة تثبت له أيضا الولاية بالإضافة إلى سهم السادة بحيث لا يجوز للمكلف صرفه على موارده بلا استيذان منه.

إرشاد الطالب إلى التعليق

على المكاسب، ج 3، ص: 267

..........

______________________________

و اما بناء على ما هو الأظهر من انحصار ولايته بموارد الأمور الحسبية على ما تقدم تفصيلها فيجوز للمكلف الاستقلال في صرف ذلك السهم بدفعه إلى أربابها حيث ان مقتضى أصالة البراءة عدم اشتراط الاستئذان في دفعه بعد كون مقتضى الآية و الروايات ثبوت الخمس في المال نعم لو طلب الفقيه المتصدي لتنظيم أمور المسلمين، السهم المزبور للصرف على بعض مصارفه لضرورته و حبت الإجابة اطاعة أولى الأمر و لكن هذا لا يفيد الاشتراط بحيث لو خالف المكلف و دفعه الى أربابها لم يجز كما لا يخفى.

و اما بالإضافة إلى السهم المبارك فبما ان المال المزبور ملك الامام (ع) و لا دليل على دخوله في ملك الغير في زمان الغيبة ابتداء حاكما كان أو غيره و لكن يعلم برضاه (ع) بصرفه في مصالح نظير الحوزات العلمية و الاحتفاظ بها و نشر أحكام الشرعية أصولا و فروعا و دفع بعض ضرورات الضعفاء من المؤمنين فيجوز للفقيه صرفه على هذه المواضع مع ملاحظة الأهم و المهم و إذا كان ملاك تصرفه علمه برضاه (ع) فان رضا الدافع بصرف ذلك المال على البعض المعين من تلك المواضع فلا بد للفقيه رعايته لو احتمل دخله في رضاه (ع) نعم على القول بثبوت الولاية للفقيه مطلقا لا في خصوص الأمور الحسبية فلا حاجة الى رعايته.

و اما المال المجهول مالكه فقد تعرضنا لحكمه في بحث المكاسب المحرمة و انه يظهر من بعض الروايات ثبوت ولايته للإمام (ع) و لو قيل بثبوت هذه الولاية للفقيه العادل فيعمل فيه بما وظيفته و على ما ذكرنا من انحصاره ولايته بموارد الأمور الحسبية و انتظام نظام جامعة المسلمين فيعمل كل

من وقع بيده المال المزبور بوظيفة المال من التصدق به بعد يأسه عن الظفر بمالكه بعد الفحص عنه أو قبله و احتمال اعتبار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 268

..........

______________________________

الاستيذان مدفوع بإطلاق الروايات الظاهرة في أن الوظيفة في المال المزبور هو التصدق فراجعها.

ثم انه ذكر (ره) في المقام أى فيما كان المدفوع اليه من طائفة يصرف المال عليهم و لم يكن له ولاية في ذلك المال صور ثلاث الاولى ما إذا علم بقرينة حالية أو مقالية إخراج الدافع المدفوع اليه من ذلك القبيل و عدم رضاه بأخذه من المال كما إذا عين له مقدارا قبل الدفع أو بعده ففي هذه الصورة لا يجوز للمدفوع إليه الأخذ منه لان المال المزبور ملك للدافع أو له ولاية في دفعه و على كل تقدير فلا يجوز أخذه بلا رضاه.

الثانية ما إذا كان في البين قرينة على رضاه بأخذ الدافع لنفسه ايضا فيجوز له الأخذ و لكن فيما إذا اختلف المقدار المعين للأصناف و لو من قبل الدافع فهل الميزان في أخذ المدفوع اليه اعتقاده أو اعتقاد الدافع الأظهر التفصيل بين ان يكون تعيين الدافع على عنوان صنف على وجه الموضوعية فالمتبع إحراز المدفوع اليه و اعتقاده و بين كونه على وجه الداعوية فالمتبع اعتقاد الدافع و إحرازه.

و مراده (ره) من كون عنوان الصنف على وجه الموضوعية ان يكون التعيين للعنوان بنحو القضية الحقيقية فإنه يوكل فيها إحراز عنوان الموضوع في الخارج الى المكلف كما إذا قال ادفع لكل مجتهد كذا و لكل مشتغل كذا و خذ أنت ما يخصك و من كونه على وجه الداعوية كون التعيين بنحو القضية الخارجية حيث ان تطبيق العنوان على

الخارج في التعيين بمفادها بعهدة الدافع و لكن لا يخفى انه كما يكون في المجعول بنحو القضية الحقيقية الميزان نظر المدفوع إليه بالإضافة إلى الأخذ لنفسه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 269

..........

______________________________

كذلك يكون هو المتبع بالإضافة إلى تعيين كون فرد من أى صنف و كذا يكون المتبع في المجعول بنحو القضية الخارجية نظر الدافع بالإضافة إلى المدفوع اليه و غيره.

الصورة الثالثة ما إذا لم تقم قرينة على رضا الدافع بأخذ المدفوع اليه لنفسه و لا عدم رضاه فهل يجوز له الأخذ لنفسه قيل لا مطلقا و قيل يجوز لنفسه مثل ما يعطى لغيره و قيل يجوز لو قال ضع هذا المال في مواضعه أو ما يفيد ذلك و لا يجوز فيما لو قال ادفع المال أو أعطه و قيل بالجواز لو قال ضع هذا المال أو نحوه و اما إذا قال ادفعه أو أعطه فإن كان الدافع عالما بكون المدفوع اليه من القبيل فلا يجوز و ان لم يعلم به فيجوز للمدفوع إليه الأخذ لنفسه و استدل على المنع مطلقا بظهور اللفظ في مغايرة المأمور بالدفع مع المعطى لهم المؤيد بما ورد فيمن و كله المرية في تزويجها فأراد تزويجها من نفسه و فيمن و كله الآخر في الشراء له فاعطى المتاع من عنده و بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج على ما في التحرير قال سألته عن رجل أعطاه رجل ما لا ليقسمه في محاويج أو مساكين و هو محتاج أ يأخذ منه لنفسه و لا يعلمه قال لا يأخذ منه شيئا حتى يأذن له صاحبه.

أقول دعوى ظهور كلام الدافع في مغايرة المعطى لهم مع المدفوع اليه ممنوع فيما إذا كان

توكيله في تقسيم المال بنحو يفهم منه إيكال إحراز كون المعطى له من أى القبيل الى المدفوع اليه سواء قال ضع هذا لمال لكل مجتهد من البلد أو قال ادفعه اليه و مغايرة الموكل مع المعطى له كاف في صدق الدفع و خصوصا فيما إذا كان المال المزبور من قبيل الزكاة المعتبر فيها مغايرة المكلف بالأداء مع المعطى لهم سواء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 270

..........

______________________________

كان أدائه بالمباشرة أو بنحو التوكيل و التسبيب.

و أما تأييد المنع بما ذكروا في توكيل المرية من عدم جواز تزويج الوكيل المرأة من نفسه فلا يمكن المساعدة عليه فان المنع في تلك المسئلة مورد الخلاف و قد ذكر جماعة جواز ترويج الوكيل المرأة من نفسها فيما كان توكيله بنحو العموم بل مع الإطلاق أيضا و ربما يستدل على المنع فيها بصحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّٰه (ع) في حديث انه قال في امرأة ولت أمرها رجلا فقال زوجني فلانا فقال لا زوجتك حتى تشهدي أن أمرك بيدي فأشهدت له فقال عند التزويج للذي تخطبها يا فلان عليك كذا و كذا قال نعم فقال هو للقوم اشهدوا ان ذلك لها عندي و قد زوجتها من نفسي فقالت المرأة ما كانت أتزوجك و لا كرامة و لا امرى الا بيدي و لا وليتك امرى إلا حياء من الكلام قال تنزع منه و يوجع رأسه و لكن لا يخفى عدم دلالتها ما ذكر بل ظاهرها إنكار المرأة توكيلها إلا في تزويجها من شخص معين قد كان خطبها قبل التوكيل أو بعده و انها قد وكلها لاستحيائها في المكالمة مع ذلك الشخص فلا يدل على المنع فيما إذا اعترفت بأنها

و كلته بنحو العموم أو الإطلاق بحيث يعم التوكيل الزواج من كل زوج كما هو المفروض في المقام.

و ان استندوا في المنع في تلك المسئلة بموثقة عمار الساباطي قال سئلت أبا الحسن (ع) عن امراة تكون في أهل بيت فتكره ان يعلم بها أهل بيتها أ يحل لها ان يوكل رجلا يريدان يتزوجها تقول له قد و كلتك فاشهد على تزويجي قال لا، قلت جعلت فداك و ان كانت أيما قال و ان كانت أيما قلت فان و كلت غيره بتزويجها منه قال نعم و لا يخفى ان مقتضاها عدم جواز توكيل المرأة رجلا في تزويجها من نفسه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 271

..........

______________________________

و لو مع التصريح و لذا ذكروا ان المنع باعتبار عدم جواز تولى شخص واحد طرفي العقد في نكاح المتعة كما هو ظاهر السؤال أو مطلقا و هذا ليس مورد الكلام في المقام و يحتمل قريبا ان يكون المنع يختص بما إذا كان المتولي لطرفي العقد زوجا و لا يعم توكيل الواحد من الزوجين في إجراء العقد حيث يحتمل ان يكون ملاك المنع في تولى الزوج دفع التهمة الناشئة من عدم الشاهد للعقد.

و اما التأييد بما ورد من انه ليس للوكيل في الشراء إعطاء المتاع من عنده فهو ايضا مورد الخلاف لمعاوضة الأخبار الواردة فيه و بقرينة التعليل الوارد في بعضها يكون مقتضى الجمع بينهما الحمل على الكراهة نعم في رواية على بن سليمان قلت له الرجل يأتيني فيقول اشتر ثوبا بدينار أو أقل أو أكثر و اشترى له بالثمن الذي يقول ثم أقول هذا الثوب بكذا و كذا بأكثر من الذي اشتريته و لا أعلمه أني ربحت

عليه و قد شرطت على صاحبه ان ينقد بالذي أريد و لا أزد به عليه فهل يجوز الشرط و الربح أو يطيب لي شي ء منه و هل يطيب لي ان أربح إذا كنت استوجبته من صاحبه فكتب لا يطيب لك شي ء من هذا فلا تفعله و لكن مع ضعف سندها ان المنع فيها باعتبار الغش في البيع و إيهام انه اشترى الثوب من صاحبه له بنحو التوكيل بالثمن الأزيد كما لا يخفى.

و يبقى في البين صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج و مقتضى الجمع بينها و بين صحيحة الأخرى و سائر الروايات الظاهرة في الجواز هو حمل النهى فيها على الكراهة و اما حمل الصحيحة المانعة عن الأخذ على صورة كون العنوان المفروض لصرف المال داعيا لدافع المال بان يكون دفعه المال لقبيل بنحو القضية الخارجية المحضة و حمل المجوزة على صورة كون الدفع بنحو القضية الحقيقية بأن يكون غرض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 272

[خاتمة في احتكار الطعام]

احتكار الطعام و هو كما في الصحاح (1)

______________________________

الدافع صرف المال على كل معنون بذلك العنوان من غير خصوصية لفرد دون فرد فليس من الجمع العرفي.

و قيل بحمل المانعة على ما إذا كان المال المدفوع ملكا لشخص الدافع كما هو ظاهر لفظ صاحبه و المجوزة على ما إذا كان المال المدفوع من الحقوق كالزكاة و لكن هذا الحمل أيضا غير صحيح لورود صاحبه في الاخبار المجوزة أيضا و الأظهر جواز الأخذ لنفسه الا ان يعلم المدفوع اليه بعدم رضا الدافع بأخذه و على تقدير جواز الأخذ لا يختص جواز الأخذ بالمقدار المساوي لما يعطى لغيره كما هو القول الثاني من الأقوال المتقدمة فإن الظاهر و لا أقل

من الاحتمال ان يكون ما في قوله (ع) مثل ما يعطى لغيره مصدرية فيكون مفاده انه كما يجوز إعطائه للغير يجوز الأخذ لنفسه ايضا و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) يقع الكلام في الاحتكار بمعنى جمع الطعام و حبسه لتربص الغلاء يقع في مقامين، الأول في حكم الاحتكار من حيث الجواز و عدمه و الثاني فيما للحاكم و ولى المسلمين ان يفعله في معالجة الاحتكار و دفع اضطرار الناس و اما الأول فمن الصدوق و الشيخ في الاستبصار و ابن إدريس و القاضي و العلامة في بعض كتبه عدم جواز الاحتكار فعلى مالك الطعام جعله في معرض البيع مطلقا و عن الشيخ (ره) في المبسوط و المقنعة و الحلبي و العلامة في بعض كتبه جواز الاحتكار ما كان في البين باذل يكفى بذله بحيث لا يقع مع حبسه الناس أو بعضهم في الحرج في تحصيل قوتهم و مع عدم وجود الباذل كذلك فيحرم و ذكر المصنف (ره) كراهة الاحتكار مع وجود الباذل و ادعى بأن الكراهة مسلم عند القائلين بالجواز و يحرم مع عدم الباذل و استدل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 273

..........

______________________________

على ذلك بصحيحة سالم الحناط قال قال أبو عبد اللّٰه (ع) ما عملك قلت حناط و ربما قدمت على نفاق و ربما قدمت على كساد فحبست قال فما يقول من قبلك فيه قلت يقولون محتكر فقال يبيعه أحد غيرك قلت ما أبيع انا من الف جزء جزءا قال لا بأس انما كان ذلك رجل من قريش يقال حكيم بن حزام و قال إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله فمر عليه النبي (ص) فقال يا حكيم بن إياك ان تحتكر «1».

و

صحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال سئل عن الحكرة فقال إنما الحكرة ان تشترى طعاما و ليس في المصر طعام يباع فلا بأس ان تلتمس بسلعتك الفضل و في صحيحة حماد قال و سالته عن الزيت فقال إذا كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه و في كتابه (ع) الى مالك الأشتر على ما في نهج البلاغة (فامنع عن الاحتكار فان رسول اللّٰه (ص) منع منه) و ظاهره الحكم الشرعي للاحتكار في نفسه لا الحكم ولاية كما هو مقتضى التعليل بان رسول اللّٰه (ص) قد منع منه خصوصا بملاحظة مثل صحيحة سالم الحناط المتقدمة.

و صحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال سئلته عن الرجل يحتكر الطعام و يتربص به هل يصلح ذلك قال ان كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس به و ان كان الطعام قليلا لا يسع الناس فإنه يكره ان يحتكر الطعام و يترك الناس ليس لهم طعام و المراد بالكراهة هو التحريم حيث ان الكراهة بمعناها اللغوي يطلق على الكراهة الاصطلاحية و على التحريم و القرينة على إرادة الحرمة في المقام ان الكراهة الاصطلاحية ثابتة في احتكار الطعام مع الباذل بلا ريب فإنه موضع وفاق من القائلين بالجواز

______________________________

(1) الوسائل الجزء 12- الباب 28 من أبواب آداب التجارة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 274

..........

______________________________

فيكون مقتضى الشرطية الأولى انتفاء الجواز الكراهتى مع عدم سعة الطعام للناس و كان الشرطية الثانية تصريح بالمفهوم من الشرطية الأولى أضف الى ذلك انه لا يناسب الكراهة الاصطلاحية ترك الناس و لا طعام لهم كما لا يناسب شدة الكراهة.

أقول ثبوت الكراهة مع الباذل و سعة الطعام للناس لم يظهر له وجه معتبر

لتكون الشرطية الثانية دالة على ثبوت التحريم نعم عدم مناسبة التعليل مع الكراهة بل مع الكراهة الشديدة صحيح ثم أيد (قده) التحريم مع عدم الباذل كفاية برواية المجالس بسنده عن ابى جعفر (ع) قال رسول اللّٰه (ص) أيما رجل اشترى طعاما فكبسه أربعين صباحا يريد به غلاء المسلمين ثم باعه فتصدق بثمنه لم يكن كفارة لما صنع و لكن لا يخفى ما في التأييد حيث انها ضعيفة سندا و دلالة اما من حيث السند فلوقوع على بن محمد الزبير في سندها و كونه راويا لكتب بنى فضال لا يقتضي نقله هذه الرواية من كتبهم التي عرضوها للعسكري (ع) و لا دلالة لقوله (ع) خذوا بما رووا أو ذروا ما رأوا على اعتبار كل رواية وجدت في كتبهم حتى ما إذا كان اتصالها الى المعصوم (ع) بسند ضعيف بل مفاده ان فساد مذهبهم لا يوجب ترك رواياتهم بل يعمل بها على طبق موازين العمل بالخبر الواحد و لذا لم يعهد من أحد الالتزام عند تعارض الخبرين بتقديم ما يكون في سنده من بنى الفضال و بتعبير آخر لا يزيد الكلام المزبور على ما ذكر الكشي في حق جماعة من الإجماع على تصحيح ما يصح عنهم هذا مع ان في ثبوت القول المزبور عن العسكري (ع) تأملا.

و اما دلالة فلان مقتضى معتبرة السكوني جواز الاحتكار إلى أربعين يوما كما ان مقتضى صحيحة الحلبي المتقدمة جوازه بأكثر منه و لو كان ذلك بالتماس الفضل و الغلاء و أيد التحريم ايضا بما في كتاب ورام بن أبي فراس عن النبي (ص) عن جبرئيل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 275

..........

______________________________

قال اطلعت في النار و رأيت واديا

في جهنم يعلى فقلت يا مالك لمن هذا قال لثلاثة للمحتكر و المدمنين للخمر و القوادين و بما ورد في إجبار المحتكر على البيع كما في موثقة غياث الآتية فإن الإجبار على البيع مع عدم حرمة الاحتكار بعيد و ينافي قاعدة تسلط الناس على أموالهم بخلاف ما حرم الاحتكار فإن الإجبار على تركه من الوالي داخل في عنوان المنع عن المنكر.

أقول حرمة الاحتكار مع عدم باذل بقدر الكفاية مقتضى صحيحة سالم الحناط فان قوله (ص) لحكيم بن حزام ظاهر في كونه تحذيرا أو نهيا شرعيا لا بعنوان اعمال ولايته (ص) على الرعية لتنظيم اجتماعاتهم و أمورهم فإن حمل الأمر أو النهى على ذلك يحتاج إلى قرينة و الا كان الظاهر كونه بعنوان أنه الشارع خصوصا بملاحظة مثل ما في موثقة إسماعيل بن زياد من قوله (ع) لا يحتكر الطعام الا خاطئ فإن النهي بالجملة الخبرية و التعبير عن المحتكر بالخاطئ الظاهر في العاصي كقوله سبحانه لا يأكله الا الخاطئون يناسب التحريم و كذلك معتبرة السكوني المتقدمة فإنه و ان ورد فيها التحديد بالأربعين و ثلاثة أيام الا أنه كما يأتي بملاحظة ضرورة الناس و عدمها في ذلك الزمان جمعا بينها و بين غيرها مما تدل على عدم البأس بالحكرة مع سعة الطعام للناس.

و الحاصل انه لا دليل على كراهة الاحتكار في الخصب بل ظاهر الروايات إباحته مع وجود الباذل بقدر الكفاية و عدم جوازه مع الشدة و عدم الباذل و لو لم يحصل حاجة الناس الى حد يوجب الاحتكار هلاك النفس منهم بالجوع و نحوه و على ذلك فيكون التحريم كذلك خلاف الأصل و بتعبير آخر المراد بضرورة الناس

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب،

ج 3، ص: 276

..........

______________________________

الى الطعام ليس الاضطرار الموجب لبذل الطعام إليهم لإنقاذ أنفسهم عن الهلاك بل المراد حاجتهم اليه بحيث يكون حبسه عنهم موجبا لوقوعهم في الضيق و الصعوبة كما هو ظاهر قوله (ع) و ان كان الطعام قليلا لا يسع الناس فإنه يكره ان يحتكر و ترك الناس ليس لهم طعام و في صحيحة حماد و سالته من الزيت فقال إذا كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه فإن تصوير الاضطرار الموجب للبذل مجانا أو مع العوض في الزيت غير واقع أو نادر جدا.

و على ذلك فيقع الكلام في موارد الاحتكار و لا خلاف في كون الغلات الأربع من موارده و كذا السمن و المشهور على اضافة الزيت و عن بعض اضافة الملح ايضا و في موثقة غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام ليس الحكرة إلا في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن و الزيت و نحوها رواية السكوني و غيرها و اما الملح فلم يرد في رواية و استفادته من فحوى التعليل الوارد في بعض الروايات على ما ذكر المصنف (ره) لا يمكن المساعدة عليها فان قوله (ع) في صحيحة الحلبي فإنه يكره ان يحتكر الطعام و يترك الناس ليس لهم طعام لا يستفاد منه الا عدم جواز حبس الطعام مع حاجة الناس اليه.

لا يقال قد ورد المنع عن احتكار الطعام في الروايات المعتبرة و تحديد موارد الاحتكار بالغلات الأربع لكونها الطعام الغالب في ذلك الزمان نظير تحديد الاحتكار في الخصب بأربعين يوما و الشدة بالثلاثة و على ذلك فلو كان الطعام الغالب في زمان آخر في البلاد أو بعضها غير تلك الغلات أيضا كالأرز بالإضافة

إلى عصرنا الحاضر و الذرة في بعض البلاد فلا يبعد الأخذ بما ورد في احتكار الطعام من المنع و الالتزام بعدم جواز احتكاره مع حاجة الناس اليه و لذلك ذكر بعض الفقهاء بأنه لا يبعد تحقق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 277

الثاني روى السكوني (1)

______________________________

الاحتكار المحرم في كل ما يحتاج إليه عامة أهالي البلد من الأطعمة كالأرز و الذرة بالإضافة الى بعض البلاد.

فإنه يقال لم يظهر ان الطعام في تلك الروايات بمعنى ما يطعم به المعبر عنه ب (غذا) بل من المحتمل جدا ان يكون بمعنى الحنطة كما هو الشائع في استعماله بحيث ذكر انه أحد المعنيين له بل يظهر كونه المراد من صحيحة سالم الحناط و على تقديد كونه بمعنى ما يطعم به يكون ظاهر التحديد في مثل موثقة غياث بن إبراهيم حاكما على الإطلاق و ينحصره بالغلات و كيف يمكن المساعدة على الدعوى المزبورة مع ان الأرز و الذرة كانا في زمان الأمة من القوت الغالب كما يظهر ذلك بملاحظة بعض ما ورد في انحصار الزكاة الفريضة بالغلات و مع ذلك ذكر (ع) بأنه ليس الحكرة الا من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن و الزيت و لا يقاس ذلك بتحديد الاحتكار في الخصب بأربعين يوما حيث ان الحمل المزبور فيه مقتضى الاستشهاد على الجواز و تعليل المنع في الروايات فلا حظ.

(1) حاصله انه قد ورد في معتبرة السكوني عن ابى عبد اللّٰه (ع) جواز الاحتكار في أيام الخصب بأربعين يوما و في الشدة بثلاثة أيام قال الحكرة في الخصب أربعون يوما و في الشدة ثلاثة أيام فما زاد على الأربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون

و ما زاد على ثلاثة أيام في عسرة فصاحبه ملعون و يؤيد تحديد الجواز بأربعين يوما رواية أبي مريم المروية في مجالس الاخبار عن ابى جعفر (ع) قال قال رسول اللّٰه (ص) أيما رجل اشترى طعاما فكبسه أربعين صباحا يريد غلاء المسلمين ثم باعه و تصدق بثمنه لم يكن كفارة ما صنع و حكى عن الشيخ و القاضي و ابن حمزة قد سر هم العمل بمضمون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 278

..........

______________________________

معتبرة السكوني و ذكر الشهيد (ره) ان الأظهر تحريم الاحتكار مع حاجة الناس و مظنة الحاجة مضى أربعين يوما في الخصب و ثلاثة أيام في الغلاء و أعقب (ره) على ذلك بان تحديد انتفاء الجواز عن الاحتكار بحاجة الناس كما عن المقنعة و غيرها حسن و كذا حمل معتبرة السكوني على حصول الحاجة في الخصب بالأربعين و ان الأربعين كان مظنتها في الخصب و الثلاثة في الشدة و لذا لا يكون التحديد المزبور تحديدا شرعيا.

أقول ما ذكر المصنف (ره) من تأييد تحديد الجواز بالأربعين يوما في الخصب و في الشدة بثلاثة برواية المجالس عجيب فان ظاهر المعتبرة جواز الاحتكار بأربعين يوما و انما يحرم بعد ذلك و ظاهر رواية المجالس انه حبس الطعام و احتكار بأربعين يوما حرام من غير فرق بين أيام الخصب أو الشدة و أنه لا بد قبل انتهاء الأربعين من جعل الطعام في معرض البيع فكيف يكون الثاني مؤيدا للمستفاد من المعتبرة و من هنا يظهر انه لا يمكن الأخذ بظاهر المعتبرة باعتبار معارضتها بصحيحة إبراهيم بن عبد الحميد عن ابى الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام الظاهرة في عدم جواز الاحتكار بأربعين يوما بلا فرق

بين أيام الخصب و الغلاء قال رسول اللّٰه (ص) فيها في عداد المكاسب المكروهة و اما الحناط فإنه يحتكر الطعام على أمتي و لئن يلقى اللّٰه العبد سارقا أحب الى من ان يلقاه سارقا قد احتكر الطعام أربعين يوما فان ظاهره لزوم جعل الطعام في معرض البيع قبل انقضاء أربعين يوما بلا فرق بين أيام الخصب و الضيق و ظاهر المعتبرة عدم لزوم ذلك و انما يلزم بعد انقضاء أربعين يوما هذا أولا و ثانيا قد تقدم ان التحديد المزبور لا يناسب الجواز الوارد في صحيحة سالم الحناط و غيرها.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 279

الثالث مقتضى ظاهر صحيحة الحلبي (1)

______________________________

(1) الظاهر من صحيحة الحلبي في بدو النظر انحصار عدم جواز الاحتكار بما إذا كان تملك الطعام و نحوه بالشراء و أنه إذا كان حبس الطعام المشترى لغرض الاسترباح فلا بأس به مع عدم حاجة الناس و ضرورتهم و لا يجوز ذلك الحبس مع الحاجة و الضرورة و هذه الصحيحة ناظرة إلى تحديد الاحتكار المحرم فيرفع اليد بها عن إطلاق سائر الروايات و عن بعض العامة و الخاصة اختيار ذلك و لكن ذكر المصنف (ره) انه يرفع اليد عن خصوصية التملك بالشراء بقرينة التفريع على الحصر يعنى قوله (ع) فان كان في المصر طعام يباع فلا بأس ان يلتمس بسلعتك الفضل فان مفهوم التفريع عدم جواز انتظار الفضل بالسلعة مع عدم وجود الطعام للناس سواء كان تملك السلعة بالشراء أو بالزرع أو الإرث أو غير ذلك و يؤيد عدم الانحصار تفسير الاحتكار في كلام أهل اللغة بمطلق جمع الطعام و حبسه سواء كان الجمع و الحبس جمعا خارجيا بالزرع أو بالشراء و

نحوه نعم يحتمل ان يراد بالجمع في كلامهم الجمع في الملك أى التملك بالشراء و يؤيد أيضا عدم الانحصار التعليل الوارد في صحيحة الأخرى من قوله (ع) فإنه يكره ان يحتكر الطعام و يترك الناس ليس لهم طعام فان مقتضاه عدم جواز الاحتكار مع حاجة الناس في جميع ما ذكر و حتى فيما إذا اشترى الطعام لحاجة غير التجارة و زاد عن حاجته فحبسه ليبيعه أيام الغلاء.

أقول لعل التعبير بالتأييد في كلام أهل اللغة و في التعليل باعتبار انه لا اعتبار بهما مع تمام ظهور الصحيحة في الانحصار حيث انها لدلالتها على تحديد الاحتكار المحرم تكون حاكمة على المطلقات فالعمدة التكلم في تمام ظهورها و عدمه و لا يبعد كون ذكر الشراء للغلبة فإن تملك الطعام في الأمصار يكون به غالبا كما ان قيد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 280

الرابع أقسام حبس الطعام كثيره (1)

______________________________

المصر باعتبار ان أهل الأمصار في معرض الحاجة و الاضطرار غالبا فتدبر.

و اما دعوى كون التفريع قرينة على التعميم فإنه لو كان الشراء دخيلا في الاحتكار المحرم لذكر فيه فان كان في المصر طعام أو لم تشتريه فلا بأس ان تلتمس فلا يمكن المساعدة فيه فان ذكر السلعة يمكن كونه قرينة على فرض الشراء مع ان التفريع بمعنى ذكر بعض المفهوم أمر متعارف.

(1) قد تقدم حرمة الاحتكار مع حاجة الناس و ذكر (قده) في هذا الأمر تحقق الاحتكار بتملك الطعام و حبسه مع ضرورة الناس و حاجتهم اليه و تملكه الاختياري لغرض حبسه تارة و لغرض آخر كالاتجار به اخرى و إذا كان غير اختياري كالانتقال إليه بالإرث فلا مورد للغرض فيه و حبس الطعام يكون الغرض

منه تقليل الطعام إضرارا بالناس في أنفسهم تارة و الإضرار في أموالهم المعبر عنه بحصول الغلاء اخرى و يكون الغرض من الحبس ثالثة عدم الخسارة من رأس ماله من دون حصول الإضرار بالناس في أنفسهم و أموالهم كما يتفق ذلك في الغلاء العارض الحاصل بورود عسكر أو زوار في البلد و توقفهم فيه يومين أو ثلاثة فيحدث في تلك الأيام عزة و لكن لا يضر بأهل البلد في أنفسهم و أموالهم.

هذا كله فيما إذا كان حبسه موجبا لحصول الغلاء و اما إذا لم يوجب حبسه الغلاء كما إذا كان الغلاء لقلة الطعام في آخر السنة سواء حبس هذا الشخص هذا الطعام أم لا و يكون حبسه في هذه الصورة لتحصيل الربح بعد الغلاء أو لإعانة المضطرين في تلك أيام حاجة الناس الى الطعام اما لقوتهم أو للبذر أو علف دابتهم أو للاسترباح بان يبيعوا بالثمن الزائد بعد شرائهم و على الخبير البصير استخراج

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 281

..........

______________________________

أحكام كل من الأقسام و تمييز قسم المباح أو المستحب أو الواجب من الاحتكار الحرام.

أقول حبس الطعام الموجب للغلاء المستلزم لحاجة الناس و اضطرار هم الى الطعام غير جائز سواء أريد بالحبس الإضرار بهم في أنفسهم أو زيادة الربح أو عدم الخسارة في رأس ماله أخذا بقوله (ع) و يترك الناس ليس لهم طعام و المفهوم من قوله (ع) فان كان في المصر طعاما غيره فلا بأس ان يلتمس بسلعتك الفضل و قاعدة نفى الضرر لا تنفى الحرمة فيما إذا كان في الاحتكار إضرار الناس و الخلاف في الامتنان لهم.

نعم إذا كان الحبس المزبور لغرض اعانة الزوار أو العسكر مما يعدل الفعل معه

إحسانا إليهم فلا يبعد دعوى انصراف الأخبار المانعة عنه كانصرافها عما إذا كان الحبس لقوت نفسه و عياله لو قيل بدخوله ذلك في عنوان الاحتكار و في صحيحة معمر بن خلاد انه سأل أبا الحسن (ع) عن حبس الطعام سنة فقال أنا أفعله يعني بذلك إحراز القوت و نحوها غيرها و اما إذا لم يكن حبسه موجبا للغلاء فان كان الغلاء حاصلا فعلا بسبب آخر فلا يجوز الاحتكار ايضا لما ذكر إلا إذا كان حبسه و تأخيره في البيع مما يعد إحسانا على مثل الزوار و المضطرين و اما إذا لم يكن بالفعل غلاء بل يحدث مستقبلا فيجوز الاحتكار الى ذلك الزمان كما هو ظاهر الاخبار المجوزة و المراد بحاجتهم و اضطرارهم هو الاضطرار الى الطعام لاكلهم و اما اضطرارهم في البذر أو علف الدابة فوجوب البيع فيه دائر مدار توقف الزرع و تحصيل القوت للناس الواجب كفاية على المكلفين على البيع المزبور و عدمه فلا حظ و تدبر و اللّٰه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 282

..........

______________________________

سبحانه هو العالم.

ثم لا يخفى ان ما ذكر من اختصاص حرمة الاحتكار بموارد خاصه و ان مقتضى الحصر الوارد فيها جوازه في غيرها و لو مع حاجة الناس لانه لا يجب على مكلف قضاء حاجة الآخرين نعم قضاء حاجة المؤمنين و إعانتهم في أمر دينهم و دنياهم مرغوب اليه قد ورد فيه روايات كثيرة جدا متفرقة في أبواب مختلفة من أبواب فعل المعروف و في معتبرة السكوني عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال قال رسول اللّٰه (ص) من أصبح و لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم و نحوها و غيرها و بما ان الإسلام قد

حدد في الأدلة بالشهادتين فيعلم ان المراد بها نفى كماله و ان الاهتمام بأمر المسلمين أمر مطلوب من المسلم.

هذا كله فيما لم يوجب الاحتكار في سائر الأموال الاختلال و الهدم في السياسة الشرعية لبلاد الايمان و الا فكل فعل أوجب الاختلال و الهدم المزبور و تهيأت به البلاد لسيطرة الفساق و الكفار عليها و على المؤمنين فلا يجوز سواء كان بالاحتكار أو بالإضرابات أو بغيرها لما تقدم في بحث ولاية الفقيه ان اقامة السياسة الشرعية و التصدي لتنظيم أمر بلاد المؤمنين من أول الأمور الحسبية و أهمها و لذا يجب على السائرين اعانة المتصدي بما يتوقف عليه تلك الإقامة على تفصيل تقدم في بحث ولاية الفقيه و على ذلك فلو أحرز ان الفعل الفلاني هدم لتلك الإقامة أو مشاركة في الهدم فلا يجوز.

و اما الكلام في المقام الثاني أي مقدار ولاية المتصدي لتنظيم أمور البلاد و اقامة السياسة الشرعية فيها فلا ريب في ان له إلزام المحتكر على بيع السلعة سواء كانت مما يحرم الاحتكار فيها مع حاجة الناس و ضرورتهم بعنوانه أو سائر الأموال فيما كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 283

..........

______________________________

احتكارها موجبا للاختلال في نظم البلاد أو انهدام السياسة الشرعية فيها بحيث تكون البلاد عرضة للفساد الموجب لسيطرة الفساق أو الكفار عليها حتى و لو لم يعتقد المحتكر كون احتكاره كذلك و الوجه في ذلك كون التحفظ على نظام البلاد و عدم تعرضها للفساد الموجب لما ذكر أهم من رعاية سلطنة المالك و اختياره في بيع ماله أو حبسه بل يمكن دعوى وجوب طاعة ذلك المتصدي في امره ببيع السلعة و ترك احتكارها لما تقدم في بحث ولاية الفقيه

من دخول الفقيه و المتصدي لما ذكر و كذا الوكيل الأمين من قبله في عنوان اولو الامر في جهة تنظيم سياسة البلاد فيجب اطاعة أمره في تلك الجهة.

و الحاصل انه لو أمكن الإلزام القولي بالأمر و النهى فهو و الا فللمتصدى إلزام المحتكر بالبيع و ترك الاحتكار بالمنع العملي لأن المنع العملي عن المنكرات مشروع عن المتصدي الشرعي لأمور البلاد و يؤيد ذلك ما ورد في كتابه (ع) الى المالك الأشتر فامنع من الاحتكار فان رسول اللّٰه (ص) منع منه الى ان قال فمن قازف حكرة بعد نهيك إياه فنكل و عاقب من غير إسراف و الوجه في التعبير بالتأييد إمكان دعوى ظهور المنع في القولي بقرينة الاستشهاد بمنع رسول اللّٰه (ص) و ان الشيخ و ان ذكر ان له الى العهد سند صحيح الا ان تضمن ما وصل الى الشيخ ره بتمام ما في نهج البلاغة قابل للمناقشة و ان لا يبعد ذلك و الا لتعرض الشيخ (ره) و لو في بعض كتبه للعهد و ان الواصل اليه هكذا و أما إذا لم يكن الاحتكار في سائر الأموال موجبا لما ذكر من الاختلال أو الفساد فأقامه الدليل على وجوب اتباع الأمر و النهى عن الفقيه المتصدي فضلا عن غيره من الفقيه العادل مشكل فإنه لا بد من إثبات نفوذ الحكم الابتدائي أو إثبات وجوب طاعة المتصدي لنظام البلاد مطلقا.

ثم ان جواز إجبار المحتكر على ترك الاحتكار و بيع السلعة في موارد حرمة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 284

..........

______________________________

الاحتكار مجمع عليه كما عن جماعة حتى عند القائلين بكراهة الاحتكار في تلك الموارد و هذا الإجبار عندنا داخل في عنوان المنع عن

المنكر و لكن المشهور عدم جواز التسعير على المحتكر و عن المقنعة انه يسعر عليه بما يراه الحاكم و لا يبعد عدم الجواز لموثقة غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام ان رسول اللّٰه (ص) مر بالمحتكرين فأمر بحكرتهم ان تخرج الى بطون الأسواق الى ان قال فقيل لرسول اللّٰه (ص) لو قومت عليهم فغضب رسول اللّٰه (ص) حتى عرف الغضب في وجهه فقال انا أقوم عليهم انما السعر الى اللّٰه يرفعه إذا شاء و يخفضه إذا شاء و ظاهرها نفيه (ص) ولاية التسعير عن نفسه من غير فرق بين الطعام و غيره نعم يجوز للحاكم الشرعي المتصدي للإجبار على تنزيل السرع فيما إذا طالب المالك سعرا لا يتمكن المحتاجين.

على الشراء بذلك السعر و اللّٰه سبحانه هو العالم.

الى هنا انتهى الجزء الثالث من مباحث البيع و ما يتعلق بها بقلم مؤلفه جواد بن على عفى عنهما و يتلوه الجزء الرابع في بحوث الخيارات و الحمد للّٰه رب العالمين.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.